فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (230)}.
أي: من بعد الطلاق الثالث، فلمَّا قطعت بعدُ عن الإضافة بنيت على الضَّمِّ؛ لما تقدَّم تقريره. وله ومِنْ بعد، وحتى ثلاثتها متعلقةٌ بيَحِلُّ.
ومعنى مِنْ: ابتداء الغاية، واللام للتَّبليغ، وحتَّى للتعليل، كذا قال أبو حيَّان، قال شهاب الدِّين: والظَّاهر أنها للغاية؛ لأنَّ المعنى على ذلك، أي: يمتدُّ عدم التحليل له إلى أن تنكح زوجًا غيره، فإذا طلَّقها وانقضت عدَّتها منه حلَّت للأول المطلِّق ثلاثًا، ويدلُّ على هذا الحذف فحوى الكلام.
وغيرَه صفةٌ لزوجًا، وإن كان نكرةً، لأنَّ غَيْرَ وأخواتِها لا تتعرَّف بالإضافة؛ لكونها في قوَّة اسم الفاعل العامل.
وزَوْجًا هل هو للتقييد أو للتوطئة؟ وينبني على ذلك فائدةٌ، وهي أنه إن كان للتقييد: فلو كانت المرأة أمةً، وطلَّقها زوجها، ووطئها سيِّدها، لم تحلَّ للأول؛ لأنه ليس بزوجٍ، وإن كانت للتوطئة حلَّت؛ لأنَّ ذكر الزوج كالملغى، كأنه قيل: حتى تنكح غيره، وإنَّما أتى بلفظ زَوْج؛ لأنه الغالبُ.
قوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا} الضمير المرفوع عائدٌ على زوجًا النكرة، أي: فإن طلَّقها ذلك الزوج الثاني، وأتى بلفظ إِنْ الشرطية دون إذا؛ تنبيهًا على أنَّ طلاقه يجب أن يكون باختياره، من غير أن يشترط عليه ذلك؛ لأنَّ إذا للمحقق وقوعه وإِنْ للمبهم وقوعه، أو المتحقِّق وقوعه المبهم زمان وقوعه؛ نحو قوله تعالى: {أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخالدون} [الأنبياء: 34].
قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} الضمير في {عليهما} يجوز أن يعود على المرأة، والزوج الأول المطلَّق ثلاثًا، أي: فإن طلَّقها الثاني، وانقضت عدَّتها منه، فلا جناح على الزوج المطلِّق ثلاثًا، ولا عليها؛ أن يتراجعا.
وهذا يؤيد قول من قال: إن الرجل إذا طلق زوجته طلقةً أو طلقتين، فتزوجت غيره، وأصابها، ثم عادت إلى الأول بنكاح جديدٍ، أنَّها تعود على ما بقي من طلاقها؛ لأنه سمَّى هذا العود بعد الطلاق الثلاث رجعةً، فبعد طلقةٍ وطلقتين أولى بهذا الاسم، وإذا ثبت هذا الاسم، كان رجعةً، والرجعية تعود على ما بقي من طلاقها.
ويجوز أن يعود عليها، وعلى الزوج الثاني، أي: فلا جناح على المرأة ولا على الزوج الثاني، أن يتراجعا ما دامت عدَّتها باقيةً، وعلى هذا فلا يحتاج إلى حذف تلك الجملة المقدَّرة، وهي وانْقَضَتْ عِدَّتُها، وتكون الآية قد أفادت حكمين، أحدهما: أنها لا تحلُّ للأول؛ إلاَّ بعد أن تتزوج بغيره، والثاني: أنه يجوز أن يراجعها الثاني، ما دامت عدَّتها منه باقيةً، ويكون ذلك دفعًا لوهم من يتوهَّمُ أنها إذا نكحت غير الأول حلَّت للأول فقط، ولم يكن للثاني عيها رجعةٌ.
وهو الذي عوَّل عليه سعيد بن المسيَّب في أنَّ التحليل يحصل بمجرد العقد؛ لأن الوطء لو كان معتبرًا، لكانت العدة واجبةً، وهذه الآية تدل على سقوط العدَّة؛ لأن الفَاءَ في قوله: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا} يدلُّ على أنَّ حل المراجعة حاصل عقيب طلاق الزوج الثاني، إلاَّ أنه يجاب بأنَّ هذا المخصوص بقوله تعالى: {والمطلقات يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قرواء} [البقرة: 228].
قوله: {أَن يَتَرَاجَعَا}، أي: في أَنْ، ففي محلِّها القولان المشهوران: قال الفراء: موضعهما نصبٌ بنزع الخافض، وقال الكسائي، والخليل: موضعهما خفضٌ بإضمار، وعليهما خبر لا، وفي أن متعلِّقٌ بالاستقرار، وقد تقدَّم أنه لا يجوز أن يكون عليهما متعلقًا بجُناح، والجارُّ الخبر، لما يلزم من تنوين اسم لا؛ لأنه حينئذٍ يكون مطوَّلًا.
قوله: {إِن ظَنَّا} شرطٌ جوابه محذوفٌ عند سيبويه لدلالة ما قبله عليه، ومتقدِّم عند الكوفيين وأبي زيد.
والظَّنُّ هنا على بابه من ترجيح أحد الجانبين، وهو مقوِّ أن الخوف المتقدِّم بمعنى الظَّنِّ.
وزعم أبو عبيدة وغيره أنه بمعنى اليقين، وضعَّف هذا القول الزمخشري لوجهين، أحدهما من جهة اللفظ وهو أنَّ أَنْ الناصبة لا يعمل فيها يقينٌ، وإنما ذلك للمشدَّدة والمخففة منها، لا تقول: علمت أنَّ يقوم زيدٌ، إنما تقول: علمت أنْ يقوم زيدٌ.
والثاني من جهة المعنى: فإنَّ الإنسان لا يتيقَّن ما في الغد وإنما يظنُّه ظنًا.
قال أبو حيان: أمَّا ما ذكره من أنه لا يقال: علمت أنَّ يقومَ زيد فقد ذكره غيره مثل الفارسي وغيره، إلاَّ أن سيبويه أجاز: ما علْتُ إلا أن يقومَ زيدٌ فظاهرُ هذا الردُّ على الفارسي.
قال بعضهم الجمع بينهما أنَّ عَلِمَ قد يراد بها الظَّنُّ القويُّ كقوله: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: 10]، وقوله: الوافر:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ حَقٍّ غَيْرَ ظَنِّ ** وتَقْوَى اللهِ مِنْ خَيْرِ العَتَادِ

فقوله: علمَ حق يفهم منه أنه قد يكون علم غير حق، وكذا قوله: غيرِ ظَنٍّ يفهم منه أنه قد يكون علمٌ بمعنى الظن.
وممَّا يدلُّ على أنَّ عَلِمَ التي بمعنى ظَنَّ تعمل في أَنْ الناصبة، فليس بوهم من طريق اللفظ كما ذكره الزمخشري.
وأمَّا قوله: لأنَّ الإنسانَ لا يعلمُ ما في الغدِ فليسَ كما ذكر، بل الإنسان يعلم أشياء كثيرةً واقعةً في الغد ويجزم بها قال شهاب الدين: وهذا الردُّ من الشيخ عجيبٌ جدًا، كيف يقال في الآية: إنَّ الظن بمعنى اليقين، ثم يجعل اليقين بمعنى الظن المسوغ لعلمه في أَنْ الناصبة.
وقوله: لأنَّ الإنسانَ قد يَجْزِمُ بأشياءَ في الغد مُسَلَّمٌ، لكن ليس هذا منها. وقوله: {أَن يُقِيمَا} إمَّا سادٌّ مسدَّ المفعولين، أو الأول والثاني محذوفٌ، على حسب المذهبين المتقدمين.
قوله: {وَتِلْكَ حُدُودُ الله يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} تلكَ إشارةٌ إلى ما بينهما من التَّكاليف.
يُبَيِّنُهَا في هذه الجملة وجهان:
أحدهما: أنها في محلِّ رفعٍ، خبرًا بعد خبرٍ، عند من يرى ذلك.
والثاني: أنها في محلِّ نصب على الحال، وصاحبها حدود الله والعامل فيها اسم الإشارة.
وقرئ: {نبيِّنها} بالنون، ويروى عن عاصمٍ، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم؛ للتعظيم.
فإن قيل: {تلك} إشارةٌ إلى ما بيَّنه من التكاليف؛ وقوله: نُبَيِّنُهَا إشارة إلى الاستقبال، والجمع بينهما متناقضَ!
فالجواب: أنَّ هذه النصوص التي تقدمت أكثرها عامةٌ، لا يتطرق إليها تخصيصاتٌ كثيرة، وأكثر تلك المخصِّصات إنَّما عرفت بالسُّنَّة، فكأنه قال: إن هذه الأحكام التي تقدمت، هي حدود الله، وسيبينها الله تعالى كمال البنيان، على لسان النبي عليه الصلاة والسلام وهو كقوله تعالى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: 44].
وقيل: {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} يعني: ما تقدَّم ذكره من الأحكام يبيِّنها الله لمن يعلم أن الله أنزل الكتاب، وبعث الرسل؛ ليعلموا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه.
ولقوم متعلِّقٌ ب {يُبَيِّنُهَا}، ويعلمون في محل خَفْض صفةً لقوم، وخص العلماء بالذكر؛ لأنَّهم هم المنتفعون بالبيان دون غيرهم، وقيل: خصَّهم بالذّكر لقوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وميكال} [البقرة: 98] وقيل: عنى به العرب؛ لعلمهم باللسان.
وقيل: أراد من له علمٌ، وعقلٌ؛ كقوله: {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ العالمون} [العنكبوت: 43] والمقصود أنه لا يكلف إلاَّ عاقلًا، عالمًا بما يكلِّف. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (231):

قوله تعالى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آَيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (231)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الطلاق رجعية وبائنة عقبه ببيان وصف الرجعة من الحل والحرمة وبيان وقتها وتحديده والإشارة إلى تصوير بعض صور المضارة ترهيبًا منها فليست الآية مكررة فقال: {وإذا طلقتم النساء} أي طلاقًا رجعيًا والمراد من يملك نكاحها من هذا النوع الشامل للقليل والكثير ولم يقل: نساءكم، لئلا تفهم الإضافة أن لطلاقهم غير نسائهم حكمًا مغائرًا لهذا في بلوغ الأجل مثلًا ونحوه.
ولما كانت إباحة الرجعة في آخر العدة دالة على إباحتها فيما قبل ذلك بطريق الأولى وكان من المقطوع به عقلًا أن لما بعد الأجل حكمًا غير الحكم الذي كان له قبله لم يكن التعبير بالبلوغ ملبسًا وكان التعبير به مفيدًا أقصى ما يمكن به المضارة فقال: {فبلغن أجلهن} أي شارفن انقضاء العدة، بدليل الأمر بالإمساك لأنه لا يتأتى بعد الأجل. وقال الحرالي: ولما كان للحد المحدود الفاصل بين أمرين متقابلين بلوغ وهو الانتهاء إلى أول حده وقرار وهو الثبات عليه ومجاوزة لحده ذكر سبحانه وتعالى البلوغ الذي هو الانتهاء إلى أول الحد دون المجاوزة والمحل، والأجل مشارفة انقضاء أمد الأمر حيث يكون منه ملجأ الذي هو مقلوبه كأنه مشارفة فراغ المدة- انتهى {فأمسكوهن} أي بالمراجعة إن أردتم ولو في أخر لحظة من العدة {بمعروف} أي بحال حسنة تحمد عاقبتها، ونكره إشعارًا بأنه لا يشترط فيه رضى المرأة {أو سرحوهن بمعروف} بأن تتركوهن حتى تنقضي العدة فيملكن أنفسهن من غير تلبيس بدعوى ولا تضييق في شيء من الأشياء.
وقال الحرالي: هذا معروف الإمتاع والإحسان وهو غير معروف الإمساك، ولذلك فرقه الخطاب ولم يكن: فأمسكوهن أو سرحوهن بمعروف- انتهى. اهـ.

.سبب النزول:

قال أبو حيان:
نزلت في ثابت بن بشار، ويقال أسنان الأنصاري، طلق امرأته حتى إذا بقي من عدّتها يومان أو ثلاثة، وكادت أن تبين راجعها، ثم طلقها ثم راجعها، ثم طلقها حتى مضت سبعة أشهر مضارّة لها، ولم يكن الطلاق يومئذ محصورًا. اهـ.

.اللغة:

{فبلغن أجلهن} أي قاربن الانتهاء من العدة.
{ضرارا} أي بقصد الإضرار، قال القفال: الضرار هو المضارة كقوله: {مسجدا ضرارا} أي ليضاروا المؤمنين.
{تعضلوهن} العضل: المنع والتضييق يقال: أعضل الأمر أي أشكل وضاقت فيه الحيل، وداء عضال أي عسيرا أعيا الأطباء، قال الأزهري: وأصله من عضلت الناقة إذا نشب ولدها فلم يسهل خروجه.
{يوعظ به} يوصى ويؤمر به.
{أزكى} أنمى وأنفع يقال: زكا الزرع إذا نما بكثرة وبركة.
{وأطهر} الطهارة: التنزه عن الدنس والمعاصي. اهـ.