فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: فأغشيناهم بظلمة الكفر فهم لا يبصرون الهدى، قاله يحيى بن سلام، ومعنى قول مجاهد.
الثاني: فأغشيناهم بظلمة الليل فهم لا يبصرون محمدًا صلى الله عليه وسلم حين ائتمروا على قتله، قاله السدي، ومحمد بن كعب.
قوله عز وجل: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَن اتَّبَعَ الذِّكرَ} يعني القرآن.
{وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ} فيه وجهان:
أحدهما: ما يغيب به عن الناس من شر عمله، قاله السدي.
الثاني: ما غاب من عذاب الله وناره، قاله قتادة.
{فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} لذنبه.
{وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} لطاعته، وفيه وجهان:
أحدهما: أنه الكثير. الثاني: الذي تنال معه الكرامة.
قوله عز وجل: {إنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} فيه وجهان:
أحدهما: نحييهم بالإيمان بعد الكفر، قاله الضحاك.
الثاني: بالبعث للجزاء، قاله يحيى بن سلام.
{ونَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ} فيه تأويلان: أحدهما: ما قدموا هو ما عملوا من خير أو شر، وآثارهم ما أثروا من سنة حسنة أو سيئة يعمل بها بعدهم، قاله سعيد بن جبير.
الثاني: ما قدموا: أعمالهم، وآثارهم: خطاهم إلى المساجد، قاله مجاهد.
روى سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال: كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا أن ينتقلوا إلى قريب من المسجد، فنزلت: {إنَّا نَحْنُ نُحِيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُواْ وَءَاثَارَهُمْ} وقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: «إن آثَارَكُمْ تُكْتَبُ فَلَمْ يَنتَقِلُوا».
ويحتمل إن لم يثبت نقل هذا السبب تأويلًا ثالثًا أن آثارهم هو أن يصلح من صاحبهم بصلاحهم، أو يفسد بفسادهم.
{وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ} فيه وجهان:
أحدهما: علمناه.
الثاني: حفظناه.
{في إمَامٍ مُّبِينٍ} فيه ثلاثة أقاويل:
أحدهما: اللوح المحفوظ، قاله السدي. الثاني: أم الكتاب قاله مجاهد.
الثالث: معناه طريق مستقيم، قاله الضحاك.
قوله عز وجل: {وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ} هذه القرية هي أنطاكية من قول جميع المفسرين.
{إذْ أَرْسَلْنَآ إِلَيهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا} اختلف في اسميهما على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنهما شمعون ويوحنا، قاله شعيب.
الثاني: صادق وصدوق، قاله ابن عباس وكعب الأحبار ووهب بن منبه.
الثالث: سمعان ويحيى، حكاه النقاش.
{فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: فشددنا، قاله مجاهد.
الثاني: فزدنا، قاله ابن جريج.
الثالث: قوينا مأخوذ من العزة وهي القوة المنيعة، ومنه قولهم: من عز وبز: واختلف في اسمه على قولين:
أحدهما: يونس قاله شعيب.
الثاني: شلوم، قاله ابن عباس وكعب ووهب. وكان ملك أنطاكية أحد الفراعنة يعبد الأصنام مع أهلها، وكانت لهم ثلاثة أصنام يعبدونها، ذكر النقاش أن أسماءها رومس وقيل وارطميس.
واختلف في اسم الملك على قولين:
أحدهما: أن اسمه أنطيخس، قاله ابن عباس وكعب ووهب.
الثاني: انطرا، قاله شعيب.
قوله عز وجل: {مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} وهذا القول منهم إنكار لرسالته، ويحتمل وجهين:
أحدهما: أنكم مثلنا غير رسل وإن جاز أن يكون البشر رسلًا.
الثاني: إن مثلكم من البشر لا يجوز أن يكونوا رسلًا.
{وَمَآ أَنزَلَ الرَّحْمنُ مِن شَيْءٍ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون ذلك منهم إنكارًا للرحمن أن يكون إلهًا مرسلًا.
الثاني: أن يكون ذلك إنكارًا أن يكونوا للرحمن رسلًا.
{إنْ أَنتُمْ إِلاَّ تُكْذِبُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: تكذبون في أن لنا إلهًا.
الثاني: تكذبون في أن تكونوا رسلًا.
قوله عز وجل: {قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إنَّا إلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} فإن قيل يعلم الله تعالى أنهم لا تكون حجة عند الكفار لهم.
قيل يحتمل قولهم ذلك وجهين:
أحدهما: معناه ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون بما يظهره لنا من المعجزات، وقد قيل إنهم أحيوا ميتًا وأبرءوا زمِنًا.
الثاني: أن تمكين ربنا لنا إنما هو لعلمه بصدقنا.
واختلف أهل العلم فيهم على قولين:
أحدهما: أنهم كانوا رسلًا من الله تعالى إليهم.
الثاني: أنهم كانوا رسل عيسى عليه السلام من جملة الحواريين أرسلهم إليهم فجاز، لأنهم رسل رسول الله، أن يكونوا رسلًا لله، قاله ابن جريج.
{وَمَا عَلَيْنَآ إلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ} يعني بالإعجاز الدال على صحة الرسالة أن الذي على الرسل إبلاغ الرسالة وليس عليهم الإجابة، وإنما الإجابة على المدعوين دون الداعين.
قوله عز وجل: {قَالُواْ إنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: تشاءَمنا بكم، وعساهم قالوا ذلك لسوء أصابهم، قاله يحيى بن سلام. قيل إنه حبس المطر عن أنطاكية في أيامهم.
الثاني: معناه إن أصابنا شر فإنما هو من أجلكم، قاله قتادة: تحذيرًا من الرجوع عن دينهم.
الثالث: استوحشنا منكم فيما دعوتمونا إليه من دينكم.
{لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ} فيه ثلاثة أوجه: أحدها: لنرجمنكم بالحجارة، قاله قتادة.
الثاني: لنقتلنكم، قاله السدي.
الثالث: لنشتمنكم ونؤذيكم، قاله النقاش.
{وَلَيَمَسَّنَّكُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} فيه وجهان:
أحدهما: أنه القتل.
الثاني: التعذيب المؤلم قبل القتل.
قوله عز وجل: {قَالُواْ طَآئِرَكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: أن أعمالكم معكم أئن ذكرناكم بالله تطيرتم بنا، قاله قتادة.
الثاني: أن الشؤم معكم إن أقمتم على الكفر إذا ذكرتم، قاله ابن عيسى.
الثالث: معناه أن كل من ذكركم بالله تطيرتم به، حكاه بعض المتأخرين.
الرابع: أن عملكم ورزقكم معكم، حكاه ابن حسام المالكي.
{بَل أَنتُمْ قومٌ مُّسْرفُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: في تطيركم، قاله قتادة.
الثاني: مسرفون في كفركم، قاله يحيى بن سلام. وقال ابن بحر: السرف ها هنا الفساد ومعناه بل أنتم قوم مفسدون، ومنه قول الشاعر:
إن امرأ سرف الفؤاد يرى ** عسلًا بماءِ غمامة شتمي

وقيل: إن شمعون من بينهم أحيا بنت ملك أنطاكية من قبرها، فلم يؤمن أحد منهم غير حبيب النجار فإنه ترك تجارته حين سمع بهم وجاءهم مسرعًا فآمن، وقتلوا جميعًا وحبيب معهم، وألقوا في بئر. قال مقاتل: هم أصحاب الرس: ولما عرج بروح حبيب إلى الجنة تمنى فقال: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بَمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.
قوله عز وجل: {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} اختلف فيه على ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه كان إسكافًا، قاله عمربن عبد الحكيم.
الثاني: أنه كان قصارًا، قاله السدي.
الثالث: أنه كان حبيب النجار، قاله ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد.
{قَالَ يَا قَومِ اتَّبِعُواْ الْمُرْسَلِينَ} وفي علمه بنبوتهم وتصديقه لهم قولان:
أحدهما: لأنه كان ذا زمانة أو جذام فأبرءوه، قاله ابن عباس.
الثاني: لأنهم لما دعوه قال أتأخذون على ذلك أجرًا؟ قالوا لا، فاعتقد صدقهم وآمن بهم، قاله أبو العالية.
قوله عز وجل: {اتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون قال ذلك تنبيهًا على صدقهم.
الثاني: أن يكون قال ذلك ترغيبًا في أجابتهم.
{وُهُم مُّهْتَدُونَ} يحتمل وجهين:
أحدهما: مهتدون لهدايتكم.
الثاني: مهتدون فاهتدوا بهم.
قوله عز وجل: {وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي} أي خلقني {وَإِلَيهِ تُرْجَعُونَ} أي تبعثون. فإن قيل: فلم أضاف الفطرة إلى نفسه والبعث إليهم وهو معترف أن الله فطرهم جميعًا ويبعثهم إليه جميعًا؟
قيل: لأنه خلق الله تعالى له نعمة عليه توجب الشكر، والبعث في القيامة وعيد يقتضي الزجر، فكان إضافة النعمة، إلى نفسه إضافة شكر، وإضافة الزجر إلى الكافر أبلغ أثرًا.
قال قتادة: بلغني أنهم لما قال لهم: وما لي لا أعبد الذي فطرني وثبوا عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وهو يقول: يا رب اهدِ قومي، أحسبه قال: فإنهم لا يعلمون.
قوله عز وجل: {إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبِّكُم فَاسْمَعُونِ} فيه قولان:
أحدهما: أنه خاطب الرسل بذلك أنه يؤمن بالله ربهم {فَاسْمَعُونِ} أي فاشهدوا لي، قاله ابن مسعود.
الثاني: أنه خاطب قومه بذلك، ومعناه إني آمنت بربكم الذي كفرتم به فاسمعوا قولي، قاله وهب بن منبه.
قوله عز وجل: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ} فيه قولان:
أحدهما: أنه أمر بدخول الجنة.
الثاني: أنه أخبر بأنه قد استحق دخول الجنة لأن دخولها يستحق بعد البعث.
{قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ} في هذا التمني منه قولان:
أحدهما: أنه تمنى أن يعلموا حاله ليعلموا حسن مآله وحميد عاقبته.
الثاني: أنه تمنى ذلك ليؤمنوا مثل إيمانه فيصيروا إلى مثل حاله. قال ابن عباس: نصح قومه حيًا وميتًا.
ويحتمل قوله: {وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكرَمِينَ} وجهين:
أحدهما: ممن أكرمه بقبول عمله. الثاني: ممن أحله دار كرامته. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يس} اختلف القُراء فيه، فقرأ حمزة والكسائي وخلف في أكثر الروايات {يس} بكسر الياء بين اللفظين قراءة أهل المدينة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم.
الباقون بفتح الياء، وقرأ أبو جعفر وأبو عمرو وحمزة وأيوب وأبو حاتم وعاصم في أكثر الروايات، {يسين} بإظهار النون والسكون.
واختلف فيه عن نافع وابن كثير، فقرأ عيسى بن عمر: ياس بالنصب، شبهه ب أين وكيف، وقرأ ابن أبي إسحاق بكسر النون، شبهه بأمسِ ورقاشِ وحذامِ وقرأ هارون الأعور: بضم النون، شبهه بمنذُ وحيثُ وقطُّ. الآخرون: بإخفاء النون.
واختلف المفسرون في تأويله، فقيل: قسم، وقال ابن عباس: يعني يا إنسان بلغة طيىء عطا: بالسريانية، وقال أبو العالية: يا رجل، وقال سعيد بن جبير: يا محمّد، دليله قوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين}.
وقال السيد الحميري:
يا نفس لا تمحضي بالنصح جامدة ** على المودة إلاّ آل ياسينا

وقال أبو بكر الوراق: يا سيد البشر.
فإن قيل: لم عدّ {يس} آية ولم يعد {طس} [النمل: 1] آية؟
فالجواب أنّ {طس} [النمل: 1] أشبه قابيل من جهة الزنة والحروف الصحاح و{يس} أوله حرف علة وليس مثل ذلك في الأسماء المفردة، فأشبه الجملة والكلام التام وشاكل ما بعده من رءوس الآي.
{والقرآن الحكيم إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} وهو جواب لقول الكفار: لستَ مرسلًا.
{على صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ تَنزِيلَ} قرأ ابن عامر وأهل الكوفة بنصب اللام على المصدر كأنه قال: نزل تنزيلًا، وقيل: على الخروج من الوصف، وقرأ الآخرون بالرفع أي هو تنزيلُ {العزيز} الشديد المنع على الكافرين {الرحيم} بعباده وأهل طاعته.
{لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} في الفترة، وقيل: بما أُنذر آباؤهم {فَهُمْ غَافِلُونَ} عن الإيمان والرشد.
{لَقَدْ حَقَّ القول} وجب العذاب {على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ إِنَّا جَعَلْنَا} نزلت في أبي جهل وأصحابه المخزوميين، وذلك أنّ أبا جهل كان قد حلف لئن رأى محمدًا يُصلّي ليرضخن برأسه. فأتاه وهو يُصلي ومعه حجر ليدمغه فلما رفعه أثبتت يده إلى عنقه ولزق الحجر بيده. فلما عاد إلى أصحابه وأخبرهم بما رأى سقط الحجر، فقال رجل من بني مخزوم: أنا أقتله بهذا الحجر.
فأتاه وهو يُصلي ليرميه بالحجر فأعمى الله بصره فجعل يسمع صوته ولا يراه، فرجع إلى أصحابه فلم يرهم حتى نادوه وقالوا له: ما صنعت؟ فقال: ما رأيته، ولقد سمعت صوته وحال بيني وبينه كهيئة الفحل يخطر بذنبه لو دنوت منه لأكلني، فأنزل الله عز وجل: {إِنَّا جَعَلْنَا}.
{في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلًا فَهِىَ إِلَى الأذقان فَهُم مُّقْمَحُونَ} مغلولون، وأصل الإقماح غض البصر ورفع الرأس، يُقال: بعير مقمح إذا رفع رأسه وغض بصره، وبعير قامح إذا أروى من الماء فأقمح.