فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



المسألة الثالثة:
قرىء {يا حَسْرَةً} بالتنوين، و{يا حسرة العباد} بالإضافة من غير كلمة على، وقرئ {يا حسرة على} بالهاء إجراء للوصل مجرى الوقف.
المسألة الرابعة:
من المراد بالعباد؟ نقول فيه وجوه أحدها: الرسل الثلاثة كأن الكافرين يقولون عند ظهور البأس يا حسرة عليهم يا ليتهم كانوا حاضرين شأننا لنؤمن بهم وثانيها: هم قوم حبيب وثالثها: كل من كفر وأصر واستكبر وعلى الأول فإطلاق العباد على المؤمنين كما في قوله: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سلطان} [الحجر: 42] وقوله: {قُلْ ياعبادي الذين أَسْرَفُواْ} [الزمر: 53] وعلى الثاني فإطلاق العباد على الكفار، وفرق بين العبد مطلقًا وبين المضاف إلى الله تعالى فإن الإضافة إلى الشريف تكسو المضاف شرفًا تقول بيت الله فيكون فيه من الشرف ما لا يكون في قولك البيت، وعلى هذا فقوله تعالى: {وَعِبَادُ الرحمن} [الفرقان: 63] من قبيل قوله: {إِنَّ عِبَادِي} [الحجر: 42] وكذلك {عِبَادَ الله} [الصافات: 74].
ثم بين الله تعالى سبب الحسرة بقوله تعالى: {مَا يَأْتِيهِمْ مّن رَّسُولٍ إِلاَّ كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِءُونَ} وهذا سبب الندامة وذلك لأن من جاءه ملك من بادية، وأعرفه نفسه، وطلب منه أمرًا هينًا فكذبه ولم يجبه إلا ما دعاه، ثم وقف بين يديه وهو على سرير ملكه فعرفه أنه ذلك، يكون عنده من الندامة ما لا مزيد عليه، فكذلك الرسل هم ملوك وأعظم منهم بإعزاز الله إياهم وجعلهم نوابه كما قال: {إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ الله فاتبعوني يُحْبِبْكُمُ الله} [آل عمران: 31] وجاؤا وعرفوا أنفسهم ولم يكن لهم عظمة ظاهرة في الحس، ثم يوم القيامة أو عند ظهور البأس ظهرت عظمتهم عند الله لهم، وكان ما يدعون إليه أمرًا هينًا نفعه عائد إليهم من عبادة الله وما كانوا يسألون عليه أجرًا، فعند ذلك تكون الندامة الشديدة، وكيف لا وهم يقتنعوا بالإعراض حتى آذوا واستهزأوا واستخفوا واستهانوا وقوله: {مَا يَأْتِيهِمْ} الضمير يجوز أن يكون عائدًا إلى قوم حبيب، أي ما يأتيهم من رسول من الرسل الثلاثة إلا كانوا به يستهزئون على قولنا الحسرة عليهم، ويجوز أن يكون عائدًا إلى الكفار المصرين.
{أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ (31)}.
ثم إن الله تعالى لما بين حال الأولين قال للحاضرين: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون} أي الباقون لا يرون ما جرى على من تقدمهم، ويحتمل أن يقال: إن الذين قيل في حقهم: {يا حَسْرَةً} [يس: 30] هم الذين قال في حقهم: {أَلَمْ يَرَوْاْ} ومعناه أن كل مهلك تقدمه قوم كذبوا وأهلكوا إلى قوم نوح وقبله.
وقوله: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} بدل في المعنى عن قوله: {كَمْ أَهْلَكْنَا} وذلك لأن معنى: {كَمْ أَهْلَكْنَا} ألم يروا كثرة إهلاكنا، وفي معنى، ألم يروا المهلكين الكثيرين أنهم إليهم لا يرجعون، وحينئذٍ يكون كبدل الاشتمال، لأن قوله: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} حال من أحوال المهلكين، أي أهلكوا بحيث لا رجوع لهم إليهم فيصير كقولك: ألا ترى زيدًا أدبه، وعلى هذا فقوله: {أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} فيه وجهان:
أحدهما: أهلكوا إهلاكًا لا رجوع لهم إلى من في الدنيا.
وثانيهما: هو أنهم لا يرجعون إليهم، أي الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بنسب ولا ولادة، يعني أهلكناهم وقطعنا نسلهم، ولا شك في أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، والوجه الأول أشهر نقلًا، والثاني أظهر عقلًا.
{وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ (32)}.
لما بين الإهلاك بين أنه ليس من أهلكه الله تركه، بل بعده جمع وحساب وحبس وعقاب، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة، ونعم ما قال القائل:
ولو أنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت راحة كل حي

ولكنا إذا متنا بعثنا ** ونسأل بعده من كل شيء

وقوله: {وَإِن كُلٌّ لَّمَّا} في إن وجهان:
أحدهما: أنها مخففة من الثقيلة واللام في لما فارقة بينها وبين النافية، وما زائدة مؤكدة في المعنى، والقراءة حينئذٍ بالتخفيف في لما.
وثانيهما: أنها نافية ولما بمعنى إلا، قال سيبويه: يقال نشدتك بالله لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، والقراءة حينئذٍ بالتشديد في لما، يؤيد هذا ما روي أن أبيًا قرأ {وَمَا كُلٌّ إِلاَّ جَمِيعٌ} وفي قوله سيبويه: لما بمعنى إلا وارد معنى مناسب وهو أن لما كأنها حرفا نفي جمعًا وهما لم وما فتأكد النفي، ولهذا يقال في جواب من قال قد فعل لما يفعل، وفي جواب من قال فعل لم يفعل، وإلا كأنها حرفا نفي إن ولا فاستعمل أحدهما مكان الآخر، قال الزمخشري: فإن قال قائل كل وجميع بمعنى واحد، فكيف جعل جميعًا خبرًا لكل حيث دخلت اللام عليه، إذ التقدير وإن كل لجميع، نقول معنى جميع مجموع، ومعنى كل كل فرد بحيث لا يخرج عن الحكم أحد، فصار المعنى كل فرد مجموع مع الآخر مضموم إليه، ويمكن أن يقال محضرون، يعني عما ذكره، وذلك لأنه لو قال: وإن جميع لجميع محضرون، لكان كلامًا صحيحًا ولم يوجد ما ذكره من الجواب، بل الصحيح أن محضرون كالصفة للجميع، فكأنه قال جميع جميع محضرون، كما يقال الرجل رجل عالم، والنبي نبي مرسل، والواو في {وَإِن كُلُّ} لعطف الحكاية على الحكاية، كأنه يقول بينت لك ما ذكرت، وأبين أن كلًا لدينا محضرون. اهـ.

.قال القرطبي:

فلما قتل حبيب غضب الله له وعجل النقمة على قومه، فأمر جبريل فصاح بهم صيحة فماتوا عن آخرهم؛ فذلك قوله: {وَمَآ أَنزَلْنَا على قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِن جُندٍ مِّنَ السماء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} أي ما أنزلنا عليهم من رسالة ولا نبيّ بعد قتله؛ قاله قتادة ومجاهد والحسن.
قال الحسن: الجند الملائكة النازلون بالوحي على الأنبياء.
وقيل: الجند العساكر؛ أي لم أحتج في هلاكهم إلى إرسال جنود ولا جيوش ولا عساكر؛ بل أهلكهم بصيحة واحدة.
قال معناه ابن مسعود وغيره.
فقوله: {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} تصغير لأمرهم؛ أي أهلكناهم بصيحة واحدة من بعد ذلك الرجل، أو من بعد رفعه إلى السماء.
وقيل: {وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} على من كان قبلهم.
الزمخشري: فإن قلت فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق؟ فقال: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9]، وقال: {آلاَفٍ مِّنَ الملائكة مُنزَلِينَ بِخَمْسَةِ آلاف مِّنَ الملائكة مُسَوِّمِينَ} [آل عمران: 124 125].
قلت: إنما كان يكفي ملك واحد، فقد أهلِكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة، ولكن الله فضل محمدًا صلى الله عليه وسلم بكل شيء على سائر الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلًا عن حبيب النجار، وأولاه من أسباب الكرامة والإعزاز ما لم يوله أحدًا؛ فمن ذلك أنه أنزل له جنودًا من السماء، وكأنه أشار بقوله: {وَمَآ أَنزَلْنَا}.
{وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ} إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك، وما كنا نفعل لغيرك.
{إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً} قراءة العامة {وَاحِدَةً} بالنصب على تقدير ما كانت عقوبتهم إلا صيحة واحدة.
وقرأ أبو جعفر بن القَعْقَاع وشيبة والأعرج: {صَيْحَةٌ} بالرفع هنا، وفي قوله: {إِن كَانَتْ إِلاَّ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} جعلوا الكون بمعنى الوقوع والحدوث؛ فكأنه قال: ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة.
وأنكر هذه القراءة أبو حاتم وكثير من النحويين بسبب التأنيث فهو ضعيف؛ كما تكون ما قامت إلا هندٌ ضعيفًا؛ من حيث كان المعنى ما قام أحد إلا هند.
قال أبو حاتم: فلو كان كما قرأ أبو جعفر لقال: إن كان إلا صيحةٌ.
قال النحاس: لا يمتنع شيء من هذا، يقال: ما جاءتني إلا جاريتك، بمعنى ما جاءتني امرأة أو جارية إلا جاريتك.
والتقدير في القراءة بالرفع ما قاله أبو إسحاق، قال: المعنى إن كانت عليهم صيحة إلا صيحة واحدة، وقدّره غيره: ما وقعت عليهم إلا صيحة واحدة.
وكان بمعنى وقع كثير في كلام العرب.
وقرأ عبد الرحمن بن الأسود ويقال إنه في حرف عبد الله كذلك {إنْ كَانَتْ إِلاَّ زَقْيَةً وَاحِدَةً}.
وهذا مخالف للمصحف.
وأيضًا فإن اللغة المعروفة زَقَا يَزْقو إذا صاح، ومنه المثل: أثقلُ من الزَّوَاقي؛ فكان يجب على هذا أن يكون زَقْوة.
ذكره النحاس.
قلت: وقال الجوهري: الزَّقْو والزَّقْي مصدر، وقد زَقَا الصدى يَزقْو زقاء: أي صاح، وكل صائح زاقٍ، والزَّقْية الصّيحة.
قلت: وعلى هذا يقال: زَقْوة وزَقْية لغتان؛ فالقراءة صحيحة لا اعتراض عليها.
والله أعلم.
{فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ} أي ميتون هامدون؛ تشبيهًا بالرماد الخامد.
وقال قتادة: هلكى.
والمعنى واحد.
قوله تعالى: {ياحسرة عَلَى العباد} منصوب؛ لأنه نداء نكرة ولا يجوز فيه غير النصب عند البصريين.
وفي حرف أُبَيّ {يَا حَسْرَةَ الْعِبَادِ} على الإضافة.
وحقيقة الحسرة في اللغة أن يلحق الإنسان من الندم ما يصير به حسيرًا.
وزعم الفراء أن الاختيار النصب، وأنه لو رفعت النكرة الموصولة بالصلة كان صوابًا.
واستشهد بأشياء منها أنه سمع من العرب: يا مُهَتمُّ بأمرنا لا تهتمّ.
وأنشد:
يا دارُ غَيَّرها البِلَى تَغْييرَا

قال النحاس: وفي هذا إبطال باب النداء أو أكثره؛ لأنه يرفع النكرة المحضة، ويرفع ما هو بمنزلة المضاف في طوله، وبحذف التنوين متوسطًا، ويرفع ما هو في المعنى مفعول بغير علة أوجبت ذلك.
فأما ما حكاه عن العرب فلا يشبه ما أجازه؛ لأن تقدير يا مُهْتَمُّ بأمرنا لا تهتم على التقديم والتأخير، والمعنى: يا أيها المهتم لا تهتم بأمرنا.
وتقدير البيت: يأيتها الدار، ثم حوّل المخاطبة؛ أي يا هؤلاء غيّر هذه الدار البلى؛ كما قال الله جل وعز: {حتى إِذَا كُنتُمْ فِي الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم} [يونس: 22].
ف{حسرة} منصوب على النداء؛ كما تقول يا رجلًا أقبل، ومعنى النداء: هذا موضع حضور الحسرة.
الطبري: المعنى يا حسرة من العباد على أنفسهم وتندُّمًا وتلهُّفًا في استهزائهم برسل الله عليهم السلام.
ابن عباس: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} أي يا ويلا على العباد.
وعنه أيضًا: حلّ هؤلاء محلّ من يتحسر عليهم.
وروى الربيع عن أنس عن أبي العالية أن العباد هاهنا الرسل؛ وذلك أن الكفار لما رأوا العذاب قالوا: {يَا حَسْرَةً عَلَى العِبَادِ} فتحسروا على قتلهم، وترك الإيمان بهم؛ فتمنوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان؛ وقاله مجاهد.
وقال الضحاك: إنها حسرة الملائكة على الكفار حين كذبوا الرسل.
وقيل: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} من قول الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، لما وثب القوم لقتله.
وقيل: إن الرسل الثلاثة هم الذين قالوا لما قتل القوم ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، وحلَّ بالقوم العذاب: يا حسرة على هؤلاء، كأنهم تمنوا أن يكونوا قد آمنوا.
وقيل: هذا من قول القوم قالوا لما قتلوا الرجل وفارقتهم الرسل، أو قتلوا الرجل مع الرسل الثلاثة، على اختلاف الروايات: يا حسرة على هؤلاء الرسل، وعلى هذا الرجل، ليتنا آمنا بهم في الوقت الذي ينفع الإيمان.
وتم الكلام على هذا، ثم ابتدأ فقال: {مَا يَأْتِيهِمْ مِّن رَّسُولٍ}.
وقرأ ابن هُرْمُز ومسلم بن جُنْدب وعِكرمة: {يَا حَسْرَهْ عَلَى الْعِبَادِ} بسكون الهاء للحرص على البيان وتقرير المعنى في النفس؛ إذ كان موضع وعظ وتنبيه والعرب تفعل ذلك في مثله، وإن لم يكن موضعًا للوقف.
ومن ذلك ما روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه كان يُقَطِّعُ قراءته حرفًا حرفًا؛ حرصًا على البيان والإفهام.
ويجوز أن يكون {عَلَى الْعِبَادِ} متعلقًا بالحسرة.
ويجوز أن يكون متعلقًا بمحذوف لا بالحسرة؛ فكأنه قدر الوقف على الحسرة فأسكن الهاء، ثم قال: {عَلَى الْعِبَادِ} أي أتحسر على العباد.
وعن ابن عباس والضحاك وغيرهما: {يَا حَسْرَةَ العِبَادِ} مضاف بحذف على.
وهو خلاف المصحف.
وجاز أن يكون من باب الإضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين؛ كأنهم إذا شاهدوا العذاب تحسروا فهو كقولك يا قيام زيدٍ.
ويجوز أن تكون من باب الإضافة إلى المفعول، فيكون العباد مفعولين؛ فكأن العباد يتحّسر عليهم من يشفق لهم.
وقراءة من قرأ: {يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ} مقوِّية لهذا المعنى.
قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} قال سيبويه: أن بدل من كم، ومعنى كم هاهنا الخبر؛ فلذلك جاز أن يبدل منها ما ليس باستفهام.
والمعنى: ألم يروا أن القرون الذين أهلكناهم أنهم إليهم لا يرجعون.
وقال الفراء: كم في موضع نصب من وجهين: أحدهما ب{يَرَوْا} واستشهد على هذا بأنه في قراءة ابن مسعود {أَلَمْ يَرَوْا مَنْ أَهْلَكْنَا}.
والوجه الآخر أن يكون كم في موضع نصب ب{أَهْلَكْنَا}.
قال النحاس: القول الأوّل محال؛ لأن كم لا يعمل فيها ما قبلها؛ لأنها استفهام، ومحال أن يدخل الاستفهام في خبر ما قبله.
وكذا حكمها إذا كانت خبرًا، وإن كان سيبويه قد أومأ إلى بعض هذا فجعل {أَنَّهُمْ} بدلًا من كم.
وقد ردّ ذلك محمد بن يزيد أشدّ ردّ، وقال كم في موضع نصب ب{أَهْلَكْنَا} و{أَنَّهُمْ} في موضع نصب، والمعنى عنده بأنهم أي {أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّنَ القرون} بالاستئصال.
قال: والدليل على هذا أنها في قراءة عبد الله {مَنْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ}.
وقرأ الحسن: {إِنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لاَ يَرْجِعُونَ} بكسر الهمزة على الاستئناف.
وهذه الآية ردٌّ على من زعم أن من الخلق من يرجع قبل القيامة بعد الموت.
{وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} يريد يوم القيامة للجزاء.
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: {وَإِنْ كُلٌّ لَمَّا} بتشديد لما.
وخفف الباقون.
ف أن مخففة من الثقيلة وما بعدها مرفوع بالابتداء، وما بعده الخبر.
وبطل عملها حين تغيَّر لفظها.
ولزمت اللام في الخبر فرقًا بينها وبين إن التي بمعنى ما.
و ما عند أبي عبيدة زائدة.
والتقدير عنده: وإن كلٌّ لجميع.
قال الفرّاء: ومن شدّد جعل لما بمعنى إلا و أن بمعنى ما، أي ما كلٌّ إلاَّ لَجميع؛ كقوله: {إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ} [المؤمنون: 25].
وحكى سيبويه في قوله: سألتك بالله لما فعلت.
وزعم الكسائي أنه لا يعرف هذا.
وقد مضى هذا المعنى في هود.
وفي حرف أُبَيّ {وَإِنْ مِنْهُمْ إِلاَّ جَميعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ}. اهـ.