فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42)}.
وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
من حيث اللغة فقوله لهم يحتمل أن يكون عائدًا إلى الذرية، أي حملنا ذريتهم وخلقنا للمحمولين ما يركبون، ويحتمل أن يكون عائدًا إلى العباد الذين عاد إليهم قوله: {وَءايَةٌ لَّهُمُ} [يس: 41] وهو الحق لأن الظاهر عود الضمائر إلى شيء واحد.
المسألة الثانية:
{مِنْ} يحتمل وجهين أحدهما: أن يكون صلة تقديره وخلقنا لهم مثله، وهذا على رأي الأخفش، وسيبويه يقول: من لا يكون صلة إلا عند النفي، تقول ما جاءني من أحد كما في قوله تعالى: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]، وثانيهما: هي مبينة كما في قوله تعالى: {يَغْفِرْ لَكُمْ مّن ذُنُوبِكُمْ} [الأحقاف: 31] كأنه لما قال: {خَلَقْنَا لَهُم} والمخلوق كان أشياء قال من مثل الفلك للبيان.
المسألة الثالثة:
الضمير في {مّثْلِهِ} على قول الأكثرين عائد إلى الفلك فيكون هذا كقوله تعالى: {وَءاخَرُ مِن شَكْلِهِ أزواج} [ص: 58] وعلى هذا فالأظهر أن يكون المراد الفلك الآخر الموجود في زمانهم ويؤيد هذا هو أنه تعالى قال: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} [يس: 43] ولو كان المراد الإبل على ما قاله بعض المفسرين لكان قوله: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مّن مّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} فاصلًا بين متصلين، ويحتمل أن يقال الضمير عائد إلى معلوم غير مذكور تقديره أن يقال: وخلقنا لهم من مثل ما ذكرنا من المخلوقات في قوله: {خَلَق الأزواج كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ الأرض} [يس: 36] وهذا كما قالوا في قوله تعالى: {لِيَأْكُلُواْ مِن ثَمَرِهِ} [يس: 35] أن الهاء عائد إلى ماذكرنا، أي من ثمر ما ذكرنا، وعلى هذا فقوله: {خَلَقْنَا لَهُم} فيه لطيفة، وهي أن ما من أحد إلا وله ركوب مركوب من الدواب وليس كل أحد يركب الفلك فقال في الفلك حملنا ذريتهم وإن كان ما حملناهم، وأما الخلق فلهم عام وما يركبون فيه وجهان:
أحدهما: هو الفلك الذي مثل فلك نوح.
ثانيهما: هو الإبل التي هي سفن البر، فإن قيل إذا كان المراد سفينة نوح فما وجه مناسبة الكلام؟ نقول ذكرهم بحال قوم نوح وأن المكذبين هلكوا والمؤمنين فازوا فكذلك هم إن آمنوا يفوزوا وإن كذبوا يهلكوا.
ثم قال تعالى: {وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ} إشارة إلى فائذتين أحداهما: أن في حال النعمة ينبغي أن لا يأمنوا عذاب الله وثانيتهما: هو أن ذلك جواب سؤال مقدر وهو أن الطبيعي يقول السفينة تحمل بمقتضى الطبيعة والمجوف لا يرسب فقال ليس كذلك بل لو شاء الله أغرقهم وليس ذلك بمقتضى الطبع ولو صح كلامه الفاسد لكان لقائل أن يقول: ألست توافق أن من السفن ما ينقلب وينكسر ومنها ما يثقبه ثاقب فيرسب وكل ذلك بمشيئة الله فإن شاء الله إغراقهم من غير شيء من هذه الأسباب كما هو مذهب أهل السنة أو بشيء من تلك الأسباب كما تسلم أنت.
وقوله تعالى: {فَلاَ صَرِيخَ لَهُمْ} أي لا مغيث لهم يمنع عنهم الغرق.
وقوله تعالى: {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} إذا أدركهم الغرق وذلك لأن الخلاص من العذاب، إما أن يكون بدفع العذاب من أصله أو برفعه بعد وقوعه فقال: لا صريخ لهم يدفع ولا هم ينقذون بعد الوقوع فيه، وهذا مثل قوله تعالى: {لاَّ تُغْنِ عَنّي شفاعتهم شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونَ} فقوله: {لا صَرِيخَ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} فيه فائدة أخرى غير الحصر وهي أنه تعالى قال لا صريخ لهم ولم يقل ولا منقذ لهم وذلك لأن من لا يكون من شأنه أن ينصر لا يشرع في النصرة مخافة أن يغلب ويذهب ماء وجهه، وإنما ينصر ويغيث من يكون من شأنه أن يغيث فقال لا صريخ لهم، وأما من لا يكون من شأنه أن ينقذ إذا رأى من يعز عليه في ضر يشرع في الإنقاذ، وإن لم يثق بنفسه في الإنقاذ ولا يغلب على ظنه.
وإنما يبذل المجهود فقال: {وَلاَ هُمْ يُنقَذُونَ} ولم يقل ولا منقد لهم.
{إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44)}.
وهو يفيد أمرين أحدهما: انقسام الإنقاذ إلى قسمين الرحمة والمتاع، أي فيمن علم الله منه أنه يؤمن فينقذه الله رحمة، وفيمن علم أنه لا يؤمن فليتمتع زمانًا ويزداد إثمًا وثانيهما: أنه بيان لكون الإنقاذ غير مفيد للدوام بل الزوال في الدنيا لابد منه فينقذه الله رحمة ويمتعه إلى حين، ثم يميته فالزوال لازم أن يقع. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37)}.
هذه الآيات جعلها الله عز وجل أدلة على القدرة ووجوب الألوهية له، و{نسلخ} معناه نكشط ونقشر، فهي استعارة، و{مظلمون} داخلون في الظلام، واستدل قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طارٍ عليه، وفي ذلك نظر، و مستقر الشمس على ما روي في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي ذؤيب «بين يدي العرش تمجد فيه كل ليلة بعد غروبها»، وفي حديث آخر «أنها تغرب في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة» وقالت فرقة: مستقرها هو في يوم القيامة حين تكون فهي تجري لذلك المستقر، وقالت فرقة: مستقرها كناية عن غيوبها لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه، وقيل: مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهاية مطالعها فإذا استقر وصولها كرت راجعة وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، ونحا إلى هذا ابن قتيبة، وقالت فرقة: مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ، وقرأ ابن عباس وابن مسعود وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح وأبو جعفر ومحمد بن علي وجعفر بن محمد، {والشمس تجري لا مستقر لها} وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والحسن والأعرج {والقمرُ} بالرفع عطفًا على قوله: {وآية لهم الليل} عطف جملة على جملة ويصح وجه آخر وهو أن يكون قوله: {وآية} ابتداء وخبره محذوف، كأنه قال: في الوجود وفي المشاهدة، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر، الأولى منهما {الليل نسلخ منه النهار} والثانية {والقمر قدرناه منازل} وقرأ الباقون {والقمرَ قدرناه} بنصب {القمر} على إضمار فعل يفسره {قدرناه} وهي قراءة أبي جعفر وابن محيصن والحسن بخلاف عنه، و{منازلَ} نصب على الظرف، وهذه المنازل المعروفة عند العرب وهي ثمانية وعشرون منزلة يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون، وعودته هي استهلاله رقيقًا، وحينئذ يشبه العرجون وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ التمر فإنه ينحني ويصفر إذا قدم ويجيء أشبه شيء بالهلال قاله الحسن بن أبي الحسن، والوجود تشهد به، وقرأ سليمان التيمي {كالعِرجون} بكسر العين، و{القديم} معناه العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل، و{ينبغي} هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه لأنها لا قدرة لها على غير ذلك، وقرأ الجمهور {سابقُ النهارِ} بالإضافة، وقرأ عبادة {سابقُ النهار} دون تنوين في القاف، وبنصب {النهارَ} ذكره الزهراوي وقال: حذف التنوين تخفيفًا، و{الفلك} فيما روي عن ابن عباس متحرك مستدير كفلكة المغزل من الكواكب، و{يسبحون} معناه يجرون ويعومون، قال مكي: لما أسند إليها فعل من يعقل جمعت الواو والنون.
{وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41)}.
{آية} معناه علامة ودليل، ورفعها بالابتداء وخبره في قوله: {لهم} و{أنا} بدل من {آية} وفيه نظر، ويجوز أن تكون أن مفسرة لا موضع لها من الإعراب، والحمل منع الشيء أن يذهب سفلًا، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن، وقرأ نافع وابن عامر والأعمش {ذرياتهم} بالجمع، وقرأ الباقون {ذريتهم} بالإفراد، وهي قراءة طليحة وعيسى، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس، كأنه قال ذريات جنسهم أو نوعهم هذا أصح ما اتجه في هذا، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا الذرية تقع على الآباء وهذا لا يعرف لغة، وأما معنى الآية فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس وجماعة، وهو أن يريد ب الذريات المحمولين أصحاب نوح في السفينة، ويريد بقوله: {من مثله} السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها أراد الله تعالى بقوله: {وإن نشأ نغرقهم} والتأويل الثاني قاله مجاهد والسدي وروي عن ابن عباس أيضًا هو أن يريد بقوله: {أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون} السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة ويريد بقوله: {وخلقنا لهم من مثله ما يركبون} الإبل وسائر ما يركب فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله: {وإن نشأ نغرقهم} على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح في سفينة وجعل {من مثله} في الإبل فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله تعالى: {وإن نشأ نغرقهم} فتأمله، و{الفلك} جمع على وزنه هو الإفراد معناه الموفر، و{من} في قوله: {من مثله} يتجه على أحد التأويلين: أن تكون للتبعيض، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس فانظره، ويقال الإبل مراكب البر، و الصريخ هنا بناء الفاعل بمعنى المصرخ، وذلك أنك تقول صارخ بمعنى مستغيث، ومصرخ بمعنى مغيث، ويجيء {صريخ} مرة بمعنى هذا ومرة بمعنى هذا لأن فعيلًا من أبنية اسم الفاعل، فمرة يجيء من أصرخ ومرة يجيء من صرخ إذا استغاث، وقوله: {إلا رحمة} قال الكسائي نصب {رحمةً} على الاستثناء كأنه قال إلا أن يرحمهم رحمة، وقال الزجاج: نصب {رحمة} على المفعول من أجله كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم، و{متاعًا} عطف على {رحمة} وقوله: {إلى حين} يريد إلى آجالهم المضروبة لهم.
قال القاضي أبو محمد: والكلام تام في قوله: {وإن نشأ نغرقهم} {فلا صريخ لهم} استئناف إخبار عن السائرين في البحر ناجين كانوا أو مغرقين فهم بهذه لا نجاة لهم إلا برحمة الله وليس قوله: {فلا صريخ لهم} مربوطًا بالمغرقين، وقد يصح ربطه به والأول أحسن فتأمله. اهـ.
فائدة:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَآيَةٌ لَّهُمُ الليل نَسْلَخُ مِنْهُ النهار} أي وعلامة دالة على توحيد الله وقدرته ووجوب إلاهِيَّته.
والسلخ: الكشط والنزع؛ يقال: سلخه الله من دينه، ثم تستعمل بمعنى الإخراج.
وقد جعل ذهاب الضوء ومجيء الظلمة كالسلخ من الشيء وظهور المسلوخ فهي استعارة.
و{مُّظْلِمُونَ} داخلون في الظلام؛ يقال: أظلمنا أي دخلنا في ظلام الليل، وأظهرنا دخلنا في وقت الظهر، وكذلك أصبحنا وأضحينا وأمسينا.
وقيل: {مِنه} بمعنى عنه، والمعنى نسلخ عنه ضياء النهار.
{فَإذَا هُمْ مُظْلِمُونَ} أي في ظلمة؛ لأن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء؛ فإذا خرج منه أظلم.
قوله تعالى: {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} يجوز أن يكون تقديره وآية لهم الشمس.
ويجوز أن يكون {الشمس} مرفوعًا بإضمار فعل يفسره الثاني.
ويجوز أن يكون مرفوعًا بالابتداء {تَجْرِي} في موضع الخبر أي جارية.
وفي صحيح مسلم عن أبي ذرّ قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله عز وجل: {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا} قال «مستقرّها تحت العرش».
وفيه عن أبي ذرّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال يومًا: «أتدرون أين تذهب هذه الشمس»؟ قالوا الله ورسوله أعلم؛ قال: «إن هذه تجري حتى تنتهي إلى مستقرّها تحت العرش فتخرّ ساجدة ولا تزال كذلك حتى يقال لها ارتفعي ارجعي من حيث جئتِ فترجع فتصبح طالعة من مطلعها ثم تجري يستنكر الناس منها شيئًا حتى تنتهي إلى مستقرّها ذاك تحت العرش فيقال لها ارتفعي أصبحي طالعة من مغربك فتصبح طالعة من مغربها» فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أتدرون متى ذلكم ذاك حين {لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ في إِيمَانِهَا خَيْرًا} [الأنعام: 158]» ولفظ البخاري عن أبي ذرّ قال قال النبيّ صلى الله عليه وسلم لأبي ذرّ حين غربت الشمس: «تدري أين تذهب» قلت الله ورسوله أعلم، قال: «فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها ويوشك أن تسجد فلا يقبل منها وتستأذن فلا يؤذن لها يقال لها ارجعي من حيث جئت فتطلع من مغربها فذلك قوله تعالى: {والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم}» ولفظ الترمذي عن أبي ذرّ قال: دخلت المسجد حين غابت الشمس والنبيّ صلى الله عليه وسلم جالس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذرّ أتدري أين تذهب هذه» قال قلت: الله ورسوله أعلم؛ قال: «فإنها تذهب فتستأذنُ في السجود فيؤذن لها وكأنها قد قيل لها اطلعي من حيث جئت فتطلع من مغربها» قال: ثم قرأ {ذَلِكَ مُسْتَقَرٌّ لَهَا} قال وذلك قراءة عبد الله.
قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
وقال عكرمة: إن الشمس إذا غَرَبت دخلت محرابًا تحت العرش تسبّح الله حتى تصبح، فإذا أصبحت استعفت ربها من الخروج فيقول لها الرب: ولم ذاك؟ قالت: إني إذا خرجت عُبِدت من دونك.
فيقول الرب تبارك وتعالى: اخرجي فليس عليك من ذاك شيء، سأبعث إليهم جهنم مع سبعين ألف مَلَك يقودونها حتى يدخلوهم فيها.
وقال الكلبي وغيره: المعنى تجري إلى أبعد منازلها في الغروب، ثم ترجع إلى أدنى منازلها؛ فمستقرها بلوغها الموضع الذي لا تتجاوزه بل ترجع منه؛ كالإنسان يقطع مسافة حتى يبلغ أقصى مقصوده فيقضي وَطَره، ثم يرجع إلى منزله الأوّل الذي ابتدأ منه سفره.
وعلى تبليغ الشمس أقصى منازلها، وهو مستقرها إذا طلعت الهَنْعَة، وذلك اليوم أطول الأيام في السنة، وتلك الليلة أقصر الليالي، فالنهار خمس عشرة ساعة والليل تسع ساعات، ثم يأخذ في النقصان وترجع الشمس، فإذا طلعت الثريا استوى الليل والنهار، وكل واحد ثنتا عشرة ساعة، ثم تبلغ أدنى منازلها وتطلع النَّعائم، وذلك اليوم أقصر الأيام، والليل خمس عشرة ساعة، حتى إذا طلع فَرْغ الدَّلْو المؤخَّر استوى الليل والنهار، فيأخذ الليل من النهار كل يوم عشر ثلث ساعة، وكل عشرة أيام ثلث ساعة، وكل شهر ساعة تامة، حتى يستويا ويأخذ الليل حتى يبلغ خمس عشرة ساعة، ويأخذ النهار من الليل كذلك.
وقال الحسن: إن للشمس في السنة ثلثمائة وستين مطلعًا، تنزل في كل يوم مطلعًا، ثم لا تنزله إلى الحول؛ فهي تجري في تلك المنازل وهي مستقرّها.
وهو معنى الذي قبله سواء.
وقال ابن عباس: إنها إذا غربت وانتهت إلى الموضع الذي لا تتجاوزه استقرت تحت العرش إلى أن تطلع.
قلت: ما قاله ابن عباس يجمع الأقوال فتأمله.
وقيل: إلى انتهاء أمدها عند انقضاء الدنيا.
وقرأ ابن مسعود وابن عباس {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لاَ مُسْتَقَرَّ لَهَا} أي إنها تجري في الليل والنهار لا وقوف لها ولا قرار، إلى أن يكوّرها الله يوم القيامة.
وقد احتج من خالف المصحف فقال: أنا أقرأ بقراءة ابن مسعود وابن عباس.
قال أبو بكر الأنباري: وهذا باطل مردود على من نقله؛ لأن أبا عمرو روى عن مجاهد عن ابن عباس وابن كثير روى عن مجاهد عن ابن عباس {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا} فهذان السندان عن ابن عباس اللذان يشهد بصحتهما الإجماع يبطلان ما روي بالسند الضعيف مما يخالف مذهب الجماعة، وما اتفقت عليه الأمة.