فصل: فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ} (25) مثل ذلك ومجازها: اسمعونى اسمعوا من.
{أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لا يَرْجِعُونَ} (31) عمل الفعل الذي قبلها فيها «أَ لَمْ يَرَوْا» إذا كانت معلقة بما قبلها فهى مفتوح.
{وَإِنْ كُلٌّ} (32) إذا خففت إن رفعت بها وإن ثقّلتها نصبت «لَمَّا جَمِيعٌ» تفسيرها وإن كلّ لجميع و ما مجازها مجاز {مَثَلًا ما بَعُوضَةً} (2/ 26) و{عَمَّا قَلِيلٍ} (23 40).
{الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} (33) مخففة الميت والميّت قال قوم: إذا كان قد مات فهو خفيف وإذا لم يكن مات فهو مثقل وقوم يجعلونه واحدا، الأصل الثقيل وهذا تخفيفها، مجازها مجاز هيّن، ليّن ثم يخففون فيقولون: هين، لين، كما قال ابن الرّعلاء الغسّانىّ:
ليس من مات فاستراح بميت ** إنما الميت ميّت الأحياء

فجعله خفيفا جميعا موضع: قد مات وموضع: لم يمت ثم ثقّل الخفي.
{وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ} (34- 35) مجاز هذا مجاز قول العرب يذكرون الاثنين ثم يقتصرون على خبر أحدهما وقد أشركوا ذاك فيه وفي القرآن {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (9/ 34) وقال الأزرق بن طرفة ابن العمرّد الفراصى من بنى فراص من باهلة:
رمانى بأمر كنت منه ووالدي ** برئا ومن دون الطّوىّ رمانى

اقتصر على خبر واحد وقد أدخل الآخر معه وقال حسّان بن ثابت:
إن شرخ الشباب والشّعر ** الأسود ما لم يعاص كان جنونا

ولم يقل: يعاصيا وكان.
{نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهارَ} (37) نميّزه منه فنجىء بالظلمة {فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ} (37) أي يقال للرجل: سلخه اللّه من دينه.
{حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ} (39) هو الإهان إهان العذق الذي في أعلاه العثاكيل وهى الشّماريخ والعذق بفتح العين النخلة.
الشماريخ: واحدها الشمراخ والشمرخ.
{لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ} (40) مجازها: لا يكون أن تفو.
{وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} (40) مجاز هذا مجاز الموات الذي أجرى مجرى الناس في القرآن {رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ} (12 4) وفي آية أخرى {لَقَدْ عَلِمْتَ ما هؤُلاءِ يَنْطِقُونَ} (21 15).
{فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} (41) المملوء يقال: شحنها عليه خيلا ورجالا أي ملأها والفلك القطب الذي تدور عليه السماء والفلك السفينة، الواحد والجميع من السّف.
{فَلا صَرِيخَ لَهُمْ} (43) لا مغيث له.
{وَلا هُمْ يُنْقَذُونَ إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا} (43- 44) مجازها مجاز المصدر الذي فعله بغير لفظه قال رؤبة:
إنّ نزارا أصبحت نزارا ** دعوة أبرار دعوا أبرارا

وقال الأحوص:
إنّى لأمنحك الصّدود وإننى ** قسما إليك مع الصدود لأميل

{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} (51) جميع صورة فخرجت مخرج بسرة وبسر ولم تحمل على ظلمة وظلم ولو كانت كذلك لقلت صور فخرجت الواو بالفتحة ومجازها كسورة المدينة والجميع سور قال جرير:
لما أتى خبر الزّبير تواضعت ** سور المدينة والجبال الخشّع

ومنها سور المجد أي أعاليه وقال العجّاج:
فرب ذى سرادق محجور ** سرت إليه في أعالى السور

{مِنَ الْأَجْداثِ} (51) واحدها جدث وهى لغة أهل العالية، وأهل نجد يقولون جدف.
{يَنْسِلُونَ} (51) يسرعون، والذئب يعسل وينسل.
{يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا} (52) أي من منامنا ثم جاء {هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ} (52) استئنا.
{مُحْضَرُونَ} (53) مشهدون.
{فى شغل فكهون} (55) الفكه الذي يتفكه تقول العرب للرجل إذ كان يتفكه بالطعام أو بالفاكهة أو بأعراض الناس: إن فلانا لفكه بأعراض قالت خنساء أو عمرة بنتها:
فكه على حين العشاء إذا ** حضر الشتاء وعزّت الجزر

ومن قرأها فاكهون جعله كثير الفواكه صاحب فاكهة قال الحطيئة:
ودعوتنى وزعمت أنك ** لابن بالصيف تامر

أي ذو لبن وتمر أي عنده لبن كثير وتمر كثير وكذلك عاسل ولاحم وشاح.
{فِي ظِلالٍ} (56) واحدها ظلّة وجميع الظل أظلال وهو الكنّ أي لا يضحون.
{عَلَى الْأَرائِكِ} (56) واحدتها أريكة وهى الفرش في الحجال قال ذو الرّمة وجعلها فراشا:
خدودا جفت في السّير حتى كأنما ** يباشرن بالمعزاء مسّ الأرائك

{ما يَدَّعُونَ} (57) أي ما يتمنون، تقول العرب: ادّع على ما شئت أي تمنّى على ما شيء.
{سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ} (58) {سلام} رفع على {لهم} عملت فيها. و{قولا} خرجت مخرج المصدر الذي يخرج من غير لفظ فعل.
{وَامْتازُوا} (59) أي تميّزو.
{أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا} (62) مثقل وبعضهم لا يثقّل ويضمّ الحرف الأول ويثقل اللام ومعناهن الخلق والجماعة.
{وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ} (66) يقال: أعمى طمس ومطموس وهو أن لا يكون بين جفنى العين غرّ وهو الشق بين الجفنين والريح تطمس الأثر فلا يرى والرجل يطمس الكتا.
{عَلى مَكانَتِهِمْ} (67) المكان والمكانة واح.
{رَكُوبُهُمْ} (72) ما ركبوا والحلوبة ما حلبوا و{ركوبهم} فعلهم إذا ضمّ الأو.
{وَهِيَ رَمِيمٌ} (78) الرّفا.
{مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} (83) والملك واحد. اهـ.

.فصل في التفسير الموضوعي للسورة كاملة:

قال محمد الغزالي:
سورة يس:
{يس} حرفان من حروف الهجاء، وليسا اسما للنبى عليه الصلاة والسلام. والقسم التالى {والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين} قسم بقوة البرهان على صدق الرسالة! فإن الدليل الصحيح ينطق بصحة الدعوى. وهذا القرآن معجزة شاهدة بأن محمدا حق، وأنه مرسل من لدن الله بكتاب مستقيم الهداية منزه عن الافتعال والانحراف {تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون}. والمعجزات المادية لا ترتفع إلى مستوى الإنارة العقلية. والذين ورثوا العكوف علي الأصنام لا تفطمهم عن عبادتها عصا موسى ولا طب عيسى، وإنما يشفيهم من عماهم كتاب يحرك عقولهم، ويزيح عنها الأوهام على شرط أن يتحركوا ويعوا. وهناك ناس يعيشون في عالم السدود والقيود سجناء وراء جدران لا يرون فيها شيئا {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون}. والمقمح من استقر القيد تحت ذقنه، فاعوج رأسه إلى فوق فما يحسن الرؤية {وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لا يبصرون}. والتقليد الأعمى يخلق أجيالا من هذا النوع المتحجر لا يصلح بشىء! ولا تجدى معه النذر {إنما تنذر من اتبع الذكر وخشي الرحمن بالغيب فبشره بمغفرة وأجر كريم}. وسورة يس- وتسمى قلب القرآن- يمكن أن نقول إنها مكونة من مقدمة وثلاثة- فصول. أما المقدمة، فهى- كما رأيت- حديث عن القرآن ومستمعيه، وراديه أو مؤيديه.!؟ وأما الفصول الثلاثة، فهى أدلة منوعة على صدق ما دعا إليه. أولها دليل تاريخى تضمن قصة موجزة عن قرية تشبه مكة، ناوأت المرسلين وضاقت بالوحى. وثانيها دليل عقلى فتح الأنظار على الكون علوه وسفله، واكتشف من نظامه وانسجامه، ما يدل على عظمة خالقه.
والدليل الثالث تربوى يأخذ من حقيقة البعث والجزاء ما يكبح الغرائز ويزيح الغفلة، ويسوق النفوس إلى الحق بمشاعر الرغبة والرهبة. من المقدمة والأدلة الثلاثة تتكون سورة يس وما دعت إليه من توحيد الله، والتأمل في ملكوته والاستعداد للقائه للخلود في جواره.. ويبدأ الدليل الأول بقال تعالى: {واضرب لهم مثلا أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون}. ولا يعنينا اسم القرية، وإنما يعنينا ما وقع فيها من أحداث. إن أعداء المرسلين يحسبونهم جاءوا لاستلاب سلطانهم وأخذ ما بأيديهم ولذلك سرعان ما تبرموا بهم وتهددوهم وتشاءموا من {إنا تطيرنا بكم لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم أئن ذكرتم بل أنتم قوم مسرفون}. ومنذ نوح وأعداء الأنبياء يحسبونهم طلاب رياسة، ويظنون دعوتهم شركا المآرب خاصة. ولذلك قالوا لهم ما قيل لنوح {ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين}. لكن الله يخلق رجالا يعشقون الحقيقة، ويضحون من أجلها ويعانون في سبيلها، كما قال شوقى: إن الذي خلق الحقيقة علقما لم يخل من أهل الحقيقة جيلا وفي هذه القرية أقبل رجل من بعيد ينصح الناس مؤكدا أمرين:
1- أن الرسل ناس متجردون لا ينشدون جاها ولا مالا.
2- وأن الله الذي يدعون إليه هو الحق المبين، وماعداه وهم لاوجود له، يضر ولا ينفع. {يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون}.
لكن هذا الناصح الأمين فشل في إقناع الضالين. ولم تذكر القصة أقتل أم مات، لكنه بعدما انتقل إلى ربه، ورأى ما أعد له من كرامة، قال حزينا على حالهم {يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين}.
وأنى لقومه أن يثوبوا إلى رشدهم؟ فماذا حدث؟ هل عبأت السماء قواها لتعاقبهم على كفرهم؟ أمرهم من ذلك أهون: {وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون}. إن غرور الناس فاجع العقبى، وما يلقون به الرسل من إهانة وتكذيب فادح الثمن. وتشتد العقوبة مع كبر الجريمة، ولذلك قال جل شأنه: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من القرون أنهم إليهم لا يرجعون}.
إن مستقبل الحضارة التي تظلنا مقلق، لأنها ترفض ذكر الله، وتنسى الإعداد للقائه، وهى تبحث عن حتفها بظلفها. في الفصل الثانى من السورة المباركة سورة يس نجد بضعه أدلة على عظمة الله واستحقاقه كل كمال. أول هذه الأدلة قوله جل شأنه {وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون}.
إننا نعطى الأرض أسوأ ما لدينا وتعطينا أحسن ما عندها! ويقول الفلاحون إن أجود البطيخ ما كان سماده خرء الحمام! وفضلات البشر تساق إلى الحقول، فإذا هي تنتج كيزان الذرة وسنابل القمح، وعيدان القطن والكتان، وصنوفا لا حصر لها من الفواكه والثمار. من الذي أخرج من الحمأ المسنون هذه الخيرات السنية؟ {سبحان الذي خلق الأزواج كلها مما تنبت الأرض ومن أنفسهم ومما لا يعلمون} ونصعد من الأرض إلى السماء في إطلالة خاطفة على نظامها الفلكى! إن الظلام يسود أرجاء الكون، وأشعة الشمس تتحول إلى ملاءة بيضاء عندما تستقبلها الأرض. فإذا جمع الله الأشعة عادت الظلمة الأولى. ولذلك جاء التعبير عن الليل والنهار بهذه الألفاظ {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون}.
وربما بدا للناس أن الشمس والقمر في مدار واحد. وهذا خطأ، فلكليهما مداره، ولن يلتقيا، وإنى أتصور أحيانا هذه الكواكب، فأتساءل: ما يمسكها في فضائها؟ ما يدفعها في مجراها وبأى طاقة تسير؟ من أحكم، نظمها وهى ألوف الألوف، فضبط مكانها وزمانها وشروقها وغروبها؟
ونحن البشر في زاوية من الكون الكبير نرقب آيات ربنا، ومنا المؤمن ومنا الكافر! نعود مرة أخرى إلى الأرض لنرمق البحار وما يسبح فيها من جوار كالأعلام، ونتلو قال تعالى: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} إن البحر أكبر من البر أربع مرات، وعالمه أوسع مساحة من عالمنا، وقد عرفنا أن للأجسام الطافية فيه قانونا مضبوطا، فهى تجرى أو تغوص بقدر، وعندما يتعرض الناس لأخطاره فلا مغيث لهم إلا الله، فهل يذكرون ذلك عندما يأمنون؟ هذه الأدلة الثلاثة السابقة تبعتها أدلة أخرى في نهايات السورة مثل قال تعالى: {أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون}.
إننى أنظر إلى الجزارين في الأسواق قد علقوا في دكاكينهم قطعانا من الغنم والبقر.. وأرى الألوف تلتهمها، وهى لا تدرى شيئا عمن سخرها! ما هذه الغفلة عن الله..؟ والفصل الأخير من تفسير السورة يتضمن حديثا عن البعث والجزاء، وهما من عمد التربية الدينية، ولكن الحضارة الحديثة تغفلهما وتستهجن الحديث عنهما، وتخيل للناس أن مصيرهم لا يعدو مصاير الدواب النافقة، لا حش ولا حساب. ويبدو أنه كما تجىء المنية بغتة، تقوم الساعة بغتة دون ترقب من الناس أو محاذرة! وهذا ما تشير إليه الآيات: {ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون}.
أى أنها تقع وهم مشغولون في أسواقهم ومجامعهم، كما ذكر الحديث: «لتقومن الساعة وقد نشر الرجلان ثوبا بينهما فلا يتبايعانه ولا يطويانه. ولتقومن الساعة وقد انصرف الرجل بلبن لقحته فلا يطعمه. ولتقومن الساعة وقد رفع أكلته إلى فيه فلا يطعمها..»..
ووقوع الساعة على هذا النحو لا يعطى فرصة لعمل شيء ولا التوصية بشىء، ثم ينشر العباد إلى ربهم للحساب بعد أن تهمد كل حركة على ظهر الأرض، ويواجه الناس ما قدموا... {فإذا هم من الأجداث إلى ربهم ينسلون قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون} وفي الآيات وصف رائق لأهل الجنة يشرح ما ينعمون به ويحبرون فيه.
أما أهل النار فيسمعون التبكيت على ما أسلفوا {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ولقد أضل منكم جبلا كثيرا أفلم تكونوا تعقلون}؟ ومع أن أساس هذا الفصل هو البعث والجزاء، فقد حوى معانى أخرى من دلائل العظمة الإلهية، ومظاهر النعمة التي خص بها بنو آدم. ثم عاد الكلام مرة ثانية إلى أدلة البعث في صورة حوار طريف {وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم}.
إن الذي بدأ الخلق أولا لا يعييه أن يعيد الخلق كرة أخرى! ثم لفت القرآن نظرنا إلى حقيقة علمية في عناصر الكون. إننا نتنفس فنأخذ من الهواء الأوكسيجين ثم نرده كربونا، ويتنفس النبات فيأخذ الكربون ويرسل الأوكسيجين.
ويتراكم غاز الكربون الذي يأخذه النبات ويتجمد في كيانه جذوعا وأغصانا وأوراقا، لا تلبث أن تكون حطبا محترقا {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}.
إن هذه الوظائف الطبيعية من آيات الله الذي يخرج الحى من الميت ويخرج الميت من الحى. وهذا السلوك ظاهر في النبات الذي يخرج من التربة حيا وسط عناصرها مدة {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون}. اهـ.