فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِما غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}.
إنه يتمنّى لقومه أن ينالوا هذا الخير الذي ناله، بإيمانه بربه، وأن يعلموا ما أعد اللّه للمؤمنين من مغفرة وإكرام.. وأنّى لهم أن يعلموا هذا الغيب؟
وأنّى لهم أن يؤمنوا به، وقد أنكروا ما لمسوه بحواسهم، وكذبوا ما رأوه بأعينهم؟.
هذا هو المثل، وتلك هي مواقف الشخصيات والأحداث فيه.
وعلى ضوء هذا المثل يرى المشركون الضالون، إلى أين يسير بهم كفرهم وضلالهم، وإلى أين ينتهى الإيمان بالمؤمنين الذين استجابوا لرسول اللّه، واستقاموا على الطريق الذي يدعوهم إليه!.
والصورة التي يصورها المثل واضحة مشرقة، لا ينقصها أن يفتقد اسم القرية فيها، ولا أن تغيب أسماء الرسل ومشخصاتهم.. إنها مستغنية عن كل هذ.
وإذا كان لابد من التطلع إلى ما وراء هذه الصورة، والنظر إلى موقع القرية من هذا العالم، وإلى أشخاص الرسل من بين رسل اللّه- إذا كان لابد من ذلك، فليكن النظر مقصورا على كتاب اللّه، وليكن التطلع محجوزا في هذه الحدود.. لا يتجاوزه.
وننظر في القرآن الكريم فنرى:
أولا: أن القرآن الكريم، لم يتحدث عن رسولين حملا رسالة واحدة، إلى جهة واحدة، غير موسى وهرو.
وثانيا: أن هذين الرسولين الكريمين، قد حملا رسالتهما إلى فرعون.
وثالثا: أنه قد قام من قوم فرعون رجل مؤمن، خرج على سلطان فرعون، وعلى ما كان عليه قومه من متابعة فرعون في كفره وضلاله.
ورابعا: أن القرآن الكريم، يعقد الصلة في أكثر من موضع منه، بين فرعون، وبين هؤلاء المشركين من قري.
فإذا نظرنا إلى المثل على ضوء هذه الإشارات المضيئة من القرآن الكريم، نجد:
أولا: أن قال تعالى: {إِذْ أَرْسَلْنا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُما} يقبل التأويل، على أن الرسولين، هما موسى، وهرون، كما يقول تعالى: {اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى} (43: طه).
وثانيا: أن قال تعالى: {فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ} يقابله في قصة موسى وهرون مع فرعون، حديث عظيم في القرآن العظيم، عن رجل لم يكشف القرآن عن اسمه، وإنما أشار إلى أنه من آل فرعون.. أي خاصته، وذوى قرابته.
فهو إنسان ذو شأن في المجتمع الفرعوني.. ومع هذا لم يكشف القرآن عن اسمه.. إذ ما جدوى الاسم، في مقام الوزن للقيم الإنسانية في الناس؟ إن المعتبر هنا هو الصفة لا الموصوف، وذات المسمّى لا الاسم.
يقول القرآن الكريم، عن هذا الرجل المؤمن: {وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقًا يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبادِ وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ} [المؤمن: 28- 34].
ثم تمضى الآيات، فتذكر دعوة هذا الداعي إلى اللّه.. فيقول سبحانه: {وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللَّهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ فَوَقاهُ اللَّهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ} [المؤمن: 38- 45].
هذه دعوة رجل صاحب رسالة.. إنها إن لم تكن على يد رسول، فهى رسالة رسول، وحقّ لصاحبها أن يدخل في زمرة الرسل.. وهذا هو السر في التعبير القرآنى: {فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ} أي فعززنا الرسولين بثالث، وهذا يمكن أن يحمل- وهو في إطلاقه كهذا- على محملين، فيقدّر برسول ثالث، أو معين ثالث، بعد المعين الثاني، الذي كان معينا للرسول الأول، فهو تعزيز بعد تعزيز.. ولقد عزّز موسى بهارون، وكان هذا الرجل المؤمن تعزيزا لهم.
بقيت مسألة تحتاج إلى نظر.. وهى أن المثل ذكر مع الرسل الثلاثة، رجلا، كانت له دعوة إلى اللّه كدعوة هؤلاء الرسل، وأنه جاء من أقصى المدينة، وهى القرية التي جاء ذكرها في أول المثل.. وهذا الرجل يكاد يكون صورة مطابقة لمؤمن آل فرعون، الذي قلنا عنه إنه رسول، أو حوارىّ رسول. فمن هو هذا الرجل؟ وهل له مكان في قصة موسى مع فرعون؟.
ونعم، فإننا نجد في قصة موسى مع فرعون، رجلا آخر، جاء من أقصى المدينة، يسعى.. ولكنه في هذه القصة لم يكشف عن دعوة له إلى اللّه، وإنما جاء ناصحا لموسى، هاتفا به أن يخرج من المدينة، فإن الملأ يأتمرون به ليقتلوه، كما يقول تعالى في سورة القصص: {وَجاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ يَسْعى قالَ يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} (آية 20).
ولم تكن للرجل دعوة إلى اللّه هنا، لأن موسى لم يكن قد أرسل بعد.
وربما كان الرجل مؤمنا باللّه، يدين بالتوحيد عن طريق اليهودية، أو عن طريق النظر الحرّ.. وعلى أي فهو على غير دين فرعون.. وقد ظل الرجل على إيمانه إلى أن بعث اللّه موسى رسولا، فلما جاء موسى يدعو فرعون إلى اللّه، وعرض بين يديه تلك المعجزات، ازداد الرجل إيمانا، فأصبح داعية إلى اللّه، يدعو قومه إلى الإيمان باللّه.
وعلى هذا، فإننا نجد في القصة والمثل رجلين:
أحدهما، وهو المؤمن الذي من آل فرعون. والذي وقف مع موسى وهرون موقف الداعية إلى اللّه، وأنه كان على إيمان باللّه، ولكنه كان يكتم إيمانه خوفا من فرعون، فلما رأى أن فرعون يدبّر لقتل موسى، فزع لهذا الأمر، وأعلن إيمانه، ووقف مع موسى وهرون، يحاجّ فرعون، ويجادله، إذ كان- مع إيمانه- ذا جاء وسلطان.. إنه من آل فرعون!.
أما الرجل الآخر، فهو الذي جاء إلى موسى، قبل الرسالة، وحذّره مما يدبر له القوم، ونصح له بالفرار من المدينة.
وبهذا نرى أن أحد الرجلين، خلّص موسى من القتل بعد الرسالة، على حين أن الآخر قد خلّصه من القتل أيضا، ولكن قبل الرسالة.
ومسألة أخرى، تحتاج إلى نظر أيضا.
إذا كان هذان الرجلان هما المشار إليهما في المثل المضروب، في سورة يس باعتبار أن الرجل الذي من آل فرعون هو الرسول، أو حوارىّ الرسول، وأن الآخر هو الذي جاء من أقصى المدينة، وقال: يا قوم {اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْئَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ الآيات} إذ كان ذلك كذلك، فلم نوه القرآن الكريم في المثل المضروب بالرجل الآخر، ولم يذكر شيئا عن موقف الرجل الأول، الذي هو من آل فرعون، والذي قلنا إنه هو الذي عزّز به الرسولان الكريمان؟:
والجواب على هذا- واللّه أعلم- من وجهين:
فأولا: أنه بحسب مؤمن آل فرعون تنويها، أن يضاف إلى الرسولين الكريمين، وأن يكون له المكان الثالث معهما.. فقد رفع إلى درجة رسول.
وثانيا: وبحسبه شرفا وتكريما أن تسمى في القرآن سورة باسمه، هي سورة المؤمن والتي تسمى غافر أيضا.. وقد ذكرت في هذه السورة رسالته كلها، والتي قلنا عنها إنها رسالة رسول..!
هذا، واللّه أعلم.. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يس (1) وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ (2) إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (3)}.
أخرج ابن مردويه من طريق ابن عباس قال: {يس} محمد صلى الله عليه وسلم. وفي لفظ قال: يا محمد.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن محمد بن الحنفية في قوله: {يس} قال: يا محمد.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: {يس} قال: يا إنسان.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن وعكرمة والضحاك، مثله.
وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {يس} قال: يا إنسان بالحبشية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أشهب قال: سألت مالك بن أنس أينبغي لاحد أن يتسمى بيس؟ فقال: ما أراه ينبغي لقوله: {يس والقرآن الحكيم} يقول: هذا اسمي، تسميت به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله الله {يس والقرآن الحكيم} قال: يقسم الله بما يشاء، ثم نزع بهذه الآية {سلام على آل ياسين} [الصافات: 130] كأنه يرى أنه سلم على رسوله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أبي كثير في قوله: {يس والقرآن الحكيم} قال: يقسم بألف عالم {إنك لمن المرسلين}.
وأخرج ابن مردويه عن كعب الأحبار في قوله: {يس} قال: هذا قسم، أقسم به ربك قال: {يا محمد إنك لمن المرسلين} قبل أن اخلق الخلق بألفي عام.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين} قال: اقسم كما تسمعون أنه {لمن المرسلين على صراط مستقيم} أي على الإِسلام {تنزيل العزيز الرحيم} قال: هو القرآن {لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم} قال: قريش لم يأت العرب رسول قبل محمد صلى الله عليه وسلم، لم يأتهم ولا آباءهم رسول قبله.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة {لتنذر قومًا ما أنذر آباءهم} قال بعضهم {لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم} ما أنذر الناس من قبلهم، وقال بعضهم {لتنذر قومًا ما أنذر آباؤهم} أي هذه الأمة لم يأتهم نذير حتى جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {لقد حق القول على أكثرهم} قال: سبق في علمه.
وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المسجد، فيجهر بالقراءة، حتى تأذّى به ناس من قريش، حتى قاموا ليأخذوه، وإذا أيديهم مجموعة إلى أعناقهم، وإذا هم لا يبصرون، فجاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: ننشدك الله والرحم يا محمد، ولم يكن بطن من بطون قريش إلا وللنبي صلى الله عليه وسلم فيهم قرابة، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم حتى ذهب ذلك عنهم فنزلت {يس والقرآن الحكيم} إلى قوله: {أم لم تنذرهم لا يؤمنون} قال: فلم يؤمن من ذلك النفر أحد.
وأخرج ابن جرير عن عكرمة رضي الله عنه قال: قال أبو جهل: لئن رأيت محمدًا لأفعلن. ولأفعلن. فنزلت {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} إلى قوله: {لا يبصرون} فكانوا يقولون: هذا محمد فيقول: أين هو أين هو...؟ لا يبصره.
وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق السدي الصغير عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا} قال: كفار قريش غطاء {فأغشيناهم} يقول: ألبسنا أبصارهم {فهم لا يبصرون} النبي صلى الله عليه وسلم فيؤذونه، وذلك أن ناسًا من بني مخزوم تواطئوا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقتلوه. منهم أبو جهل، والوليد بن المغيرة. فبينا النبي صلى الله عليه وسلم قائم يصلي يسمعون قراءته، فأرسلوا إليه الوليد ليقتله، فانطلق حتى أتى المكان الذي يصلي فيه، فجعل يسمع قراءته ولا يراه، فانصرف إليهم، فأعلمهم ذلك، فأتوه فلما انتهوا إلى المكان الذي يصلي فيه، سمعوا قراءته فيذهبون إليه فيسمعون أيضًا من خلفهم، فانصرفوا ولم يجدوا إليه سبيلًا. فذلك قوله: {وجعلنا من بين أيديهم سدًا ومن خلفهم سدًا}.
وأخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الدلائل عن محمد بن كعب القرظي قال: اجتمع قريش؛ وفيهم أبو جهل على باب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا على بابه: إن محمدًا يزعم أنكم إن بايعتموه على أمره كنتم ملوك العرب والعجم، وبعثتم من بعد موتكم، فجعلت لكم نار تحرقون فيها، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأخذ حفنة من تراب في يده قال: «نعم، أقول ذلك، وأنت أحدهم» وأخذ الله على أبصارهم فلا يرونه، فجعل ينثر ذلك التراب على رءوسهم، وهو يتلو هذه الآيات {يس والقرآن الحكيم} إلى قوله: {فأغشيناهم فهم لا يبصرون} حتى فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من هؤلاء الآيات، فلم يبق رجل إلا وضع على رأسه ترابًا، فوضع كل رجل منهم يده على رأسه، وإذا عليه تراب فقالوا: لقد كان صدقنا الذي حدثنا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: {الأغلال} ما بين الصدر إلى الذقن {فهم مقمحون} كما تقمح الدابة باللجام.
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قرأ {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {مقمحون} قال: مجموعة أيديهم إلى أعناقهم تحت الذقن.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق سأله عن قوله: {مقمحون} قال المقمح الشامخ بأنفه، المنكس برأسه. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم. أما سمعت قول الشاعر:
ونحن على جوانبها قعود ** نغض الطرف كالإِبل القماح

وأخرج الخرائطي في مساوىء الأخلاق عن الضحاك رضي الله عنه في قوله: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} قال: البخل. أمسك الله أيديهم عن النفقة في سبيل الله {فهم لا يبصرون}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {إنا جعلنا في أعناقهم أغلالًا} قال: في بعض القراءات {إنا جعلنا في أيمانهم أغلالًا فهي إلى الأذقان فهم مقمحون} قال: مغلولون عن كل خير.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد {فهم مقمحون} قال: رافعوا رءوسهم، وأيديهم موضوعة على أفواههم.