فصل: (سورة يس: الآيات 74- 76):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة يس: الآيات 74- 76]:

{وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (74) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (75) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ (76)}.
اتخذوا الآلهة طمعا في أن يتقوّوا بهم ويعتضدوا بمكانهم، والأمر على عكس ما قدّروا، حيث هم جند لآلهتهم معدّون {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم، ويغضبون لهم، والآلهة لا استطاعة بهم ولا قدرة على النصر، أو اتخذوهم لينصروهم عند اللّه ويشفعوا لهم، والأمر على خلاف ما توهموا، حيث هم يوم القيامة جند معدّون لهم محضرون لعذابهم، لأنهم يجعلون وقودا للنار. وقرئ: {فلا يحزنك} بفتح الياء وضمها، من حزنه وأحزنه. والمعنى: فلا يهمنك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم، فإنا عالمون بما يسرون لك من عداوتهم {وَما يُعْلِنُونَ} وإنا مجازوهم عليه، فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهمّ ولا يرهقه الحزن. فإن قلت: ما تقول فيمن يقول: إن قرأ قارئ: أنا نعلم، بالفتح: انتقضت صلاته، وإن اعتقد ما يعطيه من المعنى: كفر؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يكون على حذف لام التعليل، وهو كثير في القرآن وفي الشعر، وفي كل كلام وقياس مطرد، وهذا معناه ومعنى الكسر سواء، وعليه تلبية رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنّ الحمد والنعمة لك، كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي، وكلاهما تعليل. والثاني: أن يكون بدلا {من قَوْلُهُمْ} كأنه قيل: فلا يحزنك، إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون. وهذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون اللّه عالما وعدم تعلقه لا يدوران على كسر إن وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك، فتفصل إن فتحت بأن تقدّر معنى التعليل ولا تقدّر البدل، كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدّر معنى المفعولية، ثم إن قدّرته كاسرا أو فاتحا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل، فما فيه إلا نهى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم عن الحزن على كون اللّه عالما بسرهم وعلانيتهم، وليس النهى عن ذلك مما يوجب شيئا. ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكافِرِينَ} {وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} {وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ}.

.[سورة يس: الآيات 77- 83]:

{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77) وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (78) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (79) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نارًا فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ (80) أَوَ لَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (81) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)}.
قبح اللّه عزّ وجل إنكارهم البعث تقبيحا لا ترى أعجب منه وأبلغ، وأدل على تمادى كفر الإنسان وإفراطه في جحود النعم وعقوق الأيادى، وتوغله في الخسة وتغلغله في القحة، حيث قرره بأن عنصره الذي خلقه منه هو أخسّ شيء وأمهنه، وهو النطفة المذرة الخارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة، ثم عجب من حاله بأن يتصدّى مثله على مهانة أصله ودناءة أوّله لمخاصمة الجبار، وشرز صفحته لمجادلته، ويركب متن الباطل ويلج، ويمحك ويقول: من يقدر على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به، وهو كونه منشأ من موات، وهو ينكر إنشاءه من موات، وهي المكابرة التي لا مطمح وراءها، وروى أن جماعة من كفار قريش منهم أبىّ بن خلف الجمحي وأبو جهل والعاصي بن وائل والوليد بن المغيرة تكلموا في ذلك، فقال لهم أبىّ: ألا ترون إلى ما يقول محمد، إنّ اللّه يبعث الأموات، ثم قال: واللات والعزى لأصيرنّ إليه ولأخصمنه، وأخذ عظما باليا فجعل يفته بيده وهو يقول: يا محمد، أترى اللّه يحيى هذا بعد ما قد رمّ، قال صلى اللّه عليه وسلم: نعم ويبعثك ويدخلك جهنم وقيل: معنى قوله {فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ} فإذا هو بعد ما كان ماء مهينا رجل مميز منطبق قادر على الخصام، مبين: معرب عما في نفسه فصيح، كما قال تعالى {أَوَ مَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ} فإن قلت: لم سمى قوله {مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} مثلا؟ قلت: لما دل عليه من قصة عجيبة شبيهة بالمثل، وهي إنكار قدرة اللّه تعالى على إحياء الموتى. أو لما فيه من التشبيه، لأن ما أنكر من قبيل ما يوصف اللّه بالقدرة عليه، بدليل النشأة الأولى، فإذا قيل:
قال: جاء أبى بن خلف بعظم نخر الحديث وروى ابن مردويه من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: جاء أبو جهل بعظم حائل.
من يحيى العظام على طريق الإنكار لأن يكون ذلك مما يوصف اللّه تعالى بكونه قادرا عليه، كان تعجيزا للّه وتشبيها له بخلقه في أنهم غير موصوفين بالقدرة عليه. والرميم: اسم لما بلى من العظام غير صفة، كالرمة والرفات، فلا يقال: لم لم يؤنث وقد وقع خبر المؤنث؟ ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول، ولقد استشهد بهذه الآية من يثبت الحياة في العظام ويقول: إن عظام الميتة نجسة لأنّ الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها. وأما أصحاب أبى حنيفة فهي عندهم طاهرة، وكذلك الشعب والعصب، ويزعمون أنّ الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت، ويقولون: المراد بإحياء العظام في الآية ردّها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حىّ حساس {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يعلم كيف يخلق، لا يتعاظمه شيء من خلق المنشآت والمعادات ومن أجناسها وأنواعها وجلائلها ودقائقها. ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر، مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراض وأكثرها من المرخ والعفار، وفي أمثالهم: في كل شجر نار. واستمجد المرخ والعفار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان، يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر، على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن اللّه. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب. قالوا: ولذلك تتخذ منه كذينقات القصارين. قرئ: {الأخضر} على اللفظ. وقرئ: {الخضراء} على المعنى. ونحوه قوله تعالى {مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ} من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسى أقدر، وفي معناه قوله تعالى {لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} وقرئ: {يقدر} وقوله {أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ} يحتمل معنيين: أن يخلق مثلهم في الصغر والقماءة بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم، لأن المعاد مثل للمبتدإ وليس به وَهُوَ {الْخَلَّاقُ} الكثير المخلوقات {الْعَلِيمُ} الكثير المعلومات. وقرئ: {الخالق} {إِنَّما أَمْرُهُ} إنما شأنه {إِذا أَرادَ شَيْئًا} إذا دعاه داعى حكمة إلى تكوينه ولا صارف {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} أن يكونه من غير توقف {فَيَكُونُ} فيحدث، أي: فهو كائن موجود لا محالة. فإن قلت: ما حقيقة قوله {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}؟ قلت: هو مجاز من الكلام وتمثيل، لأنه لا يمتنع عليه شيء من المكونات، وأنه بمنزلة المأمور المطيع إذا ورد عليه أمر الآمر المطاع. فإن قلت: فما وجه القراءتين في فيكون؟ قلت: أما الرفع فلأنها جملة من مبتدإ وخبر، لأن تقديرها: فهو يكون، معطوفة على مثلها، وهي أمره أن يقول له كن. وأما النصب فللعطف على يقول، والمعنى: أنه لا يجوز عليه شيء مما يجوز على الأجسام إذا فعلت شيئا مما تقدر عليه، من المباشرة بمحال القدرة، واستعمال الآلات، وما يتبع ذلك من المشقة والتعب واللغوب إنما أمره وهو القادر العالم لذاته أن يخلص داعيه إلى الفعل، فيتكون فمثله كيف يعجز عن مقدور حتى يعجز عن الإعادة؟ {فَسُبْحانَ} تنزيه له مما وصفه به المشركون، وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا {بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} هو مالك كل شيء والمتصرف فيه بمواجب مشيئته وقضايا حكمته. وقرئ: {ملكة كل شيء} {وملك كل شيء}
والمعنى واحد {تُرْجَعُونَ} بضم التاء وفتحها. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: كنت لا أعلم ما روى في فضائل يس وقراءتها كيف خصت، بذلك، فإذا أنه لهذه الآية.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «إن لكل شيء قلبا، وإن قلب القرآن يس، من قرأ يس يريد بها وجه اللّه، غفر اللّه تعالى له، وأعطى من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفا يصلون عليه ويستغفرون له ويشهدون غسله ويتبعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يحييه رضوان خازن الجنة بشربة من شراب الجنة يشربها وهو على فراشه، فيقبض ملك الموت روحه وهو ريان، ويمكث في قبره وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان». وقال عليه الصلاة والسلام «إن في القرآن سورة يشفع قارئها ويغفر لمستمعها. ألا وهي سورة يس». اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{ألم أعهد إِليكم}؟
أي: ألم آمركم ألم أوصِكم؟ و{تعبُدوا} بمعنى تُطيعوا، والشيطان هو إبليس، زيَّن لهم الشِّرك فأطاعوه {إنَّه لكم عدوٌّ مُبِينٌ} ظاهر العداوة، أخرج أبويكم من الجنة.
{وأنِ اعبُدوني} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، والكسائي: {وأَنُ اعبُدوني} بضم النون.
وقرأ عاصم، وأبو عمرو، وحمزة: {وأَنِ اعبُدوني} بكسر النون؛ والمعنى: وحِّدوني {هذا صراطٌ مستقيمٌ} يعني التوحيد.
{ولقد أَضَلَّ منكم جِبَلًا} قرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي، وخلف: {جُبُلًا} بضم الجيم والباء وتخفيف اللام.
وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: {جُبْلًا} بضم الجيم وتسكين الباء مع تخفيف اللام.
وقرأ نافع، وعاصم: {جِبِّلًا} بكسر الجيم والباء مع تشديد اللام.
وقرأ علي بن أبي طالب، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، والزهري، والأعمش: {جُبُلًّا} بضم الجيم والباء مع تشديد اللام.
وقرأ عبد الله بن عمرو، وابن السميفع: {جِبْلًا} بكسر الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام.
وقرأ سعيد بن جبير، وأبو المتوكل، ومعاذ القارئ: {جُبَلًا} برفع الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام.
وقرأ أبو العالية: وابن يعمر: {جِبَلًا} بكسر الجيم وفتح الباء وتخفيف اللام.
وقرأ أبو عمران الجوني، وعمرو بن دينار: {جِبَالًا} مكسورة الجيم مفتوحة الباء وبألف.
ومعنى الكلمة كيف تصرَّفت في هذه اللغات: الخَلْق والجماعة؛ فالمعنى: ولقد أضلَّ منكم خَلْقًا كثيرًا {أفلم تكونوا تَعْقِلونَ}؟ فالمعنى: قد رأيتم آثار الهالكين قبلكم بطاعة الشيطان، أفلم تعقلوا ذلك؟! وقرأ ابن عباس، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن السُّلَمي، وأبو رجاء، ومجاهد، وابن يعمر: {أفلم يكونوا يعقلون} بالياء فيهما، فإذا أُدْنُوا إلى جهنم قيل لهم: {هذه جهنَّمُ التي كنتم توعدون} بها في الدنيا {اصْلَوها} أي: قاسُوا حَرَّها.
قوله تعالى: {اليومَ نَخْتِمُ على أفواهم} وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء: {يُخْتَمُ} بياء مضمومة وفتح التاء {وتُكَلِّمُنا} قرأ ابن مسعود: {ولِتُكَلِمنَا} بزيادة لام مكسورة وفتح الميم وواو قبل اللام وقرأ أُبيُّ بن كعب وابن أبي عبلة: {لِتُكَلِّمَنا} بلام مكسورة من غير واو قبلها وبنصب الميم؛ وقرأوا جميعا: {ولِتَشْهَدَ أرجُلُهم} بلام مكسورة وبنصب الدال.
ومعنى {نَخْتِمُ} نَطبع عليها، وقيل: منعُها من الكلام هو الختم عليها، وفي سبب ذلك أربعة أقوال:
أحدها: أنهم لمّا قالوا {واللهِ ربِّنا ما كُنَّا مشرِكينَ} [الأنعام: 23] خَتَم اللهُ على أفواهم ونطقت جوارحهُم، قاله أبو موسى الأشعري.
والثاني: ليَعلموا أن أعضاءهم التي كانت أعوانًا لهم على المعاصي صارت شهودًا عليهم.
والثالث: ليعرفهم أهل الموقف، فيتميَّزوا منهم بذلك.
والرابع: لأن إِقرار الجوارح أبلغ في الإِقرار من نُطْق اللسان، ذكرهنّ الماوردي.
فإن قيل: ما الحكمة في تسمية نُطق اليد كلامًا ونطقِ الرِّجْل شهادةً؟.
فالجواب: أن اليد كانت مباشِرة والرِّجل حاضرة، وقول الحاضر على غيره شهادة بما رأى وقول الفاعل على نفسه إقرار بما فعل.
قوله تعالى: {ولو نشاءُ لطَمَسْنا على أعيُنْهم} فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ولو نشاء لأذهبْنا أعيُنَهم حتى لا يبدوَ لها شَقٌّ ولا جَفْن.
والمطموس: الذي لا يكون بين جفنيه شَقّ، {فاستَبَقوا الصِّراط} أي: فتبادروا إلى الطريق {فأنّى يًبْصِرونَ} أي: فكيف يُبْصِرون وقد أعمينا أعيُنَهم؟! وقرأ أبو بكر الصِّدِّيق، وعروة بن الزبير، وأبو رجاء: {فاستَبِقوا} بكسر الباء {فأنَّى تًُبْصِرونَ} بالتاء وهذا تهديد لأهل مكة، وهو قول الأكثرين.
والثاني: ولو نشاء لأضلَلْناهم وأعميناهم عن الهُدى، فأنّى يُبصِرون الحقَّ.
؟! رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: ولو نشاء لفقأْنا أعيُنَ ضلالَتهم وأعميناهم عن غَيِّهم وحوَّلْنا أبصارهم من الضلالة إلى الهُدى فأبصروا رشدهم، فأنّى يُبصِرونَ ولم أفعل ذلك، بهم؟! روي عن جماعة منهم مقاتل.
قوله تعالى: {ولو نشاء لَمَسَخْناهم على مكانتهم} وروى أبو بكر عن عاصم: {على مكاناتهم} وقد سبق بيان هذا [البقرة: 65].
وفي المراد بقوله: {لمَسَخْناهم} أربعة أقوال.
أحدها: لأهلكْناهم، قاله ابن عباس.
والثاني: لأقعدناهم على أرجلهم، قاله الحسن وقتادة.
والثالث: لجعلْناهم حجارة، قاله أبو صالح، ومقاتل.
والرابع: لجعلْناهم قردةً وخنازيرَ لا أرواح فيها، قاله ابن السائب.
وفي قوله: {فما استطاعوا مُضِيًّا ولا يَرْجِعونَ} ثلاثة أقوال.
أحدها: فما استطاعوا أن يتقدَّموا ولا أن يتأخروا، قاله قتادة.
والثاني: فما استطاعوا مُضِيًّا عن العذاب، ولا رجوعًا إِلى الخِلقة الأُولى بعد المسخ، قاله الضحاك.
والثالث: مُضِيًّا من الدنيا ولا رجوعًا إليها، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
قوله تعالى: {ومَنْ نُعَمِّرْه ننكِّسْه في الخَلْق} قرأ حمزة: {نُنَكِّسْه} مشددة مع ضم النون الأولى وفتح الثانية؛ والباقون بفتح النون الأولى وتسكين الثانية من غير تشديد؛ وعن عاصم كالقراءَتين، ومعنى الكلام: من نُطِلْ عمره ننكِّس خَلْقَه، فنجعل مكان القوَّة الضَّعف، وبدل الشباب الهرم، فنردُّه إِلى أرذل العمر.