فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن شقيق قال: قيل لابن مسعود إن كعبًا يقول: إن السماء تدور في قطبة مثل قطبة الرحا، في عمود على منكب ملك فقال: كذب كعب {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا} وكفى بها زوالًا أن تدور.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ}.
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي هلال أنه بلغه أن قريشًا كانت تقول: إن الله بعث منا نبيًا ما كانت أمة من الأمم أطوع لخالقها، ولا أسمع لنبيها، ولا أشد تمسكًا بكتابها منا. فأنزل الله {لو أن عندنا ذكرًا من الأولين} [الصافات: 168] {ولو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم} [الأنعام: 157] {وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم} وكانت اليهود تستفتح به على الأنصار فيقولون: إنا نجد نبيًا يخرج.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {فلما جاءهم نذير} قال: هو محمد صلى الله عليه وسلم {ما زادهم إلا نفورًا استكبارًا في الأرض ومكر السيء} وهو الشرك {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} أي الشرك {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} قال: عقوبة الأولين.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: {وأقسموا بالله جهد أيمانهم} قال: قريش {ليكونن أهدى من إحدى الأمم} قال: أهل الكتاب. وفي قوله تعالى: {ومكر السيء} قال: الشرك.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب قال: ثلاث من فعلهن لم ينج حتى ينزل به: من مكر، أو بغي، أو نكث. ثم قرأ {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله} {يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم} [يونس: 23]، {فمن نكث فإنما ينكث على نفسه} [الفتح: 10].
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق سفيان عن أبي زكريا الكوفي عن رجل حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إياكم والمكر السيء فإنه {لا يحيق المكر السيء إلا بأهله} ولهم من الله طالب».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {فهل ينظرون إلا سنة الأولين} قال: هل ينظرون إلا أن يصيبهم من العذاب مثل ما أصاب الأولين من العذاب.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {وما كان الله ليعجزه} قال: لن يفوته. قوله تعالى: {ولو يؤاخذ الله الناس}.
وأخرج الفريابي وابن المنذر والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود قال: إن كان الجعل ليعذب في جحره من ذنب ابن آدم، ثم قرأ {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة} والله أعلم. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
{وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (36)}.
قوله: {فَيَمُوتُواْ}: العامَّةُ على نصبِه بحذفِ النونِ جوابًا للنفي. وهو على أحدِ معنَييْ نَصْبِ ما تأتينا فتحدِّثَنا، أي: ما يكون منك إتيانٌ فلا حديثٌ، انتفى السببُ وهو الإِتيانُ، فانتفى مُسَبَّبُه وهو الحديثُ. والمعنى الثاني: إثباتُ الإِتيانِ ونفيُ الحديثِ أي: ما تأتينا محدِّثًا بل تأتينا غيرَ مُحَدِّثٍ. وهذا لا يجوزُ في الآيةِ البتةَ.
وقرأ عيسى والحسن {فيموتون} بإثباتِ النونِ. قال ابنُ عطية: هي ضعيفةٌ. قلت: وقد وَجَّهها المازنيُّ على العطفِ على {لاَ يقضى عَلَيْهِمْ} فلا يموتون. وهو أحدُ الوجهين في معنى الرفعِ في قولك: ما تأتينا فتحدِّثنا أي: انتفاءُ الأمرَيْن معًا، كقولِه: {وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} [المرسلات: 36]، أي: فلا يعتذرون. و{عليهم} قائمٌ مقامَ الفاعلِ، وكذلك {عنهم} بعد {يُخَفَّفُ}. ويجوزُ أَنْ يكونَ القائمُ {من عذابها} و{عنهم} منصوبُ المحلِّ. ويجوز أَنْ تكونَ مِنْ مزيدةً عند الأخفش، فَتَعيَّن لقيامِه مَقامَ الفاعلِ لأنه هو المفعولُ به.
وقرأ أبو عمرٍو في رواية {ولا يُخَفَّفْ} بسكون الفاء، شبَّه المنفصل بِ عَضْد كقوله:
فاليومَ أشْرَبْ غيرَ مُسْتَحْقِبٍ

قوله: {كذلك} إمَّا مرفوعُ المحل أي: الأمرُ كذلك، وإمَّا منصوبُه أي: مثلَ ذلك الجزاءِ نَجْزي. وقرأ أبو عمرٍو {يُجْزَى} مبنيًَّا للمفعول، {كلُّ} رفعٌ به. والباقون {نَجْزي} بنونِ العظمة مبنيًَّا للفاعل، {كلَّ} مفعول به.
{وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ (37)}.
قوله: {رَبَّنَآ}: على إضمارِ القولِ، وذلك القولُ إنْ شئت قَدَّرْتَه فعلًا مُفَسِّرًا ل {يَصْطَرِخون} أي: يقولون في صُراخِهم: ربَّنا أَخْرِجْنا، وإنْ شئت قَدَّرْتَه حالًا مِنْ فاعل {يَصْطَرخون} أي: قائلين ربَّنا. ويَصْطَرخون: يَفْتَعِلون مِن الصُّراخ وهو شدَّةُ رَفْعِ الصوتِ فأُبْدِلت التاءُ صادًا لوقوعِها قبلَ الطاء.
قوله: {صَالِحًا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} يجوزُ أَنْ يكونا بمعنى مصدرٍ محذوفٍ أي: عملًا صالحًا غيرَ الذي كنا نعملُ، وأَنْ يكونا بمعنى مفعولٍ به محذوفٍ أي: نعمل شيئًا صالحًا غيرَ الذي كنَّا نعملُ، وأَنْ يكونَ {صالحًا} نعتًا لمصدرٍ، و{غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} هو المفعولُ به. وقال الزمخشري: فإنْ قلتَ: فهَلاَّ اكْتُفي ب {صالحًا} كما اكْتُفِي به في قولِه: {فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا} [السجدة: 12]، وما فائدةُ زيادةِ {غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ} على أنه يُوْهِمُ أنهم يعملون صالحًا آخرَ غيرَ الصالحِ الذي عملوه؟ قلت: فائدتُه زيادةُ التحسُّر على ما عَمِلوه من غيرِ الصالح مع الاعترافِ به. وأمَّا الوهمُ فزائلٌ بظهورِ حالهم في الكفرِ وظهورِ المعاصي، ولأنَّهم كانوا يَحْسَبُون أنهم على سيرةٍ صالحةٍ، كما قال تعالى: {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [الكهف: 104] فقالوا: أَخْرِجْنا نعمَلْ صالحًا غيرَ الذي كُنَّا نَحْسَبُه صالحًا فنعملُه.
قوله: {ما يَتَذكَّر} جوَّزوا في ما هذه، وجهين، أحدهما: ولم يَحْكِ الشيخُ غيرَه- أنها مصدريةٌ ظرفية قال: أي مدةَ تَذَكُّرِ. وهذا غَلَطٌ؛ لأنَّ الضميرَ في {فيه} يمنعُ مِنْ ذلك لعَوْدِهِ على ما، ولم يَقُلْ باسميَّةِ ما المصدريةِ إلاَّ الأخفشُ وابنُ السَّراج. الثاني: أنها نكرةٌ موصوفةٌ أي تعمُّرًا يتذكر فيه، أو زمانًا يتذكَّر فيه. وقرأ الأعمشُ {ما يَذَّكَّرُ} بالإِدغام {مَنِ اذَّكَّر}. قال الشيخُ: بالإِدغام واجتلابِ همزةِ الوصلِ ملفوظًا بها في الدَّرْج. وهذا غريبٌ حيث أُثْبِتَتْ همزةُ الوصلِ مع الاستغناءِ عنها، إلاَّ أَنْ يكونَ حافَظَ على سكون مَنْ وبيانِ ما بعدها.
قوله: {وجاءكم} عطفٌ على {أولم نُعَمِّرْكم} لأنَّه في معنى: قد عَمَّرْناكم، كقولِه: {أَلَمْ نُرَبِّكَ} [الشعراء: 18] ثم قال: {وَلَبِثْتَ} [الشعراء: 18]، {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ} [الانشراح: 1] ثم قال: {وَوَضَعْنَا} [الانشراح: 2] إذ هما في معنى: رَبَّيْناك، وشَرَحْنا.
قوله: {مِنْ نصير} يجوزُ أَنْ يكون فاعِلًا بالجارِّ لاعتمادِه، وأنْ يكونَ مبتدًا مُخْبَرًا عنه بالجارِّ قبلَه. وقُرِئ {النُّذُرُ} جمعًا.
{إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (38)}.
قوله: {عَالِمُ غَيْبِ}: العامَّةُ على الإِضافةِ تخفيفًا. وجناح بن حبيش بتنوين {عالمٌ} ونصب {غَيْبَ}.
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَتٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا إِلَّا غُرُورًا (40)}.
قوله: {أَرَأَيْتُمْ}: فيها وجهان، أحدهما: أنها ألفُ استفهامٍ على بابِها، ولم تتضمَّنْ هذه الكلمةُ معنى أَخْبِروني، بل هو استفهامٌ حقيقيٌّ. وقوله: {أَرُوْني} أمرُ تَعْجيزٍ. والثاني: أنَّ الاستفهامَ غيرُ مُرادٍ، وأنها ضُمِّنَتْ معنى أَخْبروني. فعلى هذا تتعدَّى لاثنين، أحدُهما: {شركاءَكم}، والثاني: الجملةُ الاستفهاميةُ مِنْ قولِه: {ماذا خَلَقوا}. و{أَرُوْني} يُحتمل أَنْ تكونَ جملةً اعتراضيةً. الثاني: أَنْ تكونَ المسألةُ مِنْ بابِ الإِعمالِ، فإنَّ {أَرَأَيْتُمْ} يطلبُ {ماذا خَلَقُوا} مفعولًا ثانيًا، و{أَرُوْني} أيضًا يطلبُه مُعَلِّقًا له، وتكونُ المسألةُ مِنْ بابِ إعمال الثاني على مختار البصريين، و{أَروني} هنا بَصَرِيَّةٌ تعدَّتْ للثاني بهمزةِ النقلِ، والبصَريةُ قبل النقلِ تُعَلَّقُ بالاستفهامِ كقولِهم: أما ترى أيُّ بَرْقٍ هاهنا؟ وقد تقدَّم الكلامُ على {أَرَأَيْتُمْ} هذه في الأنعامِ مشبعًا. وقال ابنُ عطية هنا: إنَّ أرأيتُمْ يَتَنَزَّلُ عند سيبويهِ مَنْزِلةَ أَخْبروني؛ ولذلك لا يَحْتاج إلى مَفْعولين. وهو غَلَطٌ بل يَحْتاجُ كما تقدَّم تقريرُه. وجَعَلَ الزمخشريُّ الجملةَ مِنْ قولِه: {أَرُوْني} بدلًا مِنْ قولِه {أَرَأَيْتُمْ} قال: لأنَّ معنى أَرَأَيْتُمْ أَخْبروني. وردَّه الشيخ: بأنَّ البدلَ مِمَّا دَخَلَتْ عليه أداةُ الاستفهامِ يَلْزَم إعادتُها في البدلِ ولم تُعَدْ هنا. وأيضًا فإبدالُ جملةٍ مِنْ جملةٍ لم يُعْهَدْ في لسانِهم.
قلت: والجوابُ عن الأولِ: أنَّ الاستفهامَ فيه غيرُ مرادٍ قطعًا فلم تَعُدْ أداتُه لعدمِ إرادتِه. وأمَّا قولُه: لم يُوْجَد في لسانِهم فقد وُجِدَ. ومنه:
متى تَأْتِنا تُلْمِمْ بنا

البيت. وقولُه:
إنَّ عليَّ اللَّهَ أن تُبايِعا تُؤْخَذَ كَرْهًا

البيت. وقد نَصَّ النَّحْوِيون: على أنَّه متى كانت الجملةُ في معنى الأولِ ومُبَيِّنةً لها أُبْدِلَتْ منها.
قوله: {فَهُمْ على بَيِّنَةٍ} الضميرُ في {آتَيْناهم} و{فهم} الأحسنُ أَنْ يعودَ على الشركاء لتتناسَقَ الضمائرُ. وقيل: يعودُ على المشركين، فيكونُ التفاتًا مِنْ خطابٍ إلى غَيْبة.
وقرأ أبو عمروٍ وحمزةُ وابن كثير وحفصٌ {بَيِّنَةٍ} بالإِفراد. والباقون {بَيِّناتٍ} بالجمع. و إنْ في {إنْ يَعِدُ} نافيةٌ.
{إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا (41)}.
قوله: {أَن تَزُولاَ}: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولًا من أجله. أي: كراهةَ أَنْ تَزُولا. وقيل: لئلا تَزُولا. ويجوزُ أَنْ يكونَ مفعولًا ثانيًا على إسقاطِ الخافِضِ أي: يمنَعُهما مِنْ أَنْ تَزُوْلا. كذا قَدَّره أبو إسحاق. ويجوزُ أَنْ يكونَ بدلَ اشتمالٍ أي: يمنعُ زوالَهما.
قوله: {إنْ أَمْسَكَهما} جوابُ القسمِ الموطَّأ له بلام القسمِ، وجوابُ الشرطِ محذوفٌ يدلُّ عليه جوابُ القسمِ، ولذلك كانَ فعل الشرط ماضيًا. وقولُ الزمخشري: إنه يَسُدُّ مَسَدَّ الجوابَيْن، يعني أنه دالٌّ على جوابِ الشرطِ. قال الشيخ: وإنْ أُخِذ كلامُه على ظاهرِه لم يَصِحَّ؛ لأنه لو سَدَّ مَسَدَّهما لكان له موضعٌ من الإِعرابِ، من حيث إنه سَدَّ مَسَدَّ جوابِ الشرط، ولا موضعَ له من حيث إنه سَدَّ مَسَدَّ جوابِ القسم، والشيءُ الواحدُ لا يكونُ معمولًا غيرَ معمولٍ.
و{مِنْ أحدٍ} مِنْ مزيدةٌ لتأكيدِ الاستغراق. و{مِنْ بعدِه}: مِنْ لابتداءِ الغاية.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42)}.
قوله: {لَّيَكُونُنَّ}: جوابٌ للقسمِ المقدَّرِ. والكلامُ فيه كما تقدَّم وقوله: {لَئِنْ جاءَهم} حكايةٌ لمعنى كلامِهم لا للفظِه، إذ لو كان كذلك لكان التركيبُ: لَئِنْ جاءَنا لنَكونُنَّ.
قوله: {مِنْ إِحْدَى الأمم} أي: من الأمَّةِ التي يُقال فيها: هي إحدى الأمم، تفضيلًا لها. كقولِهم: هو أحدُ الأَحَدَيْن. قال:
حتى استثارُوا بيَ إحدى الإِحَدِ ** لَيْثًا هِزَبْرًا ذا سلاحٍ مُعْتَدِيْ

قوله: {ما زادَهم} جوابُ لَمَّا. وفيه دليلٌ على أنها حرفٌ لا ظرفٌ؛ إذ لا يعملُ ما بعد ما النافيةِ فيما قبلها. وتقدَّمَتْ له نظائرُ. وإسنادُ الزيادةِ للنذير مجازٌ؛ لأنه سببٌ في ذلك، كقولِه: {فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلى رِجْسِهِمْ} [التوبة: 125].
{اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (43)}.
قوله: {استكبارا}: يجوزُ أَنْ يكونَ مفعولًا له أي: لأجل الاستكبارِ، وأَنْ يكونَ بدلًا مِنْ {نُفورًا}، وأنْ يكونَ حالًا أي: حالَ كونِهم مُسْتكبرين. قاله الأخفش.
قوله: {ومَكْرَ السَّيِّئِ} فيه وجهان، أظهرُهما: أنه عطفٌ على {استكبارًا}. والثاني: أنه عطفٌ على {نُفورًا} وهذا مِنْ إضافة الموصوفِ إلى صفتِه في الأصلِ؛ إذ الأصلُ: والمكرَ السَّيِّئ. والبصريون يئولونه على حَذْفِ موصوفٍ أي: العمل السِّيِّئ.
وقرأ العامَّةُ بخفضِ همزةِ {السَّيِّئ}، وحمزة والأعمش بسكونِها وَصْلًا. وقد تَجَرَّأتِ النحاةُ وغيرُهم على هذه القراءةِ ونسبوها لِلَّحْنِ، ونَزَّهوا الأعمشَ عَنْ أَنْ يكونَ قرأ بها. قالوا: وإنما وَقَفَ مُسَكِّنًا، فظُنَّ أنه واصَلَ فَغُلِط عليه. وقد احتجَّ لها قومٌ آخرون: بأنه إجراءٌ للوَصْلِ مُجْرَى الوقفِ، أو أَجْرى المنفصلَ مُجْرى المتصلِ. وحَسَّنه كونُ الكسرةِ على حَرْفٍ ثقيل بعد ياءٍ مشددةٍ مكسورةٍ. وقد تقدَّم أنَّ أبا عمروٍ يَقْرأ {إلى بارِئْكم} بسكونِ الهمزةِ. فهذا أَوْلَى لزيادةِ الثقلِ ههنا. وقد تقدَّمَ هناك أمثلةٌ وشواهدُ فعليك باعتبارِها. ورُوِيَ عن ابنِ كثير {ومَكْرَ السَّأْيِ} بهمزةٍ ساكنةٍ بعد السينِ ثم ياءٍ مكسورةٍ. وخُرِّجَتْ على أنها مقلوبةٌ من السَّيْئِ، والسَّيْئُ مخففٌ من السَّيِّئ كالميْت من الميِّت قال الحماسي:
ولا يَجْزُوْنَ مِنْ حَسَنٍ بسَيْءٍ ** ولا يَجْزُون مِنْ غِلَظٍ بلِيْنِ

وقد كَثُر في قراءتِه القلبُ نحو {ضِئاء} و{تَاْيَسوا} و{لا يَاْيَسُ} كما تقدم تحقيقُه.
وقرأ عبد الله: {ومَكْرًا سَيِّئًا} بالتنكيرِ، وهو موافِقٌ لما قبلَه. وقُرِئ: {ولا يُحيق} بضمِّ الياء، {المكْرَ السَّيِّئَ} بالنصب على أنَّ الفاعلَ ضميرُ الله تعالى أي: لا يُحيط اللَّهُ المكرَ السيِّئَ إلاَّ بأهله.
قوله: {سُنَّةَ الأوَّلِيْن} مصدرٌ مضافٌ لمفعولِه، و{سنةِ الله} مضافٌ لفاعلِه؛ لأنَّه تعالى سَنَّها بهم، فصَحَّتْ إضافتُها إلى الفاعلِ والمفعولِ.
{أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا (44)}.
قوله: {وكانوا أَشَدَّ}: جملةٌ في موضع نصبٍ على الحال. ونظيرتُها في الروم {كانوا} بلا واوٍ على أنها مستأنفةٌ فالمَقْصَدان مختلفان.
{وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا (45)}.
قوله: {مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا}: تقدَّم نظيرُها في النحل إلاَّ أنَّ هناك لم يَجْرِ للأرض ذِكْرٌ، بل عاد الضميرُ على ما فُهِم من السِّياق وهنا قد صَرَّح بها في قوله: {فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض}. وهنا {على ظهرها} استعارةً مِنْ ظَهْرِ الدابَّةِ دَلالةً على التمكُّنِ والتقلُّب عليها. والمَقامُ هنا يناسِبُ ذلك لأنَّه حَثٌّ على السَّيْرِ للنظر والاعتبار. اهـ.