فصل: التفسير الإشاري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن المعلوم أن الماء لا يدخل المرارة، وأن وظائف الأعضاء لا تمت إلى المسلك الخلقى بسبب وثيق، ولكنها إجراءات خادعة تتخذ بتعزيز سلطان الكاهن على المرأة، فهو ينفرد بها في خلوة ثم يخرج راضيًا أو ساخطًا وينطق بالقول الفصل فيدينها بالموت مجللة بالعار، أو يدعها تنعم بالحياة مرفوعة الرأس ناصعة الجبين.
هذه توجيهات الكتاب المقدس، ومبدأ الاعتراف على هذا النحو أو على أي نحو آخر لا معنى له ولا أثر، اللهم إلا إفساد الدين والخلق.
ماذا على من أخطأ أن يتصل بربه لفوره في دعاء النادم، ورجاء الخاشع، والله يبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار، وبابه يستقبل كل شخص رجلًا كان أو امرأة، شيخًا أو شابًا، عالمًا أو جاهلًا؟
هذه توجيهات الإسلام، وهى نابعة من مبدئه العتيد: {كل امرئ بما كسب رهين} أما انفراد المرأة بكاهن- أو غير كاهن- في خلوة فأمر لا تحمد عقباه، خصوصًا إذا كانت هذه الخلوة مع محروم من الزواج معلوف بأطايب الطعام!
هل الله جل شأنه مصدر هذه التعليمات؟ كل.
إن من المقطوع به أن عددًا من المؤلفين لا مؤلفًا واحدًا أشرف على وضع الكتاب المقدس كله، ولا نزعم أنه خال من الوحى الإلهى من أوله إلى آخره، لا، بل نقرر أن خليطًا معقدًا من أهواء الناس وهدايات الله.. تم التنسيق بينهما على النحو الذي نرى.
بيد أن من المضحك أن الذي قام بتأليف التوراة نسى نفسه وهو يكتب، وذهل كل الذهول أنه سوف ينسب ما يكتب إلى موسى!
فأورد في تضاعيف التوراة- النازلة على موسى فرضًا- هذه العبارات: فمات هناك موسى عبد الرب في أرض موآب حسب قول الرب، ودفنه في الجواء في أرض موآب مقابل بيت فغور، ولم يعرف إنسان قبره إلى هذا اليوم. وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات. ولم تكل عينه ولا ذهبت نضارته، فبكى بنو إسرائيل في عربات موآب ثلاثين يومًا، فكملت أيام بكاء مناحة موسى...
ما هذا؟ موسى الذي أنزلت التوراة تتحدث عنه التوراة بهذا النعى والعزاء والمناحة؟
ما يستطيع عاقل إلا الإقرار بأن كاتب التوراة بعد موسى نسى نفسه ونسى الدور التمثيلى الذي يقوم به، وغلبت عليه صفة المؤرخ لا المؤلف فقال ما قال ليعرف المستغفلون ماذا يقرأون!
ونقرن هذا النص بخبر آخر نشرته جريدة الأهرام في 3 مايو سنة 1973، 19 من ربيع الأول سنة 1392 تحت عنوان وثائق دينية تاريخية تسلمها هولندا إلى الأردن:
عمان: سلم اليوم الدكتور هانك بانكير بالنيابة عن الحكومة الهولندية إلى الدكتور غالب بركات وزير السياحة الأردنى وثائق تاريخية تتضمن النصوص القديمة التي قال المؤرخون أنها تطلبت إعادة تقييم الإنجيل. وكانت بعثة أثرية هولندية قد اكتشفت هذه الوثائق في عام 1967، وهى وثائق كتبت بالآرامية في القرن السابع قبل الميلاد، وعثرت عليها البعثة في وادى الأردن، وكانت البعثة قد حملت تلك الوثائق إلى هولندا لدراستها وحل رموزها بقصد حفظها. وقال الدكتور هـ. فراكين الذي رأس تلك البعثة: إن هذه الوثائق فريدة من نوعها، وقال: إن كل المعلومات التي وردت في الإنجيل حول فلسطين والأردن في نهاية العصر البرونزى وبداية العصر الحديث غير موثوق بها لأنها كانت محاولة قام بها قساوسة من القدس لجعل التاريخ يتناسب مع الآراء الدينية للقرن السابع للميلاد.
هذا الخبر الصغير نقطة في بحر من الأوهام والترهات التي تغص بها هذه الصحائف وما نعلم كتابًا حفته العناية العظمى، وصانته أجل صيانة من هذا القرآن الكريم.
إن القارات الخمس ليس فيها ما يوصف بأنه وحى السماء إلا هذا الكتاب الفذ فهل يؤدى المسلمون حقه؟!
تحقير التدين ومطاردة المتدينين لأدنى ملابسة خطوة إلى الارتداد الذي لا ريب فيه، وهو في الظروف التي تواجهها أمتنا نوع من الخيانة العظمى أو هو الخيانة العظمى نفسها.
وقد أفهم أن تشتبك السلطات الحاكمة مع أفراد أو جماعات ينازعونها السيادة لغرض سىء أو حسن! لكن هل يقال: إن التاريخ الإسلامى يعين على تكوين جماعة الإخوان، فليمسخ هذا التاريخ!.. أو: إن البيئات المتدينة مستودع يستمد منه الإخوان، فلتحارب هذه البيئات؟
إن هذا القول يعنى بداهة نقل الخصومة من ميدان إلى ميدان آخر، وأن الإسلام ذاته قد أصبح عرضة للعدوان.
وقد هززت رأسى أسفًا وأنا أسمع شابًا يتبرأ من الانتساب إلى الإخوان فيقول لقضاته: أنا عمرى ما ركعتها، ويعلم صحبى أنى أشرب الخمر، وأفعل كذا وكذا!
وقد استمع الناس إلى أحد نجوم الفكاهة في مصر يذكر أن امرأة اقتيد زوجها إلى السجن فسئلت: أهو من الإخوان؟ فقالت: فشر! زوجى حرامى قد الدنيا.
وهكذا أصبحت اللصوصية شرفًا! أو نسبة لا حرج فيها على الأقل!
والواقع أنه مرت ببلدنا أيام كالحة الوجه، مشئومة العقبى كان التدين فيها تهمة تخرب البيوت، وكان عدد من الشبان المؤمنين يختفى بصلاته وتقواه، وقل تردده على المساجد لأنه أشيع أن نفرًا من الذين صلوا الفجر في مسجد كذا قد اعتقلو.
وامتدادًا لهذه السياسة- سياسة سوء الظن بكل ذى نزعة متدينة- وضعت المؤسسات الإسلامية الكبرى تحت رياسة عسكرية لها الكلمة العليا مثل الجمعية الشرعية، و الشبان المسلمين، و المجلس الأعلى للشئون الإسلامية ومدينة البعوث الإسلامية وذلك لضمان حصر عاطفة التدين داخل إطار معين فلا يسمع أي كلام عن تطبيق الشريعة الإسلامية.
ولا يقبل أي اتجاه للعودة بالأمة إلى الاصطباغ بدينها في ظاهر أمرها وباطنه.
ومن الإنصاف أن نذكر أن من بين هؤلاء العسكريين من ترك الشعور الإسلامى ينمو دون حرج، خصوصًا بعد أن تغيرت الظروف التي أملت بالتقرير المثبت في هذا الكتاب، راجع تقرير اللجنة التي شكلت من: زكريا محيى الدين، صلاح نصر، وشمس بدران لدراسة الظاهرة الإخوانية.
على أن الشيوعيين والصليبيين قد انتهزوا فرصة هذه المطاردة المثيرة فأعلنوا حربًا على الشارات الإسلامية في المجتمع ونجحوا في تحقيرها وتأليب قوى شتى ضدها.
وعن طريق المسرح وحده أمكن عرض روايات هازلة وجادة غرضها انتزاع كل مهابة لشيوخ الإسلام والمتحدثين باسمه.
كما أن سماسرة الغزو الثقافى في بلادنا استماتوا في صرف الشباب عن الدين، وأغروه بفنون الشهوات لينسى ربه ودينه ونبيه.
فلما تغلبت الفطرة الأصيلة وأخذ الشباب يعود إلى دينه في صمت وظهرت الملابس الحشمة بين الطالبات الجامعيات جن جنون السماسرة من صحافيين وصحافيات وانطلقوا يفترون الكذب على العفيفات المحصنات، ووصفت امرأة ماجنة ملابس الفضيلة بأنها أكفان موتى! وأخذت مع غيرها ينهشن بضراوة أعراض الطيبات الطاهرات.
وقد تصفحت المجلة التي نشرت هذا اللغو فوجدت بها دعوة إلى الزنا والرضا به، والتحريض عليه، في عدة مواضع..!
ولا عجب فرئيسة تحرير المجلة هي التي ناقشت العقيد القذافى بسماجة نادرة، وسوغت أمامه انتشار الخنا في شارع الهرم عندما نصر الرجل النساء بالتزام أحكام الإسلام.
الخيانة الزوجية تعبير مخفف عن جريمة الزنا عندما يرتكبها رجل مغافلًا امرأته أو ترتكبها امرأة مخادعة زوجها.
وأظن هذا التعبير مترجمًا عن اللغات الأوربية حيث يعتبر اقتراف ذلك الإثم تفريطًا في حق إنسانى عادى، أما نحن المسلمين، بل معشر المتدينين إجمالًا، فنرى الزنا تفريطًا في حق الله قبل أن يكون تفريطًا في حق عباده، وهو من الشخص المحصن أغلظ وأشنع ممن لم يسبق له زواج.
لكن الأستاذة المعلمة أمينة السعيد لها وجهة نظر أخرى في هذه القضية: لماذا ينظر إلى الزنا هذه النظرة السيئة؟ بل لماذا تستبشع الخيانة الزوجية على هذا النحو الشائع بين الناس؟ فنشرت في صفحة 47 من مجلة حواء العدد 843- 18 11 1972م هذا الكلام تحت عنوان أراحت نفسها:
سألوها وهى زوجة فرنسية: هل تغارين؟ أجابت: أعانى من الشعور بالوحدة عندما يبتعد عنى زوجى، لكن لا أغار، وأعتقد أن الغيرة شيء لا معنى له، ولذلك ينبغى ألا نستسلم له!
لكن سائلها لم تقنعه هذه الإجابة، فقال لها: اشرحى لى!
قالت: إننى أقول لنفسى افرضى أنه الآن مع واحدة أخرى، هل من حقى أن أعترض؟ إننى لم أتزوج قردًا أو نكرة وإنما تزوجت رجلًا ملء ثوبه، أحببته لهذا، ولابد أن يعجب غيرى من النساء! إننى لا أحمل له عاطفة الحب وحدها ولكن أيضًا الاحترام والتقدير!
قاطعها السائل: لا أهمية عندك إذن للإخلاص والوفاء؟
قالت وهى تأخذ رشفة من فنجان القهوة: اسمع! أنا الآن أشرب هذه القهوة.. شعرت بحاجة إليها.. وها أنذا أستمتع بها.. هل يمانع أحد؟.. هل من حق زوجى إذا دخل الآن أن يلومنى قائلًا: لماذا شربت القهوة دون إذن منى؟ أقصد أن الخيانة العابرة ليست أكثر من فنجان قهوة بالنسبة لى.. لماذا أجعل لها من الأهمية أكثر مما تستحق؟ أليس من الجائز أن يستمتع هو في غيابى أيضًا بقطعة موسيقى.. باستلقاءة في الشمس.. بنكتة يسمعها من أحد زملائه؟ هل يوجد فرق كبير حقًا بين الاثنين؟ أقصد أن النزوات.. الغلطات العابرة ينبغى أن نتسامح فيها، فإذا تغير شعوره نحوى تمامًا ونفض يده منى فهذا شيء آخر.. شيء يستحق حزنى، لكن حتى في هذه الحالة لن تفيدنى الغيرة شيئًا!.
والآن ما زال الكلام للمجلة هل أثارت دهشتك ردود هذه السيدة؟! إنها زوجة فرنسية.. ولا أعتقد أن كل الزوجات الفرنسيات يعتنقن هذا الرأى الجرىء والذى عبرت عنه في حديث أجرته صحيفة مارى كلير مع بعض الزوجات.. لكن الذي لا شك فيه أن في كلامها حكمة تفتح نافذة على نوع من راحة البال يحتاج إليه كثير من المتزوجين.
وفى الصفحة رقم (5) من هذا العدد علاج مماثل لقضية الزنا أو الخيانة الزوجية كما شاع على الألسنة، وهذه الكلمة المكتوبة تعليق على رواية للصحافى المشهور توفيق الحكيم.. فإن هذا التوفيق حكيم منح الرجل حق الزنا أو حق خيانة زوجته، وضن على المرأة بهذا الحق! فجاءت مجلة حواء لترفع راية المساواة بين الجنسين، ولتطلب من الفنان الخليع أن يعيد النظر فيما كتب لأنه يعالج موضوعًا يتعرض للكثير من التغير بين جيل وجيل.
يقول المعلق الخسيس: فأنا لا أقصد أن كل ما جاء في الرواية في حاجة لمراجعة، ولكن يكفى أن بعضها محتاج إلى ذلك، لكى يحمل رجل الاجتماع الذي يسكن في أعماق الفنان أن يقول كلمة التطور والتغير اللذين أصابا المجتمع وبدلا من أوضاعه وأفكاره.
ما الرأى فيما قالته الزوجة في تساؤلها: وإذا خان الزوج، أليس لها الحق أن تخونه؟.. وكان جواب راهب الفكر: لا، وكان تبريره لذلك أن الرجل هو الذي يعرق والمرأة هي التي تنفق، ثم يمضى قائلًا: اكدحى كما يكدح زوجك، اعرقى كما يعرق فإذا تساويتما في التضحيات تساويتما في الحقوق، فالرجل إذا خان خان من ماله، لكن الزوجة تخون من مال زوجها، لن تكون هناك مساواة مطلقة بينكن وبين الرجال في هذا الإثم إلا إذا تطور الزمن تطورًا آخر فرأينا الزوجة تناضل في الحياة وتكتسب بالقدر الذي يربحه الزوج!.. أليس هذا المنطق بحاجة لمراجعة بعد أن تطور الزمن إلى ما نراه الآن؟.. إن ريح التغير قد أصابت بعض ما جاء في هذه من أفكار، لكنها مع ذلك تظل قطعة فنية تحمل طابع زمنها وتتضوع بالأريج الذي يفوح دائمًا من قلم فناننا الكبير المبدع.
هكذا تعالج مجلة حواء جريمة الزنا، وتطلب إعادة النظر في جعلها حكرًا على الزوج وحده كما يرى راهب الفكر، هذه هي رهبانية الفكر في عالم الدواب.
هل يستغرب من مجلة حواء- التي تتمرغ في هذا الحضيض- أن تنشر مقالًا للسيدة محررتها تحمل فيه حملة شعواء على ملابس الفضيلة التي تستر بدن المرأة كله عدا الوجه والكفين؟
إن المعلمة التي تقود نشاطًا نسويًا في بلادنا تشبه هذه الملابس الشرعية السابغة ب الكفن!.
وقد لعب التصوير دوره في هذه المأساة، ففى الصفحة الخامسة من العدد صورة امرأة مضطجعة على وسادتها تحلم بالحب.. إن هذا أمر سائغ لا يعاب، وفي الصفحة الحادية عشرة صورة طالبة جميلة الملابس مشوهة الوجه، بادية الحشمة، كئيبة الطلعة!
لم هذا التحامل؟.. ولحساب من؟.. الجواب معروف!
وتبلغ الوقاحة قرارها السحيق عندما تصف رئيسة التحرير نفسها- وقد نقلنا نماذج من أخلاق مجلتها- فتقول إنها من الوقورات المحتشمات المؤمنات بدينهن المتقيات لله الفاعلات للخير.. إلخ.
وهذا أسلوب جديد في الحرب المعلنة على الإسلام، يقول لك مستبيح الخمر والزنا والانحلال والاعوجاج: هل أنت بدعوتك إلى الصلاة والاستقامة مسلم؟.. لا، نحن أولى بالإسلام منك، إنك لا تعرف الإسلام، الإسلام تطور ومدنية، وليس المظاهر التي تتمسكون بها، نحن الصالحات الراقيات!
ونذكر قول الشاعر:
فياله من عمل صالح ** يرفعه الله إلى أسفل

. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {يس} إشارة إلى أنه بلغ في السيادة مبلغًا لم يبلغه أحد من المرسلين {تنزيل العزيز الرحيم} فيه أنه لعزته لا يحتاج إلى تنزيل القرآن ولكن رحمته اقتضت ذلك {نحيي} القلوب {الموتى ونكتب ما قدموا} من الأنفاس المتصاعدة ندمًا وشوقًا، وآثار خطا أقدام صدقهم وآثار دموعهم على خدودهم {أصحاب القرية} القلوب {إذ أرسلنا إليهم اثنين} من الخواطر الرحمانية والإلهامات الربانية بالتجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود {فكذبوهما} النفس وصفاتها {فعززنا بثالث} من الجذبة {إنا تطيرنا بكم} لأن النفس وصفاتها لا يوافقهما ما يدعو الإلهام والجذبة إليه {طائركم معكم} لأن النفس خلقت من العدم على خاصيتها المشئومة {رجل يسعى} هو الروح المشتاق إلى لقاء الحق {لا يسألكم أجرًا} لأنه لا شرب له من مشاربكم.
{قيل ادخل الجنة} وهي عالم الأرواح وهو كقوله: {يا أيتها النفس المطمئنة} [الفجر: 27] إلى قوله: {ادخلي جنتي} [الفجر: 30] {على قومه من بعده} أي بعد رجوع الروح إلى الحضرة ما أنزل إلى النفس وصفاتها ملائكة من السماء لأنهم لا يقدرون على النفس وصفاتها وإصلاح حالها، فإن صلاحها في موتها والمميت هو الله.
{صيحة واحدة} من وارد حق {فإذا هم} يعني النفس وصفاتها {خامدون} ميتون عن أنانيته بهويته {ألم يروا كم أهلكنا} فيه إشارة إلى أن هذه الأمة خير الأمم شكى معهم من كل أمة وما شكى إلى أحد من غيرهم شكايتهم {وآية لهم} القلوب {الميتة أحييناها} بالطاعة ونخيل الأذكار واعناب الأشواق وعيون الحكمة وثمر المكاشفات وعمل الخيرات والصدقات {خلق الأزواج} من الآباء العلوية والأمهات السفلية {مما تنبت} ارض البشرية بازدواج الكاف والنون.
{ومن أنفسهم} بازدواج الروح والقلب {ومما لا يعلمون} من تأثير العناية في قلوب المخلصين مما لا عين رأت ولا أذن سمعت {وآية لهم} ليل البشرية {نسلخ منه}.
نهار الروحانية {فإذا هم مظلمون} بظلمة الخليقة فإن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره. وشمس نور الله {تجري لمستقر لها} وهو قلب استقر فيه رشاش نور الله وقمر القلب {قدرناه} ثمانية وعشرين منزلًا على حسب حروف القرآن وأسماؤها: الألفة والبر والتوبة والثبات والجمعية والحلم والخلوص والديانة والذلة والرأفة والزلفة والسلامة والشوق والصدق والصبر والطلب والظمأ والعشق والعزة والفتوة والقربة والكرم واللين والمروءة والنور والولاية والهداية واليقين. فإذا قطع كل المنازل فقد تخلق بخلق القرآن ولهذا قال لنبيه صلى الله عليه وسلم {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين} [الحجر: 99] وهو آخر المنازل والمقامات، فإن السالك يألف الحق أوّلًا ثم يتوب فيثبت على ذلك حتى تحصل له الجمعية، وعلى هذا يعبر المقامات حتى يصير كاملًا كالبدر، ثم يتناقص نوره بحسب دنوّه من شمس شهود الحق إلى أن يتلاشى ويخفى وهو مقام الفقر الحقيقي الذي افتخر به نبينًا صلى الله عليه وسلم بقوله «الفقر فخري» ثم أشار بقوله: {لا الشمس ينبغي لها} إلى أن الرب لا يصير عبدًا ولا العبد ربًا. ثم ذكر أن العلوم محمولون في سفينة الشريعة والخواص في بحر الحقيقة كلاهما بفلك العناية وملاحة ارباب الطريقة، ومثل ما يركبون هو جناح همة المشايخ.
{وإن نشأ} نغرق العوام في بحر الدنيا والرخص والخواص في بحر الشبهات والإباحة. اهـ.