فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قالوا} أي: أهل القرية للرسل {ما أنتم} أي: وإن زاد عددكم {إلا بشر مثلنا} لا مزية لكم علينا فما وجه الخصوصية لكم في كونكم رسلًا دوننا، فجعلوا كونهم بشرًا مثلهم دليلًا على عدم الإرسال، وهذا عام في المشركين قالوا في حق محمد صلى الله عليه وسلم {أأنزل عليه الذكر من بيننا} وقد استوينا في البشرية فلا يمكن الرجحان، فرد الله عليهم بقوله سبحانه {الله أعلم حيث يجعل رسالاته} وبقوله تعالى: {الله يجتبي إليه من يشاء} إلى غير ذلك.
تنبيه:
رفع بشر لانتقاض النفي المقتضي إعمال ما بإلا ثم قالوا {وما أنزل الرحمن} أي: العام الرحمة، فعموم رحمته مع استوائنا في عبوديته يقتضي أن يسوي بيننا في الرحمة فلا يخصكم بشيء دوننا، وأغرقوا في النفي بقولهم {من شيء} أي: وحي ورسالة {إن} أي: ما {أنتم إلا تكذبون} أي: في دعوى رسالة حالًا ومآلًا.
{قالوا} أي: الرسل {ربنا} أي: الذي أحسن إلينا {يعلم} أي: ولهذا يظهر على أيدينا الآيات {إنا إليكم لمرسلون} استشهدوا بعلم الله تعالى وهو يجري مجرى القسم، وزادوا اللام المؤكدة؛ لأنه جواب عن إنكارهم.
{وما علينا} أي: وجوبًا من قبل من أرسلنا {إلا البلاغ المبين} أي: المؤيد بالأدلة القطعية من الحجج القولية والفعلية بالمعجزات، وهي إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الميت وغيرهما فما كان جوابهم بعد هذا إلا أن:
{قالوا إنا تطيرنا} أي: تشاءمنا {بكم} وذلك أن المطر حبس عنهم فقالوا: أصابنا هذا بشؤمكم ولاستغرابهم ما ادعوه واستقباحهم له ونفرتهم عنه قالوا: {لئن لم تنتهوا} أي: عن مقالتكم هذه {لنرجمنكم} أي: لنقتلنكم قال قتادة: بالحجارة، وقيل: لنشتمنكم وقيل: لنقتلنكم شر قتلة {وليمسنكم منا} أي: لا من غيرنا {عذاب أليم} كأنهم قالوا: لا نكتفي برجمكم بحجر وحجرين بل نديم ذلك عليكم إلى الموت وهو العذاب الأليم، أو يكون المراد وليمسنكم بسبب الرجم منا عذاب أليم أي: مؤلم، وإن قلنا: الرجم: الشتم فكأنهم قالوا: ولا يكفينا الشتم بل شتم يؤدي إلى الضرب والإيلام الحسي، وإذا فسرنا أليم بمعنى مؤلم ففعيل بمعنى مفعل قليل، ويحتمل أن يقال: هو من باب قوله تعالى: {عيشة راضية} أي: ذات رضا أي: عذاب ذو ألم فيكون فعيلًا بمعنى فاعل وهو كثير، ثم أجابهم المرسلون بأن: {قالوا طائركم} أي: شؤمكم الذي أحل بكم البلاء {معكم} وهو أعمالكم القبيحة التي منها تكذيبكم وكفركم فأصابكم الشؤم من قبلكم، وقال ابن عباس والضحاك: حظكم من الخير والشر، والهمزة في قوله تعالى: {أئن ذكرتم} أي: وعظتم وخوفتم همزة استفهام وجواب الشرط محذوف أي: تطيرتم وكفرتم فهو محل الاستفهام والمراد به التوبيخ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بتسهيل الثانية، وأدخل قالون وأبو عمرو بينهما ألفًا، وورش وابن كثير بغير إدخال، والباقون بتحقيقهما مع عدم الإدخال.
ولما كان ذلك لا يصح أن يكون سببًا للتطير بوجه أضربوا عنه بقولهم {بل} أي: ليس الأمر كما زعمتم في أن التذكير بسبب التطير بل {أنتم قوم} أي: غركم ما آتاكم الله من القوة على القيام فيما تريدون {مسرفون} أي: عادتكم الخروج عن الحدود والطغيان فعوقبتم لذلك.
ولما كان السياق لأن الأمر بيد الله تعالى، فلا هادي لمن يضل ولا مضل لمن هدى فهو يهدي البعيد في البقعة والنسب إذا أراد، ويضل القريب فيهما إذا أراد وكان بعد الدار ملزومًا في الغالب لبعد النسب قدّم مكان المجيء على فاعلة بيانًا لأن الدعاء نفع الأقصى ولم ينفع الأدنى فقال تعالى: {وجاء من أقصى} أي: أبعد بخلاف ما مر في القصص ولأجل هذا الغرض عدل عن التعبير بالقرية وقال: {المدينة} لأنها أدل على الكبر المستلزم بعد الأطراف وجمع الأخلاط ولما بين الفاعل بقوله تعالى: {رجل} بين اهتمامه بالنهي عن المكر ومسابقته إلى إزالته كما هو الواجب بقوله تعالى: {يسعى} أي: يسرع في مشيه فوق المشي ودون العدو حرصًا على نصيحة قومه.
تنبيه:
في تنكير الرجل مع أنه كان معلومًا معروفًا عند الله تعالى فيه فائدتان، الأولى: أن يكون تعظيمًا لشأنه أي: رجل كامل في الرجولية، الثانية: أن يكون مفيدًا ليظهر من جانب المرسلين أمر رجل من الرجال لا معرفة لهم به فلا يقال: إنهم تواطئوا، والرجل هو حبيب النجار كان ينحت الأصنام، وقال السدي: كان قصارًا، وقال وهب: كان يعمل الحرير وكان سقيمًا قد أسرع فيه الجذام وكان منزله عند أقصى باب في المدينة، وكان مؤمنًا وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل وجوده حين صار من العلماء بكتاب الله تعالى ورأى فيه نعت محمد صلى الله عليه وسلم وبعثته وقوله: {يسعى} تبصير للمسلمين وهداية لهم ليبذلوا جهدهم في النصح.
ولما تشوفت النفس إلى الداعي إلى إتيانه بينه بقوله تعالى: {قال} واستعطفهم بقوله تعالى: {يا قوم} وأمرهم بمجاهدة النفوس بقوله: {اتبعوا المرسلين} أي: في عبادة الله تعالى وحده، فجمع بين إظهار دينه وإظهار النصيحة فقوله: {اتبعوا} النصيحة وقوله: {المرسلين} إظهار إيمانه، وقدم إظهار النصيحة على إظهار الإيمان؛ لأنه كان ساعيًا في النصيحة، وأما الإيمان فكان قد آمن من قبل وقوله: {يسعى} دل على إردته النصح.
فإن قيل: ما الفرق بين مؤمن آل فرعون حيث قال: {اتبعون أهدكم} وهذا قال: {اتبعوا المرسلين}؟
أجيب: بأن هذا الرجل جاءهم وفي أول مجيئه نصحهم ولم يعلموا سيرته فقال: اتبعوا هؤلاء الذين أظهروا لكم الدليل وأوضحوا لكم السبيل، وأما مؤمن آل فرعون فكان فيهم ونصحهم مرارًا فقال: اتبعوني في الإيمان بموسى وهرون عليهما السلام، واعلموا أنه لو لم يكن خيرًا لما اخترته لنفسي وأنتم تعلمون أني اخترته ولم يكن الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يعلمون اتباعه لهم.
ولما قال لهم: اتبعوا المرسلين كأنهم منعوا كونهم مرسلين فنزل درجة وقال: {اتبعوا من لا يسألكم أجرًا} أي: أجرة؛ لأن الخلق في الدنيا سالكون طريق الاستقامة، والطريق إذا كان فيه دليل وجب اتباعه وعدم الاستماع من الدليل لا يحسن إلا عند أحد أمرين: إما لطلب الدليل الأجرة، وإما: لعدم الاعتماد على اهتدائه ومعرفة الطريق لكن هؤلاء لا يطلبون أجرة {وهم مهتدون} عالمون بالطريق المستقيم الموصلة إلى الحق فهب أنهم ليسوا بمرسلين أليسوا بمهتدين؟ فاتبعوهم وقوله تعالى: {ومالي لا أعبد الذي فطرني} أصله: وما لكم لا تعبدون ولكنه صرف الكلام عنه ليكون الكلام أسرع قبولًا حيث أراد لهم ما أراد لنفسه والمراد: تقريعهم على تركهم عبادة خالقهم إلى عبادة غيره ولذلك قال: {وإليه ترجعون} دون وإليه أرجع مبالغة في التهديد وفي العدول عن مخاصمة القوم إلى حال نفسه مبالغة في الحكمة، وهي أنه لو قال: ما لكم لا تعبدون الذي فطركم لم يكن في البيان مثل قوله: ما لي؛ لأنه لما قال: مالي فأحد لا يخفى عليه حال نفسه، علم كل واحد أنه لا يطلب العلة وبيانها من أحد؛ لأنه أعلم بحال نفسه وقوله: {الذي فطرني} أشار به إلى وجود المقتضى فإن قوله: {مالي} إشارة إلى عدم المانع وعند عدم المانع لا يوجد الفعل ما لم يوجد المقتضى فقوله: {الذي فطرني} دليل المقتضي فإن الخالق ابتداء مالك والمالك يجب على المملوك إكرامه وتعظيمه ومنعم بالإيمان، والمنعم يجب على المنعم عليه شكر نعمته، وقدم بيان عدم المانع على بيان وجود المقتضي مع أن المستحسن تقديم المقتضي، لأن المقتضي لظهوره كان مستغنيًا عن البيان فلا أقل من تقديم ما هو أولى بالبيان للحاجة إليه، واختار من الآيات فطرة نفسه؛ لأن خالق عمرو يجب على زيد عبادته؛ لأن من خلق عمرًا لا يكون إلا كامل القدرة واجب الوجود فهو مستحق للعبادة بالنسبة إلى كل مكلف، لكن العبادة على زيد بخلق زيد أظهر إيجابًا.
تنبيه:
أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم؛ لأن الفطرة أثر النعمة فكانت عليه أظهر، وفي الرجوع معنى الزجر فكان بهم أليق، روي أنه لما قال: {اتبعوا المرسلين} أخذوه ورفعوه إلى الملك فقال له: أفأنت تتبعهم؟ فقال: {ومالي لا أعبد الذي فطرني} أي: أي: شيء يمنعني أن أعبد خالقي وإليه ترجعون، تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم ومعنى فطرني: خلقني اختراعًا ابتداء، وقيل: خلقني على الفطرة كما قال تعالى: {فطرة الله التي فطر الناس عليها} ثم عاد إلى السياق الأول فقال: {أأتخذ} وهو استفهام بمعنى الإنكار أي: لا أتخذ وبين علو رتبته تعالى بقوله: {من دونه} أي: سواه مع دنو المنزلة وبين عجز ما عبدوه بتعدده فقال: {آلهة} وفي ذلك لطيفة وهي: أنه لما بين أنه يعبد الذي فطره بين أن من دونه لا تجوز عبادته؛ لأن الكل محتاج مفتقر حادث وقوله: {أأتخذ} إشارة إلى أن غيره ليس بإله؛ لأن المتخذ لا يكون إلهًا، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وهشام بتسهيل الثانية بخلاف عن هشام، وأدخل فيهما ألفًا قالون وأبو عمرو وهشام وورش وابن كثير بغير إدخال ألف، والباقون بتحقيقهما مع عدم الإدخال وإذا وقف حمزة فله تسهيل الثانية والتحقيق؛ لأنه متوسط بزائد وله أيضًا إبدالها ألفًا.
ثم بين عجز تلك الآلهة بقوله: {إن يردن الرحمن} أي: العام النعمة على كل المخلوقين العابد والمعبود {بضر} أي: سوء ومكروه {لا تغن عني شفاعتهم شيئًا} أي: لو فرض أنهم شفعوا ولكن شفاعتهم لا توجد {ولا ينقذون} أي: بالنصر والمظاهرة من ذلك المكروه أو من العذاب لو عذبني الله تعالى إن فعلت ذلك.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى هنا: {إن يردن الرحمن} بصيغة المضارع وقال في الزمر: {إن أرادني الله} بصيغة الماضي وذكر المريد هنا باسم الرحمن وذكر المريد هناك باسم الله؟
أجيب: بأن الماضي والمستقبل مع الشرط يصير الماضي مستقبلًا؛ لأن المذكور هنا من قبل بصيغة الاستقبال في قوله: {أأتخذ} وقوله: {مالي لا أعبد} والمذكور هناك من قبل بصيغة الماضي في قوله: {أفرأيتم}.
تنبيه:
إن يردن شرط جوابه لا تغن عني إلخ والجملة الشرطية في محل النصب صفة لآلهة.
فائدة:
أثبت ورش الياء بعد النون في الوصل دون الوقف، والباقون بغير ياء وقفًا ووصلًا.
{إني إذًا} أي: إن عبدت غير الله تعالى: {لفي ضلال مبين} أي: خطأ ظاهر، وقرأ نافع وأبو عمرو بفتح الياء، وسكنها الباقون وهم على مذاهبهم في المد.
ولما أقام الأدلة ولم يبق لأحد تخلف عنه عله صرح بما لوح إليه من إيمانه بقوله: {إني آمنت} أي: أوقعت التصديق الذي لا تصديق في الحقيقة غيره، وفتح الياء نافع وابن كثير وأبو عمرو، وسكنها الباقون، واختلف في المخاطب بقوله: {بربكم} على أوجه أحدها: أنه خاطب المرسلين قال المفسرون: أقبل القوم عليه يريدون قتله فأقبل هو على المرسلين قال: {إني آمنت بربكم فاسمعون} أي: اسمعوا قولي واشهدوا لي، وثانيها: هم الكفار لما نصحهم وما نفعهم قال: {آمنت بربكم فاسمعون} وثالثها: بربكم أيها السامعون فاسمعون على العموم كقول الواعظ: يا مسكين ما أكثر أملك يريد: كل سامع يسمعه فلما قال ذلك وثب القوم عليه وثبة رجل واحد فقتلوه وقال ابن مسعود: وطئوه بأرجلهم، وقال السدي: كانوا يرمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهد قومي حتى قطعوه وقتلوه وقال الحسن: خرقوا خرقًا في حلقه فعلقوه في سور المدينة وقبره بأنطاكية مشهور رضي الله تعالى عنه.
تنبيه:
في قوله: {فاسمعون} فوائد: منها: أنه كلام متفكر حيث قال: اسمعوا فإن المتكلم إذا كان يعلم أن لكلامه جماعة سامعين يتفكر، ومنها: أن ينبه القوم ويقول: إني أخبرتكم بما فعلت حتى لا تقولوا لم أخفيت عنا أمرك ولو أظهرته لآمنا معك، فإن قيل: إنه قال من قبل {ومالي لا أعبد الذي فطرني} وقال ههنا: {آمنت بربكم} ولم يقل: آمنت بربي؟
أجيب: بأنا إن قلنا: الخطاب مع الرسل فالأمر ظاهر؛ لأنه لما قال: {آمنت بربكم} ظهر عند الرسل أنه قبل قولهم وآمن بالرب الذي دعوه إليه وقال: {بربكم} وإن قلنا الخطاب مع الكفار ففيه بيان التوحيد؛ لأنه لما قال: {أعبد الذي فطرني} ثم قال: {آمنت بربكم} فهم أنه يقول: ربي وربكم واحد وهو الذي فطرني وهو بعينه ربكم بخلاف ما لو قال: آمنت بربي فيقول الكافر: وأنا أيضًا آمنت بربي.
فائدة:
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم «أن مثل صاحب يس هذا في هذه الأمة عروة بن مسعود الثقفي حيث نادى قومه بالإسلام ونادى على علية بالأذان فرموه بالسهام فقتلوه».
ثم إنه سبحانه وتعالى بين حال هذا الذي قال: {آمنت بربكم} بعد ذلك بقوله تعالى إيجازًا في البيات لأهل الإيمان: {قيل} أي: قيل له بعد قتلهم إياه، فبناه للمفعول؛ لأن المقصود المقول لا قائله والمقول له معلوم {ادخل الجنة} لأنه شهيد والشهداء يسرحون في الجنة حيث شاءوا من حين الموت، وقيل: لما هموا بقتله رفعه الله تعالى إلى الجنة، وقرأ هشام والكسائي بضم القاف وهو المسمى بالإشمام، والباقون بالكسر.
ولما أفضى به إلى الجنة {قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي} أي: بغفران ربي لي المحسن إلي في الآخرة بعد إحسانه في الدنيا بالإيمان في مدة يسيرة بعد طول عمري في الكفر {وجعلني من المكرمين} أي: الذين أعطاهم الدرجات العلا فنصح لقومه حيًا وميتًا بتمني عملهم بالكرامة له ليعملوا مثل عمله فينالوا ما ناله.
تنبيه:
في القصة حث على المبادرة إلى مفارقة الأشرار واتباع الأخيار والحلم عن أهل الجهل وكظم الغيظ والتلطف في خلاص الظالم من ظلمه وأنه لا يدخل أحد الجنة إلا برحمة الله وإن كان محسنًا، وهذا كما وقع للأنصار رضي الله تعالى عنهم في المبادرة إلى الإيمان مع بعد الدار والنسب، وفي قول من استشهد منهم في بئر معونة كما رواه البخاري في المغازي عن أنس: بلغوا قومنا أنا لقينا ربنا فرضي عنا وأرضانا وفي غزوة أُحد.
كما في السيرة وغيرها: لما وجدوا طيب مشربهم ومأكلهم وحسن مقيلهم يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى بنا لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عن الحرب فقال الله تبارك وتعالى: فأنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} (آل عمران: 169)، وفي التمثيل بهذه القصة إشارة إلى أن في قريش من حتم بموته على الكفر ولم ينقص ما قضى له من الأجل، فالله سبحانه يؤيد هذا الدين بغيرهم لتظهر قدرته وحكمته. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

قوله: {واضرب لَهُمْ مَّثَلًا أصحاب القرية}.
قد تقدّم الكلام على نظير هذا في سورة البقرة، وسورة النمل، والمعنى: اضرب لأجلهم مثلًا، أو اضرب لأجل نفسك أصحاب القرية مثلًا، أي: مثلهم عند نفسك بأصحاب القرية، فعلى الأوّل لما قال تعالى: {إِنَّكَ لَمِنَ المرسلين} [يس: 3] وقال: {لِتُنذِرَ قَوْمًا} [يس: 6] قال: قل لهم: ما أنا بدعا من الرسل، فإن قبلي بقليل جاء أصحاب القرية مرسلون، وأنذروهم بما أنذرتكم، وذكروا التوحيد، وخوّفوا بالقيامة، وبشروا بنعيم دار الإقامة.