فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالا: نعم من أوجدك وآلهتك، قال حتى أنظر في أمركما فحبسهما، ثم بعث عيسى شمعون فدخل متنكرًا وعاشر أصحاب الملك حتى استأنسوا به وأوصلوه إلى الملك فأنس به، فقال له يومًا: سمعت أنك حبست رجلين فهل سمعت ما يقولانه، قال فدعاهما فقال شمعون من أرسلكما قالا: الله الذي خلق كل شيء وليس له شريك، فقال صفاه وأوجزا، قالا: يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، قال وما آيتكما، قالا: ما يتمنى الملك، فدعا بغلام مطموس العينين فدعوا الله حتى انشق له بصره، وأخذا بندقتين فوضعاهما في حدقتيه فصارتا مقلتين ينظر بهما، فقال شمعون أرأيت لو سألت آلهتك حتى تصنع مثل هذا حتى يكون لك ولها الشرف، قال ليس لي عنك سر آلهتنا لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع، ثم قال إن قدر إلهكما على إحياء ميت آمنا به، فأتوا بغلام مات منذ سبعة أيام فدعوا الله فقام وقال: إني أدخلت في سبعة أودية من النار وأنا أحذركم ما أنتم فيه فآمنوا، وقال فتحت أبواب السماء فرأيت شابًا حسنًا يشفع لهؤلاء الثلاثة فقال الملك من هم قال شمعون وهذان فلما رأى شمعون أن قوله قد أثر فيه نصحه فآمن في جمع، ومن لم يؤمن صاح عليهم جبريل عليه الصلاة والسلام فهلكوا.
{قَالُواْ مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا} لا مزية لكم علينا تقتضي اختصاصكم بما تدعون، ورفع بشر لانتقاض النفي المقتضي إعمال ما بإلا.
{وَمَا أَنَزلَ الرحمن مِن شَىْءٍ} وحي ورسالة.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ} في دعوى الرسالة.
{قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ} استشهدوا بعلم الله وهو يجري مجرى القسم، وزادوا اللام المؤكدة لأنه جواب عن إنكارهم.
{وَمَا عَلَيْنَا إِلاَّ البلاغ المبين} الظاهر البين بالآيات الشاهدة لصحته، وهو المحسن للاستشهاد فإنه لا يحسن إلا ببينة.
{قَالُواْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ} تشاءمنا بكم، وذلك لاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له وتنفرهم عنه.
{لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ} عن مقالتكم هذه.
{لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
{قَالُواْ طائركم مَّعَكُمْ} سبب شؤمكم معكم وهو سوء عقيدتكم وأعمالكم، وقرئ: {طيركم معكم}.
{أَئِن ذُكّرْتُم} وعظتم، وجواب الشرط محذوف مثل تطيرتم أو توعدتم بالرجم والتعذيب، وقد قرئ بألف بين الهمزتين وبفتح أن بمعنى أتطيرتم لأن ذكرتم وأن بغير الاستفهام و{أين ذكرتم} بمعنى طائركم معكم حيث جرى ذكركم وهو أبلغ.
{بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ} قوم عادتكم الإِسراف في العصيان فمن ثم جاءكم الشؤم، أو في الضلال ولذلك توعدتم وتشاءمتم بمن يجب أن يكرم ويتبرك به.
{وَجَاءَ مِنْ أَقْصَا المدينة رَجُلٌ يسعى} هو حبيب النجار وكان ينحت أصنامهم وهو ممن آمن بمحمد عليه الصلاة والسلام وبينهما ستمائة سنة، وقيل كان في غار يعبد الله فلما بلغه خبر الرسل أتاهم وأظهر دينه.
{قَالَ يَا قَوْمِ اتبعوا المرسلين}.
{اتبعوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا} على النصح وتبليغ الرسالة.
{وَهُمْ مُّهْتَدُونَ} إلى خير الدارين.
{وَمَا لِىَ لاَ أَعْبُدُ الذي فَطَرَنِى} على قراءة غير حمزة فإنه يسكن الياء في الوصل، تلطف في الإِرشاد بإيراده في معرض المناصحة لنفسه وإمحاض النصح، حيث أراد لهم ما أراد لها والمراد تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال: {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} مبالغة في التهديد ثم عاد إلى المساق الأول فقال: {أَءَتَّخِذُ مِن دُونِهِ ءَالِهَةً إِن يُرِدْنِ الرحمن بِضُرّ لاَّ تُغْنِ عَنّي شفاعتهم شَيْئًا} لا تنفعني شفاعتهم.
{وَلاَ يُنقِذُونَ} بالنصرة والمظاهرة.
{إِنِّى إِذًا لَّفِى ضلال مُّبِينٍ} فإن إيثار ما لا ينفع ولا يدفع ضرًا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال بين لا يخفى على عاقل، وقرأ نافع ويعقوب وأبو عمرو بفتح الياء.
{إِنِّي ءَامَنتُ بِرَبّكُمْ} الذي خلقكم، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بفتح الياء.
{فاسمعون} فاسمعوا إيماني، وقيل الخطاب للرسل فإنه لما نصح قومه أخذوا يرجمونه فأسرع نحوهم قبل أن يقتلوه.
{قِيلَ ادخل الجنة} قيل له ذلك لما قتلوه بشرى له بأنه من أهل الجنة، أو إكرامًا وإذنًا في دخولها كسائر الشهداء، أو لما هموا بقتله رفعه الله إلى الجنة على ما قاله الحسن وإنما لم يقل له لأن الغرض بيان المقول دون المقول له فإنه معلوم، والكلام استئناف في حيز الجواب عن السؤال عن حاله عند لقاء ربه بعد تصلبه في نصر دينه وكذلك: {قَالَ ياليت قَوْمِى يَعْلَمُونَ}.
{بِمَا غَفَرَ لِي رَبّي وَجَعَلَنِي مِنَ المكرمين} فإنه جواب عن السؤال عن قوله عند ذلك القول، وإنما تمنى علم قومه بحاله ليحملهم على اكتساب مثلها بالتوبة عن الكفر والدخول في الإِيمان والطاعة على دأب الأولياء في كظم الغيظ والترحم على الأعداء، أو ليعلموا أنهم كانوا على خطأ عظيم في أمره وأنه كان على حق، وقرئ {المكرمين} و ما خبرية أو مصدرية والباء صلة {يَعْلَمُونَ} أو استفهامية جاء على الأصل، والباء صلة غفر أي بأي شيء {غَفَرَ} لي، يريد به المهاجرة عن دينهم والمصابرة على أذيتهم. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

سورة يس مكية وهي ثلاث وثمانون آية، وسبعمائة وتسعةوعشرون كلمة، وثلاثة آلاف حرف.
وتسمى أيضًا: القلب والدافعة والقاضية والمعممة تعم صاحبها بخير الدارين، وتدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة، والبيضاوي ذكر هذه التسمية عن النبي صلى الله عليه وسلم قال شيخنا القاضي زكريا: لم أره ولكن المثبت مقدم على النافي.
{بسم الله} أي: الذي جل ملكه على أن يحاط بمقدراه {الرحمن} الذي جعل إنذار يوم الجمع رحمة عامة {الرحيم} الذي أنار قلوب أوليائه بالاجتهاد ليوم لقائه وقوله تعالى: {يس} كألم في المعنى والإعراب.
وقال ابن عباس: يس قسم، وروي عن شعبة أن معناه يا إنسان بلغة طيء على أن أصله يا أنيسين فاقتصر على شطره لكثرة النداء به كما قيل: م الله في أيمن الله، وقال أكثر المفسرين: يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم قاله الحسن وسعيد بن جبير وجماعة وقال أبو العالية: يا رجل وقال أبو بكر الوراق: يا سيد البشر.
قال ابن عادل في ذكر هذه الحروف أوائل السور: أمور تدل على أنها غير خالية من الحكمة، لكن علم الإنسان لا يصل إليها والذي يدل على أنها فيها حكمة هو أن الله عز وجل ذكر من الحروف نصفها وهي أربعة عشر حرفًا نصف ثمانية وعشرين حرفًا هي جميع الحروف التي في لسان العرب على قولنا: الهمزة ألف متحركة، ثم إن الله تعالى قسم الحروف ثلاثة أقسام تسعة أحرف من الألف إلى الذال، والتسعة الأخيرة من الفاء إلى الياء وعشرة في الوسط من الراء إلى الغين، وذكر من القسم الأول حرفين الألف والحاء، وترك سبعة وترك من القسم الأخير حرفين هما الألف واللام، وذكر سبعة ولم يترك من القسم الأول من حروف الحلق والصدر إلا واحدًا لم يذكره وهو الخاء، ولم يذكر من القسم الأخير من حروف الشفة إلا واحدًا لم يتركه وهو الميم والعشر الأوسط ذكر منه حرفًا وترك حرفًا فترك الزاي وذكر الراء، وذكر السين وترك الشين وذكر الصاد وترك الضاد وذكر الطاء وترك الظاء وذكر العين وترك الغين، وليس لها أمر يقع اتفاقًا بل هو ترتيب مقصود فهو لحكمة لكنها غير معلومة.
وهب أن واحدًا يدعى فيه شيئًا فماذا يقول في كون بعض السور مفتتحة بحرف كسورة ن وق وص، وبعضها بحرفين كسورة حم ويس وطس وطه، وبعضها بثلاثة أحرف كألم وطسم والر، وبعضها بأربعة أحرف كسورة المر والمص، وبعضها بخمسة أحرف كسورة حم عسق وكهعيص.
وهب أن قائلًا يقول: إن هذه إشارة بأن الكلام إما حرف وإما فعل وإما اسم، والحرف كثيرًا ما جاء على حرف كواو العطف وفاء التعقيب وهمزة الاستفهام وكاف التشبيه وباء الإلصاق وغيرها، وجاء على حرفين كمن للتبعيض وأو للتخيير وأم للاستفهام المتوسط وإن للشرط وغيرها، والفعل والاسم والحرف جاءت ثلاثة أحرف كإلى وعلى في الحرف وإلى وعلى في الاسم وألا يألوا بالواو، وعلا يعلو في الفعل والاسم، والفعل جاء على أربعة أحرف، والاسم خاصة جاء على ثلاثة أحرف وأربعة وخمسة كعجل ومسجد وجردحل.
فما جاء في القرآن إشارة إلى أن تركيب العربية من هذه الحروف على هذه الوجوه فماذا يقول هذا القائل في تخصيص بعض السور بالحرف الواحد والبعض بأكثر فلا يعلم ما السر إلا الله تعالى، ومن أعلمه الله تعالى به.
وإذا علم هذا فالعبادة منها قلبية ومنها لسانية ومنها جارحية، وكل واحد منها قسمان: قسم عقل معناه وحقيقته، وقسم لم يعلم، أما القلبية مع أنها أبعد عن الشك والجهل فمنها ما لم يعلم دليله عقلًا، وإنما وجب الإيمان به والاعتقاد سمعًا كالصراط الذي هو أدق من الشعر وأحد من السيف ويمر عليه المؤمن كالبرق الخاطف، والميزان الذي توزن به الأعمال التي لا ثقل لها في نظر الناظر، وكيفية الجنة والنار، فإن هذه الأشياء وجودها لم يعلم بدليل عقلي، وإنما المعلوم بالعقل إمكانها ووقوعها معلوم مقطوع به بالسمع، ومنها ما علم كالتوحيد والنبوة وقدرة الله تعالى وصدق الرسل، وكذلك في العبادات الجارحية ما علم معناه وما لم يعلم كمقادير النصب وعدد الركعات.
والحكمة في ذلك أن العبد إذا أتى بما أمر به من غير أن يعلم ما فيه من الفائدة فلا يكون الإتيان إلا لمحض الفائدة بخلاف ما لم تعلم الفائدة، فربما تأتي الفائدة وإن لم يؤمر كما لو قال السيد لعبده: انقل هذه الحجارة من هاهنا ولم يعلمه بما في النقل فنقلها، ولو قال: انقلها فإن تحتها كنزًا هو لك فإنه ينقلها وإن لم يؤمر.
وإذا علم هذا فكذلك في العبادات اللسانية الذكرية يجب أن يكون ما لم يفهم معناه إذا تكلم به العبد علم أنه لا يعقل غير الانقياد لأمر المعبود الإلهي فإذا قال: حم طس يس علم أنه لا يذكر ذلك لمعنى يفهمه بل يتلفظ به امتثالًا لما أمر به، انتهى كلام ابن عادل بحروفه وهو كلام دقيق، وقرأ يس بإمالة الياء شعبة وحمزة والكسائي، والباقون بالفتح، وأظهر النون من يس عند واو.
{والقرآن} قالون وابن كثير وأبو عمرو وحفص وحمزة، وأدغم الباقون، وهي واو القسم أو العطف إن جعل يس مقسمًا به، ثم وصف القرآن بقوله تعالى: {الحكيم} أي: المحكم بعظيم النظم وبديع المعاني، وقوله تعالى: {إنك لمن المرسلين} أي: الذين حكمت عقولهم على دواعي نفوسهم فصاروا بما وهبهم الله من القوة النورانية وبما تخلقوا به من أوامره ونواهيه كالملائكة الذين تقدم ذكرهم في السورة الماضية إنهم رسله جواب القسم وهو رد على الكفار حيث قالوا: لست مرسلًا، فإن قيل: المطلب يثبت بالدليل لا بالقسم فما الحكمة بالإقسام؟
أجيب: بأوجه: أولها: أن العرب كانوا يتقون الأيمان الفاجرة، وكانوا يقولون إن الأيمان الفاجرة توجب خراب العالم، وصحح النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: اليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع ثم إنهم كانوا يقولون: إن النبي صلى الله عليه وسلم يصيبه من آلهتهم وهي الكواكب عذاب، والنبي صلى الله عليه وسلم يحلف بأمر الله وإنزال كلامه عليه بأشياء مختلفة، وما كان يصيبه عذاب بل كان كل يوم أرفع شأنًا وأمنع مكانًا فكان ذلك يوجب اعتقاد أنه ليس بكاذب.
ثانيها: أن المناظرين إذا وقع بينهما كلام وغلب أحدهما الآخر بتمشية دليله وأسكته يقول المغلوب: إنك قررت هذا بقوة جدالك وأنت خبير في نفسك بضعف مقالتك، وتعلم أن الأمر ليس كما تقول وإن أقمت عليه الدليل صورة وعجزت أنا على القدح فيه، وهذا كثير الوقوع بين المتناظرين فعند هذا لا يجوز أن يأتي هو بدليل آخر؛ لأن الساكت المنقطع يقول في الدليل الآخر ما قاله في الأول فلا يجد أمرًا إلا اليمين، فكذلك النبي صلى الله عليه وسلم أقام البراهين وقالت الكفرة {ما هذا إلا رجل يريد أن يصدكم عما كان يعبد أباؤكم} {وقالوا ما هذا إلا أفك مفترى وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إلا سحر مبين} فالتمسك بالأيمان لعدم فائدة الدليل.
ثالثها: أن هذا ليس بمجرد الحلف بل دليل خرج في صورة اليمين؛ لأن القرآن معجزة، ودليل كونه مرسلًا هو المعجزة والقرآن كذلك، فإن قيل: لِمَ لم يذكر في صورة الدليل وما الحكمة في ذكر الدليل في صورة اليمين؟
أجيب: بأن الدليل إذا ذكر في صورة اليمين، واليمين لا يقع ولاسيما من العظيم الأعلى أمر عظيم والأمر العظيم تتوفر الدواعي على الإصغاء إليه فلصورة اليمين يقبل عليه السامع لكونه دليلًا شافيًا يسر به الفؤاد فيقع في السمع وفي القلب وقوله تعالى: {على صراط} أي: طريق واسع واضح {مستقيم} أي: هو التوحيد والاستقامة في الأمر، يجوز أن يكون متعلقًا بالمرسلين تقول: أرسلت عليه كذا قال تعالى: {وأرسل عليهم طيرًا أبابيل}.
وأن يكون متعلقًا بمحذوف على أنه حال من الضمير المستكن في {لمن المرسلين} لوقوعه خبرًا، وأن يكون حالًا من المرسلين، وأن يكون خبرًا ثانيًا لإنك.
وقرأ قنبل {سراط} بالسين عوضًا عن الصاد، وخلف بالإشمام وهو بين الصاد والزاي، والباقون بالصاد الخالصة.
ولما كان كأنه قيل: ما هذا الذي أرسل به؟ كان كأنه قيل جوابًا: هو القرآن الذي وقع الإقسام به وهو:
{تنزيل} أو حال كونه تنزيل {العزيز} أي: المتصف بجميع صفات الجلال {الرحيم} أي: الحاوي لجميع صفات الإكرام الذي ينعم على من يشاء من عباده بعد الإنعام بإيجادهم فهو الواحد المنفرد في ملكه، وقرأ ابن عامر وحفص وحمزة والكسائي {تنزيل} بالنصب على الحال كما مر، أو بإضمار أعني، والباقون بالرفع على أنه خبر مبتدأ مضمر كما مر.
ولما ذكر تعالى المرسل وهو الله تعالى، والمرسل وهو النبي صلى الله عليه وسلم والمرسل به وهو القرآن ذكر المرسل لهم بقوله تعالى: {لتنذر قومًا} أي: ذوي بأس وقوة وذكاء وفطنة {ما أنذر} أي: لم تنذر أصلًا {آباؤهم} أي: لم ينذروا في زمن الفترة {فهم} أي: بسبب زمان الفترة {غافلون} أي: عن الإيمان والرشد وقوله تعالى: {لقد حق القول على أكثرهم} فيه وجوه: أشهرها: أن المراد بالقول هو قوله تعالى: {لقد حق القول مني لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} ثانيها: أن معناه لقد سبق في علمه تعالى أن هذا يؤمن وهذا لا يؤمن فحق القول أي: وجب وثبت بحيث لا يبدل بغيره كما قال تعالى: {ما يبدل القول لدى}.
ثالثها: المراد لقد حق القول الذي قاله الله تعالى على لسان الرسل من التوحيد وغيره {فهم} أي: بسبب ذلك {لا يؤمنون} أي: بما يلقى إليهم من الإنذار بل يزيدهم عمى استكبارًا في الأرض ومكر السيء.