فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم مثل تصميمهم على الكفر وأنه لا سبيل إلى ارعوائهم بأن جعلهم كالمغلولين المقمحين في أنهم لا يلتفتون إلى الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رءوسهم له، وكالحاصلين بين سدين لا يبصرون ما قدامهم ولا ما خلفهم في أن لا تأمل لهم ولا تبصر، وأنهم متعامون عن النظر في آيات الله بقوله: {إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا فَهِىَ إِلَى الأذقان} معناه فالأغلال واصلة إلى الأذقان ملزوزة إليها {فَهُم مُّقْمَحُونَ} مرفوعة رءوسهم.
يقال: قمح البعير فهو قامح إذا روي فرفع رأسه وهذا لأن طوق الغل الذي في عنق المغلول يكون في ملتقى طرفيه تحت الذقن حلقة فيها رأس العمود خارجًا من الحلقة إلى الذقن فلا يخليه يطأطىء رأسه فلا يزال مقمحًا {وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} بفتح السين: حمزة وعلي وحفص.
وقيل: ما كان من عمل الناس فبالفتح، وما كان من خلق الله كالجبل ونحوه فبالضم {فأغشيناهم} فأغشينا أبصارهم أي غطيناها وجعلنا عليها غشاوة {فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} الحق والرشاد.
وقيل: نزلت في بني مخزوم وذلك أن أبا جهل حلف لئن رأى محمدًا يصلي ليرضخن رأسه، فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه به، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد فرجع إلى قومه فأخبرهم فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره {وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} أي سواء عليهم الإنذار وتركه، والمعنى من أضله الله هذا الإضلال لم ينفعه الإنذار.
ورُوي أن عمر بن عبد العزيز قرأ الآية على غيلان القدري فقال: كأني لم أقرأها أشهدك أني تائب عن قولي في القدر.
فقال عمر: اللهم إن صدق فتب عليه وإن كذب فسلط عليه من لا يرحمه، فأخذه هشام بن عبد الملك من عنده فقطع يديه ورجليه وصلبه على باب دمشق {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتبع الذكر} أي إنما ينتفع بإنذارك من اتبع القرآن {وَخشِىَ الرحمن بالغيب} وخاف عقاب الله ولم يره {فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ} وهي العفو عن ذنوبه {وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} أي الجنة.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيىِ الموتى} نبعثهم بعد مماتهم أو نخرجهم من الشرك إلى الإيمان {وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} ما أسلفوا من الأعمال الصالحات وغيرها {وَءَاثَارَهُمْ} ما هلكوا عنه من أثر حسن كعلم علّموه أو كتاب صنّفوه أو حبيس حبّسوه أو رباط أو مسجد صنعوه أو سيء كوظيفة وظفها بعض الظلمة، وكذلك كل سنة حسنة أو سيئة يستن بها ونحوه قوله تعالى: {يُنَبَّأُ الإنسان يَوْمَئِذِ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة: 13] قدم من أعماله وأخر من آثاره.
وقيل: هي خطاهم إلى الجمعة أو إلى الجماعة {وَكُلَّ شيء أحصيناه} عددناه وبيناه {فِى إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني اللوح المحفوظ لأنه أصل الكتب ومقتداها.
{واضرب لَهُمْ مَّثَلًا أصحاب القرية} ومثل لهم من قولهم عندي من هذا الضرب كذا أي من هذا المثال، وهذه الأشياء على ضرب واحد أي على مثال واحد، والمعنى واضرب لهم مثلًا مثل أصحاب القرية أي أنطاكية، أي اذكر لهم قصة عجيبة قصة أصحاب القرية، والمثل الثاني بيان للأول.
وانتصاب {إِذْ} بأنه بدل من {أصحاب القرية} {جَاءَهَا المرسلون} رسل عيسى عليه السلام إلى أهلها بعثهم دعاة إلى الحق وكانوا عبدة أوثان {إِذْ} بدل من {إِذْ} الأولى {أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ} أي أرسل عيسى بأمرنا {اثنين} صادقًا وصدوقًا، فلما قربا من المدينة رأيا شيخًا يرعى غنيمات له وهو حبيب النجار فسأل عن حالهما فقالا: نحن رسولا عيسى، ندعوكم من عبادة الأوثان إلى عبادة الرحمن فقال: أمعكما آية؟ فقالا: نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص، وكان له ابن مريض مدة سنتين فمسحاه فقام، فآمن حبيب وفشا الخبر فشفي على أيديهما خلق كثير، فدعاهما الملك وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟ قالا: نعم من أوجدك وآلهتك.
فقال: حتى أنظر في أمركما فتبعهما الناس وضربوهما.
وقيل: حبسا ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرًا وعاشر حاشية الملك حتى استأنسوا به ورفعوا خبره إلى الملك فأنس به فقال له ذات يوم: بلغني أنك حبست رجلين فهل سمعت قولهما؟ قال: لا.
فدعاهما فقال شمعون: من أرسلكما؟ قالا: الله الذي خلق كل شيء ورزق كل حي وليس له شريك.
فقال: صفاه وأوجزا.
قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
قال: وما آيتكما؟ قالا: ما يتمنى الملك.
فدعا بغلام أكمه فدعوا الله فأبصر الغلام.
فقال له شمعون: أرأيت لو سألت إلهك حتى يصنع مثل هذا فيكون لك وله الشرف؟ قال الملك: ليس لي عنك سر إن إلهنا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر ولا ينفع.
ثم قال: إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فدعوا بغلام مات من سبعة أيام فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار لما مت عليه من الشرك وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا.
وقال: فتحت أبواب السماء فرأيت شابًا حسن الوجه يشفع لهؤلاء الثلاثة.
قال الملك: ومن هم؟ قال: شمعون وهذان، فتعجب الملك.
فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن وآمن قوم، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل فهلكوا.
{فَكَذَّبُوهُمَا} فكذب أصحاب القرية الرسولين {فَعَزَزْنَا} فقويناهما، {فَعَزَّزْنَا} أبو بكر من عزّه يعزّه إذا غلبه أي فغلبنا وقهرنا {بِثَالِثٍ} وهو شمعون وترك ذكر المفعول به لأن المراد ذكر المعزز به وهو شمعون وما لطف فيه من التدبير حتى عز الحق وذل الباطل، وإذا كان الكلام منصبًا إلى غرض من الأغراض جعل سياقه له وتوجهه إليه كأن ما سواه مرفوض {فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} أي قال الثلاثة لأهل القرية {قَالُواْ} أي أصحاب القرية {مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} رفع {بشر} هنا ونصب في قوله: {مَا هذا بَشَرًا} [يوسف: 31] لانتقاض النفي ب إلا فلم يبق لما شبه بليس وهو الموجب لعمله {وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَىْءٍ} أي وحيًا {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} ما أنتم إلا كذبة.
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} أكد الثاني باللام دون الأول لأن الأول ابتداء إخبار والثاني جواب عن إنكار فيحتاج إلى زيادة تأكيد.
و{رَبُّنَا يَعْلَمُ} جارٍ مجرى القسم في التوحيد وكذلك قولهم شهد الله وعلم الله {وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين} أي التبليغ الظاهر المكشوف بالآيات الشاهدة بصحته {قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم وذلك أنهم كرهوا دينهم ونفرت منه نفوسهم، وعادة الجهال أن يتيمنوا بكل شيء مالوا إليه وقبلته طباعهم ويتشاءموا بما نفروا عنه وكرهوه، فإن أصابهم بلاء أو نعمة قالوا بشؤم هذا وبركة ذلك.
وقيل: حبس عنهم المطر فقالوا ذلك {لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عن مقالتكم هذه {لَنَرْجُمَنَّكُمْ} لنقتلنكم أو لنطردنكم أو لنشتمنكم {وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} وليصيبنكم عذاب النار وهو أشد عذاب {قَالُواْ طائركم} أي سبب شؤمكم {مَّعَكُمْ} وهو الكفر {أئِن} بهمزة الاستفهام وحرف الشرط: كوفي وشامي {ذُكِّرْتُم} وعظتم ودعيتم إلى الإسلام، وجواب الشرط مضمر وتقديره تطيرتم، {آين} بهمزة ممدودة بعدها ياء مكسورة: أبو عمرو، و{أَيْنَ} بهمزة مقصورة بعدها ياء مسكورة: مكي ونافع.
{ذكرتم} بالتخفيف: يزيد {بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} مجاوزون الحد في العصيان فمن ثم أتاكم الشؤم من قبلكم لا من قبل رسل الله وتذكيرهم، أو بل أنتم مسرفون في ضلالكم وغيكم حيث تتشاءمون بمن يجب التبرك به من رسل الله.
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى المدينة رَجُلٌ يسعى} هو حبيب النجار وكان في غار من الجبل يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه وقال: أتسألون على ما جئتم به أجرًا؟ قالوا: لا {قَالَ ياقوم اتبعوا المرسلين اتبعوا مَن لاَّ يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا} على تبليغ الرسالة {وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} أي الرسل: فقالوا: أو أنت على دين هؤلاء؟ فقال: {وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} خلقني {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وإليه مرجعكم، {وَمَا لِى} حمزة.
{ءَأَتَّخِذُ} بهمزتين: كوفي {مِن دُونِهِ ءَالِهَةً} يعني الأصنام {إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرٍّ} شرط جوابه {لاَّ تُغْنِ عَنِّى شفاعتهم شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ} من مكروه، {ولا ينقذوني} {فاسمعوني} في الحالين: يعقوب {إِنِّى إِذًا} أي إذا اتخذت {لَفِى ضلال مُّبِينٍ} ظاهر بين.
ولما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحو الرسل قبل أن يقتل فقال لهم {إِنِّى ءَامَنتُ بِرَبِّكُمْ فاسمعون} أي اسمعوا إيماني لتشهدوا لي به.
ولما قتل {قِيلَ} له {ادخل الجنة} وقبره في سوق أنطاكية.
ولم يقل قيل له لأن الكلام سيق لبيان المقول لا لبيان المقول له مع كونه معلومًا، وفيه دلالة أن الجنة مخلوقة.
وقال الحسن: لما أراد القوم أن يقتلوه رفعه الله إليه وهو في الجنة ولا يموت إلا بفناء السماوات والأرض، فلما دخل الجنة ورأى نعيمها {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِى رَبِّى} أي بمغفرة ربي لي أو بالذي غفر لي {وَجَعَلَنِى مِنَ المكرمين} بالجنة. اهـ.

.قال البيضاوي:

سورة يس مكية، وعنه عليه الصلاة والسلام: «يس تدعى المعمة تعم صاحبها خير الدارين والدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة».
وآيها ثلاث وثمانون آية.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.
{يس} في المعنى والإِعراب، وقيل معناه يا إنسان بلغة طيء، على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل من الله في أيمن. وقرئ بالكسر كجير وبالفتح على البناء كأين، أو الإِعراب على اتل يس أو بإضمار حرف القسم والفتحة لمنع الصرف وبالضم بناء كحيث، أو إعرابًا على هذه {يس} وأمال الياء حمزة والكسائي وروح وأبو بكر وأدغم النون في واو.
{والقرءان الحكيم} ابن عامر والكسائي وأبو بكر وورش ويعقوب، وهي واو القسم أو العطف إن جعل {يس} مقسمًا به.
{إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} لمن الذين أرسلوا.
{على صراط مُّسْتَقِيمٍ} وهو التوحيد والإِستقامة في الأمور، ويجوز أن يكون {على صراط} خبرًا ثانيًا أو حالًا من المستكن في الجار والمجرور، وفائدته وصف الشرع صريحًا بالاستقامة وإن دل عليه {لَمِنَ المرسلين} التزامًا.
{تَنزِيلَ العزيز الرحيم} خبر محذوف والمصدر بمعنى المفعول. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص بالنصب بإضمار أعني أو فعله على أنه على أصله، وقرئ بالجر على البدل من القرآن.
{لِتُنذِرَ قَوْمًا} متعلق ب {تَنزِيلَ} أو بمعنى {لَمِنَ المرسلين}.
{مَّا أُنذِرَ ءَابَاؤُهُمْ} قومًا غير منذر آباؤهم يعني آباءَهم الأقربين لتطاول مدة الفترة، فيكون صفة مبينة لشدة حاجتهم إلى إرساله، أو الذي أنذر به أو شيئًا أنذر به آباؤهم الأبعدون، فيكون مفعولًا ثانيًا {لّتُنذِرَ} أو إنذار آبائَهم على المصدر.
{فَهُمْ غافلون} متعلق بالنفي على الأول أي لم ينذروا فبقوا غافلين، أو بقوله: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} على الوجوه الأخرى أي أرسلناك إليهم لتنذرهم فإنهم غافلون.
{لَقَدْ حَقَّ القول على أَكْثَرِهِمْ} يعني قوله تعالى: {لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} لأنهم ممن علم الله أنهم لا يؤمنون.
{إِنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالا} تقرير لتصميمهم على الكفر والطبع على قلوبهم بحيث لا تغني عنهم الآيات والنذر، بتمثيلهم بالذين غلت أعناقهم.
{فَهِىَ إِلَى الأذقان} فالأغلال واصلة إلى أذقانهم فلا تخليهم يطأطئون رءوسهم له.
{فَهُم مُّقْمَحُونَ} رافعون رءوسهم غاضون أبصارهم في أنهم لا يلتفتون لفت الحق ولا يعطفون أعناقهم نحوه ولا يطأطئون رءوسهم له.
{وَجَعَلْنَا مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا ومِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فأغشيناهم فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ} وبمن أحاط بهم سدان فغطى أبصارهم بحيث لا يبصرون قدامهم ووراءهم في أنهم محبوسون في مطمورة الجهالة ممنوعون عن النظر في الآيات والدلائل. وقرأ حمزة والكسائي وحفص {سَدّا} بالفتح وهو لغة فيه، وقيل ما كان بفعل الناس فبالفتح وما كان بخلق الله فبالضم.
وقرئ: {فأعشيناهم} من العشاء. وقيل الآيتان في بني مخزوم حلف أبو جهل أن يرضخ رأس النبي صلى الله عليه وسلم فأتاه وهو يصلي ومعه حجر ليدمغه، فلما رفع يده انثنت إلى عنقه ولزق الحجر بيده حتى فكوه عنها بجهد، فرجع إلى قومه فأخبرهم، فقال مخزومي آخر: أنا أقتله بهذا الحجر فذهب فأعمى الله بصره.
{وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَءَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤمِنُونَ} سبق في سورة البقرة تفسيره.
{إِنَّمَا تُنذِرُ} إنذارًا يترتب عليه البغية المرومة.
{مَنِ اتبع الذكر} أي القرآن بالتأمل فيه والعمل به.
{وَخشِىَ الرحمن بالغيب} وخاف عقابه قبل حلوله ومعاينة أهواله، أو في سريرته ولا يغتر برحمته فإنه كما هو رحمن، منتقم قهار.
{فَبَشّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ}.
{إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى} الأموات بالبعث أو الجهال بالهداية.
{وَنَكْتُبُ مَاَ قَدَّمُواْ} ما أسلفوا من الأعمال الصالحة والطالحة.
{وَءَاثَارَهُمْ} الحسنة كعلم علموه وحبيس وقفوه، والسيئة كإشاعة باطل وتأسيس ظلم.
{وَكُلَّ شيء أحصيناه في إِمَامٍ مُّبِينٍ} يعني اللوح المحفوظ.
{واضرب لَهُم} ومثل لهم من قولهم هذه الأشياء على ضرب واحد أي مثال واحد، وهو يتعدى إلى مفعولين لتضمنه معنى الجعل وهما: {مَّثَلًا أصحاب القرية} على حذف مضاف أي اجعل لهم مثل أصحاب القرية مثلًا، ويجوز أن يقتصر على واحد ويجعل المقدر بدلًا من الملفوظ أو بيانًا له، والقرية انطاكية.
{إِذْ جَاءَهَا المرسلون} بدل من أصحاب القرية، و{المرسلون} رسل عيسى عليه الصلاة والسلام إلى أهلها وإضافته إلى نفسه في قوله: {إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثنين} لأنه فعل رسوله وخليفته وهما يحيى ويونس، وقيل غيرهما.
{فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا} فقوينا، وقرأ أبو بكر مخففًا من عزه إذا غلبه وحذف المفعول لدلالة ما قبله عليه ولأن المقصود ذكر المعزز به.
{بِثَالِثٍ} وهو شمعون.
{فَقَالُواْ إِنَّا إِلَيْكُمْ مُّرْسَلُونَ} وذَلِكَ أنهم كانوا عبدة أصنام فأرسل إليهم عيسى عليه السلام اثنين، فلما قربا من المدينة رأيا حبيبًا النجار يرعى غنمًا فسألهما فأخبراه فقال: أمعكما آية فقالا: نشفي المريض ونبرىء الأكمه والأبرص، وكان له ولد مريض فمسحاه فبرأ فآمن حبيب وفشا الخبر، فشفي على أيديهما خلق كثير وبلغ حديثهما إلى الملك وقال لهما: ألنا إله سوى آلهتنا؟