فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: يقول المشركون {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} فيقول المؤمن {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} قال: أولها للكفار، وآخرها للمسلمين. قال الكفار {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} وقال المسلمون {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي صالح رضي الله عنه في الآية قال: كانوا يرون أن العذاب يخفف عنهم ما بين النفختين، فلما كانت النفخة الثانية، قالوا: {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا}.
وأخرج ابن أبي حاتم رضي الله عنه في الآية قال: ينامون قبل البعث نومة، فإذا بعثوا قال الكفار {يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} قال: فتجيبهم الملائكة {هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون}.
وأخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {فإذا هم جميع لدينا محضرون} قال: عند الحساب.
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55) هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)}.
أخرج الفريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} قال: يعجبون.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه في قوله: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} قال: شغلهم النعيم عما فيه أهل النار من العذاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {في شغل فاكهون} قال: في افتضاض الأبكار.
وأخرج عبد بن حميد وابن أبي الدنيا وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل فاكهون} قال: شغلهم افتضاض العذارى.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة وقتادة، مثله.
وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن المؤمن كلما أراد زوجة وجدها عذراء.
وأخرج البزار والطبراني في الصغير وأبو الشيخ في العظمة عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أهل الجنة إذا جامعوا نساءهم عادوا أبكارًا».
وأخرج المقدسي في صفة الجنة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه سئل أنطؤ في الجنة؟ قال: «نعم. والذي نفسي بيده دحمًا دحمًا، فإذا قام عنها رجعت مطهرة بكرًا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {في شغل فاكهون} قال: ضرب الأوتار قال أبو حاتم: هذا خطأ من السمع إنما هو افتضاض الأبكار.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وأزواجهم} قال: حلائلهم.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)}.
وأخرج ابن أبي الدنيا في صفة الجنة بسند جيد عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: إن الرجل من أهل الجنة ليشتهي الشراب من شراب الجنة، فيجيء إليه الابريق، فيقع في يده، فيشرب، فيعود إلى مكانه.
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}.
أخرج ابن ماجة وابن أبي الدنيا في صفة الجنة والبزار وابن أبي حاتم والآجري في الرؤية وابن مردويه عن جابر رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «بينا أهل الجنة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فرفعوا رءوسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم، فقال السلام عليكم يا أهل الجنة. وذلك قول الله {سلام قولا من رب رحيم} قال: فينظر إليهم، وينظرون إليه، فلا يلتفتوا إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتى يحتجب عنهم، ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم».
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {سلام قولًا من رب رحيم} قال: فإن الله هو يسلم عليهم.
وأخرج ابن جرير عن البراء رضي الله عنه في قوله: {سلام قولًا من رب رحيم} قال: يسلم عليهم عند الموت.
وأخرج ابن جرير وأبو نصر السجزي في الابانة عن محمد بن كعب القرظي رضي الله عنه في قوله: {سلام قولًا من رب رحيم} قال: يأتيهم تبارك وتعالى في درجاتهم، فيسلم عليهم، فيردون عليه السلام، فيقول «سلوني فيقولون: ما نسألك؟ وعزتك وجلالك لو أنك قسمت علينا رزق الثقلين الجن والانس لأطعمناهم، ولأسقيناهم، ولألبسناهم، ولأخدمناهم، ولا ينقصنا ذلك شيئًا. فيقول: إن لدي مزيدًا، فيقول ذلك بأهل كل درجة حتى ينتهي، ثم يأتيهم التحف من الله تحمله إليهم الملائكة».
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}.
أخرج ابن أبي حاتم عن الحسن رضي الله عنه قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس على تل رفيع، ثم نادى مناد: امتازوا اليوم أيها المجرمون.
وأخرج ابن أبي حاتم عن رواد بن الجراح رضي الله عنه في الآية قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: أن ميزوا المسلمين من المجرمين، إلا صاحب الأهواء. يعني يترك صاحب الهوى مع المجرمين.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} فرق، وبكى، وقال: ما سمع الناس قط بنعت أشد منه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وامتازوا اليوم أيها المجرمون} قال: عزلوا عن كل خير. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ (55)}.
إنما يضافُ العبدُ إلى ما كان الغالبَ عليه ذِكْرُه بمجامع قلبِه، فصاحبُ الدنيا مَنْ في أسْرِها، وأصحابُ الجنة مَنْ هم طُلاّبُها والساعون لها والعاملون لِنَيْلِها؛ قال تعالى مخبرًا عن أقوالهم وأحوالهم: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ} [الصافات: 61]. وهذه الأحوال- وإن جَلَّتْ منهم ولهم- فهي بالإضافة إلى أحوال السادة والأكابر تتقاصر، قال صلى الله عليه وسلم: «أكثر أهل الجنة البُلْه» ومَنْ كان في الدنيا عن الدنيا حُرًَّا فلا يبعد أن يكون في الجنة عن الجنة حرًا، والله يختص برحمته من يشاء.
وقيل إنما يقول هذا الخطاب لأقوام فارغين، فيقول لهم: {إنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ في شُغُلٍ فَاكِهُونَ} وهم أهل الحضرة والدنو، لا تشغلهم الجنة عن أُنس القربة، وراحات الوصلة، والفراغ للرؤية.
ويقال: لو عَلِمُوا عمَّن شُغِلُوا لَمَا تَهنَّأوا بما شُغِلُوا.
ويقال بل إنما يقول لأهل الجنة: {إنَّ ًاصْحَابَ الْجَنَّةِ} كأنه يخاطبهم مخاطبة المُعاينة إجلالًا لهم كما يقال: الشيخ يفعل كذا، ويُرَادُ به: أنت تفعل كذا.
ويقال: إنما يقول هذا لأقوام في العرصة أصحاب ذنوب لم يدخلوا النار، ولم يدخلوا الجنة بَعْدُ لِعِصْيانِهِم؛ فيقول الحق: عبدي.. أهلُ النار لا يتفرغون إليك لأهوالهم، وما هم فيه من صعوبة أحوالهم، وأهل الجنة وأصحابها اليومَ في شُغْلٍ عنك لأنهم في لذَّاتهم، وما وجدوا من أفضالهم مع أهلهم وأشكالهم؛ فليس لك اليوم إلا نحن!
وقيل شغلهم تأهبهم لرؤية مولاهم، وذلك من أتم الأشغال، وهي أشغالٌ مؤنِسَةٌ مريحةٌ لا مُتْعِبَةٌ موحِشَةٌ.
ويقال: الحقُّ لا يتعلَّق به حقُّ ولا باطل؛ فلا تَنَافِيَ بين اشتغالهم بأبدانهم مع أهلهم، وشهودهم مولاهم، كما أنهم اليومَ مشغولون مستديمون لمعرفته بأي حالةٍ هم، ولا يَقْدَحُ اشتغالهم- باستيفاء حُظُوظِهم- في معارفهم.
ويقال شَغَلَ نفوسهم بشهواتها حتى يخلص الشهود لأسرارهم على غيبةٍ من إحساس النَّفْس الذي هو أصعب الرُّقباء، ولا شيء أعلى من رؤية الحبيب مع فَقْدِ الرقيب.
{هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ (56)}.
{وَأَزْوَاجُهُمْ} قيل أشكالهم في الحال والمنزلة، كقوله: {احْشُرُواْ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] وقيل حَظَاياهم من زوجاتهم.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ (57)}.
{لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ} أي نصيب أنفسهم. ويقال الإشارة فيها إلى راحات الوقت دون حظوظ النفس.
{وَلَهُم مَّا يَدَّعُونَ} ما يريدون، ويقال تسلم لهم دواعيهم، والدعوى-إذا كانت بغير حقٍّ- معلولة.
{سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)}.
يسمعونَ كلامَه وسلامَه بلا واسطة، وأكَّد ذلك بقوله: {قولًا}.
وبقوله: {مِّن رَّبٍّ} ليعلم أنه ليس سلامًا على لسان سفير.
{مِّن رَّبٍّ رَّحِيمٍ} والرحمةُ في تلك الحالة أن يرزقهم الرؤية في حال ما يُسَلِّم عليهم لِتَكْمُلُ لهم النعمة. ويقال الرحمة في ذلك الوقت أن يُنَقٍّيَهم في حال سماع السلام وحال اللقاء لئلا يصحبهم دهش، ولا تلحقهم حيرة.
ويقال إنما قال: {مِّن رَّبٍّ رَّحيمٍ} ليكون للعصاة من المؤمنين فيه نَفَسٌ، ولرجائهم مساغ؛ فإن الذي يحتاج إلى الرحمة العاصي.
ويقال: قال ذلك ليعلم العبدُ أنه لم يصل إليه بفعله واستحقاقه، وإنما وصل إليه برحمة ربه.
{وَامْتَازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ (59)}.
غيبةُ الرقيب أتمُّ نعمةٍ، وإبعادُ العدوِّ مِنْ أجَلِّ العوارف؛ فالأولياءُ في إيجاب القربة، والأعداء في العذاب والحجبة. اهـ.

.تفسير الآيات (60- 64):

قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (60) وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (61) وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62) هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما أمرهم بالامتياز أمرًا إراديًا حكميًا، فامتازوا في الحال، وأسروا الندامة وسقط في أيديهم فعضوا الأنامل، وصروا بالأسنان، وشخصت منهم الأبصار، وكلحت الوجوه، وتقلصت الشفاه، ونكست الرءوس وشحبت الألوان، وسحبوا على الوجوه، وكان من فنون المساءة وشئون الحسرة ما تعجز عنه العقول، وتذوب من ذكره النفوس، وتنخلع القلوب، قال سبحانه موبخًا لهم في تلك الحال بهذا المقال معللًا حكمه عليهم بذلك بأنه لم يتركهم هملًا بل ركب فيهم من العقول ونصب لهم من الدلائل على كماله ما هو كافٍ لهم في النجاة ثم ما وكلهم إلى ذلك، بل أرسل إليهم رسلًا وأنزل عليهم كتبًا: {ألم أعهد} أي أوصيكم إيصاء عظيمًا بما نصبت من الأدلة، ومنحت من العقول، وبعثت من الرسل، وأنزلت من الكتب، في بيان الطريق الموصل إلى النجاة، لافتًا القول عن مظهر الإحسان إلى ما هو أولى به من مظهر التكلم بالوحدة دفعًا للبس، ثم أشار إلى علوه وجلاله، وعظمه وسمو كماله فقال: {إليكم}.
ولما كان المقصود بهذا الخطاب تقريعهم وتوبيخهم وتبكيتهم، وكانت هذه السورة القلب، وكان القلب أشرف الأعضاء، وكان الإنسان أشرف الموجودات، خصه بالخطاب لأنه خطابه خطاب للجن فقال مؤكدًا ما أفهمه حرف الغاية من علو رتبته، وعظيم منزلته بما أشارت إليه أداة البعد: {يا بني آدم} أي فلم أخصكم بذلك عن أبناء غير نوعكم ليكون ذلك التخصيص حاملًا لكم على العصيان بل ليكون موجبًا للطاعات والعرفان: {أن لا تعبدوا الشيطان} أي البعيد المحترق بطاعتكم له فيما يوسوس لكم به، ثم علل النهي عن عبادته بما يقتضي شدة النفرة منه بعد أن لوّح إلى ذلك بوصفه فقال: {إنه لكم} والتأكيد لأن أفعالهم أفعال من يعتقد صداقته {عدو مبين} أي ظاهر العداوة جدًا من جهة عداوته لأبيكم العداوة التي أخرجتكم من الجنة التي لا منزل أشف منها، ومن جهة أمره لكم بما يبغض الدنيا من التخالف والتخاصم، ومن جهة تزيينه للفاني الذي لا يرغب فيه عاقل لو لم يكن فيه عيب غير فنائه، فكيف إذا كان أكثره أكدارًا وأدناسًا وأوضارًا، فكيف إذا كان شاغلًا عن الباقي، فكيف إذا كان عائقًا عن المولى، فكيف إذا كان مغضبًا له حاجبًا عنه.
ولما بكتهم بالتذكير بما ارتكبوا مع النهي عن عبادة العدو تقديمًا لدرء المفاسد، وبخهم بالتذكير بما ضيعوا مع أخذ العهود من واجب الأمر بعبادة الولي فقال عاطفًا على أن لا: {وأن اعبدوني} ولما ذكر سبحانه بالأمر بعبادته، عرف بحسنها حثًا على لزومها قبل ذلك اليوم قائلًا: {هذا} أي الأمر بعبادتي {صراط مستقيم} أي بليغ القوم، وعبادة الشيطان صراط ضيق معوج غاية الضيق والعوج.
ولما كان التقدير: فاتبعتموه وسلكتم سبيله مع اعوجاجه، وتركتم سبيلي مع ظهور استقامته، عطف عليه قوله: {ولقد أضل منكم} أي عن الطريق الواضح السوي بما سلطته به من الوسوسة، وأكده إشارة إلى أنه أمر لا يكاد أن يصدق به لما يبعد ارتكابه في العادة من اتضاح أمره وظهور فساده وضره.
ولما كان الآدمي شديد الشكيمة عالي الهمة إذا أراد، عبر بقوله: {جبّلًا} أي أمما كبارًا عظامًا كانوا كالجبال في قوة العزائم وصعوبة الانقياد، ومع ذلك فكان يتلعب بهم تلعبًا، فسبحان من أقدره على ذلك وإلا فهو أضعف كيدًا وأحقر أمرًا، قال في القاموس: الجبل- بالضم: الشجر اليابس والجماعة منا كالجبل كعنق وعدل وعتل وطمر وطمرة وأمير، ثم قال: وبالكسر وبالضم وكطمرة: الأمة والجماعة، ثم قال: والجبلة مثلثة ومحركة وكطمرة: الخلقة والطبيعة.
ودلت قراءة أبي عمرو وابن عامر بضم الجيم وإسكان الباء وتخفيف اللام على الذين هم في أول مراتب الشدة والقوة، وقراءة ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس عن يعقوب بضمتين وتخفيف على ما فوق ذلك مما يقرب من الوسط مع الظهور والعلو للضم من القوة، وقراءة روح كذلك مع تشديد على ما فوق الوسط- بما أشارت إليه الحركات والتشديد، ولكنه مع خفاء، وكأنه بالمكر بما أشار إليه كون الحركتين بالكسر، وعظم سبحانه الأمر بقوله: {كثيرًا} ثم زاد في التوبيخ والإنكار بما أنتجه المقام وسببه إضلاله لهم مع ما أوتوا من العقول من قوله: {أفلم} ولما كان سبحانه قد آتاهم عقولًا وأيّ عقول، عبر بالكون فقال: {تكونوا تعقلون} أي لتدلكم على ما فيه النجاة عقولكم بما نصبت من الأدلة، ومع ما نبهت عليه الرسل، وحذرت منه من إهلاك الماضين، بسبب اتباع الشياطين، وغير ذلك من كل أمر واضح مبين.
ولما أنكر عليهم أن يفعلوا فعل من لا عقل له، قال متممًا للخزي: {هذه} إشارة لحاضر أما حال الوقوف على شفيرها أو الدّع فيها {جهنم} أي التي تستقبلكم بالعبوسة والتجهم كما كنتم تفعلون بعبادي الصالحين: {التي كنتم} أي كونًا هيأتكم به لقبول ما يمكن كونه بما غرزته فيكم من العقول.
ولما كان المحذور الإيعاد بها، لا كونه من معين، قال بانيًا للمفعول: {توعدون} أي إن لم ترجعوا عن غيّكم {اصلوها} أي قاسوا حرها وتوقدها واضطرامها، وهوّل أمر ذلك اليوم بإعادة ذكره على حد ما مضى فقال: {اليوم} لتكونوا في شغل شاغل كما كان أصحاب الجنة، وشتان ما بين الشغلين {بما} أي بسبب ما.
ولما كانوا قد تجلدوا على الطغيان تجلد من هو مجبول عيله، بيّن ذلك بذكر الكون فقال: {كنتم تكفرون} أي تسترون ما هو ظاهر جدًا بعقولكم من آياتي مجددين ذلك مستمرين عليه. اهـ.