فصل: قال الخطيب الشربيني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ} تهكمًا بهم من إقرارهم به وتعليقهم الأمور بمشيئته.
{أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاءُ الله أَطْعَمَهُ} على زعمكم، وقيل قاله مشركو قريش حين استطعمهم فقراء المؤمنين إيهامًا بأن الله تعالى لما كان قادرًا أن يطعمهم ولم يطعمهم فنحن أحق بذلك، وهذا من فرط جهالتهم فإن الله يطعم بأسباب منها حث الأغنياء على إطعام الفقراء وتوفيقهم له.
{إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ في ضلال مُّبِينٍ} حيث أمرتمونا ما يخالف مشيئة الله، ويجوز أن يكون جوابًا من الله لهم أو حكاية لجواب المؤمنين لهم.
{وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين} يعنون وعد البعث.
{مَا يَنظُرُونَ} ما ينتظرون.
{إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النفخة الأولى.
{تَأُخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصّمُونَ} يتخاصمون في متاجرهم ومعاملاتهم لا يخطر ببالهم أمرها كقوله: {أَوْ تَأْتِيَهُمُ الساعة بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} وأصله يختصمون فسكنت التاء أدغمت ثم كسرت الخاء لالتقاء الساكنين، وقرأ أبو بكر بكسر الياء للاتباع، وقرأ ابن كثير وورش وهشام بفتح الخاء على إلقاء حركة التاء إليه، وأبو عمرو وقالون به مع الإِختلاس وعن نافع الفتح فيه والإِسكان والتشديد وكأنه جوز الجمع بين الساكنين إذا كان الثاني مدغمًا، وقرأ حمزة {يَخِصّمُونَ} من خصمه إذا جادله.
{فَلاَ يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً} في شيء من أمورهم.
{وَلاَ إلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ} فيروا حالهم بل يموتون حيث تبغتهم.
{وَنُفِخَ في الصور} أي مرة ثانية وقد سبق تفسيره في سورة المؤمنين.
{فَإِذَا هُم مّنَ الأجداث} من القبور جمع جدث وقرئ بالفاء.
{إلى رَبّهِمْ يَنسِلُونَ} يسرعون وقرئ بالضم.
{قَالُواْ ياويلنا} وقرئ: {يا ويلتنا}.
{مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} وقرئ: {من أهبنا} من هب من نومه إذا انتبه ومن هبنا بمعنى أهبنا، وفيه ترشيح ورمز وإشعار بأنهم لاختلاط عقولهم يظنون أنهم كانوا نيامًا، و{مَن بَعَثَنَا} و{من هبنا} على الجارة والمصدر، وسكت حفص وحده عليها سكتة لطيفة والوقف عليها في سائر القراءات حسن.
{هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} مبتدأ وخبر و{مَا} مصدرية، أو موصولة محذوفة الراجع، أو {هذا} صفة ل {مَّرْقَدِنَا} و{مَا وَعَدَ} خبر محذوف، أو مبتدأ خبره محذوف أي {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} أو {مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} حق وهو من كلامهم، وقيل جواب للملائكة أو المؤمنين عن سؤالهم، معدول عن سننه تذكيرًا لكفرهم وتقريعًا لهم عليه وتنبيهًا بأن الذي يهمهم هو السؤال عن البعث دون الباعث كأنهم قالوا: بعثكم الرحمن الذي وعدكم البعث وأرسل إليكم الرسل فصدقوكم وليس الأمر كما تظنون، فإنه ليس يبعث النائم فيهمكم السؤال عن الباعث وإنما هو البعث الأكبر ذو الأهوال.
{إِن كَانَتْ} ما كانت الفعلة.
{إِلاَّ صَيْحَةً واحدة} هي النفخة الأخيرة، وقرئت بالرفع على كان التامة.
{فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ} بمجرد تلك الصيحة وفي كل ذلك تهوين أمر البعث والحشر واستغناؤهما عن الأسباب التي ينوطان بها فيما يشاهدونه.
{فاليوم لاَ تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلاَ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} حكاية لما يقال لهم حينئذ تصويرًا للموعود وتمكينًا له في النفوس وكذا قوله: {إِنَّ أصحاب الجنة اليوم في شُغُلٍ فاكهون} متلذذون في النعمة من الفكاهة، وفي تنكير {شُغُلٍ} وإبهامه تعظيم لما هم فيه من البهجة والتلذذ، وتنبيه على أنه أعلى ما يحيط به الأفهام ويعرب عن كنهه الكلام، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {فِى شُغُلٍ} بالسكون، ويعقوب في رواية {فكهون} للمبالغة وهما خبران ل {إِنْ} ويجوز أن يكون {فِى شُغُلٍ} صلة {لفاكهون} وقرئ: {فكهون} بالضم وهو لغة كنطس ونطس {وفاكهين} {وفكهين} على الحال من المستكهن في الظرف، و{شُغُلٍ} بفتحتين وفتحة وسكون والكل لغات.
{هُمْ وأزواجهم في ظلال} جمع ظل كشعاب أو ظلة كقباب ويؤيده قراءة حمزة والكسائي في {ظلل}.
{على الأرائك} على السرر المزينة.
{مُتَّكِئُونَ} و{هُمْ} مبتدأ خبره {فِى ظلال} و{على الأرائك} جملة مستأنفة أو خبر ثان أو {مُتَّكِئُونَ} والجاران صلتان له، أو تأكيد للضمير في شغل أو في فاكهون، وعلى الأرائك متكئون خبر آخر لإِن وأزواجهم عطف على {هُمْ} للمشاركة في الأحكام الثلاثة، و{فِى ظلال} حال من المعطوف والمعطوف عليه.
{لَهُمْ فِيهَا فاكهة وَلَهُمْ مَّا يَدَّعُونَ} ما يدعون به لأنفسهم يفتعلون من الدعاء كاشتوى واجتمل إذا شوى وجمل لنفسه، أو ما يتداعونه كقولك ارتموه بمعنى تراموه، أو يتمنون من قولهم ادع علي ما شئت بمعنى تمنه علي، أو ما يدعونه في الدنيا من الجنة ودرجاتها و{مَا} موصولة أو موصوفة مرتفعة بالابتداء، و{لَهُمْ} خبرها وقوله: {سلام} بدل منها أو صفة أخرى، ويجوز أن يكون خبرها أو خبر محذوف أو مبتدأ محذوف الخبر أي ولهم سلام، وقرئ بالنصب على المصدر أو الحال أي لهم مرادهم خالصًا.
{قَوْلًا مّن رَّبّ رَّحِيمٍ} أي يقول الله أو يقال لهم قولًا كائنًا من جهته، والمعنى أن الله يسلم عليهم بواسطة الملائكة أو بغير واسطة تعظيمًا لهم وذلك مطلوبهم ومتمناهم، ويحتمل نصبه على الاختصاص.
{وامتازوا اليوم أَيُّهَا المجرمون} وانفردوا عن المؤمنين وذلك حين يسار بهم إلى الجنة كقوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ} وقيل اعتزلوا من كل خير أو تفرقوا في النار فإن لكل كافر بيتًا ينفرد به لا يرى ولا يرى. اهـ.

.قال الخطيب الشربيني:

{وما أنزلنا} بما لنا من العظمة {على قومه} أي: حبيب {من بعده} أي: من بعد إهلاكه أو رفعه {من جند من السماء} لإهلاكهم كما أرسلنا يوم بدر والخندق بل كفينا أمرهم بصيحة ملك، وفيه استحقار بإهلاكهم وإيماء بتعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا لكان تحريك ريشة من جناح ملك كافيًا في استئصالهم، فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى: {من بعده} وهو تعالى لم ينزل عليهم من قبله؟
أجيب: بأن استحقاق العذاب كان بعده حيث أصروا واستكبروا فبين حال الإهلاك بقوله تعالى: {وما كنا منزلين} أي: ما كان ذلك من سنتنا وما صح في حكمتنا أن يكون عذاب الاستئصال بجند كثير.
{إن} أي: ما {كانت} أي: الواقعة التي عذبوا بها {إلا صيحة} صاحها بهم جبريل عليه السلام فماتوا عن آخرهم وأكد أمرها وحقق وحدتها بقوله تعالى: {واحدة} أي: لحقارة أمرهم عندنا ثم زاد في تحقيرهم ببيان الإسراع في الإهلاك بقوله تعالى: {فإذا هم خامدون} أي: ثابت لهم الخمود ما كأنهم كانت بهم حركة يومًا من الدهر شبهوا بالنار رمزًا إلى أن الحي كالنار الساطعة والميت كرمادها كما قال لبيد:
وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ** يصير رمادًا بعد إذ هو ساطع

وقال المعري:
وكالنار الحياة فمن رماد ** أواخرها وأولها دخان

قال المفسرون: أخذ جبريل عليه السلام بعضادتي باب المدينة ثم صاح بهم صيحة واحدة فماتوا {يا حسرة على العباد} أي: هؤلاء ونحوهم ممن كذبوا الرسل فأهلكوا وهي شدة التألم ونداؤها مجاز أي: هذا أوانك فاحضري، ثم بين تعالى سبب الحسرة والندامة بقوله تعالى: {ما يأتيهم من رسول} أي رسول كان في أي وقت كان {إلا كانوا به} أي: بذلك الرسول {يستهزؤن} والمستهزئ بالناصحين المخلصين أحق أن يتحسر ويتحسر عليه، وقيل: يقول الله تعالى يوم القيامة {يا حسرة على العباد} حين لم يؤمنوا بالرسل.
ولما بين تعالى حال الأولين قال للحاضرين:
{ألم يروا} أي: أهل مكة القائلين للنبي صلى الله عليه وسلم لست مرسلًا، والاستفهام للتقرير أي: اعلموا وقوله تعالى: {كم} خبرية بمعنى كثيرًا وهو مفعول لأهلكنا تقديره: كثيرًا من القرون أهلكنا وهي معمولة لما بعدها معلقة ليروا عن العمل ذهابًا بالخبرية مذهب الاستفهامية والمعنى: أما {أهلكنا قبلهم} كثيرًا {من القرون} أي: الأمم، قال البغوي: والقرن أهل كل عصر سموا بذلك لاقترانهم في الوجود {أنهم} أي: المهلكين {إليهم} أي: إلى أهل مكة {لا يرجعون} أي: لا يعودون إلى الدنيا أفلا يعتبرون، وقيل: لا يرجعون أي: الباقون لا يرجعون إلى المهلكين بسبب ولا ولادة أي: أهلكناهم وقطعنا نسلهم ولا شك أن الإهلاك الذي يكون مع قطع النسل أتم وأعم، قال ابن عادل: والأول أشهر نقلًا. والثاني: أظهر عقلًا. وقوله تعالى: {وإن} نافية أو مخففة وقوله تعالى: {كل} أي: كل الخلائق مبتدأ وقرأ {لما} ابن عامر وعاصم وحمزة بتشديد الميم بمعنى إلا، والباقون بالتخفيف واللام فارقة وما مزيدة وقوله تعالى: {جميع} أي: مجموعون خبر أول {لدنيا} أي: عندنا في الموقف بعد بعثهم وقوله تعالى: {محضرون} أي: للحساب خبر ثان وما أحسن قول القائل:
ولو أنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت راحة كل حيّ

ولكنا إذا متنا بعثنا ** ونسأل بعدها عن كل شيء

ولما قال: {وإن كل لما جميع} كان ذلك إشارة إلى الحشر فذكر ما يدل على إمكانه قطعًا لإنكارهم واستبعادهم فقال تعالى: {وآية} أي: علامة عظيمة {لهم} أي: على قدرتنا على البعث وإيجادنا له {الأرض} أي: هذا الجنس الذي هم منه ثم وصفها بما حقق وجه الشبه بقوله تعالى: {الميتة} التي لا روح لها؛ لأنه لا نبات بها أعم من أن يكون بها نبات وفنى أو لم يكن بها شيء أصلًا، ثم استأنف بيان كونها آية بقوله تعالى: {أحييناها} أي: باختراع النبات فيها أو بإعادته بسبب المطر كما كان بعد اضمحلاله، فإن قيل: الأرض آية مطلقًا فلم خصها بهم حيث قال تعالى: {وآية لهم}؟
أجيب: بأن الآية تعدد وتسرد لمن لم يعرف الشيء بأبلغ الوجوه، وأما من عرف الشيء بطريق الرؤية فلا يذكر له دليل فالنبي صلى الله عليه وسلم وعباد الله المخلصين عرفوا الله تعالى قبل الأرض والسماء فليست الأرض معرفة لهم.
تنبيه:
آية خبر مقدم ولهم صفتها أو متعلقة بآية؛ لأنها علامة والأرض مبتدأ، وأعرب أبو البقاء آية مبتدأ ولهم الخبر والأرض الميتة مبتدأ وصفة وأحييناها خبره فالجملة مفسرة لآية وبهذا بدأ ثم قال: وقيل فذكر الوجه الأول.
ولما كان إخراج الأقوات نعمة أخرى قال: {وأخرجنا منها حبًا} أي: جنس الحب كالحنطة والشعير والأرز، ثم بين عموم نفعه بقوله: {فمنه} أي: بسبب هذا الإخراج {يأكلون} أي: من ذلك الحب فهو حب حقيقة تعلمون ذلك علم اليقين وعين اليقين وحق اليقين لا تقدرون تدعون أن ذلك خيال سحري بوجه من الوجوه، وفي هذه الآية وأمثالها حث عظيم على تدبر القرآن واستخراج ما فيه من المعاني الدالة على جلال الله تعالى وكماله، وقد أنشد هنا الأستاذ القشيري في تفسيره وعيب على من أهمل ذلك:
يا من تصدر في دست الإمامة في ** مسائل الفقه إملاء وتدريسًا

غفلت عن حجج التوحيد تحكمها ** شيدت فرعًا وما مهدت تأسيسًا

ولما ذكر الزرع وهو مالا ساق له أتبعه بذكر ما له ساق بقوله: {وجعلنا} أي: بما لنا من العظمة {فيها} أي: الأرض {جنات} أي: بساتين {من نخيل وأعناب} ذكر هذين النوعين لكثرة نفعهما وقدم النخل؛ لأنه نفع كله خشبه وسعفه وليفه وخوصه وعراجينه وثمره طلعًا وبسرًا ورطبًا وتمرًا وفيه زينة دائمًا لكونه لا يسقط ورقه.
ولما كانت الجنان لا تصلح إلا بالماء قال تعالى: {وفجرنا} أي: فتحنا سيحًا عظيمًا {فيها} أي: الأرض {من العيون} شيئًا فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه أو العيون، ومن مزيدة عند الأخفش، قال البقاعي: والتعريف هنا يدل على أن الأرض مركبة على الماء فكل موضع منها صالح لأن يتفجر منه الماء ولكن الله تعالى يمنعه من بعض المواضع بخلاف الأشجار ليس فيها شيء غالب على الأرض، ففي ذلك تذكير بالنعمة في حبس الماء عن بعض الأرض ليكون موضعًا للسكن ولو شاء لفجر الأرض كلها عيونًا كما فعل بقوم نوح فأغرق أهل الأرض كلهم، وقرأ نافع وأبو عمرو وهشام وحفص برفع العين، والباقون بالكسر.
ولما كانت حياة كل شيء إنما هي بالماء أشار إلى ذلك بقوله تعالى: {ليأكلوا من ثمره} أي: ثمر ما ذكر وهو الجنات، وقيل: الضمير يعود على الأعناب؛ لأنها أقرب مذكور وكان من حق الضمير أن يثنى لتقديم شيئين وهما الأعناب والنخيل إلا أنه اكتفى بذكر أحدهما، وقيل: الضمير لله على طريق الالتفات من التكلم إلى الغيبة، وقرأ حمزة والكسائي برفع الثاء والميم وهي لغة فيه أو جمع ثمار، والباقون بفتحهما.
وقوله تعالى: {وما عملته أيديهم} عطف على الثمر والمراد: ما يتخذ منه كالعصير والدبس مما موصولة ومن الذي عملته أيديهم ويؤيد هذا قراءة حمزة والكسائي وشعبة بحذف الهاء من عملته، وما نافية على قراءة الباقين بإثباتها أي: وجدوها معمولة ولم تعملها أيديهم ولا صنع لهم فيها، وقيل: أراد العيون والأنهار التي لم تعملها يد مخلوق مثل دجلة والفرات والنيل.
ثم لما عدد النعم أشار إلى الشكر بقوله تعالى: {أفلا يشكرون} أي: اشكروا فهو أمر بصيغة الاستفهام أي: ادأبوا دائمًا في إيقاع الشكر والدوام على تجديده في كل حين بسبب هذه النعم.
ولما أمرهم الله تعالى بالشكر وشكر الله تعالى بالعبادة وهم تركوها وعبدوا غيره وأشركوا قال تعالى: {سبحان الذي خلق الأزواج} أي: الأصناف والأنواع {كلها} أي: وغيره لم يخلق شيئًا ثم بين ذلك بقوله تعالى: {مما تنبت الأرض} دخل فيه كل نجم وشجر ومعدن وغيره من كل ما يتولد منها {ومن أنفسهم} من الذكور والإناث وقوله تعالى: {ومما لا يعلمون} يدخل فيه ما في أقطار السموات وتخوم الأرضين من المخلوقات العجيبة الغريبة.
ولما استدل تعالى بأحوال الأرض وهو المكان الكلي استدل بالليل والنهار وهو الزمان الكلي بقوله تعالى: {وآية لهم الليل} أي: على إعادة الشيء بعد فنائه {نسلخ} أي: نفصل {منه النهار} فإن دلالة الزمان والمكان متناسبة؛ لأن المكان لا يستغني عنه الجواهر، والزمان لا يستغني عنه الأعراض؛ لأن كل عرض فهو في زمان.
تنبيه:
نسلخ استعارة تبعية مصرحة، شبه انكشاف ظلمة الليل بكشط الجلد من الشاة والجامع ما يعقل من ترتب أحدهما على الآخر {فإذا هم} أي: بعد إزالة ما للنهار الذي سلخناه من الليل {مظلمون} أي: داخلون في الظلام بظهور الليل الذي كان الضياء ساترًا له كما يستر الجلد الشاة، قال الماوردي: وذلك أن ضوء النهار يتداخل في الهواء فيضيء فإذا خرج منه أظلم نقله ابن الجوزي عنه، وقد أرشد السياق حتمًا إلى أن التقدير: والنهار نسلخ منه الليل الذي كان ساتره وغالبًا عليه فإذا هم مبصرون.