فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

سورة يس:
سميت هذه السورة يس بمسمى الحرفين الواقعين في أولها في رسم المصحف لأنها انفردت بها فكانا مميزين لها عن بقية السور، فصار منطوقهما علما عليها.
وكذلك ورد اسمها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
روى أبو داود عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأوا يس على موتاكم».
وبهذا الاسم عنون البخاري والترمذي في كتابي التفسير.
ودعاها بعض السلف قلب القرآن لوصفها في قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس»، رواه الترمذي عن أنس، وهي تسمية غير مشهورة.
ورأيت مصحفا مشرقيا نسخ سنة 1078 أحسبه في بلاد العجم عنونها سورة حبيب النجار وهو صاحب القصة {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20] كما يأتي.
وهذه تسمية غريبة لا نعرف لها سندا ولم يخالف ناسخ ذلك المصحف في أسماء السور ما هو معروف إلا في هذه السورة وفي سورة التين عنونها سورة الزيتون.
وهي مكية، وحكى ابن عطية الاتفاق على ذلك قال: إلا أن فرقة قالت قوله تعالى: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} [يس: 12] نزلت في بني سلمة من الأنصار حين أرادوا أن يتركوا ديارهم وينتقلوا إلى جوار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «ديارَكم تُكتبُ آثارُكم».
وليس الأمر كذلك وإنما نزلت الآية بمكة ولكنها احتج بها عليهم في المدينة. اهـ.
وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليهم: {وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ} وهو يئول ما في حديث الترمذي بما يوهم أنها نزلت يومئذ.
وهي السورة الحادية والأربعون في ترتيب النزول في قول جابر بن زيد الذي اعتمده الجعبري، نزلت بعد سورة {قُلْ أُوحِيَ} وقبل سورة الفرقان.
وعدت آياتها عند جمهور الأمصار اثنتين وثمانين.
وعدت عند الكوفيين ثلاثا وثمانين.
وورد في فضلها ما رواه الترمذي عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس ومن قرأ يس كتب الله له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات».
قال الترمذي: هذا حديث غريب، وفيه هارون أبو محمد شيخ مجهول.
قال أبو بكر بن العربي: حديثها ضعيف.
أغراض هذه السورة:
التحدي بإعجاز القرآن بالحروف المقطعة، وبالقسم بالقرآن تنويها به، وأدمج وصفه بالحكيم إشارة إلى بلوغه أعلى درجات الإحكام.
والمقصود من ذلك تحقيق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتفضيل الدين الذي جاء به في كتاب منزل من الله لإبلاغ الأمة الغاية السامية وهي استقامة أمورها في الدنيا والفوز في الحياة الأبدية، فلذلك وصف الدين بالصراط المستقيم كما تقدم في سورة الفاتحة.
وأن القرآن داع لإنقاذ العرب الذين لم يسبق مجيء رسول إليهم، لأن عدم سبق الإرسال إليهم لنفوسهم لقبول الدين إذ ليس فيها شاغل سبق يعز عليهم فراقه أو يكتفون بما فيه من هدى.
ووصف إعراض أكثرهم عن تلقي الإسلام، وتمثيل حالهم الشنيعة، وحرمانهم من الانتفاع بهدي الإسلام وأن الذين اتبعوا دين الإسلام هم أهل الخشية وهو الدين الموصوف بالصراط المستقيم.
وضرب المثل لفريقي المتبعين والمعرضين من أهل القرى بما سبق من حال أهل القرية الذين شابه تكذيبهم الرسل تكذيب قريش.
وكيف كان جزاء المعرضين من أهلها في الدنيا وجزاء المتبعين في درجات الآخرة.
ثم ضرب المثل بالأعم وهم القرون الذين كذبوا فأهلكوا.
والرثاء لحال الناس في إضاعة أسباب الفوز كيف يسرعون إلى تكذيب الرسل.
وتخلص إلى الاستدلال على تقريب البعث وإثباته بالاستقلال تارة وبالاستطراد أخرى.
مدمجا في آياته الامتنان بالنعمة التي تتضمنها تلك الآيات.
ورامزا إلى دلالة تلك الآيات والنعم على تفرد خالقها ومنعمها بالوحدانية إيقاظا لهم.
ثم تذكيرهم بأعظم حادثة حدثت على المكذبين للرسل والمتمسكين بالأصنام من الذين أرسل إليهم نوح نذيرا، فهلك من كذب، ونجا من آمن.
ثم سيقت دلائل التوحيد المشوبة بالامتنان للتذكير بواجب الشكر على النعم بالتقوى والإحسان وترقب الجزاء.
والإقلاع عن الشرك والاستهزاء بالرسول واستعجال وعيد العذاب.
وحذروا من حلوله بغتة حين يفوت التدارك.
وذكروا بما عهد الله إليهم مما أودعه في الفطرة من الفطنة.
والاستدلال على عداوة الشيطان للإنسان.
واتباع دعاة الخير.
ثم رد العجز على الصدر فعاد إلى تنزيه القرآن عن أن يكون مفترى صادرا من شاعر بتخيلات الشعراء.
وسلى الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن لا يحزنه قولهم وأن لهم بالله أسوة إذ خلقهم فعطلوا قدرته عن إيجادهم مرة ثانية ولكنهم راجعون إليه.
فقامت السورة على تقرير أمهات أصول الدين على أبلغ وجه وأتمه من إثبات الرسالة، ومعجزة القرآن، وما يعتبر في صفات الأنبياء وإثبات القدر، وعلم الله، الحشر، والتوحيد، وشكر المنعم، وهذه أصول الطاعة بالاعتقاد والعمل، ومنها تتفرع الشريعة.
وإثبات الجزاء على الخير والشر مع إدماج الأدلة من الآفاق والأنفس بتفنن عجيب، فكانت هذه السورة جديرة بأن تسمى قلب القرآن لأن من تقاسيمها تتشعب شرايين القرآن كله، وإلى وتينها ينصب مجراها.
قال الغزالي: إن ذلك لأن الإيمان صحته باعتراف بالحشر، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه، كما سميت الفاتحة أم القرآن إذ كانت جامعة لأصول التدبر في أفانيه كما تكون أم الرأس ملاك التدبر في أمور الجسد. اهـ.

.قال سيد قطب:

مقدمة سورة يس:
هذه السورة المكية ذات فواصل قصيرة. وإيقاعات سريعة. ومن ثم جاء عدد آياتها ثلاثًا وثمانين، بينما هي أصغر وأقصر من سابقتها- سورة فاطر- وعدد آياتها خمس وأربعون.
وقصر الفواصل مع سرعة الإيقاع يطبع السورة بطابع خاص، فتتلاحق إيقاعاتها، وتدق على الحس دقات متوالية، يعمل على مضاعفة أثرها ما تحمله معها من الصور والظلال التي تخلعها المشاهد المتتابعة من بدء السورة إلى نهايتها. وهي متنوعة وموحية وعميقة الآثار.
والموضوعات الرئيسية للسورة هي موضوعات السور المكية. وهدفها الأول هو بناء أسس العقيدة. فهي تتعرض لطبيعة الوحي وصدق الرسالة منذ افتتاحها: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم}. وتسوق قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة؛ وتعرض هذه العاقبة في القصة على طريقة القرآن في استخدام القصص لتدعيم قضاياه. وقرب نهاية السورة تعود إلى الموضوع ذاته:{وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيًا ويحق القول على الكافرين}.
كذلك تتعرض السورة لقضية الألوهية والوحدانية. فيجيء استنكار الشرك على لسان الرجل المؤمن الذي جاء من أقصى المدينة ليحاج قومه في شأن المرسلين وهو يقول: وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون؟ أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئًا ولا ينقذون؟ إني إذًا لفي ضلال مبين.. وقرب ختام السورة يجيء ذكر هذا الموضوع مرة أخرى: {واتخذوا من دون الله آلهة لعلهم ينصرون لا يستطيعون نصرهم وهم لهم جند محضرون}.
والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور، وهي تتردد في مواضع كثيرة في السورة. تجيء في أولها: {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين}.. وتأتي في قصة أصحاب القرية، فيما وقع للرجل المؤمن. وقد كان جزاؤها العاجل في السياق: {قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.. ثم ترد في وسط السورة: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون}.. ثم يستطرد السياق إلى مشهد كامل من مشاهد القيامة. وفي نهاية السورة ترد هذه القضية في صورة حوار {وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.
هذه القضايا المتعلقة ببناء العقيدة من أساسها، تتكرر في السور المكية. ولكنها تعرض في كل مرة من زاوية معينة، تحت ضوء معين، مصحوبة بمؤثرات تناسب جوها، وتتناسق مع إيقاعها وصورها وظلالها.
هذه المؤثرات منتزعة في هذه السورة من مشاهد القيامة- بصفة خاصة- ومن مشاهد القصة ومواقفها وحوارها. ومن مصارع الغابرين على مدار القرون. ثم من المشاهد الكونية الكثيرة المتنوعة الموحية:مشهد الأرض الميتة تدب فيها الحياة. ومشهد الليل يسلخ منه النهار فإذا هو ظلام. ومشهد الشمس تجري لمستقر لها. ومشهد القمر يتدرج في منازله حتى يعود كالعرجون القديم. ومشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين. ومشهد الأنعام مسخّرة للآدميين. ومشهد النطفة ثم مشهدها إنسانًا وهو خصيم مبين! ومشهد الشجر الأخضر تكمن فيه النار التي يوقدون!
وإلى جوار هذه المشاهد مؤثرات أخرى تلمس الوجدان الإنساني وتوقظه:منها صورة المكذبين الذين حقت عليهم كلمة الله بكفرهم فلم تعد تنفعهم الآيات والنذر: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. ومنها صورة نفوسهم في سرهم وفي علانيتهم مكشوفة لعلم الله لا يداريها منه ستار.. ومنها تصوير وسيلة الخلق بكلمة لا تزيد: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون}.. وكلها مؤثرات تلمس القلب البشري وهو يرى مصداقها في واقع الوجود.
ويجري سياق السورة في عرض موضوعاتها في ثلاثة أشواط:
يبدأ الشوط الأول بالقسم بالحرفين: يا. سين وبالقرآن الحكيم، على رسالة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه على صراط مستقيم. يتلو ذلك الكشف عن النهاية البائسة للغافلين الذين يكذبون. وهي حكم الله عليهم بألا يجدوا إلى الهداية سبيلًا، وأن يحال بينهم وبينها أبدًا. وبيان أن الإنذار إنما ينفع من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب؛ فاستعد قلبه لاستقبال دلائل الهدى وموحيات الإيمان.. ثم يوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يضرب لهم مثلًا أصحاب القرية، فيقص قصة التكذيب وعاقبة المكذبين. كما يعرض طبيعة الإيمان في قلب الرجل المؤمن وعاقبة الإيمان والتصدي.
ومن ثم يبدأ الشوط الثاني بنداء الحسرة على العباد الذين ما يفتأون يكذبون كل رسول ويستهزئون به. غير معتبرين بمصارع المكذبين، ولا متيقظين لآيات الله في الكون وهي كثير.. وهنا يعرض تلك المشاهد الكونية التي سبقت الإشارة إليها في تقديم السورة، كما يعرض مشهدًا مطولًا من مشاهد القيامة فيه الكثير من التفصيل.
والشوط الثالث يكاد يلخص موضوعات السورة كلها. فينفي في أوله أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم شعر، وينفي عن الرسول كل علاقة بالشعر أصلًا. ثم يعرض بعض المشاهد واللمسات الدالة على الألوهية المتفردة، وينعى عليهم اتخاذ آلهة من دون الله يبتغون عندهم النصر وهم الذين يقومون بحماية تلك الآلهة المدعاة!. ويتناول قضية البعث والنشور فيذكرهم بالنشأة الأولى من نطفة ليروا أن إحياء العظام وهي رميم كتلك النشأة ولا غرابة! ويذكرهم بالشجر الأخضر الذي تكمن فيه النار وهما في الظاهر بعيد من بعيد! وبخلق السماوات والأرض وهو شاهد بالقدرة على خلق أمثالهم من البشر في الأولى والآخرة.. وأخيرًا يجيء الإيقاع الأخير في السورة: {إنما أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}. اهـ.

.قال الصابوني:

سورة يس مكية.

.بين يدي السورة:

سورة يس مكية وقد تناولت مواضيع أساسية ثلاثة وهي: الإيمان بالبعث والنشور، وقصة أهل القرية، والأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين.
ابتدأت السورة الكريمة بالقسم بالقرآن العظيم على صحة الوحي، وصدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ثم تحدثت عن كفار قريش، الذين تمادوا في الغي والضلال، وكذبوا سيد الرسل محمد بن عبد الله، فحق عليهم عذاب الله وإنتقامه. ثم ساقت قصة أهل القرية إنطاكية الذين كذبوا الرسل، لتحذر من عاقبة التكذيب بالوحي والرسالة، على طريقة القرآن في إستخدام القصص للعظة والإعتبار.
وذكرت موقف الداعية المؤمن حبيب النجار الذي نصح قومه فقتلوه فأدخله الله الجنة، ولم يمهل المجرمين بل أخذهم بصيحة الهلاك والدمار.
وتحدثت السورة عن دلائل القدرة والوحدانية، في هذا الكون العجيب، بدءا من مشهد الأرض الجرداء تدب فيها الحياة، ثم مشهد الليل ينسلخ عنه النهار، فإذا هو ظلام دامس، ثم مشهد الشمس الساطعة تدور بقدرة الله في فلك لا تتخطاه، ثم مشهد القمر يتدرج في منازله، ثم مشهد الفلك المشحون يحمل ذرية البشر الأولين، وكلها دلائل باهرة على قدرة الله جل وعلا.
وتحدثت عن القيامة وأهوالها، وعن نفخة البعث والنشور، التي يقوم الناس فيها من القبور، وعن أهل الجنة وأهل النار، والتفريق بين المؤمنين والمجرمين في ذلك اليوم الرهيب، حتى يستقر السعداء في روضات النعيم، والأشقياء في دركات الجحيم.
وختمت السورة الكريمة بالحديث عن الموضوع الأساسي، وهو موضوع البعث والجزاء وأقامت الأدلة والبراهين على حدوثه، وعلى صدقه.

.التسمية:

سميت السورة سورة يس لأن الله تعالى افتتح السورة الكريمة بها، وفي الإفتتاح بها إشارة الى إعجاز القرآن الكريم.

.فضلها:

قال صلى الله عليه وسلم: «إن لكل شيء قلبا وقلب القرآن يس، وددت أنها في قلب كل انسان من أمتي». اهـ.