فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (33)}.
لمَّا كان أمرُ البعث أعظمَ شُبَهِهِمْ، وكَثُرَ فيه إنكارُهم كان تكرارُ الله سبحانه لحديث البعث، وقد ضَرَبَ- سبحانه- المَثَلَ له بإحياء الأرض بالنبات في الكثيرمن الآيات. والعَجَبُ مَمَّنْ يُنْكِر علومَ الأصول ويقول ليس في الكتاب عليها دليل! وكيف يشكل ذلك وأكثر ما في القرآن من الآيات يحث على سبيل الاستدلال، وتحكيم أدلة العقول؟ ولكن يَهْدِي اللَّهُ لنوره من يشاء. ولو أنهم أنصفوا من انفسهم، واشتغلوا بأهم شيءٍ عندهم لَمَا ضَيَّعوا أصول الدِّين، ولكنهم رضوا فيها بالتقليد، وادَّعَوْا في الفروع رتبةَ الإمامة والتصَدُّر.. ويقال في معناه:
يا مَنْ تَصَدَّرَ في دستَ الإمامة في ** مسائل الفقه إملاءً وتدريسا

غَفَلْتَ عن حججِ التوحيد تُحْكِمها ** شيَّدتَ فرعًا وما مَهَّدَتَ تأسيسا

{سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ (36)}.
تُنَبِه هذه الآيةُ على التفكُّرِ في بديع صُنْعِه؛ فقال: تنزيهًا لِمَنْ خَلَقَ الأَشياء المتشاكلةَ في الأجزاء والأعضاء، من النبات، ومن أنفسهم، ومن الأشياء الأخرى التي لا يعلمون تفصيلها، كيف جعل أوصافَها في الطعوم والراوئح، في الشكل والهيئة، في اختلاف الأشجار في أوراقها وفنون أغصانها وجذوعها وأصناف أنوارها وأَزهارها، واختلاف أشكال ثمارها في تفرُّقِها واجتماعها، ثم ما نيط بها من الانتفاع على مجرى العادة مما يسميه قومٌ: الطبائع؛ في الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، واختلاف الأحداث التي يخلقها اللَّهُ عقيب شراب هذه الأدوية وتناول هذه الأطعمة على مجرى العادة من التأثيرات التي تحصل في الأبدان. ثم اختلاف صور هذه الأعضاء الظاهرة والأجزاء الباطنة، فالأوقات متجانسة، والأزمان، متماثلة، والجواهر متشاكلة.. وهذه الأحكام مختلفة، ولولا تخصيصُ حُكْم اللَّهُ لكل شيءٍ بما اختصَّ به لم يكن تخصيصٌ بغير ذلك أولى منه. وإنَّ مَنْ كحَّلَ اللَّهُ عيونَ بصيرته بيُمْن التعريف، وقَرَنَ أوقاته بالتوفيق، وأتَمَ نَظَره، ولم يصده مانع. فما أقوى في المسائل حُجَّتَه! وما أوْضَحَ في السلوكِ نَهْجَه!.
إنَّها لأقْسَامٌ سَبَقَت على مَنْ شاءَه الحقُّ بما شاء. اهـ.

.تفسير الآيات (37- 44):

قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما دربهم على النظر بآيات الأعيان الحسية الدالة على القدرة الباهرة لاسيما على البعث، رقاهم إلى المعاني على ذلك النحو، فإن إيجاد كل من الملوين بعد إعدامه أدل دليل على البعث، فقال ناقلًا لهم من المكان الكلي إلى الزمان الكلي الجامعين للجواهر والأعراض: {وآية لهم} أي على إعادة الشيء بعد إفنائه {الّليل} أي الذي يشاهدونه لا شك عندهم فيه ولا حيلة بوجه في رفعه؛ ثم استأنف قوله: {نسلخ} عائدًا إلى مظهر العظمة دلالة على جلالة هذا الفعل بخصوصه.
ولما كان الأصل في هذا الوجود الظلام، والضياء حادث، وكان ضياؤه ليس خالصًا، عبر ب من التي تصلح للملابسة مع التخلل في الأجزاء فقال: {منه النهار} أي الذي كان مختلطًا به بإزالة الضوء وكشفه عن حقيقة الليل {فإذا هم} بعد إزالتنا للنهار الذي سلخناه من الليل {مظلمون} أي داخلون في الظلام بظهور الليل الذي كان الضياء ساترًا كما يستر الجلد الشاة، قال الماوردي: وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم- نقله ابن الجوزي عنه، وقد أرشد السياق حتمًا إلى أن التقدير: والنهار نسلخ منه الليل الذي كان ساتره وغالبًا عليه فإذا هم مبصرون.
ولما ذكر الوقتين، ذكر آيتيهما فقال: {والشمس} أي التي سلخ النهار من الليل بغيبوبتها {تجري} ولما كان غيابها بالليل مثل سكون الإنسان في مبيته، وجعلها على خط قدر لسيرها كل يوم بتقدير لا زيع فيه ومنهاج لا يعوج، قال: {لمستقر} أي عظيم {لها} وهو السير الذي لا تعدوه جنوبًا ولا شمالًا ذاهبة وآئبة، وهي فيه مسرعة- بدليل التعبير باللام في موضع إلى ويدل على هذا قراءة {لا مستقر لها} بل هي جارية أبدًا إلى انقراض الدنيا في موضع مكين محكم هو أهل للقرار، وعبر به مع أنها لا تستقر ما دام هذا الكون لئلا يتوهم أن دوام حركتها لأجل أن موضع جريها لا يمكن الاستقرار عليه، ولا ينافي هذا ما في صحيح البخاري وفي كتاب الإيمان من صحيح مسلم عن أبي ذر رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مستقرها تحت العرش، وأنها تذهب فتستأذن في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها: ارجعي من حيث جئت، فتطلع من مغربها» هذا لفظ مسلم، وسيأتي لفظ البخاري، ويمكن أن يكون المستقر آخر جريها عند إبادة هذا الوجود.
ولما كان هذا الجري على نظام لا يختل على مر السنين وتعاقب الأحقاب تكل الأوهام عن استخراجه، وتتحير الأفهام في استنباطه، عظمه بقوله: {ذلك} أي الأمر الباهر للعقول؛ وزاد في عظمه بصيغة التفعيل في قوله: {تقدير} وأكد ذلك لافتًا القول عن مطلق مظهر العظمة إلى تخصيصه بصفتي العزة والعلم تعظيمًا لهذه الآية تنبيهًا على أنها أكبر آيات السماء فقال: {العزيز} أي الذي لا يقدر أحد في شيء من أمره على نوع مغالبة، وهو غالب على كل شيء {العليم} أي المحيط علمًا بكل شيء الذي يدبر الأمر، فيطرد على نظام عجيب ونهج بديع لا يعتريه وهن ولا يلحقه يومًا نوع خلل إلى أن يريد سبحانه إبادة هذا الكون فتسكن حركاته وتفنى موجوداته، روى البخاري عن أبي ذر رضى الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في المسجد عند غروب الشمس فقال: «يا أبا ذر! أتدري أين تذهب؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها، ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها، فيقال لها: ارجعي من حيث جئت، فذلك قوله تعالى: {والشمس تجري لمستقر لها}».
ولما ذكر آية النهار، أتبعها آية الليل فقال: {والقمر} ومعناه في قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وروح عن يعقوب بالرفع: يجري لمستقر له، ونصبه الباقون دلالة على عظمة هذا الجري لسرعته بقطعه في شهر ما تقطعه الشمس في سنة، ولذلك ضعف الفعل المفسر للناصب وأعمله في ضمير القمر ليكون مذكورًا مرتين فيدل على شدة العناية تنبيهًا على تعظيم الفعل فيه، وأعاد مظهر العظمة فقال مستانفًا في قراءة الرفع: {قدرناه} أي قسناه قياسًا عظيمًا أي قسنا لسيره {منازل} ثمانية وعشرين، ثم يستسر ليلتين: عند التمام وليلة للنقصان لا يقدر يومًا أن يتعداه قال الأستاذ أبو القاسم القشيري: يبعد عن الشمس ولا يزال يتباعد حتى يعود بدرًا ثم يدنو فكلما ازداد من الشمس دنوًا ازداد في نفسه نقصانًا إلى أن يتلاشى.
{حتى عاد} أي بعد أن كان بدرًا عظيمًا {كالعرجون} من النخل وهو عود العذق ما بين شماريخه إلى منتهاه وهو منبته من النخلة دقيقًا منحنيًا، وهو فعلول ذكره أهل اللغة في النون وقالوا: عرجن الثوب: صور فيه صور العراجين، وقال المفسرون: إنه من عرج، أي أعوج.
ولما كانت حمرته آخذة إلى صفرة قال: {القديم} أي المحول، فإن العرجون إذا طال مكثه صار كذلك، فدق وانحنى واصفر.
ولما تقرر أن لكل منهما منازل لا يعدوها، فلا يغلب ما هو آيته ما هو آية الآخر، بل إذا جاء سلطان هذا ذهب ذاك، وإذا جاء ذاك ذهب هذا، فإذا اجتمعا قامت الساعة، تحرر أن نتيجة هذه القضايا: {لا الشمس} أي التي هي آية النهار {ينبغي لها} أي ما دام هذا الكون موجودًا على هذا الترتيب {أن تدرك} أي لأن حركتها بطيئة {القمر} أي فتطمسه بالكلية، فما النهار سابق الليل {ولا الّيل سابق النهار} أي حتى ينبغي للقمر مع سرعة سيره أن يدرك الشمس ويغلبها فلا يوجد نهار أصلًا، ولو قيل: يستبق لاختل المعنى لإيهامه أنه لا يتقدمه أصلًا فالآية من الاحتباك: نفى أولًا إدراك الشمس لقوتها دليلًا على ما حذف من الثانية من نفي إدراك القمر للشمس، وذكر ثانيًا سبق الليل النهار لما له من القوة بما يعرض من النهار فيغشيه دليلًا على حذف سبق النهار الليل أولًا {وكل} أي من المذكورات حقيقة ومجازًا {في فلك} محيط به، ولما ذكر لها فعل العقلاء، وكان على نظام محرر لا يختل، وسير مقدر لا يعوج ولا ينحل، فكان منزهًا عن آفة تلحقه، أو ملل يطرقه، عبر بما تدور مادته على القدرة والشدة والاتساع فقال: آتيًا بضمير العقلاء جامعًا لأنه أدل على تسخيرهم دائمًا: {يسبحون} حثًا على تدبر ما فيها من الآيات التي غفل عنها- لشدة الإلف لها- الجاهلون.
ولما ذكر ما حد له حدودًا في السباحة في وجه الفلك لو تعداها لاختل النظام، ذكر ما هيأه من الفلك للسباحة على وجه الماء الذي طبق الأرض في زمن نوح عليه السلام حتى كانت كالسماء، ولو تعدت السفينة ما حد لها سبحانه من المنازل فنفذت إلى بحر الظلمات لفسد الشأن، وكانوا فيها كأنهم في الأرض، وبسيرها كأنهم يخترقون الجبال والفيافي والقفار- كل ذلك تذكيرًا بأيام الله، وتنبيهًا على استدرار نعمه، وتحذيرًا من سطواته ونقمه، ومنًّا عليهم بما يسر لهم من سلوك البحر والتوصل به إلى جليل المنافع فقال: {وآية لهم} أي على قدرتنا التامة الشامل {أنا} أي على ما لنا من العظمة {حملنا}.
ولما كان من قبل نوح عليه السلام من أصول البشر لم يحملوا في الفلك، عدل عن التعبير بالضمير والآباء إلى قوله: {ذريتهم} أي ذرية البشر التي ذرأناها وذروناها وذررناها حتى ملأنا بها الأرض من ذلك الوقت إلى آخر الدهر، ولهذا التكثير المفهوم من هذا الاشتقاق البليغ اغتنى ابن كثير وأبو عمرو والكوفيون فقرءوا بالإفراد، وزادت في الإيضاح قراءة الباقين بالجمع، بعضهم ظاهرًا وبعضهم في ظهر أبيه {في الفلك} عرفه لشهرته بين جميع الناس {المشحون} أي الموقر المملوء حيوانًا وزادًا، وهو يتقلب في تلك المياه التي لم ير قط مثلها ولا يرى أبدًا، ومع ذلك فسلمه الله.
ولما كانت هذه الآية لم تنقطع بل عم سبحانه بنفعها: {وخلقنا} أي بعظمتنا الباهرة {لهم من مثله} أي من مثل ذلك الفلك من الإبل والفلك {ما يركبون} أي مستمرين على ذلك على سبيل التجدد ليقصدوا منافعهم، ولو شئنا لمنعنا ذلك.
ولما كان قد أنجى سبحانه آباءنا حين حمله في ذلك الماء الذي لم يكن مثله قط، وكان ربما ظن أن الإنجاء لسر من الأسرار غير إرادته، جعل أمر ما خلق من مثله تارة وتارة ليعرف أن ذلك هو بصنعه فتشكر نعمته أولًا وآخرًا فقال: {وإن نشأ} أي لأجل ما لنا من القوة الشاملة {نغرقهم} أي مع أن هذا الماء الذي يركبونه لا يعشر ذلك الذي حملنا فيه آباءهم {فلا صريخ لهم} أي مغيث ينجيهم مما نريد بهم من الغرق {ولا هم} أي بأنفسهم من غير صريخ {ينقذون} أي يكون لهم إنقاذ أي خلاص بأنفسهم أو غيرها.
ولما كان هو سبحانه يصرخ من يشاء فينجيه وكانت لا نافية نفيًا مستغرقًا، استثنى ما كان منه سبحانه فقال: {إلا رحمة} أي إلا نحن فننقذهم إن شئنا رحمة {منا} أي لهم، لا وجوبًا علينا، ولا لمنفعة تعود منهم إلينا {ومتاعًا} أي لهم {إلى حين} أي وهو حين انقضاء آجالهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}.
لما استدل الله بأحوال الأرض وهي المكان الكلي استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلي فإن دلالة المكان والزمان مناسبة لأن المكان لا تستغني عنه الجواهر والزمان لا تستغني عنه الأعراض، لأن كل عرض فهو في زمان ومثله مذكور في قوله تعالى: {وَمِنْ ءاياته الليل والنهار والشمس والقمر} [فصلت: 37] ثم قال بعده: {وَمِنْ ءاياته أَنَّكَ تَرَى الأرض خاشعة فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الماء اهتزت وَرَبَتْ} [فصلت: 39] حيث استدل بالزمان والمكان هناك أيضًا، لكن المقصود أولًا هناك إثبات الوحدانية بدليل قوله تعالى: {لاَ تَسْجُدُواْ لِلشَّمْسِ} [فصلت: 37] ثم الحشر بدليل قوله تعالى: {إِنَّ الذي أحياها لمحيي الموتى} [فصلت: 39] وههنا المقصود أولًا إثبات الحشر لأن السورة فيها ذكر الحشر أكثر، يدل عليه النظر في السورة، وهناك ذكر التوحيد أكثر بدليل قوله تعالى فيه: {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} [فصلت: 9] إلى غيره وآخر السورتين يبين الأمر، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
المكان يدفع عن أهل السنة شبه الفلاسفة، والزمان يدفع عنهم شبه المشبهة.
أما بيان الأول: فذلك لأن الفلسفي يقول لو كان عدم العالم قبل وجوده لكان عند فرض عدم العالم قبل، وقبل وبعد لا يتحقق إلا بالزمان، فقبل العالم زمان والزمان من جملة العالم فيلزم وجود الشيء عند عدمه وهو محال، فنقول لهم قد وافقتمونا على أن الأمكنة متناهية، لأن الأبعاد متناهية بالاتفاق، فإذن فوق السطح الأعلى من العالم يكون عدمًا وهو موصوف بالفوقية، وفوق وتحت لا يتحقق إلا بالمكان ففوق العالم مكان والمكان من العالم فيلزم وجود الشيء عند عدمه، فإن أجابوا بأن فوق السطح الأعلى لا خلا ولا ملا، نقول قبل وجود العالم لا آن ولا زمان موجود.
أما بيان الثاني: فلأن المشبهي يقول لا يمكن وجود موجود إلا في مكان، فالله في مكان فنقول فيلزمكم أن تقولوا الله في زمان لأن الوهم كما لا يمكنه أن يقول هو موجود ولا مكان لا يمكنه أن يقول هو كان موجودًا ولا زمان وكل زمان فهو حادث وقد أجمعنا على أن الله تعالى قديم.