فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يَا بَنِي سَلَمَةَ دِيَارُكُمْ فَإِنَّمَا تُكْتَبُ آثَارُكُمْ».
ثم قال: {وَكُلَّ شيء أحصيناه} أي: حفظناه وبيَّناه {فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني: في اللوح المحفوظ.
قوله عز وجل: {واضرب لَهُمْ مَّثَلًا} أي: وصف لهم شبهًا {أصحاب القرية} أهل القرية وهي أنطاكية {إِذْ جَاءهَا المرسلون} يعني: رسل عيسى عليه السلام {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين} قال مقاتل: هما تومان وطالوس {فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} يعني: قويناهما بثالث وهو شمعون وقرأ عاصم في رواية أبي بكر {فَعَزَّزْنَا} بالتخفيف، ومعناهما: غلبنا.
نقول: عزه يعزه إذا غلبه، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ هَذَآ أَخِى لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِى نَعْجَةٌ واحدة فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى في الخطاب} [ص: 23] يعني: غلبني في القول.
وقرأ الباقون: {فَعَزَّزْنَا} بالتشديد، ومعناه: قوينا، وشددنا الرسالة برسول ثالث، وذلك أن عيسى ابن مريم عليهما السلام رسول إلى أنطاكية.
وإنما كان إرساله بإذن الله عز وجل.
فأضاف إليه حيث قال: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين} ثم بعث بعد ذلك شمعون.
وروي في بعض الروايات أن عيسى عليه السلام أوصى إلى الحواريين أن يتفرقوا في البلدان.
ثم رفع عيسى إلى السماء، وكان مجيء الرسل بعدما رفع عيسى.
وفي بعض الروايات: أنه أرسل الرسل، ثم رفع، وكان للرسل من المعجزة ما للأنبياء عليهم السلام بدعاء عيسى عليه السلام فلما جاء الرسولان الأولان، ودخلا أنطاكية، وجعلا يناديان فيها بالإيمان بالرحمن، يعني: يدعوان إلى الإيمان بالله عز وجل، ويزجران أهلها عن عبادة الأصنام والشيطان، فأخذوهما شرط الملك، وأتَوْا بهما إلى الملك، فلما دخلا على الملك، قالا: إن الأوثان التي تعبدون ليست بشيء، وإن إلهاكم الله الذي في السماء، وأن من مات منكم صار إلى النار.
فغضب الملك، وجلدهما، وسجنهما، ثم حضر شمعون ودخل أنطاكية، وجاء إلى السجن فقال للسجان: ائذن لي حتى أدخل السجن، فإني أريد أن أدفع إلى كل واحد كسرة خبز، فأذن له.
فدخل وجعل يعطي لكل واحد كسرة خبز، حتى انتهى إلى صاحبيه، فقال لهما: إني أريد أن آتي الملك، وأطلب فكاككما، حتى أخلصكما، فإنكما لم تأتيا الأمر من قبل وجهه.
ألم تعلما أنكما لا تطاعان إلا بالرفق واللطف، وأن مثلكما مثل امرأة لم تلد زمانًا من دهرها ثم ولدت غلامًا، فأسرعت بشأنه، فأطعمته الخبز قبل أوانه، فغص بلقمة فمات.
فكذلك دعوتكما هذا الملك قبل أوان الدعاء، فأصابكما البلاء، ثم انطلق شمعون، وتركهما، فقعد عند بيت الأصنام، حتى إذا دخلوا بيت الأصنام، دخل في صلاتهم، فقام بين يدي تلك الأصنام يصلي، ويتضرع، ويسجد لله تعالى، ولا يشكون أنه على ملتهم، وأنه إنما يدعو آلهتهم، ففعل ذلك أيامًا، فذكروا ذلك للملك، فدعاه، وكلمه، وقال له: من أين أنت؟ فقال: أنا رجل من بني إسرائيل، وقد انقرض أهلي، وكنت بقيتهم، وجئت إلى أصحابك آنس بهم، وأسكن إليكم، فسأله الملك عن أشياء، فوجده حسن التدبير، والرأي فلبث فيهم ما شاء الله، فلما رأى أمره قد استقام، قال: يا أيها الملك إنِّي قد بلغني أنك سجنت رجلين منذ زمان يدعوانك إلى إله غير إلهاك، فهل لك أن تدعوهما، فأسمع كلاهما وأخاصمهما عنك؟ فقال الملك: نعم.
فدعاهما، وأقيما بين يديه، فقال لهما شمعون، أخبراني عن إلهاكما؟ فقالا: إنه يبرىء الأكمه والأبرص، فدعي برجل ولد أعمى فدعوا الله تعالى، فأبصر الأعمى.
قال شمعون: فأنا أفعل مثل ذلك.
فأتي بآخر، فدعا شمعون رضي الله عنه فبرىء، فقال لهما شمعون، لا فضل لكما عليّ بهذا.
ثم أتي برجل أبرص، فدعوا، فبرىء، وفعل شمعون بآخر مثل ذلك.
فقال لهما شمعون: فهل عندكما شيء غير هذا؟ فقالا: نعم إن ربنا يحيي الموتى.
فقال شمعون: أنا لا أقدر على ذلك.
ثم قال للملك: هل لك أن تأتي بالصنم فلعله يحيي الموتى، فيكون لك الفضل عليهما ولإلاهك؟ فقال الملك: إنك تعلم أنه لا يسمع، ولا يبصر، فكيف يحيي الموتى؟ ثم قال له شمعون سلهما هل يستطيعان أن يفعلا مثل ما قالا؟ فقال الملك: إن عندنا ميتًا قد مات منذ سبعة أيام، وكان لأبيه ضيعة قد خرج إليها وأهله ينتظرون قدومه، واستأذنوا في دفنه، فأمرهم أن يؤخروه حتى يحضر أبوه، فَأمَرَهم بإحضار ذلك الميت، فلم يزالا يدعوان الله تعالى، وشمعون يعينهما بالدعاء في نفسه، حتى أحياه الله تعالى.
فقال شمعون: أنا أشهد أنهما صادقان وأن إلههما حق، فاجتمع أهل المصر، وقالوا: إن كلمتهم كانت واحدة، فرجموهم بالحجارة، وجاء أب الغلام، فأسلم، وقتل أب الغلام أيضًا، وهو حبيب بن إسرائيل النجار.
ثم إن الله عز وجل بعث جبريل عليه السلام فصاح صيحة فماتوا كلهم، فذلك قوله تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُواْ} يعني: هؤلاء الثلاثة {إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} وأروهم العلامة.
قوله عز وجل: {قَالُواْ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} يعني: آدمي مثلنا {وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَىْء} يعني: لم يرسل الرسل من الآدميين {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} بأنكم رسل الله تعالى.
يعني: أرسلكم عيسى بأمر الله تعالى، فأنكروا ذلك {قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ} يعني: أن الرسل قالوا: {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} يعني: أرسلنا عيسى عليه السلام بأمر الله تعالى: {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} يعني: قال أهل أنطاكية: إنا تشاءمنا بكم، وهذا الذي يصيبنا من شؤمكم، وهو قحط المطر {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ} يعني: لنقتلنّكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ قَالُواْ طائركم مَّعَكُمْ} يعني: شؤمكم معكم، وبأعمالكم الخبيثة.
ويقال: إن الذي يصيبكم، كان مكتوبًا في أعناقكم، {أَءن ذُكّرْتُم} يعني: إن وعظتم بالله.
قرأ نافع وأبو عمرو {أَيْنَ} بهمزة واحدة ممدودة.
وقرأ الباقون بهمزتين.
وقرأ زر بن حبيش: {إن ذُكّرْتُم} بهمزة واحدة مع التخفيف والفتح.
يعني: لأنكم وعظتم؟ فلم تتعظوا.
ومن قرأ بالاستفهام فمعناه: إن وعظتم تطيرتم.
قالوا: هذا جوابًا لقولهم: {إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} ويقال: معناه {أَءن ذُكّرْتُم}.
يعني: حين وعظتم بالله تشاءمتم بنا.
ثم قال: {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} يعني: مشركون.
قوله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى المدينة} يعني: من وسط المدينة، وهو حبيب بن إسرائيل النجار {رَجُلٌ يسعى} يعني: يسعى في مشيه.
وقال بعضهم: هو الذي عاش ابنه بعد الموت، بدعاء الرسل، فجاء وأسلم.
وقال بعضهم: كان ابنه مريضًا، فبرىء بدعوة الرسل، فصدق بهم، فلما بلغه أن القوم أرادوا قتل الرسل، جاء ليمنع الناس عن قتلهم.
وقال قتادة: كان في غار يدعو ربه فلما بلغه مجيء الرسل أتاهم {قَالَ يَا قَوْمٌ اتبعوا المرسلين} يعني: دين المرسلين ثم قال للرسل هل تسألون على هذا أجرًا؟ فقالوا: لا.
فقال: للقوم {اتبعوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا} يعني: على الإيمان {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} يدعوكم إلى التوحيد.
فقال له قومه: تبرأت عن ديننا، واتبعت دين غيرنا.
فقال: {وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} يعني: خلقني.
قرأ حمزة وابن عامر في إحدى الروايتين: {وَمَا لِىَ} بسكون الياء.
وقرأ الباقون بالفتح.
وهما لغتان وكلاهما جائز.
ثم قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} يعني: تصيرون إليه بعد الموت، وهذا كقوله: {وَلاَ يَحْسَبَنَّ الذين يَبْخَلُونَ بِمَآ ءاتاهم الله مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ القيامة وَللَّهِ مِيرَاثُ السماوات والأرض والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران: 180] فقالوا له: ارجع إلى ديننا.
فقال حبيب: {أَءتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءالِهَةً} يعني: أعبد من دونه أصنامًا {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ} يعني: ببلاء وشدة إذا فعلت ذلك {لاَّ تُغْنِ عَنّى شفاعتهم شَيْئًا} يعني: لا تقدر الآلهة أن يشفعوا لي {وَلاَ يُنقِذُونَ} يعني: لا يدفعون عني الضرر {إِنّى إِذًا لَّفِى ضلال مُّبِينٍ} يعني: إني إذا فعلت ذلك لفي خسران بيّن {إِنّى ءامَنتُ بِرَبّكُمْ فاسمعون} يعني: فاشهدوني، وأعينوني بقول لا إله إلا الله.
وقال ابن عباس: أُلقي في البئر وهو الرس كما قال: {وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَآئِقٌ وَشَهِيدٌ} [ق: 12] وقال قتادة: قتلوه بالحجارة.
وهو يقول: رب اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
وقال مقاتل: أخذوه ووطئوه، تحت أقدامهم، حتى خرجت أمعاؤه، ثم ألقي في البئر، وقتلوا الرسل الثلاثة.
فلما ذهب بروح حبيب النجار إلى الجنة ف {قِيلَ} له {ادخل الجنة قَالَ يا ليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى} وذلك حين دخلها، وعاين ما فيها من النعيم، تمنى أن يسلم قومه فقال: {قَالَ يا ليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبّى} بالذي غفر لي ربي.
ويقال: بمغفرتي.
ويقال: بماذا غفر لي ربي؟ فلو علموا، لآمنوا بالرسل.
ثم قال: {وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} أي: الموحدين في الجنة، نصح لهم في حياته، وبعد وفاته. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {يس}.
فيه خمسة تأويلات:
أحدها: أنه اسم من أسماء القرآن، قاله قتادة.
الثاني: أنه اسم من أسماء الله تعالى أقسم به، قاله ابن عباس.
الثالث: أنه فواتح من كلام الله تعالى افتتح به كلامه، قاله مجاهد.
الرابع: أنه: يا محمد، قاله محمد بن الحنفية، وروى علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّانِي في القُرآنِ بِسَبْعَةِ أَسْمَاءَ: مُحَمَّدٍ وَأَحْمَدَ وَطه وَيس وَالمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَعَبدَ اللَّهِ».
الخامس: أنه يا إنسان: قاله الحسن، وعكرمة، والضحاك، وسعيد ابن جبير. ثم اختلفوا فيه فقال سعيد بن جبير وعكرمة هي بلغة الحبشة. وحكى الكلبي أنه بالسريانية وقال الشعبي: هو بلغة طيىء. وقال آخرون: هي بلغة كلب.
ويحتمل سادسًا: يئس من كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون مؤمنًا بالله، نفيًا للإيمان أن يكون إلا بالشهادتين، واليأس أبلغ في النفي من جميع ألفاظه، ثم أثبت رسالته بقسَمه فقال: {وَالْقُرْءَانِ الْحَكِيمِ إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: على شريعة واضحة.
الثاني: على حجة بينة.
قوله عز وجل: {لِّتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنهم قريش أنذروا بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ولم ينذر آباؤهم من قبلهم، قاله قتادة.
الثاني: أنه عام ومعناه لتنذر قومًا كما أنذر آباؤهم، قاله السدي.
{فَهُمْ غَافِلُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: عن قبول الإِنذار. الثاني: عن استحقاق العذاب.
قوله عز وجل: {لَقَدْ حَقَّ الْقَولُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} فيه وجهان:
أحدهما: معناه لقد وجب العذاب على أكثرهم، قاله السدي.
الثاني: لقد سبق علم الله في أكثرهم، قاله الضحاك.
وفي هذا القول الذي حق عليهم وجهان:
أحدهما: أنه الوعيد الذي أوجبه الله تعالى عليهم من العذاب.
الثاني: أنه الإِخبار عنهم بأنهم لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم.
{فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} يعني الأكثرية الذين حق القول عليهم، وهم الذين عاندوا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كفار قريش، وأكثرهم لم يؤمنوا فكان المخبر كالخبر.
قوله عز وجل: {إنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِِهِمْ أَغْلاَلًا} فيها ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه مثل ضربه الله تعالى لهم في امتناعهم من الهدى كامتناع المغلول من التصرف، قاله يحيى بن سلام.
الثاني: ما حكاه السدي أن ناسًا من قريش ائتمروا بالنبي صلى الله عليه وسلم فجاءوا يريدون ذلك فجعلت أيديهم إلى أعناقهم فلم يستطيعوا أن يبسطوا إليه يدًا.
الثالث: أن المراد به جعل الله سبحانه لهم في النار من الأغلال في أعناقهم ويكون الجعل ها هنا مأخوذًا من الجُعالة التي هي الأجرة كأن جعالتهم في النار الأغلال، حكاه ابن بحر.
وفي قوله: {فِي أَعْنَاقِهِمْ} قولان:
أحدهما: في أيديهم، فكنى بالأعناق عن الأيدي لأن الغُل يكون في الأيدي، قاله الكلبي، وحكى قطرب أنها في قراءة ابن عباس: {إنَّا جَعَلْنَا فِي أَيْمَانِهِم أَغْلاَلًا}.
الثاني: أنها في الأعناق حقيقة، لأن الأيدي تجمع في الغل إلى الأعناق، قاله ابن عباس {فَهِيَ إلَى الأَذْقَانِ} فيه وجهان:
أحدهما: إلى الوجوه فكنى عنها بالأذقان لأنها منها، قاله قتادة، أي قد غلت يده عند وجهه.
الثاني: أنها الأذقان المنحدرة عن الشفة في أسفل الوجه لأن أيديهم تماسها إذا علت.
{فَهُم مُّقْمَحُونَ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: رفع رءوسهم ووضع أيديهم على أفواههم، قاله مجاهد.
الثاني: هو الطامح ببصره إلى موطىء قدمه، قاله الحسن. الثالث: هو غض الطرف ورفع الرأس مأخوذ من البعير المقمح وهو أن يرفع رأسه ويطبق أجفانه في الشتاء إذا ورد ماء كريهًا، حكاه النقاش. وقال المبرد، وأنشد قول الشاعر:
ونحن على جوانبها قعود ** نغض الطرف كالإبل القماح

الرابع: هو أن يجذب ذقنه إلى صدره ثم يرفعه مأخوذ من القمح وهو رفع الشيء إلى الفم، حكاه عليّ بن عيسى وقاله أبو عبيدة.
قوله عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِن بَينِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها: يعني ضلالًا، قاله قتادة.
الثاني: سدًا عن الحق، قاله مجاهد.
الثالث: ظلمة سدت قريشًا عن نبي الله صلى الله عليه وسلم حين ائتمروا لقتله قاله السدي. قال عكرمة: ما صنع الله تعالى فهو السُدُّ بالضم، وما صنع الإنسان فهو السد بالفتح.