فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وفي المطلع الرميم اسم غير صفة كالرمة والرفات لا فعيل بمعنى فاعل أو مفعول ولأجل أنه اسم لا صفة لا يقال لم لم يؤنث وقد وقع خبرًا لمؤنث؟ ولا يخفى أن له فعلًا وهو رم كما ذكره أهل اللغة وهو وزن من أوزان الصفة فكونه جامدًا غير ظاهل.
{قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79)}.
{قُلْ} تبكيتًا له بتذكير ما نسيه من فطرته الدالة على حقيقة الحال وإرشاده إلى طريقة الاستشهاد بها {يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا} أي أوجدها ورباها {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي في أول مرة إذ لم يسبق لها إيجاد ولا شك أن الأحياء بعد أهون من الإنشاء قبل فمن قدر على الإنشاء كان على الأحياء أقدر وأقدر، ولا احتمال لعروض العجز فإن قدرته عز وجل ذاتية لا تقبل الزوال ولا التغير بوجه من الوجوه.
وفي الحواشي الخفاجية كان الفارابي يقول وددت لو أن أرسطو وقف على القياس الجلي في قوله تعالى: {قُلْ يُحْيِيهَا} الخ وهو الله تعالى أنشأ العظام وأحياها أول مرة وكل من أنشأ شيئًا أولًا قادر على إنشائه وإحيائه ثانيًا فيلزم أن الله عز وجل قادر على إنشائها وإحيائها بقواها ثانيًا، والآية ظاهرة فيما ذهب إليه الإمام الشافعي قيل ومالك وأحمد من أن العظم تحله الحياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء وبنوا على ذلك الحكم بنجاسة عظم الميتة ومسألة حلول الحياة في العظم وعدمه مما اختلف فيه الفقهاء والحكماء، واستدل من قال منهما بعدم حلولها فيه بأن الحياة تستلزم الحس والعظم لا إحساس له فإنه لا يتألم بقطعه كما يشاهد في القرن، وما قد يحصل في قطع العظم من التألم إنما هو لما يجاوره، وقال ابن زهر في كتاب التيسير: اضطرب كلام جالينوس في العظام هل لها إحساس أم لا والذي ظهر لي أن لها حسًا بطيئًا وليت شعري ما يمنعها من التعفن والتفتت في الحياة غير حلول الروح الحيواني فيها انتهى.
وبعض من ذهب من الفقهاء إلى أن العظام لا حياة فيها بني عليه الحكم بطهارتها من الميتة إذ الموت زوال الحياة فحيث لم تحلها الحياة لم يحلها الموت فلم تكن نجسة.
وأورد عليهم هذه الآية فقيل المراد بالعظام فيها صاحبها بتقدير أو تجوز أو المراد بإحيائها ردها لما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس، ورجح هذا على إرادة صاحبها بأن سبب النزول لابد من دخوله وعلى تلك الإرادة لا يدخل، ويدخل على تأويل إحيائها بإعادتها لما كانت عليه، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك خلاف الظاهر، والظاهر مع الشافعية ومن الفقهاء القائلين بعدم نجاسة عظام الميتة من رأى قوة الاستدلال بالآية على أن العظام تحلها الحياة فعلل الطهارة بغير ما سمعت فقال: إن نجاسة الميتة ليست لعينها بل لما فيها من الرطوبة والدم السائل والعظم ليس فيه ذلك فلذا لم يكن نجسًا، ومنع الشافعية كون النجاسة للرطوبة وتمام الكلام في الفروع {وَهُوَ} عز وجل {بِكُلّ خَلْقٍ} أي مخلوق {عَلِيمٌ} مبالغ في العلم فيعلم جل وعلا بجميع الأجزاء المتفتتة المتبددة لكل شخص من الأشخاص أصولها وفروعها وأوضاع بعضها من بعض من الاتصال والانفصال والاجتماع والافتراق فيعيد كلًا من ذلك على النمط السابق مع القوى التي كانت قبل، والجملة إما اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما تقدم أو معطوفة على الصلة، والعدول إلى الاسمية للتنبيه على أن علمه تعالى بما ذكر أمر مستمر ليس كإنشائه للمنشآت.
{الذى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الاخضر نَارًا} بدل من الموصول الأول وعدم الاكتفاء بعطف صلته على صلته للتأكيد ولتفاوتهما في كيفية الدلالة، والظرفان متعلقان بجعل قدما على {نَارًا} مفعوله الصريح للاعتناء بالمقدم والتشويق إلى المؤخر، و{الاخضر} صفة الشجر وقرئ {الخضراء} وأهل الحجاز يؤنثون الجنس المميز واحده بالتاء مثل الشجر إذ يقال في واحده شجرة، وأهل نجد يذكرونه إلا ألفاظًا استثنيت في كتب النحو، وذكر بعضهم أن التذكير لعاية اللفظ والتأنيث لرعاية المعنى لأنه في معنى الأشجار والجمع تؤنث صفته، وقيل لأنه في معنى الشجرة وكما يؤنث صفته يؤنث ضميره كما في قوله تعالى: {مِن شَجَرٍ مّن زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} [الواقعة: 53، 52] والمشهور أن المراد بهذا الشجر المرخ والعفار يتخذ من المرخ وهو ذكر الزند الأعلى ومن العفار بفتح العين وهو أنثى الزندة السفلى ويسحق الأول على الثاني وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار بإذن الله تعالى، وكون المرخ بمنزلة الذكر والعفار بمنزله الأنثى هو ما ذكره الزمخشري وغيره واللفظ كالشاهد له، وعكس الجوهري.
وعن ابن عباس والكلبي في كل شجر نار إلا العناب قيل ولذا يتخذ منه مدق القصارين، وأنشد الخفاجي لنفسه:
أيا شجر العناب نارك أوقدت ** بقلبي وما العناب من شجر النار

واشتهر العموم وعدم الاستثناء ففي المثل في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثرا من النار من مجدت الإبل إذا وقعت في مرعى واسع كثير، ومنه رجل ماجد أي مفضال، واختار بعضهم حمل الشجر الأخضر على الجنس وما يذكر من المرخ والعفار من باب التمثيل، وخصا لكونهما أسرع وريًا وأكثر نارًا كما يرشد إليه المثل، ومن إرسال المثل المرخ والعفار لا يلدان غير النار.
{فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} كالتأكيد لما قبله والتحقيق له أي فإذا أنتم من ذلك الشجر الأخضر توقدون النار لا تشكون في أنها نار حقيقة تخرج منه وليست كنار الحباحب، وأشار سبحانه بقوله تعالى: {الذى} الخ إلى أن من قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيته فإن الماء بارد رطب والنار حارة يابسة كان جل وعلا أقدر على إعادة الغضاضة إلى ما كان غضًا فيبس وبلى، ثم إن هذه النار يخلقها الله تعالى عند سحق إحدى الشجرتين على الأخرى لا أن هناك نارًا كامنة تخرج بالسحق و{مّنَ الشجر} لا يصلح دليلًا لذلك، وفي كل شجر نار من مسامحات العرب فلا تغفل، وإياك واعتقاد الكمون. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)}.
لما أُبطلت شبه المشركين في إشراكهم بعبادة الله وإحالتهم قدرته على البعث وتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم في إنبائه بذلك إبطالًا كليًّا، عطف الكلام إلى جانب تسفيه أقوال جزئية لزعماء المكذبين بالبعث توبيخًا لهم على وقاحتهم وكفرهم بنعمة ربهم وهم رجال من أهل مكة أحسب أنهم كانوا يموهون الدلائل ويزينون الجدال للناس ويأتون لهم بأقوال إقناعية جارية على وفق أفهام العامة، فقيل أريد ب {الإِنسان} أُبيّ بن خلف.
وقيل أريد به العاصي بنُ وائل، وقيل أبو جهل، وفي ذلك روايات بأسانيد، ولعل ذلك تكرر مرات تولى كلُّ واحد من هؤلاء بعضها.
قالوا في الروايات: جاء أحد هؤلاء الثلاثة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده عَظْم إنسان رميم ففتّه وذرَاه في الريح وقال: يا محمد أتزعم أن الله يُحيي هذا بعد ما أَرَمَّ أي بَلِيَ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم نعم يميتك الله ثم يحييك ثم يدخلك جهنم.
فالتعريف في {الإنْسانُ} تعريف العهد وهو الإِنسان المعيّن المعروف بهذه المقالة يومئذٍ.
وقد تقدم في سورة مريم (66) أن قوله تعالى: {ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيًا} نزل في أحدِ هؤلاء، وذُكر معهم الوليد بن المغيرة.
ونظير هذه الآية قوله تعالى: {أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه} في سورة القيامة (3).
ووجه حمل التعريف هنا على التعريف العهدي أنه لا يستقيم حملها على غير ذلك لأن جعله للجنس يقتضي أن جنس الإِنسان ينكرون البعث، كيف وفيهم المؤمنون وأهلُ الملل، وحملها على الاستغراق أبعد إلا أن يراد الاستغراق العُرفي وليس مثل هذا المقام من مواقعه.
فأما قوله تعالى في سورة النحل (4) {خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين} فهو تعريف الاستغراق، أي خلق كلَّ إنسان لأن المقام مقام الاستغراق الحقيقي.
والمراد بخَصِيمٌ في تلك الآية: أنه شديد الشكيمة بعد أن كان أصله نطفة، فالجملة معطوفة على جملة {أو لم يروا أنَّا خلقنا لهم} [يس: 71] الآية.
والاستفهام كالاستفهام في الجملة المعطوففِ عليها.
والرؤية هنا قلبية.
وجملة {أَنَّا خَلَقْناهُ} سادّة مسدّ المفعولين كما تقدم في قوله تعالى: {أو لم يروا أنَّا خلقنا لهم مما عَمِلت أيدينا أنْعامًا} [يس: 71].
و إذا للمفاجأة ووجه المفاجأة أن ذلك الإِنسان خلق ليعبد الله ويعلم ما يليق به فإذا لم يجر على ذلك فكأنه فاجأ بما لم يكن مترقبًا منه مع إفادة أن الخصومة في شئون الإِلهية كانت بما بادرَ به حين عقَل.
والخصيم فعيل مبالغة في معنى مفاعل، أي مخاصم شديد الخصام.
والمبين: من أبان بمعنى بان، أي ظاهر في ذلك.
وضرب المثل: إيجاده، كما يقال: ضَرب خيمة، وضَرب دينارًا، وتقدم بيانه عند قوله تعالى: {إن اللَّه لا يستحيي أن يضرب مثلًا ما} في سورة البقرة (26).
والمَثل: تمثيل الحالة، فالمعنى: وأظهر للناس وأتى لهم بتشبيه حال قدرتنا بحال عجز الناس إذ أحال إحياءنا العظام بعد أن أرَمَّت فهو كقوله تعالى: {فلا تضربوا للَّه الأمثال} [النحل: 74]، أي لا تُشَبِّهوه بخلقه فتجعلوا له شركاء لوقوعه بعد {ويعبدون من دون اللَّه ما لا يملك لهم رزقًا من السماوات والأرض شيئا} [النحل: 73].
والاستفهام في قوله: {من يحي العظام} إنكاري.
و{من} عامة في كل من يسند إليه الخبر.
فالمعنى: لا أحد يحيي العظام وهي رميم.
فشمل عمومه إنكارهم أن يكون الله تعالى محييًا للعظام وهي رميم، أي في حال كونها رميمًا.
وجملة {قال مَن يُحي العِظامَ} بيان لجملة {ضرب لنا مثلًا} كقوله تعالى: {فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم} [طه: 120] الآية، فجملة {قال يا آدم} بيان لجملة وسوس.
والنسيان في قوله: {ونَسِيَ خلقه} مستعار لانتفاء العلم من أصله، أي لعدم الاهتداء إلى كيفية الخلق الأول، أي نسي أننا خلقناه من نطفة، أي لم يهتد إلى أن ذلك أعجب من إعادة عظمه كقوله تعالى: {أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لَبْس من خلق جديد} [ق: 15].
وذكر النطفة هنا تمهيد للمفاجأة بكونه خصيمًا مبينًا عقب خلقه، أي ذلك الهيِّنُ المنشأ قد أصبح خصيمًا عنيدًا، وليبني عليه قوله بعد: {ونَسِيَ خَلْقَهُ} أي نسي خلقه الضعيف فتطاول وجاوز، ولأن خلقه من النطفة أعجب من إحيائه وهو عَظْم مجاراة لزعمه في مقدار الإِمكان، وإن كان الله يحيي ما هو أضعف من العظام فيحيي الإِنسان من رَماده، ومن ترابه، ومن عَجْب ذَنَبه، ومن لا شيء باقيًا منه.
والرميم: البالي، يقال: رَمَّ العظمُ وأَرَمَّ، إذا بَلِي فهو فعيل بمعنى المصدر، يقال: رمّ العظمُ رميمًا، فهو خبر بالمصدر، ولذلك لم يطابق المخبر عنه في الجمعية وهي بِلىً.
وأُمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول له {يحييها الذي أنشأها} أمر بجواب على طريقة الأسلوب الحكيم بحمل استفهام القائل على خلاف مراده لأنه لما قال: {من يُحي العظامَ وهي رميمٌ} لم يكن قاصدًا تطلب تعيين المحيي وإنما أراد الاستحالة، فأجيب جواب مَن هو متطلبٌ علمًا.
فقيل له: {يُحييهَا الذي أنشأها أوَّلَ مرةٍ}.
فلذلك بني الجواب على فعل الإِحياء مسندًا للمُحيي، على أن الجواب صالح لأن يكون إبطالًا للنفي المراد من الاستفهام الإِنكاري كأنه قيل: بل يحييها الذي أنشأها أول مرة.
ولم يُبنَ الجواب على بيان إمكان الإِحياء وإنما جعل بيانُ الإِمكان في جعل المسند إليه موصولًا لتدل الصلة على الإِمكان فيحصل الغرضان، فالموصول هنا إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو يحييها، أي يحييها لأنه أنشأها أول مرة فهو قادر على إنشائها ثاني مرة كما أنشأها أول مرة.
قال تعالى: {ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون} [الواقعة: 62]، وقال: {وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه} [الروم: 27].
وذيل هذا الاستدلال بجملة {وهو بكل خلققٍ علِيمٌ} أي واسع العلم محيط بكل وسائل الخلق التي لا نعلمها: كالخلق من نطفة، والخلق من ذرة، والخلق من أجزاء النبات المغلقة كسُوس الفول وسُوس الخشب، فتلك أعجب من تكوين الإِنسان من عظامه.
وفي تعليق الإِحياء بالعظام دلالة على أن عظام الحيّ تحلّها الحياة كلحمه ودمه، وليست بمنزلة القصب والخشب وهو قول مالك وأبي حنيفة ولذلك تنجس عظام الحيوان الذي مات دون ذكاة.
وعن الشافعي: أنّ العظم لا تحله الحياة فلا ينجس بالموت.
قال ابن العربي: وقد اضطرب أرباب المذاهب فيه.
والصحيح ما ذكرناه، يعني أن بعضهم نسب إلى الشافعي موافقة قول مالك وهو قول أحمد فيصير اتفاقًا وعلماء الطب يثبتون الحياة في العظام والإِحساسَ.
وقال ابن زُهر الحكيم الأندلسي في كتاب التيسير: إن جالينوس اضطرب كلامه في العظام هل لها إحساسًا والذي ظهر لي أن لها إحساسًا بطيئًا.
{الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80)}.
بدل من {الذي أنشأها} [يس: 79] بدلًا مطابقًا، وإنما لم تعطف الصلة على الصلة فيكتفى بالعطف عن إعادة اسم الموصول لأن في إعادة الموصول تأكيدًا للأول واهتمامًا بالثاني حتى تستشرف نفس السامع لتلقّي ما يرِدُ بعده فيفطن بما في هذا الخلق من الغرابة إذ هو إيجاد الضد وهو نهاية الحرارة من ضده وهو الرطوبة.
وهذا هو وجه وصف الشجر بالأخضر إذ ليس المراد من الأخضر اللون وإنما المراد لازمه وهو الرطوبة لأن الشجر أخضر اللون ما دام حيًا فإذا جفّ وزالت منه الحياة استحال لونه إلى الغُبرة فصارت الخضرة كناية عن رطوبة النبت وحياته.
قال ذو الرمة:
ولما تمنَّتْ تأكل الرِّمَّ لم تَدَعْ ** ذَوابل مما يجمعون ولا خضرا

ووصف الشجر وهو اسم جمع شجرة وهو مؤنث المعنى ب {الأخْضَرِ} بدون تأنيثثٍ مراعاة للفظ الموصوف بخلوّه عن علامة تأنيث وهذه لغة أهل نجد، وأما أهل الحجاز فيقولون: شَجَر خضراء على اعتبار معنى الجمع، وقد جاء القرآن بهما في قوله: {لآكلون من شجر من زقوم فمالئون منها البطون فشاربون عليه من الحميم} [الواقعة: 5254].
والمراد بالشجر هنا: شجر المَرْخ بفتح الميم وسكون الراء وشجر العَفَار بفتح العين المهملة وفتح الفاء فهما شجران يقتدح بأغصانهما يؤخذ غصن من هذا وغصن من الآخر بمقدار المِسواك وهما خضْرَاوَاننِ يقطر منهما الماء فيسحق المَرْخ على العَفار فتنقدح النار، قيل: يجعل العَفار أعلى والمَرْخ أسفل، وقيل العكس لأن الجوهري وابن السيد في المخصص قالا: العَفار هو الزّند وهو الذكَر والمَرْخ الأنثى وهو الزندة.
وقال الزمخشري في الكشاف: المَرْخ الذكر والعَفَار الأنثى، والنار هي سِقط الزَّنْد، وهو ما يخرج عند الاقتداح مشتعلًا فيوضع تحته شيء قابل للالتهاب من تبن أو ثوب به زيت فتخطف فيه النار.
والمفاجأة المستفادة مِن {فإذا أنتم منه تُوقِدُونَ} دالة على عجيب إلهام الله البشر لاستعمال الاقتداح بالشجر الأخضر واهتدائهم إلى خاصيته.
والإيقاد: إشعال النار يقال: أَوقد، ويقال: وَقَد بمعنى.
وجيء بالمسند فعلًا مضارعًا لإِفادة تكرر ذلك واستمراره. اهـ.