فصل: قال بيان الحق الغزنوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} وفي قراءة عبدالله {إنْ كانَتْ إلاَّ زَقْيَةً} والزَقْيَة والزَقْوة لغتان. يقال زَقَيت وَزَقوت. وأنشدنى بعضهم وهو يذكر امرأة:
تلد غلامًا عَارمًا يؤذيكِ ** ولو زَقَوت كَزُقاء الدّيك

{ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}.
وقوله: {ياحَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ}.
المعنى: يا لهَا حَسْرةً على العباد. وقرأ بعضهم {يا حسرةَ العباد} والمعنى فىالعربيّة واحد. والله أعلم. والعرب إذا دعت نكرة موصولة بشىء آثرت النصب، يقولون: يا رَجلا كريمًا أَقبِل، ويا راكبًا على البعير أَقبل. فإذا أفردُوا رفعوا أكثر ب ممّا ينصبون. أنشدنى بَعضهم:
يا سيّدا ما أنت من سَيّدٍ ** موطّأ الأعقابِ رَحْبَ الذراع

قوَّال معروف وفعّاله ** نحّار أُمَّات الرِّباع الرِّتَاع

أنشدنيه بعض بنى سُلَيم موطّأ بالرفع، وأنشدنيه الكسائىّ موطأ بالخفض. وأنشدنى آخر:
ألا يَا قتيلًا ما قتيلَ بنى حِلْس ** إذا ابتلَّ أطرافُ الرماح من الدّعْسِ

ولو رفعت النكرة الموصولة بالصّفة كان صَوَابًا. قد قالت العرب:
يا دار غيّرها البلى تغييرا

تريد: يأيَّتها الدار غيَّرهَا. وسَمعت أبا الجراح يقول لرجلٍ: أَيا مَجْنُونُ مَجْنُونُ، إتباع. وسمعت من العرب: يا مهتمُّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون: يأيّها المهتمّ.
{أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ}.
وقوله: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا}.
كم في موضع نصب من مكانين: أحدهما أَن توقع {يَرَوْا} على {كَمْ} وهى في قراءة عبدالله {ألم يروا مَن أهلكنا} فهذا وجه. والآخر أن توقع {اهلكنا} على كم وتجعله استفهَامًا. كما تقول: علمت كم ضربتَ غلامك. وإذا كان قبل مَن وأىّ وكم رَأيْت وما اشتُقّ منهَا، أو العِلْمُ وما اشتقّ منه وما أشبَه معنَاهمَا، جَازَ أن توقع مَا بعدكم وأىّ ومن وأشباهها عَلَيهَا، كمَا قَالَ الله {لِنَعْلَمَ أي الحِزْبَيْنِ أحْصَى} ألا ترى أنك قد أبطلت العلم عن وقوعه على أىّ، ورفعت أيّا بأحصى. فكذلك تنصبُها بفعل لو وقع عليهَا.
وقوله: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ} فُتحت ألفهَا؛ لأن المعْنَى: أَلم يروا أنهم إليهم لا يرجعون. وقد كسرها الحسن البصرى، كأنه لم يوقع الرؤية عَلَى كم فلم يوقعهَا عَلى أنّ وإنْ شئت كسرتها على الاسْتِئنَاف وجَعَلت كم مَنصوبَةً بوقوع يروا عليهَا.
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ}.
وقوله: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ}.
شدّدها الأعمش وعاصم. وقد خفّفها قوم كثير منهم من قرَّاء أهل المدينة وبلغنى أن عليًّا خفَفها. وهو الوجه؛ لأنها ما أدخلت عَليهَا لام تكون جَوَابًا لإنْ؛ كأنك: قلت: وإن كلّ لجمع لدينا محضَرونَ. ولم يثقّلها مَن ثقّلها إلاَّ عن صَوَاب. فإن شئت أردت: وإن كل لِمَن ما جميع، ثم حُذفت إحدى الميمَات لكثرتهنَّ؛ كما قَالَ.
غداة طفَتْ عَلْماءِ بكرُ بن وائل ** وعُجْنَا صدورَ الخيل نحوَ تميم

والوجه الآخر من التثقيل أَن يجعَلوا لمّا بمنزلة إلّا مع إنْ خاصة، فتكون في مذهبها بمنزلة إنما إذا وضعتْ في معنى إلاَّ، كأنها لَمْ ضُمّت إليها مَا فصارا جميعًا استثناء وخرجتا من حدّ الجحد. ونُرى أن قول العرب إلّا إنما جمعوا بين إن التي تكون جحدًا وضمّوا إليها لا فصارا جميعًا حرفًا واحدًا وخرجا من حد الجحد إذ جمعتا فصارا حرفا واحدًا. وكذلك لمّا. ومثل ذلك قوله: {لولا} إنما هي لو ضمت إليها لا فصارتا حرفا واحدا. وكان الكسائى ينفى هذا القول. ويقول: لا أعرف جهة لَمّا في التشديد في القراءة.
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ}.
وقوله: {لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْ أَيْدِيهِمْ}.
وفى قرءاة عبدالله {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} وكلّ صَوَاب. والعرب تضمر الهاء في الذي ومَن وَمَا، وتظهرها. وكلّ ذلكَ صواب {وَمَا عَمِلَتْ} ما إن شئت في موضع خفضٍ: ليأكلوا منْ ثمره وممّا عملت أيديهم. وإن شئت جعلتها جحدًا فلم تجعل لها موضعًا. ويكون المعْنى: أنا جَعَلنا لهم الجنات والنخيل والأعناب ولم تعمله أيديهم {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ}.
{وَآيَةٌ لَّهُمُ الْلَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُم مُّظْلِمُونَ}.
وقوله: {نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}.
فإن قال قائل: مَا قوله: {نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ}؟ فإنما معناه: نسلخ عنه النهار: نرمى بالنهار عنه فتأتى الظلمة. وكذلك النهار يُسلخ منه الليل فيأتى الضوء. وهو عربىّ معروف، ألا ترى قوله: {آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا} أي خرج منها وتركها. وكَذلكَ الليل والنهار.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ}.
وقوله: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا}.
إلى مقدار مجاريها: المقدار المستقر. من قال: {لا مستقرّ لهَا} أو {لا مُسْتَقَرٌّ لها} فهما وجهان حَسَنانِ، جعلهَا أبدًا جاريةً. وأمّا أن يخفض المستقرَّ فلا أدرى ما هو.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالعُرجُونِ الْقَدِيمِ}.
وقوله: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ}.
الرفع فيه أعجب إلىّ من النصب، لأنه قال: {وآيةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ} ثم جعل الشمس والقمر مُتبَعين لليل وهما في مذهبه آيات مثله. ومَن نصبَ أراد: وقدَّرنَا القمر منازل، كما فعلنا بالشمس. فردّه على الهاء من الشمس في المعْنى، لا أنه أوقع عليه ما أوقع عَلَى الشمس. ومثله في الكلام: عبدالله يقوم وجَاريتَه يضربها، فالجارية مردودة عَلَى الفعل لا عَلَى الاسمن لذلكَ نصبناهَا؛ لأنَّ الواو التي فيها للفعْل المتأخّر.
وقوله: {كَالعُرجُونِ} والعُرْجون ما بين الشمَاريخ إلى النابت في النخلة. والقديم في هذا الموضع: الذي قد أتى عليه حول.
{لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ وَلاَ الْلَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ}.
وقوله: {لاَ الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القَمَرَ}.
يقول: تطلع ليلا، ولا أن يسبق الليل النهار، يقول: ولا القمر له أن يطلُع نهارًا، أي لا يكون له ضَوء. ويقال: لا ينبغى للشمس أن تدرِك القمر فتُذْهِبَ ضوءه، ولا أن يسبق الليلُ النهار فيظلمه. وموضع {أَن تدْرِكَ} رفع.
{وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}.
وقوله: {ذُرِّيَّتَهُمْ}.
إنما يخاطب أهل مكَّة، فجعَل الذرّية التي كانت مع نوح لأهل مكَّة؛ لأنها أصْل لهم، فقال: {ذُرِّيَّتَهُمْ} هم أبناء الذُرِّيَّة.
{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ}.
وقوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِّن مِّثْلِهِ}.
من مثل فُلْك نوح {مَا يَرْكَبُونَ} يقول: جعلنا لهم السُّفن مُثّلت عَلى ذلكَ المثال. وهى الزواريق وأشباهها ممَّا يركب فيه الناس. ولو قرأ قارئ: من مَثَلَه كان وَجْهًا يريد من مثاله: أسمعْ أحَدًا قرأ به.
{وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ}.
وقوله: {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ}.
الصرِيخ: الإغاثة.
{إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ}.
وقوله: {إِلاَّ رَحْمَةً مِّنَّا}.
يقولُ: إلاَّ أن نفعل ذلك رحمة. وقوله: {وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ} يقول: بقاء إلى أجَلٍ، أي نرحمهم فنمتّعهم إلى حين.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
وقوله: {اتَّقُواْ مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ}.
من عذاب الآخرة {وَمَا خَلْفَكُمْ} من عذاب الدنيا ممّا لا تأمنونَ من عذاب ثَمُود ومَن مضَى.
وقوله: {إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ}.
جَواب للآية، وجواب لقوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُواْ} فلمّا أن كانوا معرضين عن كلّ آية كفى جوابُ واحدةٍ من ثنتين، لأن المعْنَى: وإذا قيل لهم: اتقُوا أعرضوا، وإذا أَتتهم آية أعرضوا.
{مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}.
وقوله: {وَهُمْ يَخِصِّمُونَ}.
قرأهَا يحيى بن وثّابٍ {يخْصِمُونَ} وقرأها عَاصِم {يَخِصَّمُون} ينصب اليَاء ويكسر الخاء. ويَجُوز نصب الخاء؛ لأن التاء كانت تكون منصوبة فنقل إعْرابُها إلى الخاء. والكسر أكثر وأجود. وقرأهَا أهْل الحجاز {يَخْصّمونَ} يشدّدون ويجمعون بين ساكنين. وهى في قراءة أُبَىّ بن كعب {يَخْتَصِمونَ} فهذه حجّة لمن يشدد. وأما معنى يَحْيى بن وثّابٍ فيكون عَلى مَعْنى يَفعَلونَ من الخُصومة كأنه قال: وهم يتكلّمون ويكون عَلى وجهٍ آخر: وهم يخصمونَ: وهم في أنفسهم يخصِمُونَ من وعدهم الساعة. وهو وجه حسن أي تأخذهم السَّاعة لأن المعنى: وهم عند أنفسهم يَغلبون من قال لهم: أن الساعة آتية.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ}.
وقوله: {فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً}.
يقول: لا يستطيعُ ب بعضهم أن يوصى إلى بعضٍ.
{وَلاَ إِلَى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} أي لايَرْجعونَ إلى أهْلهم قولًا. ويقال: لا يرجعون: لا يستطيعُون الرجوع إلى أهليهم من الأسواق.
{قَالُواْ ياوَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ}.
وقوله: {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا}.
يقال: إن الكلام انقطع عند المَرْقد. ثم قالت المَلائكة لهم: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمانُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} ف {هذا} و ما في موضع رَفعٍ كأنك قلت: هذا وعد الرحمن. ويكون {مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا} فيكون {هذا} من نعت المرقد خفضًا ومَا في موضع رَفعٍ. بَعثكم وَعْدُ الرحمن. وفي قراءة عَبْدالله بن مسعود {مَنْ أَهَبَّنا من مرقدنا هَذا} والبَعْث في هَذَا الموضع كالاستيقاظ؛ تقول: بعثت ناقتى فانبعثت إذا أَثارها.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ اليَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ}.
وقوله: {فَاكِهُونَ}.
بالألف. وتقرأ {فكِهونَ} وهى بمنزلة حَذِرون وحاذرونَ وهى في قراء عبدالله {فاكهينَ} بالأَلف.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلاَلٍ عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ}.
وقوله: {عَلَى الأَرَآئِكِ مُتَّكِئُونَ}.
وَ{عَلى الأرائك متكِئينَ} منصوبًا عَلى القطع. وفي قرَاءتنا رفع. لأنها منتهى الخبر.
وقوله: {فِي ظُلَلٍٍ} أراد جمع ظُلُة وظُلَل. ويكون أيضًا {ظِلاَلًا} وهى جمع لظُلّة كما تقول: خُلَّة وَحُلَل فإذا كثرتْ فهى الحِلال. والجِلاَل والقِلاَل. ومن قال: {فِي ظِلاَلٍ} فهى جمع ظلّ.
{سَلاَمٌ قَوْلًا مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ}.
وقوله: {سَلاَمٌ قَوْلًا}.
وفى قراءة عبدالله {سَلاَمًا قوْلًا} فمن رفع قال: ذلكَ لهم سلام قولا، أي لهم ما يدَّعون مُسَلّم خالص، أي هو لهم خالص، يجعله خَبرًا لقوله: {لَهُمْ مَا يَدَّعُونَ} خالص. ورُفع عَلى الاستئناف يريد ذلكَ لهم سَلام. ونَصْب القول إن شئت عَلى أن يخرج من السَّلاَم كأنك قلت قاله قولًا. وإن شئت جَعلته نصبًا من وقوله: {لهم ما يدعون} قولًا كقولك: عِدَة من الله.
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
وقوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَآ أَيْدِيهِمْ}.
وفى قراءة عبدالله {ولِتُكَلّمنَا} كأنه قال: نختم على أفواههم لتكلمنا. والواو في هَذا الموضع بمنزلة قوله: {وَكَذِلِكَ نُرِى إبراهيمَ مَلَكُوتَ السَمَواتِ والأَرْضِ وَلِيَكُون}.
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلاَ يَعْقِلُونَ}.
وقوله: {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ}.
قرَأ عاصِم والأعمش وحمزة {ننكِّسْه} بالتشديد وقرأ الحسن وأهل المدينة {نَنْكُسْهُ} بالتخفيف وفتح النون.
{وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ}.
وقوله: {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ}.
اجتمع القراء عَلى فتح الرَّاء لأن المعنى: فمنها ما يركبون. ويقوّى ذلك أن عَائشة قرأت {فَمِنْها رَكُوبَتُهم} ولو قرأ قارئ: {فمنها رُكوبهم} كما تقول: منها أكلهم وشربهم ورُكوبهم كان وجهًا.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ}.
وقوله: {مِّنَ الشَّجَرِ الأَخْضَرِ}.
ولم يقل: الخُضْر. وقد قال الله {مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} ولم يقل: أخضر. والرَفْرف ذكر مثل الشجر. والشجر أشدّ اجتمَاعًا وأشبه بالواحِد من الرفرف؛ ألا ترى اجتمَاعه كاجتمَاع العُشْب والحَصَى والتمر، وأنت تقول: هذا حَصىً أبيض وحَصىً أسود، لأنّ جمعه أكثر في الكلام مِن انفرادِ واحِده. ومثله الحنطة السمراء، وهى واحدة في لفظ جمع. ولو قيل حنظة سُمر كان صوابًا ولو قيل الشجر الخُضْر كان صوابا كما قيل الحنطنة السمراء وقد قال الآخر:
بهرجاب ما دام الأراك به خُضْرًا

فقال: خُضْرًا ولم يَقل: أخضر. وكلّ صَوَاب. والشجر يؤنَّث ويذكر. قال الله {لآكِلوُنَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البُطُون} فأنَّث. وقال: {وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ} فذكَّر ولم يقل: فيهَا. وقال: {فَإِذَآ أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} فذكّر. اهـ.

.قال بيان الحق الغزنوي:

سورة يس:
{ما أنذر ءاباؤهم} يجوز أن يكون ما بمعنى النفي. ويجوز بمعنى الذي، أي: لنخوفهم الذي خوف آباءهم. وهذا أولى، لأن الأرض لا تخلو من حجة تخوف.
{إنا جعلنا في أعناقهم} نزلت الآيتان فيمن هم أن يفتك برسول الله-صلى الله عليه- فصرفهم الله عنه. ويجوز أن يكون ذلك صورة عذابهم في الآخرة. ويجوز أن يكون ذلك مثل امتناعهم عن الإيمان، كالمغلول عن التصرف.