فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وتعريف {اليَوْمَ} للعهد كما تقدم.
وفائدة ذكر الظرف وهو {اليَوْمَ} التنويه بذلك اليوم بأنه يوم الفضل على المؤمنين المتقين.
والشغل: مصدر شغله، إذا ألهاه.
يقال: شغله بكذا عن كذا فاشتغل به.
والظرفية مجازية؛ جعل تلبسهم بالشغل كأنهم مظروفون فيه، أي أحاط بهم شغل عن مشاهدة موقف أهل العذاب صرفهم الله عن منظر المزعجات لأن مشاهدتها لا تخلو من انقباض النفوس، ولكون هذا هو المقصود عدل عن ذكر ما يشغلهم إذ لا غرض في ذكره، فقوله: {في شُغُلٍ} خبر {إن} و{فاكِهُونَ} خبر ثان.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وأبو جعفر ويعقوب {شُغْلٍ} بضم فسكون.
وقرأه الباقون بضمتين وهما لغتان فيه.
والفاكِه: ذو الفُكاهة بضم الفاء، وهي المزاح بالكلام المُسِرّ والمضحك، وهي اسم مصدر: فكِه بكسر الكاف، إذا مَزح وسُرّ.
وعن بعض أهل اللغة: أنه لم يسمع له فعل من الثلاثي، وكأنه يعني قلة استعماله، وأما الأفعال غير الثلاثية من هذه المادة فقد جاء في المثل: لا تُفاكه أَمَهْ ولا تَبُل على أكمه، وقال تعالى: {فظلتم تفكهون} [الواقعة: 65].
وقرأ الجمهور {فاكِهُونَ} بصيغة اسم الفاعل.
وقرأه أبو جعفر بدون ألف بصيغة مثال المبالغة.
وجملة {هُمْ وأزْواجُهُمْ في ظِلالٍ} إلى آخرها واقعة موقع البيان لجملة {إنَّ أصحابَ الجَنَّةِ}. إلخ.
والمراد بأزواجهم: الأزواج اللاتي أُعِدّت لهم في الجنة.
ومنهن من كُنَّ أزواجًا لهم في الدنيا إن كنّ غير ممنوعات من الجنة قال تعالى: {جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم} [الرعد: 23].
والظلال قرأه الجمهور بوزن فِعال بكسر أوله على أنه جمع ظلّ، أي ظلّ الجنات.
وقرأه حمزة والكسائي وخلف {ظُلَل} بضم الظاء وفتح اللام جمع ظُلة وهي ما يظل كالقِباب.
وجمع الظلال على القراءتين لأجل مقابلته بالجمع وهم أصحاب الجنة، فكلّ منهم في ظل أو في ظلة.
و{الأرائك} جمع أريكة، والأريكة: اسم لمجموع السرير والحَجَلة، فإذا كان السرير في الحَجَلة سمي الجميع أريكة.
وهذا من الكلمات الدالة على شيء مركب من شيئين مثل المائدة اسم للخِوان الذي عليه طعام.
والاتكاء: هيئة بين الاضطجاع والجلوس وهو اضطجاع على جنب دون وضع الرأس والكتف على الفراش.
وهو افتعال من وكأ المهموز، إذا اعتمد، أبدلت واوه تاء كما أبدلت في تُجاه وتُراث، وأخذ منه فعل اتكأ لأن المتّكىء يشد قعدته ويرسخها بضرب من الاضطجاع.
والاسم منه التُّكَأة بوزن هُمَزة، وهو جلوس المتطلب للراحة والإِطالة وهو جلسة أهل الرفاهية، وقد تقدم عند قوله تعالى: {وأعتدت لهن متكأ} في سورة يوسف (31).
وكان المترفهون من الأمم المتحضرة يأكلون متّكئين كان ذلك عادة سادة الفرس والروم ومن يتشبه بهم من العرب ولذا قال النبي صلى الله عليه وسلم «أمَّا أنا فلا آكل متكئًا» وذلك لأن الاتكاء يعين على امتداد المعدة فتقبل زيادة الطعام ولذلك كان الاتكاء في الطعام مكروهًا للإِفراط في الرفاهية.
وأما الاتكاء في غير حال الأكل فقد اتكأ النبي صلى الله عليه وسلم في مجلسه كما في حديث ضِمام بن ثعلبة وافِد بني سعد بن بكر: أنه دخل المسجد فسأل عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له: هو ذلك الأزهر المتكىء.
والفاكهة: ما يؤكل للتلذذ لا للشبع كالثمار والنقول وإنما خصت بالذكر لأنها عزيزة النوال للناس في الدنيا ولأنها استجلبها ذكر الاتكاء لأن شأن المتكئين أن يشتغلوا بتناول الفواكه.
ثم عَمم ما أعد لهم بقوله: {ولهم ما يدَّعُونَ} و{يَدَّعُونَ} يجوز أن يكون متصرفًا من الدعاء أو من الادعاء، أي ما يَدْعون إليه أو ما يدَّعون في أنفسهم أنه لهم بإلهام إلهي.
وصيغ له وزن الافتعال للمبالغة، فوزن {يَدَّعُونَ} يفتعلون.
أصله يدتَعيُون نقلت حركة الياء إلى العين طلبًا للتخفيف لأن الضم على الياء ثقيل بعد حذف حركة العين فبقيت الياء ساكنة وبعدها واو الجماعة لأنه مفيد معنَى الإِسنادِ إلى الجمع.
وهذا الافتعال لك أن تجعله من دعا، والافتعال هنا يجعل فعل دعا قاصرًا فينبغي تعليق مجرور به.
والتقدير: ما يدعون لأنفسهم، كقول لبيد:
فاشتوى ليلة ريح واجتمل اشتوى إذا شوى لنفسه واجتمل إذا جمل لنفسه، أي جمع الجميل وهو الشحم المذاب وهو الإِهالة.
وإن جعلته من الادعاء فمعناه: أنهم يدعون ذلك حقًا لهم، أي تتحدث أنفسهم بذلك فيئول إلى معنى: ويتمنون في أنفسهم دون احتياج إلى أن يسألوا بالقول فلذلك قيل معنى {يَدَّعُونَ} يتمنون.
يقال: ادع عليّ ما شئت، أي تمنّ عليّ، وفلان في خير ما ادّعى، أي في خير ما يتمنى، ومنه قوله تعالى: {ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون} في سورة فصِّلت (31).
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}.
استئناف قطع عن أن يعطف على ما قبله للاهتمام بمضمونه، وهو الدلالة على الكرامة والعناية بأهل الجنة من جانب القدس إذ يوجه إليهم سلام الله بكلام يعرفون أنه قول من الله: إمّا بواسطة الملائكة، وإما بخلق أصوات يُوقنون بأنها مجعولة لأجل إسماعهم كما سمع موسى كلام الله حين ناداه من جانب الطور من الشجرة فبعد أن أخبر بما حباهم به من النعيم مشيرًا إلى أصول أصنافه، أخبر بأن لهم ما هو أسمى وأعلى وهو التكريم بالتسليم عليهم قال تعالى: {ورضوان من الله أكبر} [التوبة: 72].
و{سَلامٌ} مرفوع في جميع القراءات المشهورة.
وهو مبتدأ وتنكيره للتعظيم ورفعه للدلالة على الدوام والتحقق، فإن أصله النصب على المفعولية المطلقة نيابة عن الفعل مثل قوله: {فقالوا سلامًا} [الذاريات: 25].
فلما أريدت الدلالة على الدوام جيء به مرفوعًا مثل قوله: {قال سلام} [هود: 69]، وقد تقدم بيان ذلك عند قوله تعالى: {الحَمدُ لله رَبّ العالمين} [الفاتحة: 2].
وحذف خبر {سَلامٌ} لنيابة المفعول المطلق وهو قوله: {قَوْلًا} عن الخبر لأن تقديره: سلام يقال لهم قولًا من الله، والذي اقتضى حذف الفعل ونيابة المصدر عنه هو استعداد المصدر لقبول التنوين الدال على التعظيم، والذي اقتضى أن يكون المصدر منصوبًا دون أن يؤتى به مرفوعًا هو ما يشعر به النصب من كون المصدر جاء بدلًا عن الفعل.
و{من} ابتدائية.
وتنوين {رَّبّ} للتعظيم، ولأجل ذلك عدل عن إضافة {رب} إلى ضميرهم، واختير في التعبير عن الذات العلية بوصف الرب لشدة مناسبته للإِكرام والرضى عنهم بذكر أنهم عبدوه في الدنيا فاعترفوا بربوبيته.
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}.
يجوز أن يكون عطفًا على جملة {إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليوم في شُغُلٍ فاكِهُونَ} [يس: 55] ويجوز أن يعطف على {سَلامٌ قَوْلًا} [يس: 58]، أي ويقال: امتازوا اليوم أيها المجرمون، على الضد مما يقال لأصحاب الجنة.
والتقدير: سلام يقال لأهل الجنة قولًا، ويقال للمجرمين: امتازوا، فتكون من توزيع الخطابين على مخاطَبيْن في مقام واحد كقوله تعالى: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك} [يوسف: 29].
وامتاز مطاوع مَازه، إذا أفرده عما كان مختلطًا معه، وُجِّه الأمر إليهم بأن يمتازُوا مبالغة في الإِسراع بحصول الميز لأن هذا الأمر أمر تكوين فعبر عن معنى.
فيكونُ الميز بصوغ الأمر من مادة المطاوعة، فإن قولك: لتنكَسِرْ الزجاجةُ أشد في الإِسراع بحصول الكسر فيها من أن تقول: اكسروا الزجاجة.
والمراد: امتيازهم بالابتعَاد عن الجنة، وذلك بأن يصيروا إلى النار فيئول إلى معنى: ادخلوا النار.
وهذا يقتضي أنهم كانوا في المحشر ينتظرون ماذا يفعل بهم كما أشرنا إليه عند قوله تعالى آنفًا: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} [يس: 55]، فلما حُكي ما فيه أصحاب الجنة من النعيم حين يقال لأصحاب النار: {فاليوم لا تظلم نفس شيئًا} [يس: 54]، حُكي ذلك ثم قيل للمشركين {وامتازوا اليوم أيُّها المُجرمون}.
وتكرير كلمة {اليَوْمَ} ثلاث مرات في هذه الحكاية للتعريض بالمخاطبين فيه وهم الكفار الذين كانوا يجحدون وقوع ذلك اليوم مع تأكيد ذكره على أسماعهم بقوله: {فاليوم لا تُظلمُ نفسٌ} [يس: 54] وقوله: {إنَّ أصْحابَ الجَنَّةِ اليومَ في شُغُل} [يس: 55] وقوله: {امتازوا اليوم أيها المجرمون}.
ونداؤهم بعنوان: {المجرمون} للإِيماء إلى علة ميزهم عن أهل الجنة بأنهم مجرمون، فاللام في {المُجْرِمُونَ} موصولة، أي أيها الذين أجرموا. اهـ.

.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

ثم ابتدأ الإخبار عن عتو قريش بقوله: {وإذا قيل لهم} الآية، وما بين أيديهم قال مقاتل وقتادة، هو عذاب الأمم الذي قد سبقهم في الزمن وما خلفهم هو عذاب الآخرة الذي يأتي من بعدهم في الزمن وهذا هو النظر، وقال الحسن: خوفوا بما مضى من ذنوبهم وبما يأتي منها.
قال القاضي أبو محمد: فجعل الترتيب كأنهم يسيرون من شيء إلى شيء، ولم يعتبر وجود الأشياء في الزمن، وهذا النظر يكسره عليه قوله تعالى: {مصدقًا لما بين يديه من التوراة والإنجيل} [المائدة: 46]، وإنما المطرد أن يقاس ما بين اليد والخلف بما يسوقه الزمن فتأمله، وجواب {إذا} في هذه الآية محذوف تقديره أعرضوا يفسره قوله بعد ذلك {إلا كانوا عنها معرضين} و الآيات العلامات والدلائل.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ}.
الضمير في قوله: {لهم} لقريش، وسبب الآية أن الكفار لما أسلم حواشيهم من الموالي وغيرهم من المستضعفين قطعوا عنهم نفقاتهم وجميع صلاتهم وكان الأمر بمكة أولًا فيه بعض الاتصال في وقت نزول آيات الموادعة فندب أولئك المؤمنون قرابتهم من الكفار إلى أن يصلوهم وينفقوا عليهم مما رزقهم الله، فقالوا عند ذلك {أنطعم من لو يشاء الله أطعمه} قال الرماني: ونسوا ما يجب من التعاطف وتآلف المحقين وقالت فرقة: بل سبب الآية أن قريشًا شحت بسبب أزمة على المساكين جميعًا، مؤمن وغير مؤمن وندبهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة على المساكين فقالوا هذا القول، وقولهم يحتمل معنيين من التأويل: أحدهما يخرج على اختيارات لجهال العرب، فقد روي أن أعرابيًا كان يرعى إبله فجعل السمان في الخصب والمهازيل في المكان الجدب فقيل له في ذلك فقال: أكرم ما أكرم الله وأهين ما أهان الله، فيخرج قول قريش على هذا المعنى كأنهم رأوا الإمساك عمن أمسك الله عنه رزقه، ومن أمثالهم كن مع الله كالمدبر، والتأويل الثاني أن يكون كلامهم بمعنى الاستهزاء بقول محمد صلى الله عليه وسلم إن ثم إلهًا هو الرزاق فكأنهم قالوا لم لا يرزقهم إلهك الذي تزعم أي نحن لا نطعم من لو يشاء هذا الإله الذي زعمت أطعمه.
قال القاضي أبو محمد: وهذا كما يدعي إنسان أنه غني ثم يحتاج إلى معونتك في مال فتقول له على جهة الاحتجاج والهزء به أتطلب معونتي وأنت غني أي على قولك، وقوله تعالى: {إن أنتم إلا في ضلال مبين} يحتمل أن يكون من قول الكفرة للمؤمنين، أي في أمركم لنا في نفقة أموالنا وفي غير ذلك من دينكم، ويحتمل أن يكون من قول الله عز وجل للكفر استئناف وزجرهم بهذا، ثم حكى عنهم على جهة التقرير عليهم قولهم {متى هذا الوعد} أي متى يوم القيامة الذي تزعم، وقيل أرادوا متى هذا العذاب الذي تهددنا به وسموا ذلك وعدًا من حيث قيدته قرائن الكلام أنه في شر والوعد متى ورد مطلقًا فهو في خير وإذا قيدته بقرينة الشر استعمل فيه، والوعيد دائمًا إنما هو في الشر، و{ينظرون} معناه ينتظرون، و{ما} نافية، وهذه الصيحة هي صيحة القيامة والنفخة الأولى في الصور رواه عبد الله بن عمر وأبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفي حديث أبي هريرة أن بعدها نفخة الصعق ثم نفخة الحشر وهي التي تدوم، فما لها من فواق، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والأعرج وشبل وابن القسطنطين المكي {يَخَصِّمون} بفتح الياء والخاء وشد الصاد المكسورة، وأصلها يختصمون نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء الساكنة في الصاد، وقرأ نافع وأبو عمرو أيضًا {يَخْصِّمون} بفتح الياء وسكون الخاء وشد الصاد المكسورة وفي هذه القراءة جمع بين الساكنين ولكنه جمع ليس بجمع محض ووجهها أبو علي، وأصلها يختصمون حذفت حركة التاء دون نقل ثم أدغمت في الصاد، وقرأ عاصم والكسائي وابن عامر ونافع أيضًا والحسن وأبو عمرو بخلاف عنه {يَخِصِّمون} بفتح الياء وكسر الخاء وشد الصاد المكسورة أصلها يختصمون عللت كالتي قبلها، ثم كسرت للالتقاء، وقرأت فرقة {يِخِصِّمون} بكسر الياء والخاء وشد الصاد المكسورة عللت كالتي قبلها ثم أتبعت كسرة الخاء كسرة الياء، وفي مصحف أبي بن كعب {يختصمون}.
ومعنى هذه القراءات كلها أنهم يتحاورون ويتراجعون الأقوال بينهم ويتدافعون في شئونهم، وقرأ حمزة {يخصمون} وهذه تحتمل معنيين أحدهما المذكور في القراءات أي يخصم بعضهم بعضًا في شئونهم والمعنى الثاني يخصمون أهل الحق في زعمهم وظنهم، كأنه قال تأخذهم الصيحة وهم يظنون بأنفسهم أنهم قد خصموا وغللوا لأنك تقول خاصمت فلانًا فخصمته إذا غلبته، وقوله تعالى: {فلا يستطيعون توصية} عبارة عن إعجال الحال، والتوصية مصدر من وصى، وقوله تعالى: {ولا إلى أهلهم يرجعون} يحتمل ثلاث تأويلات: أحدها ولا يرجع أحد إلى منزله وأهله لإعجال الأمر بل تفيض نفسه حيثما أخذته الصيحة، والثاني معناه {ولا إلى أهلهم يرجعون} قولًا وهذا أبلغ في الاستعجال وخص الأهل بالذكر لأن القول معهم في ذلك الوقت أهم على الإنسان من الأجنبيين وأوكد في نفوس البشر، والثالث تقديره {ولا إلى أهلهم يرجعون} أبدًا، فخرج هذا عن معنى وصف الاستعجال إلى معنى ذكر انقطاعهم وانبتارهم من دنياهم، وقرأ الجمهور {يَرجِعون} بفتح الياء وكسر الجيم، وقرأ ابن محيصن بضم الياء وفتح الجيم.
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ (51)}.
هذه نفخة البعث، و{الصور} القرن في قول جماعة المفسرين وبذلك تواترت الأحاديث، وذهب أبو عبيدة إلى أن {الصور} جمع صورة خرج مخرج بسر وبسرة وكذلك قال سورة البناء جمعها سور، والمعنى عنده وعند من قال بقوله نفخ في صور بني آدم فعادوا أحياء، و{الأجداث} القبور، وقرأ الأعرج {في الصوَر} بفتح الواو جمع صورة، و{ينسلون} معناه يمشون بسرعة، والنسلان مشية الذئب، ومنه قول الشاعر:
عسلان الذيب أمسى قاربًا ** برد الليل عليه فنسل

وقال ابن عباس: {ينسلون} يخرجون، وقرأ جمهور الناس {ينسِلون} بكسر السين، وقرأ ابن أبي إسحاق وأبو عمرو أيضًا {ينسُلون} بضمها، ونداؤهم الويل بمعنى هذا وقتك وأوان حضورك وهو منادى مضاف، ويحتمل أن يكون نصب الويل على المصدر والمنادى محذوف، كأنهم قالوا يا قومنا ويلنا، وقرأ ابن أبي ليلى {يا ويلتنا} بتاء التأنيث، وقرأ الجمهور {مَن بعثنا} بفتح الميم على معنى الاستفهام، وروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس رضي الله عنهما أنها قرآ {مِن بْعثِنا} بكسر الميم على أنها لابتداء الغاية، وسكون العين وكسر الثاء على المصدر، وفي قراءة ابن مسعود، {من أهبنا من مرقدنا} أي من نبهنا، وفي قراءة أبي بن كعب {من هبنا} قال أبو الفتح ولم أرَ لها في اللغة أصلًا ولا مر بنا مهبوب، ونسبها أبو حاتم إلى ابن مسعود رضي الله عنه، وقولهم {من مرقدنا} يحتمل أن يريدوا من موضع الرقاد حقيقة، ويروى عن أبي بن كعب وقتادة ومجاهد أن جميع البشر ينامون نومة قبل الحشر.