فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فأنزل الله تعالى: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} قيل هذا على وجه التمثيل، ولم يكن هناك غل، أراد منعناهم عن الإيمان بموانع فجعل الأغلال مثلًا لذلك وقيل حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال وقيل إنها موانع حسية منعت كما يمنع الغل وقيل إنها وصف في الحقيقة وهي ما سينزله الله بهم في النار {فهي} يعني الأيدي {إلى الأذقان} جمع ذقن وهو أسفل اللحيين لأن الغل بجمع اليد إلى العنق {فهم مقمحون} يعني رافعو رءوسهم مع غض البصر وقيل أراد أن الأغلال رفعت رءوسهم فهم مرفعوا الرءوس برفع الأغلال لها {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا} معناه منعناهم عن الإيمان بموانع فهم لا يستطيعون الخروج من الكفر إلى الإيمان كالمضروب أمامه وخلفه بالأسداد وقيل حجبناهم بالظلمة عن أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى: {فأغشيناهم} يعني فأعميناهم {فهم لا يبصرون} يعني سبيل الهدى {وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون} يعني من يرد الله إضلاله لم ينفعه الإنذار {إنما تنذر من اتبع الذكر} يعني إنما ينفع إنذارك من اتبع القرآن فعمل بما فيه {وخشي الرحمن بالغيب} أي خافه في السر والعلن {فبشره بمغفرة} يعني لذنوبه {وأجر كريم} يعني الجنة.
قوله تعالى: {إنا نحن نحيي الموتى} يعني للبعث {ونكتب ما قدموا} أي من الأعمال من خير وشر {وآثارهم} أي ونكتب ما سنوا من سنة حسنة أو سيئة م عن جرير بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سنَّ في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء ومن سنَّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» وقيل نكتب خطاهم إلى المسجد عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال كانت بنو سلمة في ناحية من المدينة فأرادوا النقلة إلى قرب المسجد فنزلت هذه الآية {إنا نحن نحيي الموتى ونكتب ما قدموا وآثارهم} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن آثاركم تكتب فلم ينتقلوا» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب خ عن أنس قال: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعرى المدينة فقال: «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟» فأقاموا.
قوله تعرى يعني تخلى فتترك عراء وهو الفضاء من الأرض الخالي الذي لا يستره شيء م.
عن جابر قال خلت البقاع حول المسجد فأراد بنو سلمة أن ينتقلوا قرب المسجد فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال لهم: «بلغني أنكم تريدون أن تنتقلوا قرب المسجد» فقالوا نعم يا رسول الله قد أردنا ذلك فقال: «بني سلمة دياركم تكتب آثاركم» فقالوا ما يسرنا إذا تحولنا.
قوله بني سلمة أي يا بني سلمة وقوله: دياركم أي الزموا دياركم ق.
عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعظم الناس أجرًا في الصلاة أبعدهم فأبعدهم ممشى، والذي ينتظر الصلاة حتى يصليها مع الإمام أعظم أجرًا من الذي يصلي ثم ينام».
قوله تعالى: {وكل شيء أحصيناه} أي حفظناه وعددناه وأثبتناه {في إمام مبين} يعني اللوح المحفوظ.
قوله: {واضرب لهم مثلًا} يعني صف لهم شبهًا مثل حالهم من قصة {أصحاب القرية} يعني أنطاكية {إذ جاءها المرسلون} يعني رسل عيسى.
ذكر القصة في ذلك قال العلماء بأخبار الأنبياء بعث عيسى عليه السلام رسولين من الحواريين إلى أهل إنطاكية فلما قربا من المدينة رأيا شيخًا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار صاحب ياسين فسلما عليه فقال الشيخ لهما من أنتما فقالا رسولا عيسى ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال الشيخ لهما أمعكما آية قالا نعم نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص بإذن الله قال الشيخ إن لي ابنًا مريضًا منذ سنين قالا: فانطلق بنا نطلع على حاله فأتى بهما إلى منزله فمسحا ابنه فقام في الوقت بإذن الله تعالى صحيحًا ففشا الخبر في المدينة وشفى الله تعالى على أيديهما كثيرًا من المرضى وكان لهم ملك يعبد الأصنام اسمه انطيخس وكان من ملوك الروم فانتهى خبرهما إليه فدعا بهما، وقال: من أنتما قالا: رسولا عيسى، قال: وفيم جئتما قالا ندعوك من عبادة ما لا يسمع ولا يبصر إلى عبادة من يسمع ويبصر فقال ولنا إله دون آلهتنا قالا نعم الذي أوجدك وآلهتك قال لهما: قوما حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس فأخذوهما وضربوهما وقال وهب بعث عيسى عليه السلام هذين الرجلين إلى أنطاكية فأتياها فلم يصلا إلى ملكها وطالت مدة مقامهما فخرج الملك ذات يوم فكبرا وذكرا الله تعالى فغضب الملك وأمر بهما فحبسا وجلد كل واحد منهما مائتي جلدة فلما كذبا وضربا بعث عيسى رأس الحواريين شمعون الصفا على أثرهما ليبصرهما فدخل شمعون البلد متنكرًا فجعل يعاشر حاشية الملك حتى أنسوا به فرفعوا خبره إلى الملك فدعاه وأنس به وأكرمه ورضي عشرته فقال للملك ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين وضربتهما حين دعواك إلى غير دينك فهل كلمتهما وسمعت قولهما، فقال: حال الغضب بيني وبين ذلك.
قوله تعالى: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما} قال وهب اسمهما يوحنا وبولس وقال كعب صادق وصدوق {فعززنا بثالث} يعني قوينا برسول ثالث وهو شمعون وقيل شلوم وإنما أضاف الله تعالى الإرسال إليه لأن عيسى إنما بعثهم بإذن الله {فقالوا} يعني لم يرسل رسولًا {إن أنتم إلا تكذبون} يعني فيما تزعمون {قالوا ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون} يعني وإن كذبتمونا {وما علينا إلا البلاغ المبين} أي بالآيات الدالة على صدقنا {قالوا إنا تطيرنا بكم} أي تشاءمنا منكم وذلك لأن المطر حبس عنهم فقالوا أصابنا ذلك بشؤمكم {لئن لم تنتهوا} أي تسكتوا عنا {لنرجمنكم} يعني لنقتلنكم وقيل بالحجارة {وليمسنكم منا عذاب أليم قالوا طائركم معكم} يعني شؤمكم معكم بكفركم وتكذيبكم يعني أصابكم الشؤم من قبلكم وقال ابن عباس حظكم من الخير والشر {أئن ذكرتم} معناه اطيرتم لأن ذكرتم ووعظتم {بل أنتم قوم مسرفون} أي في ضلالكم وشرككم متمادون في غيكم.
قوله: {وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى} هو حبيب النجار وقيل كان قصارًا وقال وهب كان يعمل الحرير وكان سقيمًا قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب من أبواب المسجد وكان مؤمنًا ذا صدقة يجمع كسبه فإذا أمسى قسمه نصفين نصف لعياله ويتصدق بنصفه فلما بلغه أن قومه كذبوا الرسل وقصدوا قتلهم جاءهم {قال يا قوم اتبعوا المرسلين} وقيل كان في غار يعبد ربه فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال لهم أتسألون على هذا أجرًا قالوا لا فأقبل على قومه وقال يا قوم اتبعوا المرسلين.
{اتبعوا من لا يسألكم أجرًا وهم مهتدون} أي لا تخسرون معهم شيئًا من دنياكم وتربحون صحة دينكم فيحصل لكم خير الدنيا والآخرة فلما قال ذلك قالوا له أو أنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم فقال: {ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون} قيل أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم لأن الفطرة أثر النعمة وكانت عليه أظهر والرجوع فيه معنى الزجر فكان بهم أليق وقيل معناه وأي شيء بي إذا لم أعبد خالقي وإليه تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم {أأتخذ من دونه آلهة} أي لا أتخذ من دونه آلهة {إن يردن الرحمن بضر} أي بسوء ومكروه {لا تغن عني} أي لا تدفع عني {شفاعتهم شيئًا} أي لا شفاعة لها فتغني عني {ولا ينقذون} أي من ذلك المكروه وقيل من العذاب {إني إذًا لفي ضلال مبين} أي خطأ ظاهر {إني آمنت بربكم فاسمعون} أي فاشهدوا لي بذلك قيل هو خطاب للرسل وقيل هو خطاب لقومه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه.
قال ابن مسعود ووطئوه بأرجلهم حتى خرج قصبه من دبره وقيل كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول اللهم اهد قومي حتى أهلكوه وقبره بأنطاكية فلما لقي الله تعالى: {قيل} له {ادخل الجنة} فلما أفضى إلى الجنة ورأى نعيمها {قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين} تمنى أن يعلم قومه أن الله تعالى غفر له وأكرمه ليرغبوا في دين الرسل فلما قتل غضب الله له فعجَّل لهم العقوبة فأمر جبريل فصاح بهم صيحة واحدة فماتوا عن آخرهم. اهـ.

.قال ابن جزي:

سورة يس:
قد تكلمنا في البقرة على حروف الهجاء وقيل: في يس إنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم وقيل: معناه يا إنسان.
{تَنزِيلَ} بالرفع خبر ابتداء مضمر وبالنصب مصدر أو مفعول بفعل مضمر {لِتُنذِرَ قَوْمًا} هم قريش ويحتمل أن يدخل معهم سائر العرب وسائر الأمم {مَّآ أُنذِرَ آبَآؤُهُمْ} ما نافية والمعنى: لم يرسل إليهم ولا لآبائهم رسول ينذرهم، وقيل: المعنى: لتنذر قومًا مثل ما أنذر آباؤهم، فما على هذا موصولة بمعنى الذي، أو مصدرية والأول أرجح لقوله: {فَهُمْ غَافِلُونَ} يعني أن غفلتهم بسبب عدم إنذارهم، وتكون بمعنى قولهم: ما أتاهم من نذير من قبلك ولا يعارض هذا بعث الأنبياء المتقدمين، فإن هؤلاء القوم لم يدركوهم ولا آبائهم الأقربون {لَقَدْ حَقَّ القول} أي سبق القضاء.
{إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلًا} الآية: فيها ثلاثة أقوال: الأول أنها عبارة عن تماديهم على الكفر، ومنع الله لهم من الإيمان، فشبههم بمن جعل في عنقه غل يمنعه من الالتفات، وغطى على بصره فصار لا يرى، والثاني أنها عبارة عن كفهم عن إذاية النبي صلى الله عليه وسلم حين أراد أبو جهل أن يرميه بحجر، فرجع عنه فزعًا مرعوبًا، والثالث: أن ذلك حقيقة في حالهم في جهنم، والأول أظهر وأرجح لقوله قبلها {فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} وقوله بعدها {وَسَوَاءُ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} {فَهِىَ إِلَى الأذقان} الذقن هي طرف الوجه حيث تنبت اللحية، والضمير للأغلال، وذلك أن الغل حلقة في العنق، فإذا كان واسعًا عريضًا وصل إلى الدقن فكان أشدّ على المغلول، وقيل: الضمير للأيدي على أنها لم يتقدم لها ذكر، ولكنها تفهم من سياق الكلام، لأن المغلول تضم يداه في الغل إلى عنقه، وفي مصحف ابن مسعود: {إِنَّا جَعَلْنَا في أَعْناقِهِمْ أَغْلاَلًا فَهِىَ إِلَى الأذقان}. وهذه القراءة تدل على هذا المعنى، وقد أنكره الزمخشري {فَهُم مُّقْمَحُونَ} يقال قمح البعير إذا رفع رأسه، وأقمحه غيره إذا فعل به ذلك، والمعنى أنهم لما اشتدت الأغلال حتى وصلت إلى أذقانهم اضطرت رءوسهم إلى الارتفاع، وقيل: معنى {مُّقْمَحُونَ} ممنوعون من كل خير.
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا} الآية: السّد الحائل بين الشيئين، وذلك عبارة عن منعم من الإيمان {فَأغْشَيْنَاهُمْ} أي غطينا على أبصارهم وذلك أيضًا مجاز يراد به إضلالهم {وَسَوَاءُ عَلَيْهِمْ} الآية: ذكرنا معناها وإعرابها في [البقرة: 6] {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} المعنى أن الإنذار لا ينفع إلا من اتبع الذكر وهو القرآن {وَخشِيَ الرحمن بالغيب} معناه كقولك: إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وقد ذكرناه في [فاطر: 18] {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} أي نبعثهم يوم القيامة، وقيل: أحياؤهم إخراجهم من الشرك إلى الإيمان، والأول أظهر {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ وَآثَارَهُمْ} أي ما قدموا من أعمالهم، وما تركوه بعدهم، كعلم علموه أو تحبيس جبسوه، وقيل: الأثر هنا: الخطا إلى المساجد، وجاء ذلك في الحديث {إِمَامٍ مُّبِينٍ} أي في كتاب وهو اللوح المحفوظ أو صحائف الأعمال.
{واضرب لَهُمْ مَّثَلًا} الضمير لقريش، ومثلًا وأصحاب القرية مفعولان بأضرب على القول بأنها تتعدى إلى مفعولين، وهو الصحيح والقرية أنطاكية {إِذْ جَاءَهَا المرسلون} هم من الحواريين الذين أرسلهم عيسى عليه الصلاة والسلام، يدعون الناس إلى عبادة الله، وقيل: بل هم رسل أرسلهم الله، ويدل على هذا قول قومهم: {مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا} فإن هذا إنما يقال: لمن ادعى أن الله أرسله {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} أي قوينا الاثنين برسول ثالث، قيل: اسمه شمعون {رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} أنما أكدوا الخبر هنا باللام لأنه جواب المنكرين، بخلاف الموضع الأول فإنه إخبار مجرد.
{قالوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} أي تشاءمنا بكم، وأصل اللفظة من زجر الطير ليستدل على ما يكون من شر أو خير، وإنما تشاءموا بهم لأنهم جاءوهم بدين غير دينهم، وقيل: وقع فيهم الجذام لما كفروا، وقيل: قحطوا {قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ} أي قال الرسل لأهل القرية: شؤمكم معكم؛ أي إنما الشؤم الذي أصابكم بسبب كفركم لا بسببنا {أَئِن ذُكِّرْتُم} دخلت همزة الاستفهام على حرف الشرط وفي الكلام حذف تقديره: أتطيرون أن ذكرتم.
{يسعى} أي يسرع بجده ونصيحته، وقيل: اسمه حبيب النجار {اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} أي هؤلاء المرسلون لا يسألونكم أجرة على الإيمان، فلا تخسرون معهم شيئًا من دنياكم، وترجعون معهم الاهتداء في دينكم {وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِي} المعنى أي شيء يمنعني من عبادة ربي؟ وهذا توقيف سؤال وإخبار عن نفسه قصد به البيان لقومه، ولذلك قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} فخاطبهم {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ} هذا وصف للآلهة، والمعنى: كيف أتخذ من دون الله آلهة لا يشفعون ولا ينقذونني من الضر {إني إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} أي إن اتخذت آلهة غير الله فإني لفي ضلال مبين {إني آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} خطاب لقومه أي: اسمعوا قولي واعملوا بنصيحتي، وقيل: خطاب للرسل ليشهدوا له.
{قِيلَ ادخل الجنة} قيل: محذوف يدل عليه الكلام، وروي في الأثر وهو أن الرجل لما نصح قومه قتلوه فلما مات قيل له: ادخل الجنة، واختلف هل دخلها حيث موته كالشهداء؟ أو هل ذلك بمعى البشارة بالجنة ورؤيته لمقعده منها؟ {قَالَ يا ليت قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي} تمنّى أن يعلم قومه بغفران الله له على إيمانه فيؤمنون، ولذلك ورد في الحديث أنه نصح لهم حيًا وميتًا، وقيل: أراد أن يعلموا ذلك فيندموا على فعلهم معه وينفعهم ذلك. اهـ.

.قال النسفي:

{يس}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما معناه يا إنسان في لغة طيء، وعن ابن الحنفية يا محمد، وفي الحديث: «إن الله سماني في القرآن بسبعة أسماء: محمد وأحمد وطه ويس والمزمل والمدثر وعبد الله» وقيل يا سيد.
{يَاسِين} بالإمالة: علي وحمزة وخلف وحماد ويحيى {والقرءان} قسم {الحكيم} ذي الحكمة أو لأنه دليل ناطق بالحكمة أو لأنه كلام حكيم فوصف بصفة المتكلم به {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} جواب القسم وهو رد على الكفار حين قالوا: {لَسْتَ مُرْسَلًا} [الرعد: 43] {على صراط مُّسْتَقِيمٍ} خبر بعد خبر أوصلة ل {المرسلين} أي الذين أرسلوا على صراط مستقيم أي طريقة مستقيمة وهو الإسلام {تَنزِيلَ} بنصب اللام: شامي وكوفي غير أبي بكر على اقرأ تنزيل أو على أنه مصدر أي نزل تنزيل، وغيرهم بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو تنزيل والمصدر بمعنى المفعول {العزيز} الغالب بفصاحة نظم كتابه أو هام ذوي العناد {الرحيم} الجاذب بلطافة معنى خطابه أفهام أولي الرشاد.
واللام في {لِتُنذِرَ قَوْمًا} متصل بمعنى المرسلين أي أرسلت لتنذر قومًا {مَّآ أُنذِرَ ءَابَآؤُهُمْ} ما نافية عند الجمهور أي قومًا غير منذر آباؤهم على الوصف بدليل قوله: {لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أتاهم مّن نَّذِيرٍ مّن قَبْلِكَ} [القصص: 46] {وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مّن نَّذِيرٍ} [سبأ: 44].
أو موصولة منصوبة على المفعول الثاني أي العذاب الذي أنذره آباؤهم كقوله: {إِنَّا أنذرناكم عَذَابًا قَرِيبًا} [النبأ: 40] أو مصدرية أي لتنذر قومًا إنذار آبائهم أي مثل إنذار آبائهم {فَهُمْ غافلون} إن جعلت ما نافية فهو متعلق بالنفي أي لم ينذروا فهم غافلون وإلا فهو متعلق بقوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين لّتُنذِرَ}.
كما تقول أرسلتك إلى فلان لتنذره فإنه غافل أو فهو غافل {لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} يعني قوله: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 13] أي تعلق بهم هذا القول وثبت عليهم ووجب لأنهم ممن علم أنهم يموتون على الكفر.