فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الخفاجي: قدم الجار والمجرور على الفاعل الذي حقه التقديم بيانًا لفضله إذ هداه الله تعالى مع بعده عنهم وإن بعده لم يمنعه عن ذلك ولذا عبر بالمدينة هنا بعد التعبير بالقرية إشارة إلى السعة وإن الله تعالى يهدي من يشاء سواء قرب أو بعد، وقيل قدم للاهتمام حيث تضمن الإشارة إلى أن إنذارهم قد بلغ أقصى المدينة فيشعر بأنهم أتوا بالبلاغ المبين، وقيل إنه لو أخرتوهم تعلقه بيسعى فلم يفد أنه من أهل المدينة مسكنه في طرفها وهو المقصود، وجملة {يسعى} صفة {رَجُلٌ} وجوز كونها حالًا منه من جوز مجىء الحال من النكرة، وقوله تعالى: {قَالَ} استئناف بياني كأنه قيل: فماذا قال عند مجيئه؟ فقيل: قال: {قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين} وجوز كونه بيانًا للسعي بمعنى قصد وجه الله عز وجل ولا يخفى ما فيه، والتعرض لعنوان رسالتهم لحثهم على اتباعهم كما أن خطابهم بياقوم لتأليف قلوبهم واستمالتها نحو قبول نصيحته، وقوله تعالى: {اتبعوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا} تكرير للتأكيد وللتوسل به إلى وصفهم بما يتضمن نفي المانع عن اتباعهم بعد الإشارة إلى تحقق المقتضى، وقوله سبحانه: {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} أي ثابتون على الاهتداء بما هم عليه إلى خير الدنيا والآخرة جملة حالية فيها ما يؤكد كونهم لا يسألون الأجر ولا ما يتبعه من طلب جاه وعلو ولذا جعلت إيغالًا حسنًا نحو قول الخنساء:
وإن صخرًا لتأتم الهداة به ** كأنه علم في رأسه نار

والظاهر أن الرجل لم يقل ذلك إلا بعد سبق إيمانه، وروي أنه لما بلغته الدعوة جاء يسعى فسمع كلامهم وفهمه ثم قال لهم: أتطلبون أجرًا على دعوتكم هذه؟ قالوا: لا فدعا عند ذلك قومه إلى اتباعهم والإيمان بهم قائلًا {يا قَوْمٌ} الخ، وللنحويين في مثل هذا التركيب وجهان؛ أحدهما: أن تكون {مِنْ} بدلًا من {المرسلين} بإعادة العامل كما أعيد إذا كان حرف جر نحو قوله تعالى: {لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بالرحمن لِبُيُوتِهِمْ} [الزخرف: 33] وإليه ذهب بعضهم وثانيهما: وإليه ذهب الجمهور أنه ليس ببدل فإنه مخصوص بما إذا كان العامل المعاد حرف جر أما إذا كان رافعًا أو ناصبًا فيسمون ذلك بالتتبيع لا بالبدل، واستدل بالآية على نقص من يأخذ أجرة على شيء من أفعال الشرع والبحث مستوفى في الفروع.
{وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي}.
تلطف في إرشاد قومه بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح حيث أراهم أنه اختار لهم ما يختار لنفسه والمراد تقريعهم على ترك عبادة خالقهم إلى عبادة غيره كما ينبىء عنه قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مبالغة في تهديدهم بتخويفهم بالرجوع إلى شديد العقاب مواجهة وصريحًا ولو قال: وإليه أرجع كان فيه تهديد بطريق التعريض، وعد التعبير بإليه ترجعون بعد التعبير بما لي لا أعبد من باب الالتفات لمكان التعريض بالمخاطبين في {مَالِيَ لاَ أَعْبُدُ} الخ فيكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا بناءً على ما ذهب إليه الخطب^ والسعد التفتازاني من أن التعريض إما مجاز أو كناية وهو هاهنا مجاز لامتناع إرادة الموضوع له فيكون اللفظ مستعملًا في غير ما وضع له فيتحد المعبر عنه، وحقق السيد السند أن المعنى التعريضي من مستتبعات الترتيب واللفظ ليس بمستعمل فيه بل هو بالنسبة إلى المستعمل فيه إما حقيقة أو مجاز أو كناية وعليه فمضير المتكلم في {مَالِيَ} الخ ليس مستعملًا في المخاطبين فلا يكون المعبر عنه في الأسلوبين واحدًا فلا التفات، وجوز بعضهم كون الآية من الاحتباك والأصل {لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} وإليه أرجع وما لكم لا تعبدون الذي فطركم وإليه ترجعون فحذف من الأول نظير ما ذكر في الثاني وبالعكس وهو مفوت لما سمعت، وظاهر كلام الواحدي أنه لا تعريض في الآية حيث قال: لما قال الرجل {يا قوم اتبعوا المرسلين} [يس: 20] الخ رفعوه إلى الملك فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال: {مَالِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} أي أي شيء لي إذا لم أعبد خالقي {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تردون عند البعث فيجزيكم بكفركم، ورد عليه بأنه إذا رجع الإنكار إليه دون القوم لم يكن لخطابهم بترجعون معنى وكان الظاهر أرجع.
وأجيب بأنه يمكن أن يقال: إن الرجل كان في غيظ شديد من تكذيبهم الرسل وتوعدهم إياهم فانتهز الفرصة للانتقام فلما تمكن من تهديدهم أوقع قوله: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} في البين أي مالي لا أعبد الذي من على بنعمة الإيجاد ونعمة الانتقام منكم والتشفي من غيظكم إذ ترجعون إليه فيجزيكم بكفركم وتكذيبكم الرسل وعنادكم، وأنت تعلم أن النظم الجليل لا يساعد على هذا وهو ظاهر فيما تقدم، وقد عاد إلى المساق الأول من التلطف بالإرشاد فقال: {أَءتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} إنكار ونفي لاتخاذ جنس الآلهة على الإطلاق وفيه من تحميق من يعبد الأصنام ما فيه.
وقوله تعالى: {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئًا} استئناف سيق لتعليل النفي المذكور، وجعله صفة لآلهة كما ذهب إليه البعض ربما يوهم أن هناك آلهة ليست كذلك، ومعنى {لاَ تُغْنِى} الخ لا تنفعني شيئًا من النفع، وهو إما على حد.
لا ترى الضب بها ينجحر

أي لا شفاعة لهم حتى تنفعني، وإما على فرض وقوع الشفاعة أي لا تغني عن شفاعتهم لو وقعت شيئًا وَلاَ يُنْقذُون يخلصون من ذلك الضر بالنصر والمظاهرة، وهو ترق من الأدنى إلى الأعلى بدأ أولًا بنفي الجاه وذكر ثانيًا انتفاء القدرة وعبر عنه بانتفاء الإنقاذ لأنه نتيجته، وفتح ياء المتكلم في {يردني} طلحة السمان على ما قال ابن عطية، وقال ابن خالويه: طلحة بن مصرف وعيسى الهمداني وأبو جعفر، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو؛ وقال الزمخشري: وقرئ {إن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ} بمعنى إن يوردني ضرًا أي يجعلني موردًا للضر. اهـ.
قال أبو حيان: كأنه والله تعالى أعلم رأي في كتب القراءات {يردني} بفتح الياء فتوهم أنها ياء المضارعة فجعل الفعل متعديًا بالياء المعدية كالهمزة فلذلك أدخل عليه همزة التعدية ونصب به اثنين، والذي في كتب الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقًا لالتقاء الساكنين، قال في كتابه ابن خالويه: بفتح الياء ياء الإضافة، وقال في اللوامح: {إن مُّقْتَدِرِ الرحمن} بالفتح وهو أصل الياء البصرية أي المثبتة بالخط الذي يرى بالبصر لكن هذه محذوفة اه كلامه، وحسن الظن بالزمخشري يقتضي خلاف ما ذكره.
{إِنّى إِذًا} أي إذا اتخذت من دونه آلهة {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} فإن إشراك ما يصنع وليس من شأنه النفع ولا دفع الضر بالخالق المقتدر الذي لا قادر غيره ولا خير إلا خيره ضلال وخطأ بين لا يخفى على من له أدنى تمييز.
{إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ} الظاهر أن الخطاب لقومه شافههم بذلك وصدع بالحق إظهارًا للتصلب في الدين وعدم المبالاة بما يصدر منهم، والجملة خبرية لفظًا ومعنى، والتأكيد قيل إنهم لم يعلموا من كلامه أنه آمن بل ترددوا في ذلك لما سمعوا منه ما سمعوا.
وإضافة الرب إلى ضميرهم لتحقيق الحق والتنبيه على بطلان ما هم عليه من اتخاذ الأصنام أربابًا أي إني آمنت بربكم الذي خلقكم {فاسمعون} أي فاسمعوا قولي فإني لا أبالي بما يكون منكم على ذلك، وقيل: مراده دعوتهم إلى الخير الذي اختاره لنفسه، وقيل لم يرد بهذا الكلام إلا أن يغضبهم ويشغلهم عن الرسل بنفسه لما رآهم لا ينجع فيهم الوعظ وقد عزموا على الإيقاع بهم وليس بشيء، وقدر بعضهم المضاف المحذوف عامًا وفسر السماع بالقبول كما في سمع الله تعالى لمن حمده أي فاسمعوا جميع ما قلته واقبلوه وهو مما يسمع.
وجعل الخطاب للقوم في الجملتين هو المروى عن ابن عباس وكعب ووهب.
وأخرج الحاكم عن ابن مسعود أنه قال: لما قال صاحب يس {قَالَ يا قوم اتبعوا المرسلين} [يس: 20] خنقوه ليموت فالتفت إلى الأنبياء فقال: {إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ فاسمعون} أي فاشهدوا فالخطاب فيهما للرسل بطريق التلوين، وأكد الخبر إظهارًا لصدوره عنه بكمال الرغبة والنشاط، وأضاف الرب إلى ضميرهم روما لزيادة التقرير وإظهارًا للاختصاص والاقتداء بهم كأنه قال: بربكم الذي أرسلكم أو الذي تدعوننا إلى الإيمان به، وطلب السماع منهم ليشهدوا له بالإيمان عند الله عز وجل كما يشير إليه كلام ابن مسعود رضي الله تعالى عنه، وقيل الخطاب الأول لقومه والثاني للرسل خاطبهم على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم، وقيل الخطابان للناس جميعًا، وروي عن عاصم أنه قرأ {فاسمعون} بفتح النون، قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر فإما أن تحذف كما حذفت نون الإعراب ويقال فاسمعوا وإما أن تبقى وتكسر؛ ومن الناس من وجهه بأن الأصل فاسمعونا أي فاسمعوا كلامنا أي كلامي وكلامهم لتشهدوا بما كان مني ومنهم.
{قِيلَ ادخل الجنة} استئناف لبيان ما وقع له بعد قوله ذلك، والظاهر أن الأمر إذن له بدخول الجنة حقيقة وفي ذلك إشارة إلى أن الرجل قد فارق الدنيا فعن ابن مسعود أنه بعد أن قال ما قال قتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قصبه من دبره وألقى في بئر وهي الرس، وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى مات، وقال الكلبي: رموه في حفرة وردوا التراب عليه فمات، وعن الحسن حرقوه حتى مات وعلقوه في بر المدينة وقبره في سور أنطاكية، وقيل: نشروه بالمنشار حتى خرج من بين رجليه.
ودخوله الجنة بعد الموت دخول روحه وطوافها فيها كدخول سائر الشهداء، وقيل الأمر للتبشير لا للإذن بالدخول حقيقة قالت له ملائكة الموت ذلك بشارة له بأنه من أهل الجنة يدخلها إذا دخلها المؤمنون بعد البعث، وحكى نحو ذلك عن مجاهد.
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال في قوله تعالى: {قِيلَ ادخل الجنة} وجبت له الجنة، وجاء في رواية عن الحسن أنه قال: لما أراد قومه قتله رفعه الله تعالى إلى السماء حيًا كما رفع عيسى عليه السلام إلى السماء فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السماء وهلاك الجنة فإذا أعاد الله تعالى الجنة أعيد له دخولها فالأمر كما في الأول، والجمهور على أنه قتل، وادعى ابن عطية أنه تواترت الأخبار والروايات بذلك، وقول قتادة أدخله الله تعالى الجنة وهو فيها حي يرزق ليس نصًا في نفي القتل.
وفي البحر أنه أراد بقوله وهو فيها حي يرزق قوله تعالى: {بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ} [آل عمران: 169] وقال بعضهم: الجملة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: ما حاله عند لقاء ربه عز وجل بعد ذلك التصلب في دينه.
فقيل: قيل ادخل الجنة، والتعبير بالماضي لتحقق الوقوع، ولعل الأولى ما أشرنا إليه أولًا، وإنما لم يقل قيل له لأن الغرض المهم بيان المقول لا القائل والمقول له؛ وقوله تعالى: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} استئناف بياني أيضًا كأنه قيل بعد أن أخبر عنه بما أخبر: فماذا قال عند نيله تلك الكرامة السنية؟ فقيل: قال الخ، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم ذلك على اكتساب مثله بالتوبة عن الكفر والدخول في الإيمان والطاعة جريًا على سنن الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، وفي الحديث نصح قومه حيًا وميتًا.
وقيل: يجوز أن يكون تمنيه ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على صواب ونصيحة وشفقة وأن عداوتهم لم تكسبه إلا فوزًا ولم تعقبه إلا سعادة لأن في ذلك زيادة غبطة له وتضاعف لذة وسرور، والوجه الأول أولى، والظاهر أن ما مصدرية، ويجوز أن تكون موصولة والعائد مقدر أي يا ليت قومي يعلمون بالذي غفر لي به أي بسببه ربي أو بالذي غفره أي بالغفران الذي غفره لي ربي، والمراد تعظيم مغفرته تعالى له فتؤول إلى المصدرية، وقال الزمخشري: أي بالذي غفره لي ربي من الذنوب.
وتعقب بأنه ليس بجيد إذ يئول إلى تمني علمهم بذنوبه المغفورة ولا يحسن ذلك، وكذا عطف {وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} عليه لا ينتظم، وما قيل من أن الغرض منه الإعلام بعظم مغفرة الله تعالى ووفور كرمه وسعة رحمته فلا يبعد حينئذٍ إرادة معنى الاطلاع عليها لذلك بل هو أوقع في النفس من ذكر المغفرة مجردة عن ذكر المغفور لاحتمال حقارته تكلف.
وأجاز الفراء أن تكون استفهامية والجار صلة {غَفَرَ} أي بأي شيء غفر لي ربي يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم حتى قتل.
وتعقبه الكسائي بأنه لو صح ذلك لقيل بم بغير ألف فإن اللغة الفصيحة حذفها إذا جرت ما الاستفهامية بحرف جر نحو عم يتساءلون، وقوله:
علام أقول الرمح أثقل عاتقي ** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

فرقا بينها وبين الموصولة، وإثباتها نادر؛ وقيل مختص بالضرورة نحو قوله:
على ما قام يشتمني لئيم ** كخنزير تمرغ في رماد

وقوله:
إنا قتلنا بقتلانا سراتكم ** أهل اللواء ففيما يكثر القتل

وقراءة عكرمة وعيسى {عَمَّا يَتَسَاءلُونَ} [النبأ: 1] وقرأ {مِنَ المكرمين} مشدد الراء مفتوحها مفتوح الكاف. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)}.
عطف على قصة التحاور الجاري بين أصحاب القرية والرسل الثلاثة لبيان البون بين حال المعاندين من أهل القرية وحاللِ الرجل المؤمن منهم الذي وعظهم بموعظة بالغة وهو من نفر قليل من أهل القرية.
فلك أن تجعل جملة {وجاء من أقصا المدينة} عطفًا على جملة {جاءها المرسلون} [يس: 13] ولك أن تجعلها عطفًا على جملة {فقالوا إنا إليكم مرسلون} [يس: 14].
والمراد بالمدينة هنا نفس القرية المذكورة في قوله: {أصحاب القرية} [يس: 13] عُبر عنها هنا بالمدينة تفننًا، فيكون {أقصا} صفة لمحذوف هو المضاف في المعنى إلى المدينة.
والتقدير: من بَعيد المدينة، أي طرف المدينة، وفائدة ذكر أنه جاء من أقصى المدينة الإِشارة إلى أن الإِيمان بالله ظهر في أهل ربض المدينة قبل ظهوره في قلب المدينة لأن قلب المدينة هو مسكن حكامها وأحبار اليهود وهم أبعد عن الإِنصاف والنظر في صحة ما يدعوهم إليه الرسل، وعامة سكانها تبع لعظمائها لتعلقهم بهم وخشيتهم بأسهم بخلاف سكان أطراف المدينة فهم أقرب إلى الاستقلال بالنظر وقلة اكتراثثٍ بالآخرين لأن سكان الأطراف غالبهم عملة أنفسهم لقربهم من البدو.