فصل: قال ابن جزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل معناه فهم لها ضابطون قاهرون ومنه قول بعضهم:
أصبحت لا أحمل السلاح ولا ** أملك رأس البعير إن نفرا

أي لا أضبط رأس البعير والمعنى لم تخلق الأنعام وحشية نافرة من بني آدم لا يقدرون على ضبطها بل خلقناها مذللة مسخرة لهم وهو قوله تعالى: {وذللناها لهم فمنها ركوبهم} أي الإبل {ومنها يأكلون} أي الغنم {ولهم فيها منافع} أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها وجلودها ونسلها {ومشارب} أي من ألبانها {أفلا يشكرون} أي رب هذه النعم {واتخذوا من دون الله آلهة} يعني الأصنام {لعلهم ينصرون} أي لتمنعهم من عذاب الله ولا يكون ذلك قط {لا يستطيعون نصرهم} قال ابن عباس لا تقدر الأصنام على نصرهم ومنعهم من العذاب {وهم لهم جند محضرون} أي الكفار جند الأصنام يغضبون لها ويحضرونها في الدنيا وهي لا تسوق إليهم خيرًا ولا تستطيع لهم نصرًا وقيل هذا في الآخرة يؤتى بكل معبود من دون الله ومعه أتباعه الذين عبدوه في الدنيا كأنهم جند محضرون في النار {فلا يحزنك قولهم} يعني قول كفار مكة في تكذيبك يا محمد {إنا نعلم ما يسرون} أي في ضمائرهم من التكذيب {وما يعلنون} أي من عبادة الأصنام وقيل ما يعلنون بألسنتهم من الأذى.
قوله تعالى: {أولم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة} أي من نطفة قذرة خسيسة {فإذا هو خصيم مبين} أي جدل بالباطل بين الخصومة والمعنى العجب من جهل هذا المخاصم مع مهانة أصله كيف يتصدى لمخاصمة الجبار ويبرز لمجادلته في إنكاره البعث وكيف لا يتفكر في بدء خلقه وأنه من نطفة قذرة ويدع الخصومة نزلت في أبي بن خلف الجمحي خاصم النبي صلى الله عليه وسلم في إنكار البعث وأتاه بعظم قد رم وبلي ففتته بيده وقال أترى يحيي الله هذا بعد ما رم فقال النبي صلى الله عليه وسلم «نعم ويبعثك ويدخلك النار» فأنزل الله تعالى هذه الآيات {وضرب لنا مثلًا ونسي خلقه} أي بدأ أمره {قال من يحيي العظام وهي رميم} أي بالية والمعنى وضرب لنا مثلًا في إنكار البعث بالعظم البالي حين فتته بيده وتعجب ممن يقول إن الله تعالى يحييه ونسي أول خلقه وأنه مخلوق من نطفة.
{قل يحييها الذي أنشأها أول مرة} أي خلقها أول مرة وابتدأ خلقها {وهو بكل خلق} أي من الابتداء والإعادة {عليم} أي يعلم كيف يخلق لا يتعاظمه شيء من خلق المبدأ أو المعاد {الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارًا} قال ابن عباس هما شجرتان يقال لإحداهما المرخ بالراء والخاء المعجمة والأخرى العفار بالعين المهملة فمن أراد النار قطع منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ على العفار فتخرج منهما النار بإذن الله تعالى تقول العرب في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار أي استكثر منها وذلك أن هاتين الشجرتين من أكثر الشجر نارًا وقال الحكماء في كل شجر نار إلا العناب {فإذا أنتم منه توقدون} أي تقدحون فتوقدون النار من ذلك الشجر ثم ذكر ما هو أعظم من خلق الإنسان فقال تعالى: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى} أي هو القادر على ذلك {وهو الخلاق} يعني يخلق خلقًا بعد خلق {العليم} أي بجميع ما خلق {إنما أمره إذا أراد شيئًا} أي إحداث شيء وتكوينه {أن يقول له كن} أن يكونه من غير توقف {فيكون} أي فيحدث ويوجد لا محالة {فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء} أي هو مالك كل شيء والمتصرف فيه {وإليه ترجعون} أي تردون بعد الموت والله أعلم. اهـ.

.قال ابن جزي:

{جِبِلًا كَثِيرًا}.
الجِبِّل الأمة العظيمة، وقال الضحاك: أقلها عشرة آلاف ولا نهاية لأكثرها، وقرأ عاصم ونافع {جِبِلًا} بكسر الجيم والباء وتشديد اللام، وبضمها مع التخفيف، وبضم الجيم وإسكان الباء، وهي لغات بمعنى واحد.
{اليوم نَخْتِمُ على أَفْوَاهِهِمْ} أي نمنعهم من الكلام فتنطق أعضاؤهم يوم القيامة.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} هذا تهديد لقريش، والطمس على الأعين هو العمى، و{الصراط} الطريق و{أنى} استفهام يراد به النفي، فمعنى الآية لو نشاء لأعميناهم فلو راموا أن يمشوا على الطريق لم يبصروه، وقيل: يعني عمى البصائر أي: لو نشاء لختمنا على قلوبهم، فالطريق على هذا استعارة بمعنى الإيمان والخير.
{وَلَوْ نَشَاءُ لَمَسَخْنَاهُمْ} هذا تهديد بالمسخ، فقيل: معناه المسخ قردة وخنازير وحجارة، وقيل: معناه لو نشاء لجعلناهم مقعدين مبطولين لا يستطيعون تصرفًا، وقيل: إن هذا التهديد كله بما يكون يوم القيامة، والأظهر أنه في الدنيا {على مَكَانَتِهِمْ} المكانة المكان، والمعنى لو نشاء لمسخناهم مسخًا يقعدهم في مكانهم {فَمَا استطاعوا مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ} أي إذا مسخوا في مكانهم لو يقدروا أن يذهبوا ولا أن يرجعوا.
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الخلق} أي نحول خلقته من القوة إلى الضعف، ومن الفهم إلى البله وشبه ذلك كما قال تعالى: {ثُمَّ جَعَلَ مِن بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً} [الروم: 54] وإنما قصد بذكر ذلك هنا للاستدلال على قدرته تعالى على مسخ الكفار، كما قدر على تنكيس الإنسان إذا هرم.
{وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشعر وَمَا يَنبَغِي لَهُ} الضميران لمحمد صلى الله عليه وسلم، وذلك ردّ على الكفار في قولهم: إنه شاعر، وكان صلى الله عليه وسلم لا ينظم الشعر ولا يزنه، وإذا ذكر بيت شعر كسر وزنه، فإن قيل: قد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
«أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب»
وروي أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم:
«هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت»
وهذا الكلام على وزن الشعر فالجواب أنه ليس بشعر، وأنه لم يقصد به الشعر، وإنما جاء موزونًا بالاتفاق لا بالقصد، فهو كالكلام المنثور، ومثل هذا يقال في مثل ما جاء في القرآن من الكلام الموزون، ويقتضي قوله: {وَمَا يَنبَغِي لَهُ} تنزيه النبي صلى الله عليه وسلم عن الشعر لما فيه من الأباطيل وإفراط التجاوز، حتى يقال: إن الشعر أطيبه أكذبه، وليس كل الشعر كذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إن من الشعر لحكمة» وقد أكثر الناس في ذم الشعر ومدحه، وإنما الانصاف قول الشافعي الشعر كلام والكلام منه حسن ومنه قبيح {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} الضمير للقرآن يعني أنه ذكر الله أو تذكير للناس أو شرفه لهم.
{لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا} أي حيّ القلب والبصيرة {وَيَحِقَّ القول عَلَى الكافرين} أي يجب عليهم العذاب.
{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعامًا} مقصد الآية تعديد النعم وإقامة الحجة، والأيدي هنا عند أهل التأويل عبارة عن القدرة، وعند أهل التسليم من المتشابة الذي يجب الإيمان به وعلمه عند الله {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} الركوب بفتح الراء هو المركوب {وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ} يعني الأكل منها والحمل عليها، والانتفاع بالجلود والصوف وغيره {وَمَشَارِبُ} يعني الآلبان.
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ} الضمير في يستطيعون للأصنام، وفي نصرهم للمشركين، ويحتمل العكس، ولكنّ الأول أرجح، فإنه لما ذكر أن المشركين اتخذوا الأصنام لينصروهم: أخبر أن الأصنام لا يستطيعون نصرهم فخاب أملهم {وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ} الضمير الأول للمشركين والثاني للأصنام؛ يعني أن المشركين يخدمون الأصنام ويتعصبون لهم حتى أنهم لهم كالجند، وقيل: بالعكس بمعنى أن الأصنام جند محضرون لعذاب المشركين في الآخرة والأول أرجح، لأنه تقبيح لحال المشركين {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم معللة لما بعدها.
{أَوَلَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ} هذه الآية وما بعدها إلى آخر السورة براهين على الحشر يوم القيامة، ورد على من أنكر ذلك، والنطفة هي نطفة المني التي خلق الإنسان منها، ولا شك أن الإله الذي قدر على خلق الإنسان من نطفة قادر على أن يخلقه مرة أخرى عند البعث وسبب الآية أن العاصي بن وائل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم رميم فقال: يا محمد من يحيي هذا؟ وقيل إن الذي جاء بالعظم أمية بن خلف وقيل: أبي بن خلف فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله يحييه ويميتك ثم يحييك ويدخلك جهنم {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} أي متكلم قادر على الخصام يبين ما في نفسه بلسانه.
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} إشارة إلى قول الكافرين: من يحيي هذا العظم {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} أي نسي الاستدلال بخلقته الأولى على بعثه، والنسيان هنا يحتمل أن يكون بمعنى الذهول أو الترك {وَهِيَ رَمِيمٌ} أي بالية متفتتة {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} استدلال بالخلقة الأولى على البعث {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} أي يعلم كيف يخلق كل شيء فلا يصعب عليه بعث الأجساد بعد فنائها، والخلق هنا يحتمل أن يكون مصدرًا أو بمعنى المخلوق.
{الذي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَارًا} هذا دليل آخر على إمكان البعث، وذلك أن الذين أنكروه من الكفار والطبائعيين قالواك طبع الموت يضاد طبع الحياة فكيف تصير العظام حية؟ فأقام الله عليهم الدليل من الشجر الأخضر الممتلئ ماء، مع مضادة طبع الماء للنار. ويعني بالشجر زناد العرب وهو شجر المرخ والعفار، فإنه يقطع من كل واحد منهما غصنًا أخضر يقطر منه الماء، فيسحق المرخ على العفار فتنقدح النار بينهما: قال ابن عباس: ليس من شجرة إلا وفيها نار إلا العناب، ولكنه في المرخ والعفار أكثر.
{أَوَلَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بِقَادِرٍ على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم بلى} هذا دليل آخر على البعث، بأن الإله الذي قدر على خلق السموات والأرض على عظمهما وكبر أجرامهما قادر على أن يخلق أجساد بني آدم بعد فنائها، والضمير في مثلهم يعود على الناس {وَهُوَ الخلاق العليم} ذكر في هذه الأسمين أيضًا استدلال على البعث، وكذلك في قوله: {إِنَّمَآ أَمْرُهُ إِذَآ أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} لأن هذا عبارة عن قدرته على جميع الأشياء ولا شك أن الخلاق العليم القدير لا يصعب عليه إعادة الأجساد.
{فَسُبْحَانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} في هذا استدلال على البعث، وتنزيه لله عما نسبه الكفار إليه من العجز عن البعث، فإنهم ما قدروا الله حق قدره، وكل من أنكر البعث فإنما أنكره لجهله بقدرة الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.قال النسفي:

{ألم أعهد إليكم}.
وعن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يرى أبدًا ويقول لهم يوم القيامة {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بنى ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} العهد الوصية وعهد إليه إذا وصاه وعهد الله إليهم ما ركزه فيهم من أدلة العقل وأنزل عليهم من دلائل السمع، وعبادة الشيطان طاعته فيما يوسوس به إليهم ويزينه لهم {وَأَنِ اعبدونى} وحدوني وأطيعوني {هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن {صراط مُّسْتَقِيمٌ} أي صراط بليغ في استقامته ولا صراط أقوم منه {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًا} بكسر الجيم والباء والتشديد: مدني وعاصم وسهل {جبلًا} بضم الجيم والباء والتشديد: يعقوب {جُبْلًا} مخففًا: شامي وأبو عمرو.
و{جُبُلًا} بضم الجيم والباء وتخفيف اللام: غيرهم، وهذه لغات في معنى الخلق {كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} استفهام تقريع على تركهم الانتفاع بالعقل {هذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} بها {اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} ادخلوها بكفركم وإنكاركم لها.
{اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} أي نمنعهم من الكلام {وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} يروى أنهم يجحدون ويخاصمون فتشهد عليهم جيرانهم وأهاليهم وعشائرهم فيحلفون ما كانوا مشركين، فحيئذ يختم على أفواههم وتكلم أيديهم وأرجلهم، وفي الحديث «يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز عليّ إلا شاهدًا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه: أنطقي فتنطق بأعماله ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول: بعدًا لكن وسحقًا فعنكن كنت أناضل» {وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لأعميناهم وأذهبنا أبصارهم.
والطمس تعفيه شق العين حتى تعود ممسوحة {فاستبقوا الصراط} على حذف الجار وإيصال الفعل والأصل فاستبقوا إلى الصراط {فأنى يُبْصِرُونَ} فكيف يبصرون حينئذ وقد طمسنا أعينهم {وَلَوْ نَشَاءُ لمسخناهم} قردة أو خنازير أو حجارة {على مكانتهم} {على مكاناتهم} أبو بكر وحماد.
والمكانة والمكان واحد كالمقامة والمقام أي لمسخناهم في منازلهم حيث يجترحون المآثم {فَمَا استطاعوا مُضِيًّا وَلاَ يَرْجِعُونَ} فلم يقدروا على ذهاب ولا مجيء أو مضيًا أمامهم ولا يرجعون خلفهم.
{وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ} عاصم وحمزة، والتنكيس: جعل الشيء أعلاه أسفله، الباقون {نَنْكُسه} {فِى الخلق} أي نقلبه فيه بمعنى من أطلنا عمره نكسنا خلقه فصار بدل القوة ضعفًا وبدل الشباب هرمًا، وذلك أنا خلقناه على ضعف في جسده وخلو من عقل وعلم ثم جعلناه يتزايد إلى أن يبلغ أشده ويستكمل قوته ويعقل ويعلم ما له وما عليه، فإذا انتهى نكسناه في الخلق فجعلناه يتناقض حتى يرجع إلى حال شبيهة بحال الصبي في ضعف جسده وقلة عقله وخلوه من العلم كما ينكس السهم فيجعل أعلاه أسفله قال عز وجل: {وَمِنكُمْ مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العمر لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا} [الحج: 5] {أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن من قدر على أن ينقلهم من الشباب إلى الهرم ومن القوة إلى الضعف ومن رجاحة العقل إلى الخرف وقلة التمييز، قادر على أن يطمس على أعينهم ويمسخهم على مكانتهم ويبعثهم بعد الموت.
وبالتاء: مدني ويعقوب وسهل.
وكانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاعر فنزل {وَمَا علمناه الشعر} أي وما علمنا النبي عليه السلام قول الشعراء أو وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر فهو كلام موزون مقفى يدل على معنى، فأين الوزن وأين التقفية؟.
فلا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققته {وَمَا يَنبَغِى لَهُ} وما يصح له ولا يليق بحاله ولا يتطلب لو طلبه أي جعلناه بحيث لو أراد قرض الشعر لم يتأت له ولم يتسهل كما جعلناه أميًا لا يهتدي إلى الخط لتكون الحجة أثبت والشبهة أدحض وأما قوله:
«أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب»
وقوله:
«هل أنت إلا أصبع دميت ** وفي سبيل الله ما لقيت»
فما هو إلا من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة فيه ولا تكلف إلا أنه اتفق من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه أن جاء موزونًا كما يتفق في خطب الناس ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة، ولا يسميها أحد شعرًا لأن صاحبه لم يقصد الوزن ولابد منه، على أنه عليه السلام قال «لقيت» بالسكون، وفتح الباء في «كذب» وخفض الباء في «المطلب» ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال: {إِنْ هُوَ} أي المعلم {إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْءَانٌ مُّبِيْنٌ} أي ما هو إلا ذكر من الله يوعظ به الإنس والجن، وما هو إلا قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل به فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين {لِّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول {لّتُنذِرَ} مدني وشامي وسهل ويعقوب {مَن كَانَ حَيًّا} عاقلًا متأملًا لأن الغافل كالميت أو حيًا بالقلب، {وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب {عَلَى الكافرين} الذين لا يتأملون وهم في حكم الأموات.