فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض}. إلخ.
استئناف مسوق من جهته تعالى لتحقيق مضمون الجواب الذي أمر صلى الله عليه وسلم أن يخاطبهم به ويلزمهم الحجة، والهمزة للإنكار والنفي والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام أي أليس الذي أنشأها أول مرة وليس الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا وليس الذي خلق السموات والأرض مع كبر جرمهما وعظم شأنهما {بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر والحقارة بالنسبة إليهما على أن المراد بمثلهم هم وأمثالهم أو على أن المراد به هم أنفسهم بطريق الكناية كما في مثلك يفعل كذا، وقال بعضهم: مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وسيأتي إن شاء الله تعالى تفصيل الكلام في هذا المقام، وزعم جماعة من المفسرين عود ضمير {مّثْلُهُمْ} للسموات والأرض لشمولهما لمن فيهما من العقلاء فلذا كان ضمير العقلاء تغليبًا والمقصود بالكلام دفع توهم قدم العالم المقتضى لعدم إمكان إعادته وهو تكلف ومخالف للظاهر والمشركون لا يقولون بقدم العالم فيما يظهر.
وتعقب أيضًا بأن قدم العام لو فرض مع قدم النوع الإنساني وعدم تناهي أفراده في جانب المبدأ لا يأبى الحشر الجسماني إذ هو بالنسبة إلى المكلفين وهم متناهون.
وزعم أن ما ثبت قدمه استحال عدم غير تام كما قرر في محله فلا تغفل، وقرأ الجحدري وابن أبي إسحاق والأعرج وسلام ويعقوب في رواية {يُقَدّرُ} بفتح الياء وسكون القاف فعلًا مضارعًا.
{بلى} جواب من جهته تعالى وتصريح بما أفاده الاستفهام الإنكاري من تقرير ما بعد النفي من القدرة على الخلق وإيذان بتعيينه للجواب نطقوا به أو تلعثموا فيه مخافة الالتزام، وقوله تعالى: {وَهُوَ الخلاق العليم} عطف على ما يفيده الإيجاب أي بلى هو سبحانه قادر على ذلك وهو جل وعلا المبالغ في الخلق والعلم كيفًا وكمًا.
وقرأ الحسن والجحدري وزيد بن علي ومالك بن دينار {الخالق} بزنة الفاعل.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ} أي شأنه تعالى شأنه في الإيجاد، وجوز فيه أن يراد الأمر القولي فيوافق قوله تعالى: {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَىْء} [النحل: 40] ويراد به القول النافذ.
{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا} أي إيجاد شيء من الأشياء {أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أي أوجد {فَيَكُونُ} أي فهو يكون ويوجد، والظاهر أن هناك قولًا لفظيًا هو لفظ كن وإليه ذهب معظم السلف وشئون الله تعالى وراء ما تصل إليه الأفهام فدع عنك الكلام والخصام، وقيل ليس هناك قول لفظي لئلا يلزم التسلسل، ويجوز أن يكون هناك قول نفسي وقوله للشيء تعلقه به، وفيه ما يأباه السلف غاية الإباء، وذهب غير واحد إلى أنه لا قول أصلًا وإنما المراد تمثيل لتأثير قدرته تعالى في مراده بأمر الآمر المطاع للمأمور المطيع في سرعة حصول المأمور به من غير امتناع وتوقف على شيء.
وقرأ ابن عامر والكسائي {فَيَكُونُ} بالنصب عطفًا على {يِقُولُ} وجوز كونه منصوبًا في جواب الأمر، وأباه بعضهم لعدم كونه أمرًا حقيقة، وفيه بحث.
{فسبحان الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْء}.
تنزيه له عز وجل مما وصفوه به تعالى وتعجيب عما قالوا في شأنه عز شأنه، والفاء جزائية أي إذا علم ذلك فسبحان أو سببية لأن ما قبل سبب لتنزيهه سبحانه، والملكوب مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت فهو الملك التام، وفي تعليق سبحانه بما في حيزه إيماء إلى أن كونه تعالى مالكًا للملك كله قادرًا على كل شيء مقتضى للتسبيح، وفسر الملكوت أيضًا بعالم الأمر والغيب فتخصيصه بالذكر قيل لاختصاص التصرف فيه به تعالى من غير واسطة بخلاف عالم الشهادة.
وقرأ طلحة والأعمش {ملكة} على وزن شجرة أي بيده ضبط كل شيء، وقرئ {مملكة} على وزن مفعلة وقرئ {لَّهُ مُلْكُ} {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} لا إلى غيره تعالى وهذا وعد للمقرين ووعيد للمنكرين فالخطاب عام للمؤمنين والمشركين، وقيل هو وعيد فقط على أن الخطاب للمشركين لا غير توبيخًا لهم ولذا عدل عن مقتضى الظاهر وهو وإليه يرجع الأمر كله ففيه دلالة على أنهم استحقوا غضبًا عظيمًا.
وقرأ زيد بن علي {تُرْجَعُونَ} مبنيًا للفاعل.
هذا ما لخص من كلامهم في هذه الآيات الكريمة وفيها دلالة واضحة على المعاد الجسماني وإيماء إلى دفع بعض الشبه عنه، وهذه المسألة من مهمات الدين وحيث أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت من أمره ماله كانت عند أجلة العلماء الصدور قلب القرآن لا بأس بأن يذكر في إتمام الكلام فيها ما للعلماء في تحقيق أمر ذلك فأقول طالبًا من الله عز وجل التوفيق إلى القول المقبول: اعلم أولًا أن المسلمين اختلفوا في أن الإنسان ما هو فقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع أجزاء سارية فيه سريان ماء الورد في الورد والنار في الفحم وهي جسم لطيف نوارني مخالف بالحقيقة والماهية للأجسام التي منها ائتلف هذا الهيكل وإن كان لسريانه فيه بشبهه صورة ولا نعلم حقيقة هذا الجسم وهو الروح المشار إليها بقوله تعالى: {قُلِ الروح مِنْ أَمْرِ رَبّى} [الإسراء: 85] عند معظم السلف الصالح وبينه وبين البدن علاقة يعبر عنها بالروح الحيواني وهو بخار لطيف إذا فسد وخرج عن الصلاحية لأن يكون علاقة تخرج الروح عن البدن علاقة بعير عنها بالروح الحيواني وهو بخار لطيف إذا فسد وخرج عن الصلاحية لأن يكون علاقة تخرج الروح عن البدن خروجًا اضطراريًا وتزول الحياة، وما دام باقيًا على الوجه الذي يصلح به لأن يكون علاقة تبقي الروح والحياة، وهذا الجسم المعبر عنه بالروح على ما قال الإمام القرطبي في التذكرة مما له أول وليس له آخر بمعنى أنه لا يفنى وإن فارق البدن المحسوس، وذكر فيها أن من قال إنه يفنى فهو ملحد، وقيل هو هذا الهيكل المحسوس مع النفس الناطقة التي هي جوهر مجرد بل هو الإنسان حقيقة على ما صرح به بعضهم، وإلى إثبات هذا الجوهر ذهب الحليمي والغزالي والراغب وأبو زيد الدبوسي ومعمر من قدماء المعتزلة وجمهور متأخري الإمامية وكثير من الصوفية وهو الروح الأمرية وليس وليست داخلة البدن ولا خارجة عنه فنسبتها إليه نسبة الله سبحانه وتعالى إلى العالم وهي بعد حدوثها الزماني عندهم لا تفنى أيضًا.
ورد هذا المذهب ابن القيم في كتاب الروح بما لا مزيد عليه، وكما اختلفوا في ذلك اختلفوا في أن البدن هل يتفرق بعد الموت فقط أم يتفرق وتعدم ذاته بكل قال بعض، ولعل من قال بالثاني استثنى عجب الذنب لصحة خبر استثنائه من البلى، وكل هؤلاء المختلفين اتفقوا على القول بالحشر الجسماني إلا أن منهم من قال بالحشر الجسماني فقط بمعنى أنه لا يحشر إلا جسم إذ ليس وراء الجسم عندهم جوهر مجرد يسمى بالنفس الناطقة، ومنهم من قال بالحشر الجسماني والحشر الروحاني معًا بمعنى أنه يحشر الجسم متعلقًا به أمر ليس بجسم هو النفس الناطقة وكل من أصحاب هذين القولين منهم من يقول بأن البدن إذا تفرق تجمع أجزاؤه يوم القيامة للحشر وتقوم فيها الروح أو تتعلق كما في الدنيا بل القيام أو التعلق هناك أتم إذ لا انقطاع له أصلًا بعد تحققه فالحشر عند هؤلاء يجمع الأجزاء المتفرقة وعود قيام الروح أو تعلقها إليها، والمراد بالأجزاء الأجزاء الأصلية وهي أجزاء البدن حال نفخ الروح فيه الدنيا لا الذرة التي أخذ عليها العهد يوم {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} [الأعراف: 172] كما قيل: والله تعالى قادر على حفظها من التحلل والتبدل وكذا على حفظها من أن تكون أجزاء بدن آخر وإن تفرقت في أقطار الأرض واختلطت بالعناصر، وقيل: يجوز أن تكون الأجزاء الأصلية يقبضها الملك بإذن الله تعالى عند حضور الموت فلا يتعلق بها الأكل ولا تختلط بالتراب ولا يحصل منها نماء أو حيوان؛ وهو مجرد احتمال لا دليل عليه بل مخالف لقوله سبحانه: {قَالَ مَنْ يحيى العظام وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فإنه ظاهر في أن المحشور أجزاء رميمة مخلوطة بالتراب، ويجوز أن تكون الأجزاء الأصلية هي الأجزاء الترابية التي ينثرها الملك في الرحم على المنى كما ورى في الحديث الصحيح وهو لا ينثر ترابًا واحدًا مرتين ويحشر البدن بعد الجمع على أكمل حالاته كما يشير إليه قوله عليه الصلاة والسلام: «يحشر الناس حفاة عراة غرلًا» ثم يزاد في إجساد أهل الجنة فيكون أحدهم كآدم عليه السلام طولًا وعرضًا، وكذا يزاد في أجساد أهل النار خلافًا للمعتزلة حتى أن سن أحدهم لتكون كجبل أحد، وجاء كل من الزيادتين في الحديث فالمقطوع أو المجذوع مثلًا لا يحشر إلا كامل كما كان قبل القطع أو الجذع ومن خلق في الدنيا بأربع أيد مثلًا يحشر على ما هو المعتاد المعروف في بني نوعه وكذا من خلق بلا يد أو رجل مثلًا، والقول بأنه يلزم تعذيب جسد لم يعص وترك تعذيب جسد عصى ناشيء عن غفلة عظيمة إذ المعذب إنما هو الروح وهو الذي عصى ولا يعقل العصيان والتعذيب لنفس الجسد وحرقه بالنار ليس تعذيبًا له نفسه وءلا لكان حرق الخشب تعذيبًا له بل هو وسيلة إلى تعذيب الروح وهذا كما لو جعل شخص في صندوق حديد مثلًا ووضع في النار أو لف في ثوب وضرب بالسياط حتى تخرق الثوب فالروح بمنزلة هذا الشخص والجسد بمنزلة الصندوق أو الثوب، وعلى القول بأن لكل شيء حياة لائقة به لا يلزم التعذيب أيضًا إذ ليس كل حي تؤلمه النار، واعتبر ذلك بالسمند وبالنعامة وكذا بخزنة جهنم وحياتها وعقاربها والعياذ بالله عز وجل.
ومنهم من يقول: إن البدن يعدم لا أنه تتفرق أجزاؤه فقط ثم يعاد للحشر بعينه، ومنهم من يقول يعدم ثم يخلق يوم القيامة مثله فتقوم فيه الروح أو تتعلق به.
واستدل للقول الأول بقوله تعالى: {قَالَ مَنْ يحيى العظام وَهِىَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس: 78، 79] فإنه ظاهر في أن العظام لا تعدم ذواتها في الخارج ولا يكاد يفهم من الرميم أكثر من تفرق الأجزاء وكأن المنكرين استبعدوا جمعها فأشير إلى دفع استبعادهم بأن الإنشاء أبعد وقد وقع ثم دفع ما عسى يتوهم من أن اختلاط الأجزاء بعد تفرقها وعودها إلى عناصرها يوجب عدم تميزها فلا يتيسر جمعها بقوله سبحانه: {وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} [يس: 79] ثم أشير إلى دفع ما يتوهم من أن الإنشاء كان تدريجيًا نقلت فيه الأجزاء من حالة إلى حالة حتى حصل استعدادها للحياة ومناسبتها للروح ولا كذلك ما يكون يوم القيامة فلا مناسبة بين الأجزاء التي تجمع وبين الروح والحياة فلا يلزم من صحة الإنشاء صحة الحشر بقوله تعالى: {الذى جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الاخضر نَارًا} [يس: 80] وحيث كان هذا معروفًا بينهم يشاهده الكبير والصغير منهم أشار سبحانه إلى الدفع به وإلا فإنشاؤه تعالى لما يكون بالتولد من الحيوان كالفار والذباب دافع لذلك.
ومن الناس من زعم أن ما يكون قبيل الساعة من الزلازل وإنزال مطر كمني الرجال ونحو ذلك لتحصيل استعداد للروح في تلك الأجزاء، وهو مما لا يحتاج إلى التزامه، وكذا استدل لذلك القول بما أرشد إليه إبراهيم عليه السلام حين قال: {رَبّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ الموتى} [البقرة: 20] وبقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الإنسان أَلَّن نَّجْمَعَ عِظَامَهُ بلى قادرين على أَن نُّسَوّىَ بَنَانَهُ} [القيامة: 3، 4] إلى غير ذلك من الآيات وفي الأخبار ما يقتضيه أيضًا، واستدل لدعوى أن البدن يعدم ذاتًا في القول الثاني بقوله سبحانه: {كُلُّ شيء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ} [القصص: 88] وقوله تعالى: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] ورد بأنه يجوز أن يكون التفرق هلاكًا بل قال بعض المحققين: إن معنى الآية كل شيء ليس بموجود في الحال في حد نفسه إلا ذات الواجب تعالى بناء على أن وجود الممكن مستفاد من الغير فلا وجود فيه مع قطع النظر عن الغير بخلاف وجود الواجب تعالى فإنه من ذاته سبحانه بل عين ذاته، ويقال نظير ذلك في الآية الثانية لو سلم دخول البدن في عموم من، واستدل لدعوى أنه يخلق يوم القيامة مثله في القول الثالث بقوله تعالى: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى} [يس: 81] وأجيب بأن المراد مثلهم في الصغر والقماة على ما سمعت فيما تقدم، ولا يراد أنه تعالى قادر على أن يخلق يوم القيامة مثل أبدانهم التي كانت في الدنيا ويعيد أرواحهم إليها إذ لا يكاد يفهم هذا من الآية ولا داعي لالتزام القول بأن الحشر بخلق مثل البدن السابق وإن قيل بأن ذلك البدن تعدم ذاته في الخارج.
ومن الناس من توهم وجوب التزامه إن قيل بذلك لاستحالة إعادة المعدوم.
واستدل على الاستحالة بأنه لو أعيد لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه وهو محال.
ورد بناء على أن الوقت ليس من المشخصات المعتبرة في الوجود بأنا لا نسلم أن التخلل هاهنا محال لأن معناه أنه كان موجودًا زمانًا ثم زال عنه الوجود في زمان آخر ثم اتصف بالوجود في الزمان الثالث وهو في الحقيقة تخلل العدم وقطع الاتصال بين زماني الوجوي ولا استحالة فيه لوجود الطرفين المتغايرين بالذات إنما المحال تخلل العدم بين ذات الشيء ونفسه بمعنى قطع الاتصال بين الشيء ونفسه بأن يكون الشيء موجودًا ولم يكن نفسه موجودًا ثم يوجد نفسه وههنا ليس كذلك فإن الشيء وجد مع نفسه في الزمان الأول ثم اتصف مع نفسه بالعدم في الزمان الآخر ثم اتصف بالوجود مع نفسه في الزمان الثالث فلم يتحقق قطع الاتصال بين الشيء ونفسه في زمان من الأزمنة وهل هذا إلا كلبس شخص ثوبًا معينًا ثم خلعه ثم لبسه.
واستدل أيضًا بأنه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لجاز إعادته مع مثله من كل وجه واللازم باطل لأن المتماثلين إما أن يكون أحدهما معادًا دون الآخر وذلك باطل مستلزم للتحكم والترجيح بلا مرجح، وإما أن يكونا معادين وهو أيضًا باطل مستلزم لاتحاد الإثنين، وإما أن لا يكون شيء منهما معادًا وهو أيضًا باطل مستلزم خلاف المفروض إذ قد فرض كون أحدهما معادًا، وفيه أنه لا يتم إلا باثبات فقدان الذات وبطلان الهوية فيما بين الوجودين السابق واللاحق فإنه مدار لزوم التحكم، ويجوز أن يقال: الشيء إذا عدم في الخارج بقي في نفس الأمر بحسب وجوده الذهني فيحفظ وحدته الشخصية بحسب ذلك الوجود كما لو كان متميزًا ثابتًا في العدم ثبوتًا منفكًا عن الوجود الخارجي كما ذهب إليه المعتزلة وموافقوهم، وزعم أن وحدته الشخصية غير محفوظة في الذهن إلا لا وحدة بدون الوجود ولا وجود بدون التشخص سواء كان وجودًا خارجيًا أو ذهنيًا، والهوية الذهنية إنما تكون موجودة في الذهن بمشخصاها الذهنية وهي بتلك المشخصات ليست هوية خارجية وإلا لزم اتصاف الهوية الخارجية بالعوارض المختصة بالوجود الذهني وهو ضروري البطلان بل بشرط تجريدها عنها، وقولهم باتحادها معها بمعنى أنها بعد التجريد عينها فليست إياها مطلقًا بالفعل يتجه عليه أنه ليس معنى تجريد الهوية عن مشخصاتها جعلها خالية عنها في الواقع بل معناه قطع النظر عنها وعدم اعتبارها ولا يلزم من عدم اعتبارها اعتبار عدمها فضلًا عن عدمها في الواقع وقطع النظر لا يمنع من الاتحاد في الواقع، والقول بأن قولنا: هذا معاذ وهذا مبدأ قضية شخصية خارجية يتوقف صدقها على وجود الموضوع في الخارج لا ذهنية يكفي في صدقها وجود الموضوع في الذهن فقط فلابد من انحفاظ الوحدة في الخارج ولا يكفي انحفاظها في الذهن يتجه عليه أن صدق الحكم الذهني كاف في اندفاع التحكم فتدبر، وقيل: كما أن المعدوم موجود في الذهن كذلك المبتدأ المفروض موجود فيه أيضًا فليست نسبة الموجود الثاني إلى المعدوم السابق أولى من نسبته إلى المبتدأ المفروض.