فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ (13)}.
انقرض زمانُهم ونُسِيَ أوانُهم وشأنُهم! ولكننا نتذكر أحوالهم بعد فوات أوقاتهم، ولا نرضى بألا يجري بين أحبائنا وعلى ألْسِنَةِ أوليائنا ذِكْرُ الغائبين والماضين، وهذا مخلوقٌ يقول في صفة مخلوق:
إذا نَسِيَ الناسُ إخوانَهم ** وخَانَ المودَّةَ خِلاَّنُها

فعندي لإخوانِيَ الغائبين ** صحائفُ ذِكْرُكَ عنوانُها

{قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَكْذِبُونَ (15)}.
قال الرسل: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} وليس عِلْمُنا إلاَّ بما أُمِرْنا به من التبليغ والإنذار.
{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18)}.
لنرجمنَّكم، ولنَصْنَعَنَّ، ولنفْعَلَنٍَّ.. فأجابهم الرسل: إنكم لجهلكم ولجحدكم سوف تَلْقَوْنَ ما تُوعَدُون. اهـ.

.تفسير الآيات (20- 27):

قوله تعالى: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20) اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (21) وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (22) أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ (23) إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (24) إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ (25) قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان السياق لأن الأمر بيد الله، فلا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى، فهو يهدي البعيد في البقعة والنسب إذا أراد، ويضل القريب فيهما إن شاء، وكان بعد الدار ملزومًا في الغالب لبعد النسب، قدم مكان المجيء على فاعله بيانًا لأن الدعاء نفع الأقصى ولم ينفع الأدنى فقال: {وجاء من أقصا} أي أبعد- بخلاف ما مر في سورة القصص؛ ولأجل هذا الغرض عدل عن التعبير بالقرية كما تقدم وقال: {المدينة} لأنها أدل على الكبر المستلزم لبعد الأطراف وجمع الأخلاط.
ولما بين الفاعل بقوله: {رجل} بين اهتمامه بالنهي عن المنكر ومسابقته إلى إزالته كما هو الواجب بقوله: {يسعى} أي يسرع في مشيه فوق المشي ودون العدو حرصًا على نصيحة قومه.
ولما تشوفت النفس إلى الداعي إلى إتيانه، بينه قوله: {قال} واستعطفهم بقوله: {يا قوم} وأمرهم بمجاهدة النفوس بقوله: {اتبعوا المرسلين} أي في عبادة الله وحده وكل ما يأمرونكم به؛ ثم نبههم على الداعي إلى اتباعهم والمانع من الإعراض عنهم بقوله، معدًا الفعل دلالة على شدة اهتمامه به: {اتبعوا} أي بغاية جهدكم {من لا يسئلكم} أي في حال من الأحوال {أجرًا} ولما كان أفرد الضمير نظرًا إلى لفظ من دلالة على وجوب الاتباع لمن اتصف بهذا الأمر الدال على الرسالة وإن كان واحدًا، جمع بيانًا للأولوية بالتظافر والتعاضد والاتفاق في الصيانة والبعد عن الدنس، الدال على اتحاد القصد الدال على تحتم الصدق فقال: {وهم مهتدون} أي ثابت لهم الاهتداء لا يزايلهم، ما قصدوا شيئًا إلا أصابوا وجه صوابه، فتفوزوا بالدين الموجب للفوز بالآخرة، ولا يفوتكم شيء من الدنيا، فأتى بمجامع الترغيب في هذا الكلام الوجيز.
ولما أفهم السياق أنه قال: فإني اتبعتهم في عبادة الله، بنى عليه قوله جوابًا لمن يلومه على ذلك وترغيبًا فيما اختاره لنفسه وتوبيخًا لمن يأباه: {وما} أي وأيّ شيء {لي} في أني {لا أعبد الذي فطرني} أي وإليه أرجع، فله مبدئي ومعادي، وما لكم لا تعبدون الذي فطركم {وإليه} أي لا إلى غيره {ترجعون} كذلك فهو يستحق العبادة شكرًا لما أنعم به في الابتداء وخوفًا من عاقبته في الانتهاء فالآية من الاحتباك: حذف وإليه أرجع أولًا لما دل عليه ثانيًا، وإنكاره عليهم ثانيًا بما دل عليه أولًا من إنكاره على نفسه استجلابًا لهم بإظهار الإنصاف، والبعد عن التصريح بالخلاف، وفيه تنبيه لهم على موجب الشكر، وتهديد على ارتكاب الكفر.
ولما أمر صريحًا ونهى تلويحًا، ورغب ورهب، ووبخ وقرع، وبين جلالة من آمن به ومن كانوا سببًا في ذلك، أنكر على من يفعل غيره بالإنكار على نفسه، محقرًا لمن عبدوه من دون الله وهو غارقون في نعمه، فقال مشيرًا بصيغة الافتعال إلى أن في ذلك مخالفة للفطرة الأولى: {ءأتخذ} وبين علو رتبته سبحانه بقوله: {من دونه} أي سواء مع دنو المنزلة؛ وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال: {آلهة} ثم حقق ذلك بقوله مبينًا بأداة الشك أن النفع أكثر من الضر ترغيبًا فيه سبحانه: {إن يردن} إرادة خفيفة بما أشار إليه حذف الياء، أو شديدة بما أشار إليه إثباتها، ظاهرة بما دل عليه تحريكها، أو خفية بما نبه عليه إسكانها.
ولما ذكرهم بإبداعه سبحانه له إرشادًا إلى أنهم كذلك، صرح بما يعمهم فقال: {الرحمن} أي العام النعمة على كل مخلوق من العابد والمعبود، وحذرهم بقوله: {بضر} وأبطل أنهى ما يعتقدونه فيها بقوله: {لا تغن عني} أي وكل أحد مثلي في هذا {شفاعتهم} أي لو فرض أنهم شفعوا ولكن شفاعتهم لا توجد {شيئًا} من إغناء.
ولما دل بإفراد الشفاعة على عدهم عدمًا ولو اتحدت شفاعتهم وتعاونهم في آن واحد، دل بضمير الجمع على أنهم كذلك سواء كانوا مجتمعين أو متفرقين فقال: {ولا ينقذون} أي من مصيبته إن دعا الأمر إلى المشاققة بما أراده فإنه بمجرد إرادته يكون مراده، إنفاذًا ضعيفًا- بما أشار إليه من حذف الياء، ولا شديدًا- بما دل عليه من أثبتها ظاهرًا خفيًا، ثم استأنف ما يبين بعد ذلك عن فعل العقلاء الناصحين لأنفسهم بقوله مؤكدًا له بأنواع التأكيد لأجل إنكارهم له بعدم رجوعهم عن معبوداتهم: {إني إذًا} أي إذا فعلت ذلك الاتخاذ {لفي ضلال} أي محيط بي لا أقدر معه على نوع اهتداء {مبين} أي واضح في نفسه لمن لم يكن مظروفًا له، موضح لكل ناظر ما هو فيه من الظلام.
ولما أقام الأدلة ولم يبق لأحد تخلف عنه علة، صرح بما لوح إليه من إيمانه، فقال مظهرًا لسروره بالتأكيد وقاطعًا لما يظنونه من أنه لا يجترئ على مقاطعتهم كلهم بمخالفتهم في أصل الدين: {إني آمنت} أي أوقعت التصديق الذي لا تصديق في الحقيقة غيره بالرسل مؤمنًا لهم من أن أدخل عليهم نوع تشويش من تكذيب أو غيره.
ولما أرشدهم بعموم الرحمانية تلويحًا، صرح لهم بما يلزمهم شكره من خصوص الربوبية فقال: {بربكم} أي بسبب الذي لا إحسان عندكم إلا منه قد نسيتم ما له لديكم من الربوبية والرحمانية والإبداع، وزاد في مصارحتكم إظهارًا لعدم المبالاة بهم بقوله: {فاسمعون} أي سماعًا إن شئتم أشعتموه، وإن شئتم كتمتموه- بما دل عليه حذف الياء وإثباتها، فلا تقولوا بعد ذلك: ما سمعناه، ولو سمعناه لفعلنا به.
فوثبوا إليه وثبة رجل واحد فقتلوه، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن مثل صاحب يس هذا في هذه الأمة عروة بن مسعود الثقفي حيث بادى قومة الإسلام، ونادى على عليته بالأذان، فرموه بالسهام فقتلوه.
ولما كان من المعلوم- بما دل عليه من صلابتهم في تكذيبهم الرسل وتهديدهم مع ما لهم من الآيات- أنهم لا يبقون هذا الذي هو من مدينتهم وقد صارحهم بما إن أغضوا عنه فيه انتقض عليهم أكثر أمرهم، لم يذكره تعالى عدًّا له عداد ما لا يحتاج إلى ذكره، وقال جوابًا لمن تشوف إلى علم حاله بعد ذلك بقوله إيجازًا في البيان ترغيبًا لأهل الإيمان: {قيل} أي له بعد قتلهم إياه، فبناه للمفعول وحذفه لأن المقصود القول لا قائله والمقول له معلوم: {ادخل الجنة} لأنه شهيد، والشهداء يسرحون في الجنة حيث شاءوا من حين الموت.
ولما كان الطبع البشري داعيًا إلى محبة الانتقام ممن وقع منه الأذى بين سبحانه أن الأصفياء على غير ذلك الحال، فقال مستأنفًا: {قال يا ليت قومي} أي الذين فيهم قوة لما يراد منهم، فلو كانت قوتهم على الكفار لكانت حسنة {يعلمون} ولما أريد التصريح بوقوع الإحسان إليه، حل المصدر إلى قوله: {بما غفر لي} أي أوقع الستر لما كنت مرتكبًا له طول عمري من الكفر به بإيمان في مدة يسيرة {ربي} أي الذي أحسن إلي في الأخرى بعد إحسانه في الدنيا {وجعلني} ولما كان الأنس أعظم فوز، عدل عن أن يقول مكرمًا إلى قوله: {من المكرمين} أي الذين أعطاهم الدرجات العلى بقطعهم جميع أعمارهم في العبادة، فنصح لقومه حيًا وميتًا يتمنى علمهم بإكرامه تعالى له ليعملوا مثل عمله فينالوا ما ناله، وفي قصته حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار، والحلم عن أهل الحهل وكظم الغيظ والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسنًا، وهذا كما وقع للأنصار رضى الله عنه م في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة- كما رواه البخاري في المغازي عن أنس رضى الله عنه: بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا، وفي غزوة أحد كما في السيرة وغيرها لما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم وحسن مقيلهم: يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب، فقال تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم، فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا} الآيات في سورة آل عمران، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من ختم بموته على الكفر ولم ينقص ما ضرب له من الأجل فهو سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وليستوفي الآجال أولئك، ثم يقبل بقلوب غيرهم، فتظهر مع ذلك حكمته- إلى غير ذلك من ينابيع المعاني، وثابت المباني. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}.
وفي فائدته وتعلقه بما قبله وجهان:
أحدهما: أنه بيان لكونهم أتوا بالبلاغ المبين حيث آمن بهم الرجل الساعي، وعلى هذا فقوله: {مِنْ أَقْصَا المدينة} فيه بلاغة باهرة، وذلك لأنه لما جاء من أقصى المدينة رجل وهو قد آمن دل على أن إنذارهم وإظهارهم بلغ إلى أقصى المدينة.
وثانيهما: أن ضرب المثل لما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم تسلية لقلبه ذكر بعد الفراغ من ذكر الرسل سعى المؤمنين في تصديق رسلهم وصبرهم على ما أوذوا، ووصول الجزاء الأوفى إليهم ليكون ذلك تسلية لقلب أصحاب محمد، كما أن ذكر المرسلين تسلية لقلب محمد صلى الله عليه وسلم، وفي التفسير مسائل:
المسألة الأولى:
قوله: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ} في تنكير الرجل مع أنه كان معروفًا معلومًا عند الله فائدتان الأولى: أن يكون تعظيمًا لشأنه أي رجل كامل في الرجولية: الثانية: أن يكون مفيدًا لظهور الحق من جانب المرسلين حيث آمن رجل من الرجال لا معرفة لهم به فلا يقال إنهم تواطؤا، والرجل هو حبيب النجار كان ينحت الأصنام وقد آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل وجوده حيث صار من العلماء بكتاب الله، ورأى فيه نعت محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته.
المسألة الثانية:
قوله: {يسعى} تبصرة للمؤمنين وهداية لهم، ليكونوا في النصح باذلين جهدهم، وقد ذكرنا فائدة قوله: {مِنْ أَقْصَى المدينة} وهي تبليغهم الرسالة بحيث انتهى إلى من في أقصى المدينة والمدينة هي أنطاكية، وهي كانت كبيرة شاسعة وهي الآن دون ذلك ومع هذا فهي كبيرة وقوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ اتبعوا المرسلين} فيه معان لطيفة الأول: في قوله: {يا قَوْمِ} فإنه ينبىء عن إشفاق عليهم وشفقة فإن إضافتهم إلى نفسه بقوله: {يا قَوْمِ} يفيد أنه لا يريد بهم إلا خيرًا، وهذا مثل قول مؤمن آل فرعون {ياقوم اتبعون} [غافر: 38] فإن قيل قال هذا الرجل {اتبعوا المرسلين} وقال ذلك {اتبعون} فما الفرق؟ نقول هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم وما رأوا سيرته، فقال: اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل، وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم واتبع موسى ونصحهم مرارًا فقال اتبعوني في الإيمان بموسى وهارون عليهما السلام، واعلموا أنه لو لم يكن خيرًا لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته، ولم يكن للرجل الذي جاء من أقصى المدينة أن يقول أنتم تعلمون اتباعي لهم الثاني: جمع بين إظهار النصيحة وإظهار إيمانه فقوله: {اتبعوا} نصيحة وقوله: {المرسلين} إظهار أنه آمن الثالث: قدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان لأنه كان ساعيًا في النصح، وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله: {رَجُلٌ يسعى} يدل على كونه مريدًا للنصح وما ذكر في حكايته أنه كان يقتل وهو يقول: اللهم اهد قومي.