فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم أتبع الكلام كذلك مخاطبًا لنفسه فقال: {أأتخذ من دونه آلهة} قاصرة عن كل شيء، لا تنفع ولا تضر؟ فإن أرادكم الله بضر، وشفعت لكم، لم تنفع شفاعتهم، ولم يقدروا على إنقاذكم فيه، أولًا بانتفاء الجاه عن كون شفاعتهم لا تنفع، ثم ثانيًا بانتفاء القدر.
فعبر بانتفاء الإنقاذ عنه، إذ هو نتيجته.
وفتح ياء المتكلم في يردني مع طلحة السمان، كذا في كتاب ابن عطية، وفي كتاب ابن خالويه طلحة بن مطرف، وعيسى الهمذاني، وأبو جعفر، ورويت عن نافع وعاصم وأبي عمرو.
وقال الزمخشري: وقرئ {إن يردني الرحمن بضر} بمعنى: إن يجعلني موردًا للضر. انتهى.
وهذا والله أعلم رأي في يكتب القراءات، يردني بفتح الياء، فتوهم أنها ياء المضارعة، فجعل الفعل متعديًا بالياء المعدية كالهمزة، فلذلك أدخل عليه همزة التعدية، ونصب به اثنين.
والذي في كتب القراء الشواذ أنها ياء الإضافة المحذوفة خطأ ونطقًا لالتقاء الساكنين.
قال في كتاب ابن خالويه: بفتح ياء الإضافة.
وقال في اللوامح: إن يردني الرحمن بالفتح، وهو أصل الياء عند البصرية، لكن هذه محذوفة، يعني البصرية، أي المثبتة بالخط البربري بالبصر، لكونها مكتوبة بخلاف المحذوفة خطًا ولفظًا، فلا ترى بالبصر.
{إني إذا} إن لم أعبد الذي فطرني واتخذت آلهة من دونه، في حيرة واضحة لكل ذي عقل صحيح.
ثم صرح بإيمانه وصدع بالحق، فقال مخاطبًا لقومه: {إني آمنت بربكم} أي الذي كفرتم به، {فاسمعون} أي اسمعوا قولي وأطيعون، فقد نبهتكم على الحق، وأن العبادة لا تكون إلا لمن منه نشأتكم وإليه مرجعكم.
والظاهر أن الخطاب بالكاف والميم وبالواو، وهو لقومه، والأمر على جهة المبالغة والتنبيه، قال ابن عباس وكعب ووهب.
وقيل: خاطب بقوله: {فاسمعون} الرسل، على جهة الاستشهاد بهم والاستحفاظ للأمر عندهم.
وقيل: الخطاب في {بربكم} وفي {فاسمعون} للرسل.
لما نصح قومه أخذوا يرجمونه، فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال ذلك، أي اسمعوا إيماني واشهدوا لي به.
{قيل أدخل الجنة} ظاهره أن أمر حقيقي.
وقيل: معناه وجبت لك الجنة، فهو خبر بأنه قد استحق دخولها، ولا يكون إلا بعد البعث، ولم يأت في القرآن أنه قتل.
فقال الحسن: لما أراد قومه قتله، رفعه الله إلى السماء، فهو في الجنة لا يموت إلا بفناء السموات وهلاكه الجنة، فإذا أعاد الله الجنة دخلها.
وقيل: لما قال ذلك، رفعوه إلى الملك، فطول معهم الكلام ليشغلهم عن قتل الرسل إلى أن صرح لهم بإيمانه، فوثبوا عليه فقتلوه بوطء الأرجل حتى خرج قلبه من دبره وألقي في بئر، وهي الرس.
وقال السدي: رموه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي، حتى مات.
وقال الكلبي: رموه في حفرة، وردوا التراب عليه فمات.
وعن الحسن: حرقوه حرقًا، وعلقوه في باب المدينة، وقبره في سور أنطاكية.
وقيل: نشروه بالمناشير حتى خرج من بين رجليه.
وعن قتادة: أدخله الله الجنة، وهو فيها حي يرزق.
أراد قوله تعالى: {بل أحياء عند ربهم يرزقون فرحين} وفي النسخة التي طالعنا من تفسير ابن عطية ما نصه.
وقرأ الجمهور: {فاسمعون} بفتح النون.
قال أبو حاتم: هذا خطأ لا يجوز لأنه أمر، فإما حذف النون، وإما كسرها على جهة البناء.
انتهى، يعني ياء المتكلم والنون للوقاية.
وقوله: وقرأ الجمهور وهم فاحش، ولا يكون، والله أعلم، إلا من الناسخ؛ بل القراء مجمعون فيما أعلم على كسر النون، سبعتهم وشواذهم، إلا ما روي عن عصمة عن عاصم من فتح النون، ذكره في الكامل مؤلف أبي القاسم الهذلي، ولعل ذلك وهم من عصمة.
وقال ابن عطية: هنا محذوف تواترت به الأحاديث والروايات، وهو أنهم قتلوه، فقيل له عند موته: {ادخل الجنة} وذلك، والله أعلم، بأن عرض عليه مقعده منها، وتحقق أنه من ساكنيها، فرأى ما أقر عينه، فلما حصل ذلك، تمنى أن يعلم قومه بذلك. انتهى.
وقول: {قي ادخل الجنة} كأنه جواب لسائل عن حاله عند لقاء ربه بعد ذلك التصلب في دينه فقيل: {ادخل الجنة} ولم يأت التركيب: قيل له، لأنه معلوم أنه المخاطب، وتمنيه علم قومه بذلك هو مرتب على تقدير سؤال عن ما وجد من قوله عند ذلك استيفاقًا ونصحًا لهم، أي لو علموا ذلك لآمنوا بالله.
وفي الحديث: «نصح قومه حيًا وميتًا» وقيل: تمنى ذلك ليعلموا أنهم كانوا على خطأ في أمره، وهو على صواب، فيندموا ويحزنهم ذلك ويبشر بذلك.
وموجود في طباع النشر أن من أصاب خيرًا في غير موطنه، ودَّ أن يعلم بذلك جيرانه وأترا به الذين نشأ فيهم.
وبلغنا أن الوزير ذنك الدين المسيري، وكان وزيرًا لملك مصر، راح إلى قريته التي كان منها، وهي مسير، وهي من أصغر قرى مصر، فقيل له في ذلك، فقال: أردت أن يراني عجائز مسير في هذه الحالة التي أنا فيها، قال الشاعر:
والعز مطلوب وملتمس ** وأحبه ما نيل في الوطن

والظاهر أن ما في قوله: {بما غفر لي ربي} مصدرية، جوزوا أن يكون بمعني الذي، والعائد محذوف تقديره: بالذي غفره لي ربي من الذنوب، وليس هذا بجيد، إذ يئول إلى تمني علمهم بالذنوب المغفرة، والذي يحسن تمني علمهم بمغفرة ذنوبه وجعله من المكرمين.
وأجاز الفراء أن تكون ما استفهامًا.
وقال الكسائي: لو صح هذا، يعني الاستفهام، لقال بم من غير ألف.
وقال الفراء: يجوز أن يقال بما بالألف، وأنشد فيه أبياتًا.
وقال الزمخشري: ويحتمل أن تكون استفهامية، يعني بأي شيء غفر لي ربي، يريد ما كان منه معهم من المصابرة لاعزاز دين الله حتى قيل: إن قولك {بما غفر لي ربي} يريد ما كان منه معهم بطرح الألف أجود، وإن كان إثباتها جائزًا فقال: قد علمت بما صنعت هذا وبم صنعت. انتهى.
والمشهور أن إثبات الألف في ما الاستفهامية، إذا دخل عليها حرف جر، مختص بالضرورة، نحو قوله:
على ما قام يشتمني لئيم ** كخنزير تمرغ في رماد

وحذفها هو المعروف في الكلام، نحو قوله:
على م يقول الرمح يثقل كاهلي ** إذا أنا لم أطعن إذا الخيل كرت

وقرئ: {من المكرمين} مشدد الراء مفتوح الكاف؛ والجمهور: بإسكان الكاف وتخفيف الراء. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تبارك وتعالى: {يس}.
قرأ حمزة بين الكسر والفتح.
وقرأ الكسائي بالإمالة.
وقرأ الباقون بالفتح.
وقرأ ابن عامر، والكسائي: {يس والقرءان} مدغم بالنون.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع وحمزة: بإظهار النون.
وكل ذلك جائز في اللغة.
وقرئ في الشاذ {يَاسِينَ} بنصب النون، ومعناه: اتل ياسين.
لأن يس اسم سورة.
وقراءة العامة بالتسكين، لأنها حروف هجاء، فلا تحتمل الإعراب مثل قوله تعالى: {الم} وروي عن ابن عباس في تفسير قوله: {يس} يعني: يا إنسان بلغة طيىء.
وهكذا قال مقاتل عن قتادة، والضحاك.
وروي عن محمد ابن الحنفية أنه قال: {يس} يعني: يا محمد.
وروى معمر عن قتادة قال: {يس} اسم من أسماء القرآن.
ويقال: افتتاح السورة.
وقال مجاهد: هذه فواتح السور يفتتح بها كلام رب العالمين.
وقال شهر بن حوشب.
قال كعب: {يس} قسم أقسم الله تعالى به قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام، فقال: {يس والقرءان الحكيم} ويا محمد {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وقال ابن عباس في قوله: {والقرءان الحكيم} أي: أحكم حلاله، وحرامه، وأمره، ونهيه.
ويقال: حكيم يعني: محكم من التناقض والعيب.
ويقال: {الحكيم} أي: الحاكم كالعليم.
يعني: العالم.
يعني: القرآن حاكم على جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى من قبل {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} فهذا جواب القسم، ومعناه: يا إنسان {والقرءان الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} يعني: رسولًا كسائر المرسلين جوابًا لقولهم: لست مرسلًا {على صراط مُّسْتَقِيمٍ} يعني: إنك على صراط مستقيم ويقال: هذا نعت للرسل يعني: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} الذين كانوا على صراط مستقيم، أي: على طريق الإسلام.
ثم قال عز وجل: {تَنزِيلَ العزيز الرحيم} قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم في إحدى الروايتين {تَنزِيلَ} بضم اللام ومعناه: هذا القرآن تنزيل أو هو تنزيل العزيز الرحيم، وقرأ الباقون {تَنزِيلَ} بالنصب، ومعناه: نزّله تنزيلًا فصار نصبًا بالمصدر.
ثم قوله تعالى: {لّتُنذِرَ} يعني: لتخوف بالقرآن {قَوْمًا مَّا أُنذِرَ ءابَاؤُهُمْ} يعني: كما أنذر آباؤهم الأولون {فَهُمْ غافلون} عن ذلك يعني: عما أنذر آباؤهم.
ثم قال عز وجل: {لَقَدْ حَقَّ القول} أي: وجب القول بالعذاب {على أَكْثَرِهِمْ} أي: على الكفار.
ويقال: {لَقَدْ حَقَّ القول} وهو قوله: {قَالَ اخرج مِنْهَا مَذْءُومًا مَّدْحُورًا لَّمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكُمْ أَجْمَعِينَ} [الأعراف: 18 وغيرها] ويقال: {القول} كناية عن العذاب أي: وجب عليهم العذاب {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني: لا يصدقون بالقرآن {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} قال مقاتل: نزلت في بني مخزوم، وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليدفعنه بحجر، فأتاه وهو يصلي، فرفع الحجر ليدمغه، فيبست يده إلى عنقه، والتزق الحجر بيده، ورجع إلى أصحابه، فخلصوا الحجر من يده.
ورجل آخر من بني المغيرة، أتاه ليقتله، فطمس الله على بصره، فلم يرَ النبي صلى الله عليه وسلم، وسمع قوله، فرجع إلى أصحابه، فلم يرهم حتى نادوه، فذلك قوله تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا فَهِىَ إِلَى الاذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} وذكر في رواية الكلبي نحو هذا، وقال بعضهم: {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} أي: نجعل في أعناقهم أغلالًا يوم القيامة.
ويقال: معناه {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} أي: جعلنا أيديهم ممسكة عن الخيرات، مجازاة لكفرهم.
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} أي: حائلًا لا يهتدون إلى الإسلام، ولا يبصرون الهدى، وقال بعضهم: {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} يعني: أيديهم.
ولم يذكر في الآية اليد، وفيها دليل، لأن الغل لا يكون إلا باليد إلى العنق.
فلما ذكر العنق فكأنما ذكر اليد.
وروي عن ابن عباس، وابن مسعود، أنهما قرآ: إنا جعلنا في {أيمانهم أغلالا}.
وقرأ بعضهم {فَى أَيْدِيهِمْ}.
وكل ذلك يرجع إلى معنى واحد.
لأنه لا يجوز أن يكون الغل بأحدهما دون الآخر كقوله: {والله جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظلالا وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الجبال أكنانا وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الحر وسرابيل تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ} [النحل: 81] ولم يذكر البرد لأن في الكلام دليلًا عليه.
ثم قال: {فَهِىَ إِلَى الاذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ} أي: رددنا أيديهم إلى أعناقهم {إِلَى الاذقان} أي: الحنك الأيسر {فَهُم مُّقْمَحُونَ} أي: رافعو الرأس إلى السماء، غاضّو الطرف لا يبصر موضع قدميه.
وقال قتادة: أي مغلولين من كل خير.
ثم قال عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} أي: ظلمة {ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} أي: ظلمة {فأغشيناهم} بالظلمة {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ وَسَوَاء عَلَيْهِمْ} الآية.
يعني: خوفتهم، اللفظ لفظ الاستفهام، والمراد به التوبيخ {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَءنذَرْتَهُمْ} يعني: خوفتهم {أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني: أم لم تخوفهم لا يصدقون.
إنما نزلت الآية في شأن الذين ماتوا على كفرهم، أو قتلوا على كفرهم.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية حفص {سَدّا} بنصب السين في كلاهما.
وقرأ الباقون بالضم.
وقال أبو عبيدة: قراءتنا بالضم لأنهما من فعل الله تعالى، وليس من فعل بني آدم.
وقال القتبي: المقمح الذي يرفع رأسه، ويغض بصره.
يقال: بعير قامح إذا روي من الماء فقمحت عيناه.
وقال: والسد الجبل {فأغشيناهم} يعني: أعمينا أبصارهم عن الهدى.
ثم قال عز وجل: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} يعني تخوف بالقرآن من اتبع الذكر، يعني من قبل الموعظة وسمع القرآن {وَخشِىَ الرحمن بالغيب} يعني: أطاعه في الغيب {فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} في الدنيا {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} في الآخرة.
ثم قال عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نُحْىِ الموتى} يعني: نبعثهم في الآخرة {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} يعني: نحفظ ما أسلفوا، وما عملوا من أعمالهم.
ويقال: {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} يعني: تكتب أعمالهم الكرام الكاتبون، وما عملوا من خير أو شر {وَءاثَارَهُمْ} يعني: ما استنوا من سنة خير أو شر عملوه، واقتدى بهم من بعدهم، فلهم مثل أجورهم، أو عليهم مثل أوزارهم من غير أن ينقص منه شيئًا، وهذا كقوله عز وجل: {بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} [القيامة: 14] وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم «مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ» إلى آخره وقال مجاهد: {وَءاثَارَهُمْ} يعني: خطاهم.
وروى مسروق أنه قال: مَا خَطَا عَبْدٌ خُطْوَةً إلاَّ كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةٌ أوْ سَيّئَةٌ.
وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: إن بني سلمة ذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم بعد منازلهم من المسجد.