فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَءايَةٌ لَّهُمُ الأرض الميتة}.
بالتخفيف وقرأ نافع بالتشديد، و{ءايَةً} خبر مقدم للاهتمام وتنكيرها للتفخيم و{لَهُمْ} إما متعلق بها لأنها بمعنى العلامة أو متعلق بمضمر هو صفة لها وضمير الجمع لكفار أهل مكة ومن يجري مجراهم في إنكار الحشر، و{الأرض} مبتدأ و{الميتة} صفتها، وقوله تعالى: {أحييناها} استئناف مبين لكيفية كونها آية، وقيل في موضع الحال والعامل فيها آية لما فيها من معنى الاعلام وهو تكلف ركيك، وقيل {ءايَةً} مبتدأ أول و{لَهُمْ} صفتها أو متعلق بها وكل من الأمرين مسوغ للابتداء بالنكرة و{الأرض الميتة} مبتدأ ثان وصفة وجملة {أحييناها} خبر المبتدأ الثاني وجملة المبتدأ الثاني وخبره خبر المبتدأ الأول ولكونها عين المبتدأ كخبر ضمير الشأن لم تحتج لرابط، قال الخفاجي: وهذا حسن جدًا إلا أن النحاة لم يصرحوا به في غير ضمير الشأن، وقيل إنها مؤولة بمدلول هذا القول فلذا لم يحتج لذلك ولا يخفى بعده، وقيل {ءايَةً} مبتدأ و{الأرض} خبره وجملة {أحييناها} صفة الأرض لأنها لم يرد بها أرض معينة بل الجنس فلا يلزم توصيف المعرفة بالجملة التي هي في حكم النكرة، ونظير ذلك قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ** فمضيت ثمت قلت لا يعنيني

وأنكر جواز ذلك أبو حيان مخالفًا للزمخشري.
وابن مالك في التسهيل وجعل جملة يسبني حالًا من اللئيم، وأنت تعلم أن المعنى على استمرار مروره على من يسبه وإغماضه عنه ولهذا قال: أمر وعطف عليه فمضيت والتقييد بالحال لا يؤذي هذا المؤدي، ثم إن مدار الخبرية إرادة الجنس فليس هناك أخبار بالمعرفة عن النكرة ليكون مخالفًا للقواعد كما قيل نعم أرجح الأوجه ما قرر أولًا وقد مر المراد بموت الأرض وأحيائها فتذكر.
{وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا} أي جنس الحب من الحنطة والشعير والأرز وغيرها، والنكرة قد تعم كما إذا كانت في سياق الامتنان أو نحوه، وفي ذكر الإخراج وكذا الجعل الآتي تنبيه على كمال الإحياء {فَمِنْهُ} أي من الحب بعد إخراجنا إياه، والفاء داخلة على المسبب ومن ابتدائية أو تبعيضية والجار والمجرور متعالق بقوله تعالى: {يَأْكُلُونَ} والتقديم للدلالة على أن الحب معظم ما يؤكل ويعاش به لما في ذلك من إيهام الحصر للاهتمام به حتى كأنه لا مأكول غيره.
{وَجَعَلْنَا فِيهَا جنات مّن نَّخِيلٍ} جمع نخل كعبيد جمع عبد كما ذهب إليه أكثر الأئمة وصرح به في القاموس، وقيل اسم جمع، وقال الجوهري: النخل والنخيل بمعنى واحد وعلى الأول المعول {وَأَعْنَابٍ} جمع عنب ويقال على الكرم نفسه وعلى ثمرته كما قال الراغب: ولعله مشترك فيهما، وقيل حقيقة في الثمرة مجاز في الشجرة، وأيًا ما كان فالمراد الأول بقرينة العطف على النخيل، وجمعا دون الحب قيل لتدل الجمعية على تعدد الأنواع أي من أنواع النخل وأنواع العنب وذلك لأن النخل والعنب اسمان لنوعين فكل منهما مقول على افراد حقيقة واحدة فلا يدلان على اختلاف ما تحتهما وتعدد أنواعه إلا إذا عبر عنهما بلفظ الجمع بخلاف الحب فإنه اسم جنس وهو يشعر باختلاف ما تحته لأنه المقول على كثرة مختلفة الحقائق قولًا ذاتيًا فلا يحتاج في الدلالة على الاختلاف إلى الجمعية، وقولهم جمع العالم في قوله تعالى: {الحمد للَّهِ رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2] وهو اسم جنس ليشمل ما تحته من الأجناس لا ينافي ذلك قيل لأن المراد ليشمل شمولًا ظاهرًا متعينًا وان حصل الاشعار بدونه، وقيل جمعًا للدلالة على مزيد النعمة، وأما الحب ففيه قوام البدن وهو حاصل بالجنس.
وامتن عز وجل في معرض الاستدلال على أمر الحشر بجعل الجنات من النخيل والأعناب المراد بها الأشجار ولم يمتن سبحانه وتعالى بجعل ثمرات تلك الأشجار من التمر والعنب كما امتن جل جلاله بإخراج الحب أعظامًا للمنة لتضمن ذلك الامتنان بالثمار وغيرها من منافع تلك الأشجار أنفسها بسائر أجزائها للإنسان نفسه بلا واسطة لاسيما النخيل ولا دلالة في الكلام على حصر ثمر الجعل بأكل الثمرة، وثمرة التنصيص على ذلك من بين المنافع ظاهرة وهذا بخلاف أشجار الحبوب فإنها ليست بهذه المثابة ولذا غير الأسلوب ولم يعامل ثمر ذلك معاملة الحبوب وكلام البيضاوي عليه الرحمة ظاهر في أن المراد بالأعناب الثمار المعروفة لا الكروم وعلل ذكر النخيل دون ثمارها مع أنه الأوفق بما قبل وما بعد باختصاصها بمزيد النفع وآثار الصنع وتفسبر الأعناب بالثمار دون الكروم بعيد عندي لمكان العطف مع أن الجار والمجرور في موضع الصفة لجنات، والمعروف كونها من أشجار لا من ثمار.
قال الراغب: الجنة كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض، وقد تسمى الأشجار الساترة جنة وعلى ذلك حمل قوله:
من النواضح تسقى جنة سحقا

على أن في الآية بعد ما يؤيد إرادة الثمار فتدبر.
{وَفَجَّرْنَا فِيهَا} أي شققنا في الأرض.
وقرأ جناح بن حبيش {فجرنا} بالتخفيف والمعنى واحد بيد أن المشدد دال على المبالغة والتكثير {فِيهَا مِنَ العيون} أي شيئًا من العيون على أن الجار والمجرور في موضع الصفة لمحذوف، ومن بيانية وجوز كونها تبعيضية وليس بذاك، وقيل المفعول محذوف و{مِنَ العيون} متعلق بفجر ومن ابتدائية على معنى فجرنا من المنابع ما ينتفع به من الماء، وذهب الأخفش إلى زيادة من وجعل العيون مفعول فجرنا لأنه يرى جواز زيادتها في الإثبات مع تعريف مجرورها.
{لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} متعلق بجعلنا وتأخيره عن تفجير العيون لأنه من مبادىء الثمر أي وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب ورتبنا مبادىء ثمرها ليأكلوا، وضمير ثمره عائد على المجعول وهو {الجنات} [يس: 34] ولذا أفرد وذكر ولم يقل من ثمرها أي الجنات أو من ثمرهما أي النخيل والأعناب، ومثله ما قيل عائد على المذكور والضمير قد يجري مجرى اسم الإشارة كما في قول رؤبة:
فيها خطوط من سواد وبلق ** كأنه في الجلد توليع البهق

فإنه أراد كما قال لأبي عبيدة وقد ساله كأنه ذاك، وقيل عائد على الماء لدلالة العيون عليه أو لكون الكلام على حذف مضاف أي ماء العيون، وقيل على النخيل واكتفى به للعلم باشتراك الأعناب معه في ذلك، وقيل على التفجير المفهوم من {فجرنا} [يس: 34] والمرادبثمره فوائده كما تقول ثمرة التجارة الريح أو هو ظاهره والإضافة لأدنى ملابسة والكل كما ترى، وجوز أن يكون الضمير له عز وجل وإضافة الثمر إليه تعالى لأنه سبحانه خالقه فكأنه قيل: ليأكلوا مما خلقه الله تعالى من الثمر.
وكان الظاهر من ثمرنا لضمير العظمة على قياس ما تقدم إلا أنه التفت من التكلم إلى الغيبة لأن الأكل والتعيش مما يشغل عن الله تعالى فيناسب الغيبة فالالتفات في موقعه.
وزعم بعضهم أن هذا ليس من مظانه لأنه أولى بضمير الواحد المطاع لأنه المقصود بالإحياء والجعل والتفجير وقد أسندت إليه.
ورد بأن ما سبق أفخم لأنها أفعال عامة النفع ظاهرة في كمال القدرة والثمر أحط مرتبة من الحب ولذا لم يورد على سبيل الاختصاص فلا يستحق ذلك التفخيم كيف وقد جعل بعضهم الثمر خلق الله تعالى وكماله بفعل الآدمي، وبما تقدم يستغني عما ذكر.
وقرأ طلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي {كُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} بضمتين وهي لغة فيه أو هو جمع ثمار.
وقرأ الأعمش {مِن ثَمَرِهِ} بضم فسكون {وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} {مَا} موصولة في محل جر عطف على {ثَمَرِهِ} وجعله في محل نصب عطفًا على محل {مِن ثَمَرِهِ} خلاف الظاهر أي وليأكلوا من الذي عملوه أو صنعوه بقواهم، والمراد به ما يتخذ من الثمر كالعصير والدبس وغيرهما، وقال الزمخشري: أي من الذي عملته أيديهم بالغرس والسقي والآبار وليس بذاك، وجوز أن تكون ما نكرة موصوفة أي ومن شيء عملته أيديهم والأول أظهر، وقيل: ما نافية وضمير {عَمِلَتْهُ} راجع إلى الثمر والجملة في موضع الحال، والمراد من نغي عمل أيديهم إياه أنه بخلق الله تعالى لا بفعلهم ولا تقول المشايخ بالتوليد، وروي القول بأنها نافية عن ابن عباس والضحاك، وظاهر كلام الحبر أن الضمير راجع إلى شيئًا الموصوف المحذوف والجملة حال منه، فقد روى سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه قال: وجدوه معمولًا لم تعمله أيديهم يعني الفرات ودجلة ونهر بلخ وأشباهها وفيه بعد.
وأيد القول بالموصولية بقراءة طلحة وعيسى وحمزة والكسائي وأبي بكر {وَمَا عَلَّمْتُمْ} بلا هاء، ووجه التأييد أن الموصول مع الصلة كاسم واحد فيحسن معه لاستطالته ولاقتضائه إياه ودلالته عليه يكون كالمذكور، وتقدير اسم ظاهر غير ظاهر، وقال الطيبي: جعلها نافية أولى من جعلها موصولة لئلا يوهم استقلالهم بالعمل لأن ذكر الأيدي للتأكيد في هذا المقام كما في قوله تعالى: {أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} [يس: 71] لأن التركيب من باب أخذته بيدي ورأيته بعيني وحينئذ لا يناسب أن يكون قوله تعالى: {أحييناها} [يس: 33] الخ تفسيرًا لكون الأرض الميتة آية.
وتعقبه في الكشف بأنه ليس بشيء لأن العمل من العباد بمعن الكسب وقد جاء {بما قدمت أيديكم} [آل عمران: 182] و{بما قدمت يداك} [الحج: 10] فهذا التأكيد دافع للإيهام انتهى فلا تغفل.
وجوز على هذه القراءة كون ما مصدرية أي وعمل أيديهم ويراد بالمصدر اسم المفعول أي معمول أيديهم فيعود إلى معنى الموصولة ولا يخفى ما فيه {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} إنكارًا واستقباح لعدم شركهم للمنعم بالنعم المعدودة بالتوحيد والعبادة، والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أيرون هذه النعم أو أيتنعمون بها فلا يشكرون المنعم بها.
{سبحان الذي خَلَق الأزواج كُلَّهَا} استئناف مسوق لتنزيهه تعالى عما فعلوه من ترك شكره عز وجل واستعظام ما ذكر في حيز الصلة من بدائع آثار قدرته وأسرار حكمته وروائع نعمائه الموجبة لشكره تعالى وتخصيص العبادة به سبحانه والتعجيب من إخلالهم بذلك والحال هذه، وقد تقدم الكلام في {سُبْحَانَ}.
وفي الإرشاد هنا أنه علم للتسبيح الذي هو التبعيد عن السوء اعتقادًا وقولًا أي اعتقاد البعد عنه والحكم به من سبح في الأرض والماء إذا بعد فيهما وأمعن وانتصابه على المصدري أي أسبح سبحانه أي أنزهه عمالًا يليق به عقدًا وعملًا تنزيهًا خاصًا به حقيقًا بشأنه عز شأنه، وفيه مبالغة من جهة الاشتقاق وجهة العدول إلى التفعيل وجهة العدول عن المصدر الدار على الجنس إلى الاسم الموضوع له خاصة لاسيما العلم وجهة إقامته مقام المصدر مع الفعل، وقيل: هو مصدر كغفران أريد به التنزه التام والتباعد الكلي عن السوء ففيه مبالغة من جهة إسناد التنزه إلى الذات المقدس فالمعنى تنزه بذاته عن كل ما لا يليق به تعالى تنزهًا خاصًا به سبحانه، فالجملة على هذا إخبار منه تعالى بتنزهه وبراءته عن كل ما لا يليق به مما فعلوه وما تركوه؛ وعلى الأول حكم منه عز وجل بذلك وتلقين للمؤمنين أن يقولوه ويعتقدوا مضمونه ولا يخلو به ولا يغفلوا عنه.
وقدر بعضهم الفعل الناصب أمرًا أي سبحوا سبحان، والمراد بالأزواج الأنواع والأصناف، وقال الراغب: الأزواج جمع زوج ويقال لكل واحد من القرينين ولكل ما يقترن بآخر مماثلًا له أو مضادًا وكل ما في العالم زوج من حيث أن له ضدًا ما أو مثلًا ما أو تركيبًا ما بل لا ينفعك بوجه من تركيب صورة ومادة وجوهر وعرض.
{مِمَّا تُنبِتُ الأرض} بيان للأزواج والمراد به كل ما ينبت فيها من الأشياء المذكورة وغيرها {وَمِنْ أَنفُسِهِمْ} أي وخلق الأزواج من أنفسهم أي الذكر والأنثى {وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ} أي والأزواج مما لم يطلعهم الله تعالى ولم يجعل لهم طريقًا إلى معرفته بخصوصياته وإنما اطلعهم سبحانه على ذلك بطريق الإجمال على منهاج {وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [النحل: 8] لما نيط به وقوفهم على عظم قدرته وسعة ملكه وجلاله سلطانه عز وجل، ولعله لما كان العلم من أخص صفات الربوبية لم يثبت على وجه الكمال والإحاطة لأحد سواه سبحانه ولو كان بطريق الفيض منه تبارك وتعالى على أن ظرف الممكن يضيق عن الإحاطة فما يجهله كل أحد أكثر مما يعلمه بكثير، وقد يقال على بعض الاعتبارات: إن ما يعلمه كل أحد متناه وما يجهله غير متناه ولا نسبة بين المتناهي وغير المتناهي أصلًا فلا نسبة بين معلوم كل أحد ومجهوله، وتأمل في هذا مع دعوى بعض الأكابر الوقوف على الأعيان الثابتة والإطلاع عليها وقل رب زدني علمًا. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ}.
وهذا شاهد يشهد للمكذبين بالبعث، بأنه أمر ممكن، وإن إنكارهم له يقوم على فهم خاطئ لقدرة اللّه.. فلو أنهم نظروا إلى هذه الأرض الميتة، وكيف يحيى اللّه مواتها، ويبعث فيها الحياة، ويخرج من أحشائها صورا لا حصر لها من الكائنات الحية- لو نظروا إلى هذا لرأوا أن بعث الأجساد الهامدة لا يختلف في شىء، عن بعث الحياة في الأرض الجديب.
وقال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} مبتدأ وخبر، وقدم الخبر آية على المبتدأ {الأرض} للإلفات إليه، لأنه الآية المراد النظر في وجهها، وأصل النظم: والأرض الميتة آية لهم وقال تعالى: {أَحْيَيْناها وَأَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ} هو بدل من الأرض الميتة.. وهو بيان لها، يكشف عما في كيان هذه الآية التي تخرج من الأرض.. والحبّ، هو ما يخرج من نبات البرّ، والشعير والأرز، ونحوه.
قال تعالى: {وَجَعَلْنا فِيها جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنابٍ وَفَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ} خصت جنات النخيل والأعناب من بين أنواع الفاكهة بالذكر، لأن هاتين الشجرتين- النخلة، والكرمة- غاية ما يبلغه النبات من كمال في سلّم الترقّ.
فهما على قمة العالم النباتي، وما تحتهما تبع لهما.. وإلى هذا يشير الحديث الشريف: «أكرموا عماتكم النخل، فإنهن خلقن من طينة آدم» وهذا يعنى أن النخل قد أشرف من قمة عالم النبات على عالم الحيوان، وكاد يلامس هذا العالم، ويحسب من أفراده.. وقدم النخيل على الأعناب، لأنه أرقى درجة من.
قال تعالى: {لِيَأْكُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلا يَشْكُرُونَ} يمكن أن تكون اللام في قال تعالى: {لِيَأْكُلُوا} للتعليل، أي أحيينا الأرض، وأنبتنا فيها جنات من نخيل وأعناب، ليكون ذلك نعمة من نعمنا عليهم، لحفظ حياتهم، بالأكل من ثمرات هذه الجنا.
ويمكن أن تكون اللام للأمر، وفي هذا الأمر دعوة لهم إلى الأكل من تلك المائدة التي مدها اللّه للعباد، وجعل عليها ما تشتهى الأنفس من طيبات- وفي هذا الأمر إلفات لهم إلى هذا الإحسان، وذلك الفضل من اللّه، وإلى ما ينبغى للّه من شكر وحمد، وهذا مثل قال تعالى: {الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجًا مِنْ نَباتٍ شَتَّى كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعامَكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى} (53- 54: طه) والضمير في ثمره، يعود إلى النخيل، لأنه المقدم رتبة على العنب، وهو أكثر أنواعا وألوانا منه، فلا يعدو أن يكون العنب لونا من ألوان الثمر- وقال تعالى: {وَما عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ} يمكن أن تكون الجملة معطوفة على قال تعالى: {مِنْ ثَمَرِهِ} أي ليأكلوا من ثمره من غير صنعة، وليأكلوا ما عملته أيديهم من هذا الثمر، وصنعت.
ويمكن أن تكون الجملة حالية، والواو واو الحال، وما نافية.. ويكون المعنى، ليأكلوا من ثمر هذا الشجر، والحال أنه لم تعمله أيديهم، ولم يكن في قدرتهم أن يخرجوا شجرة منه، أو أن يصنعوا ثمرة من هذا الشجر.
وقال تعالى: {أَفَلا يَشْكُرُونَ} حثّ لهم على الشكر، وإنكار لموقفهم من هذه النعم موقف الجاحد المنكر للمنعم به.
قال تعالى: {سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} هو تسبيح بحمد اللّه، وتنزيه له عن الشريك والولد، وتمجيد لجلاله وقدرته.. وهذا التسبيح والحمد، بلسان الوجود كله. وأنه إذا خرست ألسنة الضالين والمكذبين أن يسبحوا بحمد اللّه، وأن ينزهوه ويمجدوه، فإن الوجود كلّه لسان تسبيح، وتنزيه، وتمجيد للّه رب العالمين: {الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ} فالمخلوقات كلها من أزواج، هي الذكر والأنثى.. كما في عالم الأحياء من حيوان، ونبات، وهى الشيء ومقابله، كما في عالم المعاني. كالصدق والكذب، والحق والباطل، والإيمان والكفر، والضلال والهدى.. وقد تحدثنا عن ذلك في غير موضع من قبل. اهـ.