فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

بحث هام عن إذن:
تحدثنا في هذا الكتاب عن إذن ونضيف إلى ما تقدم ما قاله الرضي ففيه جلاء لموقعها من الآية، قال: إنها اسم وأصلها إذ، حذفت الجملة المضاف إليها وعوض عنها التنوين وفتح ليكون في صورة ظرف منصوب وقصد جعله صالحا لجميع الأزمنة بعد ما كان مختصا بالماضي وضمن معنى الشرط غالبا وإنما قلنا غالبا لأنه لا معنى للشرط في نحو {قال فعلتها إذن وأنا من الضالين} ثم قال الرضي: وإذا كان بمعنى الشرط في الماضي جاز اجراؤه مجرى لو في قرن جوابه باللام نحو {إذن لأذقناك} أي لو ركنت شيئا قليلا لأذقناك، وإذا كان بمعنى الشرط في المستقبل جاز قرن جوابه بالفاء كقول النابغة:
ما إن أتيت بشيء أنت تكرهه ** إذن فلا رفعت سوطي إلي يدي

أي إن أتيت، وقد تستعمل بعد لو وإن توكيدا لهما نحو لو زرتني لأكرمتك وإن جئتني إذن أزورك ثم قال: ولما احتملت إذن التي يليها المضارع معنى الجزاء فالمضارع مستقبل واحتملت معنى مجرد الزمان، فالمضارع حال وقصد التنصيص على معنى الجزاء في إذن نصب المضارع بأن المقدرة لأنها تخلصه للاستقبال فتحمل إذن على الغالب فيها من الجزاء لانتفاء الحالية المانعة من الجزاء بسبب النصب بأن وقد أطال الرضي في البحث فحسبنا ما اقتبسناه من كلامه ليضاف إلى ما تقدم عنها.

.[سورة يس: الآيات 30- 32]:

{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (30) أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ (31) وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ (32)}.

.الإعراب:

{يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ} في هذا النداء وجهان أولهما أنه منادى شبيه بالمضاف ولذلك نصب وإنما كان شبيها بالمضاف لأنه اتصل به شيء من تمام معناه وهو على العباد ولك أن تجعله منادى نكرة مقصودة كأنما المنادى حسرة معينة وإنما نصبت لأنها وصفت بالجار والمجرور وقد تقدم معنا أن المنادى النكرة المقصودة إذا وصف نصب والوجه الثاني أن المنادى محذوف وحسرة مصدر أي أتحسر حسرة واختلف المفسرون في المتحسر ولا داعي للاختلاف فالحسرة جديرة بهم والمستهزءون بالرسل أحرياء بأن يتحسر عليهم المتحسرون أو يتحسروا على أنفسهم. والنداء هنا مجازي أي يا حسرة احضري فهذا أوانك.
{ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ} كلام مستأنف مسوق لتعليل التحسر عليهم وما نافية ويأتيهم فعل مضارع ومفعول به ومن حرف جر زائد ورسول مجرور بمن لفظا مرفوع محلا على أنه فاعل وإلا أداة حصر وجملة كانوا استثناء من أعم الأحوال فهي جملة في محل نصب على الحال من الهاء في يأتيهم وكان واسمها وبه جار ومجرور متعلقان بيستهزئون وجملة يستهزئون خبر كانوا.
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} الهمزة للاستفهام التقريري أي لقد علموا ذلك جيدا ولم حرف نفي وقلب وجزم ويروا فعل مضارع مجزوم بلم والواو فاعل وقد علقت يروا عن العمل لأن الرؤية هنا قلبية علمية وكم خبرية في محل نصب مفعول مقدم لأهلكنا والجملة في محل نصب مفعول يروا ويجوز أن تكون كم استفهامية وقبلهم ظرف متعلق بأهلكنا ومن القرون حال وأن وما في حيزها بدل من معنى كم أهلكنا والتقدير: ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم ويجوز أن يكون المصدر المؤول معمولا لفعل محذوف دل عليه السياق والمعنى تقديره وقضينا وحكمنا أنهم إليهم لا يرجعون وان واسمها وإليهم متعلقان بيرجعون ولا نافية وجملة يرجعون خبر أن وللزمخشري فيها كلام لطيف نورده في باب الفوائد.
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ} الواو عاطفة وإن نافية وكل مبتدأ ولما بمعنى إلا وجميع خبر كل ولدينا ظرف متعلق بجميع أو بمحضرون ومحضرون خبر ثان وسيأتي مزيد من إعراب هذه الآية وقراءاتها.

.الفوائد:

1- كلام الزمخشري في الآية:
للمعربين كلام طويل في إعراب قوله تعالى: {ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون} وقد أوردنا لك ما رأيناه أمثل الأوجه في إعرابها ونرى من المفيد أن نورد لك الكلام الذي أورده الزمخشري بهذا الصدد قال: ألم يروا: ألم يعلموا وهو معلق عن العمل في كم لأن كم لا يعمل فيها عامل قبلها سواء كانت للاستفهام أو لمضمر لأن أصلها الاستفهام إلا أن معناها نافذ في الجملة كما نفذ في قولك ألم يروا إن زيدا لمنطلق وان لم يعمل في لفظه وانهم إليهم لا يرجعون بدل من كمّ أهلكنا على المعنى لا على اللفظ تقديره ألم يروا كثرة إهلاكنا القرون من قبلهم كونهم غير راجعين إليهم.
هذا وقد قرئ بتخفيف {لما} فتكون إن مخففة من الثقيلة وإن مهملة عن العمل وكل مبتدأ وما بعده خبره ولزمت اللام في الخبر فرقا بين المخففة والنافية وما مزيدة.
2- مناقشة لطيفة:
اعلم أن الزمخشري أورد سؤالا في الآية فقال: كيف أخبر عن كل بجميع مع أن الفارسي نص على أنه لا يجوز: إن الذاهبة جارية صاحبها، واستشكلوا قوله تعالى: {فإن كانتا اثنتين} لأنه أخبر عن ضمير الاثنين بالاثنين فلا فائدة فيه، وانتقد بعض الناس على الفارسي وقال إن الجارية مضافة والإضافة تكون بأدنى ملابسة فلا تدل إضافة الجارية إليه على أنها ملكه بل قد تكون جارته فأضافها باعتبار الجوار فقط ثم قل صاحبها فأفاد أنها ملكه، وأجاب الزمخشري عن السؤال بأن كلا لا يقتضي الجمعية بخلاف جميع وهذا قد نصّ عليه ابن عصفور فإنه فرق بين أجمع وجميع بأن أجمع لا يقتضي الجمعية بخلاف جميع لكن إنما ادعى ذلك في حالة النصب نحو جاء الزيدون جميعا أما في الرفع فلا فرق بين جاء الزيدون أجمعون أو جميع فما قاله الزمخشري مشكل لأن جميعا لا يفيد الجمعية إلا إذا انتصب على الحال فيبقى السؤال واردا، وأجاب عنه الفخر الرازي بجواب حسن وهو أنه إذا كان في الخبر زيادة صفة أو إضافة تقييد صح أن يؤتى بلفظ المبتدأ أو معناه كقولك الرجل رجل صالح.

.[سورة يس: الآيات 33- 36]:

{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33) وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ (34) لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ (35) سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ (36)}.

.الإعراب:

{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها} كلام مستأنف مسوق لإيراد آية على البعث والتوحيد. وآية خبر مقدم ولهم صفة والأرض مبتدأ مؤخر وجملة أحييناها يجوز فيها أن تكون حالية وأن تكون صفة وسيأتي السر في وصفيتها في باب الفوائد.
{وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} عطف على أحييناها وأخرجنا فعل وفاعل ومنها متعلقان بأخرجنا وحبا مفعول به والفاء استئنافية ومنه متعلقان بيأكلون.
{وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ} وجعلنا فعل وفاعل والجملة عطف على أحييناها وفيها متعلقان بجعلنا أو بمحذوف مفعول به ثان لجعلنا وجنات مفعول به ومن نخيل صفة لجنات وأعناب عطف على نخيل وفجرنا عطف أيضا وفيها متعلقان بفجرنا ومن العيون صفة لمفعول فجرنا المحذوف أي ينابيع كائنة من العيون، وقدره أبو البقاء بقوله: ما ينتفعون به من العيون فمن للتبعيض.
{لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} ليأكلوا تعليل لما تقدم ومن ثمره جار ومجرور متعلقان بيأكلوا وما موصولية أو نكرة موصوفة عطف على من ثمره وجملة عملته أيديهم صلة أو صفة ولك أن تجعلها مصدرية أي ومن عمل أيديهم فهو بمعنى ما تقدم، وإعرابه: قال الزمخشري: ولك أن تجعل ما نافية على أن الثمر خلق اللّه ولم تعمله أيدي الناس ولا يقدرون عليه والهمزة للاستفهام الانكاري لأنه لا شيء أقبح من إنكار النعمة وغمط الصنيع والفاء تقدم أنها في مثل هذا المقام عاطفة على محذوف يقتضيه السياق أي أيرون هذه النعم ويستمتعون بها فلا يشكرونها ولا نافية ويشكرون فعل مضارع وفاعل والمفعول به محذوف كما أشرنا.
{سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ} سبحان مفعول مطلق لفعل محذوف وقد تقدم القول فيه والجملة مستأنفة مسوقة لتنزيهه تعالى عما لا يليق به والذي مضاف إليه وجملة خلق صلة والأزواج مفعول به وكلها تأكيد ومما متعلقان بمحذوف حال وجملة تنبت الأرض صلة.
{وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} عطف على قوله مما تنبت الأرض وبهذا استمر في الأمور الثلاثة التي لا يخرج عنها شيء من أصناف المخلوقات وهي على التوالي:
1- ما تنبته الأرض من الحبوب وأصناف الشجر.
2- ما يتوالده الناس من ذكر وأنثى.
3- من أزواج لم يطلع اللّه عباده عليها بعد ولم يكتنهوا حقيقتها.

.البلاغة:

في قوله: {سبحان الذي خلق الأزواج كلها} الآية فن التناسب بين المعاني أو صحة التفسير وهو أن يأتي المتكلم في أول كلامه بمعنى لا يستقل الفهم بمعرفة فحواه، فإما أن يكون مجملا يحتاج إلى تفصيل أو موجها يفتقر إلى توجيه أو محتملا يحتاج المراد منه إلى ترجيح لا يحصل إلا بتفسيره وتبيينه، ووقوع التفسير في الكلام على أنحاء تارة يأتي بعد الشرط أو بعد ما فيه معنى الشرط وطورا بعد الجار والمجرور وآونة بعد المبتدأ الذي التفسير خبره، وقد أتت صحة التفسير في هذه الآية مقترنة بصحة التقسيم واندمج فيهما الترتيب والتهذيب فكان فيها أربعة فنون فقد قدم سبحانه النبات كما ذكرنا في الإعراب وانتقل على طريق البلاغة إلى الأعلى فثنى بأشرف الحيوان وهو الإنسان ليستلزم ذكره بقية الحيوان ثم ثلث بقوله: {ومما لا يعلمون} فانتقل من الخصوص إلى العموم ليندرج تحت العموم فسبحان منزل القرآن.

.الفوائد:

ذكر الزمخشري أن الثمر يجمع على ثمر بفتحتين وثمر بضمتين وثمر بضمة فسكون ولم يذكر غيره الاثنين الأولين.

.[سورة يس: الآيات 37- 40]:

{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40)}.

.اللغة:

{نَسْلَخُ} نفصل يقال سلخ جلد الشاة إذا كشطه عنها وأزاله، وسلخ الحية. وفي معاجم اللغة: سلخ يسلخ من باب نصر وفتح سلخا الخروف كشط جلده وسلخت المرأة درعها: نزعته وسلخت الحية انكشفت عن سلختها وسلخها أي قشرها فاستعير السلخ لإزالة الضوء وكشفه عن مكان الليل وملقى ظله.
{العرجون} بضم العين ويقال له أيضا العرجد والعرجد بتشديد الدال أصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن تقطع عنه الشماريخ، والجمع عراجين. وقال الزجاج: هو فعلون من الانعراج وهو الانعطاف. وسيأتي سر تشبيه القمر به في باب البلاغة.

.الإعراب:

{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ} الواو عاطفة وآية خبر مقدم ولهم صفة والليل مبتدأ مؤخر وجملة نسلخ حالية ومنه متعلقان بنسلخ والنهار مفعول والفاء عاطفة وإذا فجائية وهم مبتدأ ومظلمون خبر ومعنى مظلمون أي داخلون في الظلام. يقال أظلمنا كما يقال أعتمنا وأدجينا وأظهرنا وكذلك أصبحنا وأضحينا وأمسينا.
{وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها} الشمس مبتدأ وجملة تجري خبر ولمستقر متعلقان بتجري وسيرد في باب الفوائد معنى المستقر ولها متعلقان بمحذوف صفة.
{ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ذلك مبتدأ والاشارة إلى جريها وتقدير خبره والعزيز مضاف اليه والعليم صفة ثانية.
{وَالْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} الواو عاطفة والقمر مفعول به لفعل محذوف يفسره ما بعده أي فهو منصوب على الاشتغال وجملة قدرناه من الفعل والفاعل والمفعول به مفسرة وقرئ بالرفع على أنه معطوف على المبتدأ المقدم أو على انه مبتدأ خبره قدرناه ومنازل فيه أوجه: أحدها أنه حال على حذف مضاف أي ذا منازل لأنه لا معنى لتقدير نفس القمر منازل وثانيها أنه مفعول ثان لقدرناه أي صيّرناه منازل والثالث انه ظرف أي قدرنا سيره في منازل وقد جنح إلى هذا الوجه الزمخشري والجلال، وحتى حرف غاية وجر وعاد فعل ماض وفاعله هو أي القمر في آخر منازله ولك أن تجعل عاد ناقصة فيكون الاسم مستترا والكاف اسم بمعنى مثل خبر عاد وان اعتبرتها تامة كانت في محل نصب على الحال والقديم صفة للعرجون وسيأتي سر هذا التشبيه في باب البلاغة.
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} لا نافية والشمس مبتدأ وجملة ينبغي خبر ولها متعلقان بينبغي وأن وما في حيزها فاعل ينبغي والقمر مفعول ومعنى ادراك الشمس للقمر الإخلال بالسير المقدر والنظام المتبع لئلا يختل تكوين الكون ونظامه.
{وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ} عطف على ما تقدم والليل مبتدأ وسابق خبر والنهار مضاف اليه وسيأتي المزيد من معناه.
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} كل مبتدأ ساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم ولأن التنوين عوض عن كلمة مضافة أي كل واحد من الشمس والقمر والنجوم والكواكب، وفي فلك متعلقان بيسبحون وجملة يسبحون خبر والواو فاعل لأنه نزلها منزلة العقلاء وسيأتي السر في ذلك في باب البلاغة.

.البلاغة:

اشتملت هذه الآيات على العديد من فنون البلاغة:
1- الاستعارة:
فأولها الاستعارة المكنية في قوله: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} فقد شبه تبرؤ الليل من النهار بانسلاخ الجلد عن الجسم المسلوخ وذلك انه لما كانت هوادي الصبح عند طلوعه ملتحمة بأعجاز الليل أجرى عليها اسم السلخ وكان ذلك أولى من أن يقال نخرج مثلا لأن السلخ لا يتأتى إلى بجهد ومشقة لفرط التحامه باللحم والعظام، والجامع بينهما الإزالة والتعرية فكما أن الشاة تتعرى حين يسلخ إهابها كذلك الليل إذا انسلخ عنه النهار زال ضوءه وبدت ظلمته الحالكة تغمر الكون بسوادها.
2- التوشيح:
وفي قوله: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار} الآية فن التوشيح وهو أن يكون في أول الكلام معنى إذا علم علمت منه القافية إن كان شعرا أو السجع إن كان نثرا بشرط أن يكون المعنى المتقدم بلفظه من جنس معنى القافية أو السجعة بلفظه أو من لوازم لفظه فإن من كان حافظا للسورة متفطنا إلى أن مقاطع آيها النون المردفة وسمع في صدر الآية انسلاخ النهار من الليل علم أن الفاصلة تكون مظلمون لأن من انسلخ النهار عن ليله أظلم أي دخل في الظلمات ما دامت تلك الحال.
3- التشبيه المرسل:
وذلك في قوله: {حتى عاد كالعرجون القديم} فقد مثل الهلال بأصل عذق النخلة والعذق بكسر العين وهو الكباسة والكباسة عنقود النخل وهو تشبيه بديع للهلال فإن العرجون إذا قدم دق وانحنى واصفر وهي وجوه الشبه بين الهلال والعرجون فهو يشبهه في رأي العين في الدقة لا في المقدار والاستقواس والاصفرار.
4- الاستعارة أيضا:
واستعار الإدراك للشمس والسبق لليل والنهار ليبين ما هو مقرر في علم الجغرافيا من دورات الشمس والقمر والأرض وتكون الليل والنهار، وجعل الشمس غير مدركة والقمر غير سابق لأن الشمس ثابتة لا تدور إلا دورة لم تعرف مدتها حول شيء مجهول لنا بالكلية ولها أيضا دورة على محورها كالأرض تقطعها في خمسة وعشرين يوما أو هي بالضبط خمسة وعشرون يوما وست ساعات وست عشرة دقيقة وثماني ثوان، أما القمر فله حركتان: إحداهما حول محوره وثانيتهما حول الأرض وكل منهما يتجه من المغرب إلى المشرق ويقطع مداره حول الأرض في تسعة وعشرين يوما ونصف تقريبا وهذا هو المسمى بالشهر القمري فكانت الشمس جديرة بأن توصف بالإدراك لتباطؤ سيرها والقمر خليق بأن يوصف بالسبق لسرعة سيره.
5- التغليب:
وغلب العقلاء لأنه نزل الشمس والقمر والنجوم والكواكب منزلتهم والسر فيه انه لما وصفهم بالسباحة وهي من أوصاف العقلاء ساغ له ذلك.