فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (47)}.
إشارة إلى أنهم يبخلون بجميع ما على المكلف، وذلك لأن الملكف عليه التعظيم لجانب الله والشفقة على خلق الله وهم تركوا التعظيم حيث قيل لهم {اتقوا} فلم يتقوا وتركوا الشفقة على خلق الله حيث قيل لهم: {أَنفِقُواْ} فلم ينفقوا وفيه لطائف الأولى خوطبوا بأدنى الدرجات في التعظيم والشفقة فلم يأتوا بشيء منه وعباد الله المخلصون خوطبوا بالأدنى فأتوا بالأعلى إنما قلنا ذلك لأنهم في التقوى أمروا بأن يتقوا ما بين أيديهم من العذاب أو الآخرة وما خلفهم من الموت أو العذاب وهو أدنى ما يكون من الاتقاء، وأما الخاص فيتقي تغيير قلب الملك عليه وإن لم يعاقبه ومتقى العذاب لا يكون إلا للبعيد، فهم لم يتقوا معصية الله ولم يتقوا عذاب الله، والمخلصون اتقوا الله واجتنبوا مخالفته سواء كان يعقابهم عليه أو لا يعاقبهم، وأما في الشفقة فقيل لهم: {أَنفِقُواْ مِمَّا} أي بعض ما هو لله في أيديكم فلم ينفقوا، والمخلصون آثروا على أنفسهم وبذلوا كل ما في أيديهم، بل أنفسهم صرفوها إلى نفع عباد الله ودفع الضرر عنهم الثانية: كما أن في جانب التعظيم ما كان فائدة التعظيم راجعة إلا إليهم فإن الله مستغن عن تعظيمهم كذلك في جانب الشفقة ما كان فائدة الشفقة راجعة إلا إليهم، فإن من لا يرزقه المتمول لا يموت إلا بأجله ولابد من وصول رزقه إليه، لكن السعيد من قدر الله إيصال الرزق على يده إلى غيره الثالثة: قوله: {مِمَّا رَزَقَكُمُ} إشارة إلى أمرين أحدهما: أن البخل به في غاية القبح فإن أبخل البخلاء من يخبل بمال الغير وثانيهما: أنه لا ينبغي أن يمنعكم من ذلك مخافة الفقر فإن الله رزقكم فإذا أنفقتم فهو يخلفه لكم ثانيًا كما رزقكم أولًا وفيه مسائل أيضًا:
المسألة الأولى:
عند قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ} حذف الجواب، وههنا أجاب وأتى بأكثر من الجواب وذلك لأنه تعالى لو قال: وإذا قيل لهم أنفقوا قالوا: أنطعم من لو يشاء الله أطعمه لكان كافيًا، فما الفائدة في قوله تعالى: {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ}؟ نقول الكفار كانوا يقولون بأن الإطعام من الصفات الحميدة وكانوا يفتخرون به، وإنما أرادوا بذلك القول ردًا على المؤمنين فقالوا نحن نطعم الضيوف معتقدين بأن أفعالنا ثناء، ولولا إطعامنا لما اندفع حاجة الضيف وأنتم تقولون إن إلهكم يرزق من يشاء، فلم تقولون لنا أنفقوا؟ فلما كان غرضهم الرد على المؤمنين لا الامتناع من الإطعام.
قال تعالى عنهم: {قَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} إشارة إلى الرد، وأما في قولهم: {اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} [يس: 45] فلم يكن لهم رد على المؤمنين فأعرضوا وأعرض الله عن ذكر إعراضهم لحصول العلم به.
المسألة الثانية:
ما الفائدة في تغيير اللفظ في جوابهم حيث لم يقولوا أننفق على من لو يشاء الله رزقه، وذلك لأنهم أمروا بالإنفاق في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ} فكان جوابهم بأن يقولوا أننفق فلم قالوا: {أَنُطْعِمُ}؟ نقول فيه بيان غاية مخالفتهم وذلك لأنهم إذا أمروا بالإنفاق والإنفاق يدخل فيه الإطعام وغيره لم يأتوا بالإنفاق ولا بأقل منه وهو الإطعام وقالوا لا نطعم، وهذا كما يقول القائل لغيره أعط زيدًا دينارًا يقول لا أعطيه درهمًا مع أن المطابق هو أن يقول لا أعطيه دينارًا ولكن المبالغة في هذا الوجه أتم فكذلك ههنا.
المسألة الثالثة:
كان كلامهم حقًا فإن الله لو شاء أطعمه فلماذا ذكره في معرض الذم؟ نقول لأن مرادهم كان الإنكار لقدرة الله أو لعدم جواز الأمر بالاتفاق مع قدرة الله وكلاهما فاسد بين الله ذلك في قوله: {مِمَّا رَزَقَكُمُ} فإنه يدل على قدرته ويصحح أمره بالإعطاء لأن من كان له في يد الغير مال وله في خزائنه مال فهو مخير إن أراد أعطى مما في خزائنه وإن أراد أمر من عنده المال بالإعطاء ولا يجوز أن يقول من بيده ماله في خزائنك أكثر مما في يدي أعطه منه، وقوله: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} إشارة إلى اعتقادهم أنهم قطعوا المؤمنين بهذا الكلام وأن أمرهم بالإنفاق مع قولهم بقدرة الله ظاهر الفساد واعتقادهم هو الفاسد وفيه مباحث لغوية ومعنوية.
أما اللغوية: فنقول: {إن} وردت للنفي بمعنى ما، وكان الأرض في إن أن تكون للشرط والأصل في ما أن تكون للنفي لكنهما اشتركا من بعض الوجوه فتقارضا واستعمل ما في الشرط واستعمل إن في النفي، أما الوجه المشترك فهو أن كل واحد منهما حرف مركب من حرفين متقاربين فإن الهمزة تقرب من الألف والميم من النون ولابد من أن يكون المعنى الذي يدخل عليه ما وأن لا يكون ثابتًا أما في ما فظاهر، وأما في إن فلأنك إذا قلت إن جاءني زيد أكرمه ينبغي أن لا يكون له في الحال مجىء فاستعمل إن مكان ما، وقيل إن زيد قائم أي ما زيد بقائم واستعمل ما في الشرط تقول ما تصنع أصنع، والذي يدل على ما ذكرنا أن ما النافية تستعمل حيث لا تستعمل إن وذلك لأنك تقول ما إن جلس زيد فتجعل إن صلة ولا تقول إن جلس زيد بمعنى النفي وبمعنى الشرط تقول إما ترين فتجعل إن أصلًا وما صلة، فدلنا هذا على أن إن في الشرط أصل وما دخيل وما في النفي بالعكس.
البحث الثاني: قد ذكرنا أن قوله: {إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ} يفيد ما لا يفيد قوله: أنتم في ضلال لأنه يوجب الحصر وأنه ليسوا في غير الضلال.
البحث الثالث: وصف الضلال بالمبين قد ذكرنا معناه أنه لظهوره يبين نفسه أنه ضلال أي في ضلال لا يخفى على أحد أنه ضلال.
البحث الرابع: قد ذكرنا أن قوله: {فِي ضلال} يفيد كونه مغمورين فيه غائصين، وقوله في مواضع {على بَيّنَةٍ} [الأنعام: 57] و{على هُدًى} [البقرة: 5] إشارة إلى كونهم راكبين متن الطريق المستقيم قادرين عليه.
وأما المعنوية: فهي أنهم إنما وصفوا الذين آمنوا بكونهم في ضلال مبين لكونهم ظانين أن المؤمن كلامه متناقض ومن تناقض كلامه يكون في غاية الضلال، إنما قلنا ذلك لأنهم قالوا: {أَنُطْعِمُ لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} إشارة إلى أن الله إن شاء أن يطعمهم كان يطعمهم فلا تقدر على إطعامهم لأنه يكون تحصيلًا للحاصل، وإن لم يشأ الله إطعامهم لا يقدر أحد على إطعامهم لامتناع وقوع ما لم يشأ الله فلا قدرة لنا على الإطعام، فكيف تأمرونا بالإطعام ووجه آخر: وهو أنهم قالوا أراد الله تجويعهم فلو أطعمناهم يكون ذلك سعيًا في إبطال فعل الله وأنه لا يجوز وأنتم تقولون أطعموهم فهو ضلال ولم يكن في الضلال إلا هم حيث نظروا إلى المراد ولم ينظروا إلى الطلب والأمر، وذلك لأن العبد إذا أمره السيد بأمر لا ينبغي أن يكشف سبب الأمر والإطلاع على المقصود الذي أمر به لأجله.
مثاله: الملك إذا أراد الركوب للهجوم على عدوه بحيث لا يطلع عليه أحد وقال لعبده أحضر المركوب، فلو تطلع واستكشف المقصود الذي لأجله الركوب لنسب إلى أنه يريد أن يطلع عدوه على الحذر منه وكشف سره، فالأدب في الطاعة وهو اتباع الأمر لا تتبع المراد، فالله تعالى إذا قال: أنفقوا مما رزقكم لا يجوز أن يقولوا: لم لم يطعمهم الله مما في خزائنه.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (48)}.
وهو إشارة إلى ما اعتقدوه وهو أن التقوى المأمور بها في قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا} [يس: 45] والإنفاق المذكور في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ} [يس: 47] لا فائدة فيه لأن الوعد لا حقيقة له وقوله: {متى هذا الوعد} أي متى يقع الموعود به، وفيه مسائل:
المسألة الأولى:
وهي أن إن للشرط وهي تستدعي جزاء ومتى استفهام لا يصلح جزاء فما الجواب؟ نقول هي في الصورة استفهام، وفي المعنى إنكار كأنهم قالوا إن كنتم صادقين في وقوع الحشر فقولوا متى يكون.
المسألة الثانية:
الخطاب مع من في قولهم: {إِن كُنتُمْ}؟ نقول الظاهر أنه مع الأنبياء لأنهم لما أنكروا الرسالة قالوا إن كنتم يا أيها المدعوون للرسالة صادقين فأخبرونا متى يكون.
المسألة الثالثة:
ليس في هذا الموضع وعد فالإشارة بقوله: {هذا الوعد} إلى أي وعد؟ نقول هو ما في قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ} [يس: 45] من قيام الساعة، أو نقول هو معلوم وإن لم يكن مذكورًا لكون الأنبياء مقيمين على تذكيرهم بالساعة والحساب والثواب والعقاب.
{مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (49)}.
ثم قال تعالى: {مَا يَنظُرُونَ إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} أي لا ينتظرون إلا الصيحة المعلومة والتنكير للتكثير، فإن قيل هم ما كانوا ينتظرون بل كانوا يجزمون بعدمها، فنقول الانتظار فعلي لأنهم كانوا يفعلون ما يستحق به فاعله البوار وتعجيل العذاب وتقريب الساعة لولا حكم الله وقدرته وعلمه فإنهم لا يقولون أو نقول لما لم يكن قوله متى استفهامًا حقيقيًا قال ينتظرون انتظارًا غير حقيقي، لأن القائل متى يفهم منه الانتظار نظرًا إلى قوله.
وقد ذكروا هاهنا في الصيحة أمورًا تدل على هولها وعظمها أحدها: التنكير يقال لفلان مال أي كثير وله قلب أي جريء وثانيها: واحدة أي لا يحتاج معها إلى ثانية وثالثها: تأخذهم أي تعمهم بالأخذ وتصل إلى من في مشارق الأرض ومغاربها، ولا شك أن مثلها لا يكون إلا عظيمًا.
وقوله: {تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} مما يعظم به الأمر لأن الصيحة المعتادة إذا وردت على غافل يرجف فإن المقبل على مهم إذا صاح به صائح يرجف فؤاده بخلاف المنتظر للصيحة، فإذا كان حال الصيحة ما ذكرناه من الشدة والقوة وترد على الغافل الذي هو مع خصمه مشغول يكون الارتجاف أتم والإيحاف أعظم، ويحتمل أن يقال: {يَخِصّمُونَ} في البعث ويقولون لا يكون ذلك أصلًا فيكونون غافلين عنه بخلاف من يعتقد أنه يكون فيتهيأ له وينتظر وقوعه فإنه لا يرتجف وهذا هو المراد بقوله تعالى: {فَصَعِقَ مَن فِي السموات وَمَن فِي الأرض إِلاَّ مَن شَاء} [الزمر: 68] ممن اعتقد وقوعها فاستعد لها، وقد مثلنا ذلك فيمن شام برقًا وعلم أن سيكون رعد ومن لم يشمه ولم يعلم ثم رعد الرعد ترى الشائم العالم ثابتًا والغافل الذاهل مغشيًا عليه، ثم بين شدة الأخذ وهي بحيث لا تمهلهم إلى أن يوصوا.
وفيه أمور مبينة للشدة أحدها: عدم الاستطاعة فإن قول القائل فلأن في هذا الحال لا يوصي دون قوله لا يستطيع التوصية لأن من لا يوصي قد يستطيعها الثاني: التوصية وهي بالقول والقول يوجد أسرع مما يوجد الفعل فقال: لا يستطيعون كلمة فكيف فعلًا يحتاج إلى زمان طويل من أداء بالواجبات ورد المظالم الثالث: اختيار التوصية من بين سائر الكلمات يدل على أنه لا قدرة له على أهم الكلمات فإن وقت الموت الحاجة إلى التوصية أمس الرابع: التنكير في التوصية للتعميم أي لا يقدر على توصية ما ولو كانت بكلمة يسيرة، ولأن التوصية قد تحصل بالإشارة فالعاجز عنها عاجز عن غيرها الخامس: قوله: {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} بيان لشدة الحاجة إلى التوصية لأن من يرجو الوصول إلى أهله قد يمسك عن الوصية لعدم الحاجة إليها، وأما من يقطع بأنه لا وصول له إلى أهله فلابد له من التوصية، فإذا لم يستطع مع الحاجة دل على غاية الشدة.
وفي قوله: {وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} وجهان:
أحدهما: ما ذكرنا أنهم يقطعون بأنهم لا يمهلون إلى أن يجتمعوا بأهاليهم وذلك يوجب الحاجة إلى التوصية.
وثانيهما: أنهم إلى أهلهم لا يرجعون، يعني يموتون ولا رجوع لهم إلى الدنيا، ومن يسافر سفرًا ويعلم أنه لا رجوع له من ذلك السفر ولا اجتماع له بأهله مرة أخرى يأتي بالوصية. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتقوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ}.
قال قتادة: يعني {اتقوا مَا بَيْن أَيْدِيكُمْ} أي من الوقائع فيمن كان قبلكم من الأمم، {وَمَا خَلْفَكُمْ} من الآخرة.
ابن عباس وابن جُبير ومجاهد: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما مضى من الذنوب، {وَمَا خَلْفَكُمْ} ما يأتي من الذنوب.
الحسن: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما مضى من أجَلِكُمْ {وَمَا خَلْفَكُمْ} ما بقي منه.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من الدنيا، {وَمَا خَلْفَكُمْ} من عذاب الآخرة؛ قاله سفيان.
وحكى عكس هذا القول الثعلبي عن ابن عباس.
قال: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} من أمر الآخرة وما عملوا لها، {وَمَا خَلْفَكُمْ} من أمر الدنيا فاحذروها ولا تغتروا بها.
وقيل: {مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ} ما ظهر لكم {وَمَا خَلْفَكُمْ} ما خفي عنكم.
والجواب محذوف، والتقدير: إذا قيل لهم ذلك أعرضوا؛ دليله قوله بعد: {وَمَا تَأْتِيهِم مِّنْ آيَةٍ مِّنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ} فاكتفى بهذا عن ذلك.
قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنفِقُواْ مِمَّا رِزَقَكُمُ الله} أي تصدّقوا على الفقراء.
قال الحسن: يعني اليهود أمروا بإطعام الفقراء.
وقيل: هم المشركون قال لهم فقراء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أعطونا ما زعمتم من أموالكم أنها لله؛ وذلك قوله: {وَجَعَلُواْ للَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الحرث والأنعام نَصِيبًا} [الأنعام: 136] فحرموهم وقالوا: لو شاء الله أطعمكم استهزاء فلا نطعمكم حتى ترجعوا إلى ديننا.
قالوا: {أَنُطْعِمُ} أي أنرزق {مَن لَّوْ يَشَاءُ الله أَطْعَمَهُ} كان بلغهم من قول المسلمين: أن الرازق هو الله.
فقالوا هزءا: أنرزق من لو يشاء الله أغناه.
وعن ابن عباس: كان بمكة زنادقة، فإذا أمروا بالصدقة على المساكين قالوا: لا والله! أيفقره الله ونطعمه نحن.
وكانوا يسمعون المؤمنين يعلقون أفعال الله تعالى بمشيئته فيقولون: لو شاء الله لأغنى فلانًا، ولو شاء الله لأعزَّ، ولو شاء الله لكان كذا.
فأخرجوا هذا الجواب مخرج الاستهزاء بالمؤمنين، وبما كانوا يقولونه من تعليق الأمور بمشيئة الله تعالى.
وقيل: قالوا هذا تعلقًا بقول المؤمنين لهم: {أَنفِقُواْ مِمَّا رزَقَكُمُ الله} أي فإذا كان الله رزقنا فهو قادر على أن يرزقكم فلم تلتمسون الرزق منا؟.
وكان هذا الاحتجاج باطلًا؛ لأن الله تعالى إذا ملّك عبدًا مالًا ثم أوجب عليه فيه حقًّا فكأنه انتزع ذلك القدر منه، فلا معنى للاعتراض.
وقد صدقوا في قولهم: لو شاء الله أطعمهم ولكن كذبوا في الاحتجاج.
ومثله قوله: {سَيَقُولُ الذين أَشْرَكُواْ لَوْ شَاءَ الله مَآ أَشْرَكْنَا} [الأنعام: 148]، وقوله: {قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ والله يَشْهَدُ إِنَّ المنافقين لَكَاذِبُونَ} [المنافقون: 1].
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} قيل: هو من قول الكفار للمؤمنين؛ أي في سؤال المال وفي اتباعكم محمدًا.
قال معناه مقاتل وغيره.
وقيل: هو من قول أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لهم.