فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} أي شَدَدْنا أسْرَهم، وجمعنا نَشْرَهم، وسَوَّينا أعضاءهم، ورَكَّبْنَا أجزاءهم، وأودعناهم العقل والتمييزَ ثم إنه {خَصِيمٌ مُّبِينٌ} ينازعنا في خطابه، ويعترض علينا في أحكامنا بِزَعْمِه واستصوابه، وكما قيل:
أُعَلِّمُه الرمايةَ كُلَّ يومٍ ** فلمَّا اشتدَّ ساعِدُه رماني

{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78)}.
مَهَّد لهم سبيل الاستدلال، وقال إن الإعادة في معنى الإبداء، فأي إشكالٍ بقي في جواز الإعادة في الانتهاء؟ وإنَّ الذي قدر على خَلْقِ النارِ في الأغصان الرَّطبة من المرْخ والعَفَار قادرٌ على خَلْقِ الحياةِ في الرِّمة البالية، ثم زاد في البيان بأن قال: إن القدرة على مِثْلِ الشيء كالقدرة عليه لاستوائهما بكلِّ وجه، وإنه يحيي النفوسَ بعد موتها في العرصة كما يُحْيي الإنسانَ من النطفة، والطيرَ من البيضة، ويحيي القلوبَ بالعرفان لأهل الإيمان كما يميت نفوسَ أهل الكفر بالهوى والطغيان. اهـ.
من الإعجاز العلمي في القرآن: للدكتور زغلول النجار:
بحث بعنوان: من أسرار القرآن:

.الإشارات الكونية في القرآن الكريم ومغزى دلالتها العلمية: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون}.

بقلم الدكتور: زغلول النجار.
هذه الآية الكريمة جاءت في خواتيم سورة يس، وهي سورة مكية، وعدد آياتها 83 بعد البسملة، وقد سميت بهذا الاسم الذي قيل إنه من أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم بدليل توجيه الخطاب إليه في جواب القسم بالقرآن الحكيم مباشرة علي صدق نبوته ورسالته، وذلك بقول الحق تبارك وتعالى: {يس والقرآن الحكيم إنك لمن المرسلين علي صراط مستقيم تنزيل العزيز الرحيم لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون} [يس: 1- 6].
وقيل إن يس لقب من ألقاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن معناها ياسيد البشر، والله تعالى أعلم.
ويدور المحور الرئيسي للسورة حول قضية العقيدة الإسلامية التي أوردت منها عددا من الركائز المهمة التي نوجزها فيما يلي:

.ركائز العقيدة الإسلامية كما أوردتها سورة يس:

أ- الشجر الاخضر يستخدم طاقة الشمس في تثبيت الكربون الجوى على هيئة كربوهيدرات تشكل أساس كل مصادر الطاقة.
ب- قطاع مستعرض في ورقة نبات خضراء يوضح تركيبها الداخلى.
ج- قطاع طولى في ورقة نبات خضراء يوضخ تركيبها الداخلى.
(1) الإيمان بأن القرآن الحكيم الكريم هو تنزيل من الله العزيز الرحيم لإنذار الخلق أجمعين، لأنه آخر الكتب السماوية، وأتمها وأكملها، والكتاب الوحيد الذي تعهد ربنا تبارك وتعالى بحفظه فحفظ بنفس لغة وحيه اللغة العربية.
(2) الإيمان بأنبياء الله وبرسله أجمعين، وعلي رأسهم إمامهم وخاتمهم، سيد الخلق من الأولين والآخرين: سيدنا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم، صاحب النور المبين، والصراط المستقيم، والذي قد آتاه الله تعالى جوامع الكلم، ولم يكن شاعرا، ولا الشعر ينبغي له، وبأنه ما عليه- كما أنه ما علي المرسلين من قبله- إلا البلاغ المبين.
(3) الإيمان بأن الله تعالى سوف يحيي الموتي. وأنه تعالى يكتب ما قدموا وآثارهم، وأن كل شيء محصي عنده في إمام مبين.
(4) التسليم بأن الله تعالى هو خالق كل شيء، وأنه سبحانه يعلم ما يسر الخلق وما يعلنون، وأن أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون، وأن بيده ملكوت كل شيء، وأنه تعالى هو النافع الضار، وأن إليه يرجع الخلق كله؛ وأنه سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين؛ وأن تقوي الله من مبررات نزول رحماته علي عباده المتقين.
(5) الإيمان بأن الشرك بالله ظلم عظيم، وأنه من وساوس الشيطان، وأن الشيطان للإنسان عدو مبين.
(6) الإيمان بحتمية الموت علي جميع الخلق، وبحتمية البعث والنشور عليهم كذلك.
(7) الإيمان بحقيقة الجنة ونعيمها، وحقيقة النار وجحيمها، إيمانا لا يداخله أدني شك أوريبة.
هذا، وقد أنذرت سورة يس من عواقب التكذيب بوحي السماء، ومن أجل ذلك أوردت قصة أهل القرية التي كذبت رسل ربها، وجحدت نصح الناصحين من أبنائها الذين شرح الله صدورهم للإيمان، وقد بعث الله تعالى إليهم بثلاثة من رسله الكرام فكذبوهم، فأوفد إليهم رجلا منهم ينصحهم.
بضرورة الإيمان بالله، والتوحيد المطلق لجلاله فكذبوه وقتلوه، فأدخله الله تعالى الجنة، ولم يمهل المجرمين من قومه فدمرهم من بعده تدميرا...!
ومن العجيب أن الناس- في القديم والحديث- لايعتبرون بسير الأمم البائدة {إلا من رحم ربك} والقصص القرآني خير شاهد علي ذلك. فقد استعرضت سورة يس عددا من مواقف المعرضين عن الهداية الربانية، والمكذبين بالآخرة، ووصفت جوانب من سلوكياتهم الشاذة ورسمت ملامح لشخصياتهم المهزوزة، ونفسياتهم المريضة، وطرائق تفكيرهم السقيمة، وعرضت لشيء من ضلالاتهم البعيدة، وضياعهم وحيرتهم في الدنيا، ولمصائرهم السوداء في الآخرة، وذلهم ومهانتهم في يوم البعث وما فيه من أهوال، منها نفخة الصور الأولي التي تعرف باسم نفخة الفزع الأكبر، والتي تصدر إعلانا عن نهاية الحياة الدنيا، ثم تليها نفخة الصعق التي يصعق بها كل حي فيموت في الحال، ثم يكون بعد ذلك نفخة البعث والنشور التي يخرج بها الخلق مذهولين من قبورهم، ليعلموا أن وعد الله حق...!
وتمايز سورة يس بين مصائر أهل الجنة، ومصائر أهل النار في الآخرة، وتؤكد أن طول الأجل في الحياة الدنيا منتكس للإنسان من القوة إلي الضعف، ومن الزيادة إلي النقص، مما يؤكد عجز الإنسان أمام قدرة خالقه، وحتمية الموت عليه.
وتدفع الآيات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهمة الشعر التي ادعاها عليه الكفار كذبا، في محاولة لنسبة القرآن الكريم إليه، ويبرئه الله تعالى من هذه التهمة الباطلة بقوله عز من قائل: {وما علمناه الشعر وما ينبغي له إن هو إلا ذكر وقرآن مبين لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين} [يس:69- 70].
وتثبته الآيات صلى الله عليه وسلم بخطاب من الحق تبارك وتعالى إليه يقول فيه: {فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون} [يس: 76].
واستعرضت سورة يس في ثناياها عددا من الآيات الكونية الدالة علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة، وأكدت تمجيد الله الخلاق العليم الذي إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون (يس:82).
وختمت بهذه الآية الجامعة التي تهز القلوب والعقول والأبدان، ويتحرك لوقعها كل جماد ونبات وحيوان حيث تقول: {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} (يس:83).

.الآيات الكونية التي استشهدت بها سورة يس:

استشهدت سورة يس بعدد كبير من الآيات الكونية علي طلاقة القدرة الإلهية المبدعة، وعلي صدق ما جاء بها من عقائد وقصص وأحداث، وهذه الآيات الكونية يمكن إيجازها فيما يلي:
(1) إحياء الأرض الميتة بإنزال المطر عليها، وإخراج الحب منها وإثرائها بجنات من نخيل وأعناب، وتفجير العيون فيها.
(2) خلق كل شيء في زوجية واضحة، حتي يبقي الله تعالى متفردا بالوحدانية فوق جميع خلقه.
(3) الإشارة بسلخ النهار من الليل إلي رقة طبقة النهار، وإلي حقيقة أن الظلمة هي الأصل في الكون، وأن النور نعمة عارضة فيه، وأن تبادل الليل والنهار علي نصفي الأرض تأكيد علي دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
(4) جري الشمس إلي مستقر لها حسب تقدير العزيز العليم.
(5) دوران القمر حول الأرض في منازل محددة، متدرجا في مراحل متتالية حتي يعود هلالا كالعرجون القديم.
(6) جري كل من الأرض والقمر والشمس في مداره المحدد له، وكذلك كل جرم من أجرام السماء.
(7) حمل الأفراد من ذرية آدم الذين نجوا من الطوفان مع نبي الله نوح علي نبينا وعليه من الله السلام في الفلك المشحون، الذي أثبتت الدراسات الأثرية حقيقة وجود بقاياه فوق جبل الجودي في جنوب شرقي تركيا؛ وخلق وسائل ركوب أخري للإنسان.
(8) شهادة الأيدي والأرجل علي أصحابها يوم القيامة، والعلوم التجريبية تثبت أن لكل خلية حية قدرا من الوعي والإدراك والقدرة علي استيعاب المعلومات وتخزينها.
(9) التأكيد علي أن من طال عمره زادت قوي الهدم في جسده علي قوي البناء، وبدأ الضمور يظهر علي أجهزة هذا الجسد حتي يعمه كله فينتهي بالموت.
(10) خلق الأنعام وتذليلها للإنسان-
(11) خلق الإنسان من نطفة، فإذا هو لخالقه خصيم مبين.
(12) التأكيد علي أن منشيء العظام أول مرة قادر علي أن يحييها وهي رميم، لأنه تعالى عليم بكل الخلق.
(13) جعل الشجر الأخضر المصدر الرئيسي للتزود في كل يوم بقدر من طاقة الشمس تحتاجه كل صور الحياة علي الأرض، ويبقي المصدر الرئيسي للطاقة المختزنة في أوراق وأنسجة وثمار الشجر الأخضر وزيوته ودهونه، والتي قد تتحول عند الجفاف إلي القش، أو الحطب، أو الخشب الذي قد يتفحم بمعزل عن الهواء إلي أي من الفحم النباتي أو الحجري أو إلي غاز الفحم، وإذا أكلته الحيوانات تحولت فضلاتها إلي مصادر للوقود، وإذا تحللت أجسادها بمعزل عن الهواء أعطت كلا من النفط والغاز الطبيعي؛ وهذه حقائق لم يصل إليها علم الإنسان إلا في القرنين التاسع عشر والعشرين.
(14) أن خالق السماوات والأرض قادر علي أن يخلق مثلهم لأنه هو الخلاق العليم.
(15) أن من صفات الألوهية أن يأمر الله تعالى الشيء ب كن فيكون.
(16) أن الله تعالى بيده ملكوت كل شيء، وأن كل شيء في الوجود غيره عائد إليه سبحانه وتعالى.
وكل قضية من هذه القضايا تحتاج إلي معالجة مستقلة، ولذلك فسوف أقصر حديثي هنا علي النقطة الثالثة عشرة في القائمة السابقة، والتي تتحدث عن طلاقة القدرة الإلهية في جعل الشجر الأخضر مصدرا للنار التي يوقد منها الناس، ولكن قبل الوصول إلي ذلك لابد من استعراض سريع لأقوال عدد من كبار المفسرين القدامي والمعاصرين في شرح دلالة هذه الآية الكريمة.

.من أقوال المفسرين في تفسير قوله تعالى: {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون} (يس:80):

ذكر ابن كثير يرحمه الله ما نصه:
أي الذي بدأ خلق هذا الشجر من ماء، حتي صار خضرا نضرا ذا ثمر وينع، ثم أعاده إلي أن صار حطبا يابسا توقد به النار، كذلك هو فعال لما يشاء، قادر علي مايريد، لا يمنعه شيء؛ قال قتادة: يقول: هذا الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر علي أن يبعثه؛ وقيل: المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد، فيأخذ منه عودين أخضرين، ويقدح أحدهما بالآخر فتتولد النار بينهما كالزناد سواء.
وجاء في تفسير الجلالين رحم الله كاتبيه ما نصه: {الذي جعل لكم} في جملة الناس {من الشجر الأخضر} المرخ والعفار، أو هو حطب كل شجر...{نارا فإذا أنتم منه توقدون} تقدحون وتشعلون، وهذا دال علي القدرة علي البعث، فإنه جمع فيه بين الماء والنار والخشب، فلا الماء يطفئ النار، ولا النار تحرق الخشب.
وذكر صاحب الظلال رحمه الله رحمة واسعة ما نصه:... عجيبة أن هذا الشجر الأخضر الريان بالماء، يحتك بعضه ببعض فيولد نارا، ثم يصير هو وقود النار، بعد اللدونة والإخضرار.. والمعرفة العلمية العميقة لطبيعة الحرارة التي يختزنها الشجر الأخضر من الطاقة الشمسية التي يمتصها، ويحتفظ بها وهو ريان بالماء ناضر بالخضرة؛ والتي تولد النار عند الاحتكاك، كما تولد النار عند الاحتراق هذه المعرفة العلمية تزيد العجيبة بروزا في الحس ووضوحا، والخالق هو الذي أودع الشجر خصائصه هذه، والذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي.
وجاء في كل من صفوة البيان لمعاني القرآن رحم الله كاتبه برحمته الواسعة وصفوة التفاسير جزي الله كاتبه خيرا كلام مشابه لا حاجة إلي إعادته.
وذكر أصحاب المنتخب في تفسير القرآن الكريم جزاهم الله خيرا مانصه: الذي خلق لكم من الشجر الأخضر- بعد جفافه ويبسه- نارا وجاء تعليق الخبراء بالهامش علي النحو التالي: إن طاقة الشمس تنتقل إلي جسم النبات بعملية التمثيل الضوئي، إذ تمتص خلاياه المحتوية علي المادة الخضراء في النبات الكلوروفيل ثاني أكسيد الكربون من الجو، وبتفاعل هذا الغاز مع الماء الذي يمتصه النبات تنتج المواد الكربوهيدراتية بتأثير الطاقة المستمدة من ضوء الشمس ومن ثم يتكون الخشب الذي يتركب أساسا من مركبات كيميائية محتوية علي الكربون والهيدروجين والأكسوجين، ومن هذا الخشب يتكون الفحم النباتي المستعمل في الوقود، إذ بإحراق هذا الفحم تنطلق الطاقة المدخرة فيه وما الفحم الحجري إلا نباتات دفنت بطريقة ما وتحولت بالتحلل الجزئي بعد مضي ملايين السنين إلي الفحم المذكور ويجب أن يلاحظ أن لفظ الإخضرار في الآية ووصف الشجر بهذا اللون إنما هو إشارة إلي مادة الكلوروفيل الخضراء اللازمة لتمثيل غاز ثاني أكسد الكربون.

.الدلالة العلمية للآية الكريمة:

تستدل الآيات السبع من خواتيم سورة يس علي قدرة الله تعالى في الخلق بتلك القدرة المذهلة التي وضعها في الشجر الأخضر ومكنه من استخدام طاقة الشمس في تثبيت ذرات الكربون الموجودة في غاز ثاني أكسيد الكربون المكون للغلاف الغازي للأرض علي هيئة مركبات عضوية تكون أهم مصادر الوقود علي الأرض، حتي يمكن لكل من الإنسان والحيوان الاستفادة بها، واستخدمت الآيات هذا المثل في الاستدلال أيضا علي أن الله تعالى الذي خلق هذا الكون قادر علي إفنائه وعلي إعادة خلقه من جديد أي بعثه وفي ذلك تقول الآيات في ختام سورة يس: {أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون أو ليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر علي أن يخلق مثلهم بلي وهو الخلاق العليم إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون} (يس:77- 83).