فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِّمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أنعاما} أي مما تولينا نحن إحداثه ولم يقدر على توليه غيرنا {فَهُمْ لَهَا مالكون} أي خلقناها لأجلهم فملكناها إياهم فهم متصرفون فيها تصرف الملاك مختصون بالانتفاع بها أو فهم لها ضابطون قاهرون {وذللناها لَهُمْ} وصيرناها منقادة لهم وإلا فمن كان يقدر عليها لولا تذليله تعالى وتسخيره لها، ولهذا ألزم الله سبحانه الراكب أن يشكر هذه النعمة ويسبح بقوله: {سبحان الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] {فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} وهو ما يركب {وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} أي سخرناها لهم ليركبوا ظهرها ويأكلوا لحمها {وَلَهُمْ فِيهَا منافع} من الجلود والأوبار وغير ذلك {ومشارب} من اللبن وهو جمع مشرب وهو موضع الشرب أو الشراب {أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} الله على إنعام الأنعام {واتخذوا مِن دُونِ الله ءَالِهَةً لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} أي لعل أصنامهم تنصرهم إذا حزبهم أمر {لاَ يَسْتَطِيعُونَ} أي آلهتهم {نَصَرَهُمْ} نصر عابديهم {وَهُمْ لَهُمْ} أي الكفار للأصنام {جُندٌ} أعوان وشيعة {مُحْضَرُونَ} يخدمونهم ويذبون عنهم، أو اتخذوهم لينصروهم عند الله ويشفعوا لهم والأمر على خلاف ما توهموا حيث هم يوم القيامة جند معدون لهم محضرون لعذابهم لأنهم يجعلون وقود النار {فَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ} وبضم الياء وكسر الزاي: نافع من حزنه وأحزنه يعني فلا يهمك تكذيبهم وأذاهم وجفاؤهم.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ} من عداوتهم {وَمَا يُعْلِنُونَ} وإنا مجازوهم عليه فحق مثلك أن يتسلى بهذا الوعيد ويستحضر في نفسه صورة حاله وحالهم في الآخرة حتى ينقشع عنه الهم ولا يرهقه الحزن.
ومن زعم أن من قرأ {إِنا نعلم} بالفتح فسدت صلاته وإن اعتقد معناه كفر فقد أخطأ، لأنه يمكن حمله على حذف لام التعليل وهو كثير في القرآن والشعر وفي كل كلام، وعليه تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم «أن الحمد والنعمة لك» كسر أبو حنيفة وفتح الشافعي رحمة الله عليهما، وكلاهما تعليل.
فإن قلت: إن كان المفتوح بدلًا من {قَوْلُهُمْ} كأنه قيل: فلا يحزنك أنا نعلم ما يسرون وما يعلنون ففساده ظاهر.
قلت: هذا المعنى قائم مع المكسورة إذا جعلتها مفعولة للقول، فقد تبين أن تعلق الحزن بكون الله عالمًا وعدم تعلقه لا يدوران على كسر أن وفتحها، وإنما يدوران على تقديرك فتفصل إن فتحت ب أن تقدر معنى التعليل ولا تقدر معنى البدل كما أنك تفصل بتقدير معنى التعليل إذا كسرت ولا تقدر معنى المفعولية.
ثم إن قدرته كاسرًا أو فاتحًا على ما عظم فيه الخطب ذلك القائل فما فيه إلا نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحزن على علمه تعالى بسرهم وعلانيتهم، والنهي عن حزنه ليس إثباتًا لحزنه بذلك كما في قوله: {فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيرًا للكافرين} [القصص: 86] {وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين} [الأنعام: 14] {وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها ءَاخَرَ} [القصص: 88].
ونزل في أبي بن خلف حين أخذ عظمًا باليًا وجعل يفته بيده ويقول: يا محمد أترى الله يحيي هذا بعدما رم؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم ويبعثك ويدخلك جهنم» {أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ} مذرة خارجة من الإحليل الذي هو قناة النجاسة {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} بين الخصومة أي فهو على مهانة أصله ودناءة أوله يتصدى لمخاصمة ربه وينكر قدرته على إحياء الميت بعد ما رمت عظامه، ثم يكون خصامه في ألزم وصف له وألصقه به وهو كونه منشأ من موات وهو ينكر إنشاءه من موات وهو غاية المكابرة {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} بفته العظم {وَنَسِىَ خَلْقَهُ} من المني فهو أغرب من إحياء العظم، المصدر مضاف إلى المفعول أي خلقنا إياه {قَالَ مَن يُحىِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} هو اسم لما بلي من العظام غير صفة كالرمة والرفات ولهذا لم يؤنث، وقد وقع خبرًا لمؤنث ومن يثبت الحياة في العظام ويقول إن عظام الميتة نجسة لأن الموت يؤثر فيها من قبل أن الحياة تحلها يتشبث بهذه الآية وهي عندنا طاهرة، وكذا الشعر والعصب لأن الحياة لا تحلها فلا يؤثر فيها الموت.
والمراد بإحياء العظام في الآية ردها إلى ما كانت عليه غضة رطبة في بدن حي حساس {قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا} خلقها {أَوَّلَ مَرَّةٍ} أي ابتداء {وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ} مخلوق {عَلِيمٌ} لا تخفى عليه أجزاؤه وإن تفرقت في البر والبحر فيجمعه ويعيده كما كان {الذى جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشجر الأخضر نَارًا فَإِذَا أَنتُم مِّنْه تُوقِدُونَ} تقدحون.
ثم ذكر من بدائع خلقه انقداح النار من الشجر الأخضر مع مضادة النار الماء وانطفائها به وهي الزناد التي تورى بها الأعراب وأكثرها من المرخ والعفار، وفي أمثالهم في كل شجر نار واستمجد المرخ والعفار لأن المرخ شجر سريع الوري، والعفار شجر تقدح منه النار، يقطع الرجل منهما غصنين مثل السواكين وهما خضراوان يقطر منهما الماء فيسحق المرخ وهو ذكر على العفار وهي أنثى فتنقدح النار بإذن الله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: ليس من شجرة إلا وفيها النار إلا العناب لمصلحة الدق للثياب، فمن قدر على جمع الماء والنار في الشجر قدر على المعاقبة بين الموت والحياة في البشر، وإجراء أحد الضدين على الآخر بالعقيب أسهل في العقل من الجمع معًا بلا ترتيب.
والأخضر على اللفظ وقريء الخضراء على المعنى.
ثم بين أن من قدر على خلق السماوات والأرض مع عظم شأنهما فهو على خلق الأناسيّ أقدر بقوله: {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السماوات والأرض بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر بالإضافة إلى السماوات والأرض أو أن يعيدهم لأن المعاد مثل للمبتدأ وليس به {بلى} أي قل بلى هو قادر على ذلك {وَهُوَ الخلاق} الكثير المخلوقات {العليم} الكثير المعلومات {إِنَّمَا أَمْرُهُ} شأنه {إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أن يكونه {فَيَكُونُ} فيحدث أي فهو كائن موجود لا محالة.
فالحاصل أن المكونات بتخليقه وتكوينه ولكن عبر عن إيجاده بقوله: {كُن} من غير أن كان منه كاف ونون وإنما هو بيان لسرعة الإيجاد كأنه يقول: كما لا يثقل قول كن عليكم فكذا لا يثقل على الله ابتداء الخلق وإعادتهم، {فيكون} شامي وعلي عطف على {يقول} وأما الرفع فلأنها جملة من مبتدأ وخبر لأن تقديرها فهو يكون معطوفة على مثلها وهي أمره أن يقول له كن {فسبحان} تنزيه مما وصفه به المشركون وتعجيب من أن يقولوا فيه ما قالوا {الذى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَىْءٍ} أي ملك كل شيء.
وزيادة الواو والتاء للمبالغة يعني هو مالك كل شيء {وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} تعادون بعد الموت بلا فوت، {تَرجعون} يعقوب.
قال عليه الصلاة والسلام «إن لكل شيء قلبًا وإن قلب القرآن يس» «من قرأ يس يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة» وقال عليه السلام «من قرأ يس أمام حاجته قضيت له» وقال عليه السلام «من قرأها إن كان جائعًا أشبعه الله، وإن كان ظمآن أرواه الله، وإن كان عريانًا ألبسه الله، وإن كان خائفًا أمنه الله، وإن كان مستوحشًا آنسه الله، وإن كان فقيرًا أغناه الله، وإن كان في السجن أخرجه الله، وإن كان أسيرًا خلصه الله، وإن كان ضالًا هداه الله، وإن كان مديونًا قضى الله دينه من خزائنه» وتدعى الدافعة والقاضية تدفع عنه كل سوء وتقضي له كل حاجة والله أعلم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي ءَادَمَ أَن لاَّ تَعْبُدُواْ الشيطان}.
من جملة ما يقال لهم تقريعًا وإلزامًا للحجة، وعهده إليهم ما نصب لهم من الحجج العقلية والسمعية الآمرة بعبادته الزاجرة عن عبادة غيره وجعلها عبادة الشيطان، لأنه الآمر بها والمزين لها، وقرئ {أَعْهَدْ} بكسر حرف المضارعة وأحهد وأحد على لغة بني تميم.
{إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} تعليل للمنع عن عبادته بالطاعة فيها يحملهم عليه.
{وَأَنِ اعبدونى} عطف على {أَن لاَّ تَعْبُدُواْ}.
{هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} إشارة إلى ما عهد إليهم أو إلى عبادته، فالجملة استئناف لبيان المقتضي للعهد بشقيه أو بالشق الآخر، والتنكير للمبالغة والتعظيم، أو للتبعيض فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُواْ تَعْقِلُونَ} رجوع إلى بيان معاداة الشيطان مع ظهور عداوته ووضوح إضلاله لمن له أدنى عقل ورأي والجبل الخلق، وقرأ يعقوب بضمتين وابن كثير وحمزة والكسائي بهما مع تخفيف اللام وابن عامر وأبو عمرو بضمة وسكون مع التخفيف والكل لغات، وقرئ {جِبِلًا} جمع جبلة كخلقة وخلق و{جيلًا} واحد الأجيال.
{هذه جَهَنَّمُ التي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}.
{اصلوها اليوم بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ} ذوقوا حرها اليوم بكفركم في الدنيا.
{اليوم نَخْتِمُ على أفواههم} نمنعها عن الكلام.
{وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} بظهور آثار المعاصي عليها ودلالتها على أفعالها، أو إنطاق الله إياها وفي الحديث «إنهم يجحدون ويخاصمون فيختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وأرجلهم».
{وَلَوْ نَشَاءُ لَطَمَسْنَا على أَعْيُنِهِمْ} لمسحنا أعينهم حتى تصير ممسوحة.
{فاستبقوا الصراط} فاستبقوا إلى الطريق الذي اعتادوا سلوكه، وانتصابه بنزع الخافض أو بتضمين الاستباق معنى الابتدار، أو جعل المسبوق إليه مسبوقًا على الاتساع أو بالظرف.
{فأنى يُبْصِرُونَ} الطريق وجهة السلوك فضلًا عن غيره.
{وَلَوْ نَشَاء لمسخناهم} بتغيير صورهم وإبطال قواهم.
{على مكانتهم} مكانهم بحيث يجمدون فيه، وقرأ أبو بكر {مكاناتهم}.
{فَمَا استطاعوا مُضِيًّا} ذهابًا.
{وَلاَ يَرْجِعُونَ} ولا رجوعًا فوضع الفعل موضعه للفواصل، وقيل {لاَ يَرْجِعُونَ} عن تكذيبهم، وقرئ {مُضِيًا} بإتباع الميم الضاد المكسورة لقلب الواو ياء كالمعتى والمعتي ومضيًا كصبي، والمعنى أنهم بكفرهم ونقضهم ما عهد إليهم أحقاء بأن يفعل بهم ذلك لكنا لم نفعل لشمول الرحمة لهم واقتضاء الحكمة إمهالهم.
{وَمَن نّعَمّرْهُ} ومن نطل عمره.
{نُنَكِّسْهُ في الخلق} نقلبه فيه فلا يزال يتزايد ضعفه وانتقاض بنيته وقواه عكس ما كان عليه بدء أمره، وابن كثير على هذه يشبع ضمة الهاء على أصله، وقرأ عاصم وحمزة {نُنَكّسْهُ} من التنكيس وهو أبلغ والنكس أشهر.
{أَفَلاَ يَعْقِلُونَ} أن من قدر على ذلك قدر على الطمس والمسخ فإنه مشتمل عليهما ويزاد غير أنه على تدرج، وقرأ نافع برواية ابن عامر وابن ذكوان ويعقوب بالتاء لجري الخطاب قبله.
{وَمَا علمناه الشعر} رد لقولهم إن محمدًا شاعر أي ما علمناه الشعر بتعليم القرآن، فإنه لا يماثله لفظًا ولا معنى لأنه غير مقفى ولا موزون، وليس معناه ما يتوخاه الشعراء من التخيلات المرغبة والمنفرة ونحوها.
{وَمَا يَنبَغِي لَهُ} وما يصح له الشعر ولا يتأتى له إن أراد قرضه على ما خبرتم طبعه نحوًا من أربعين سنة، وقوله عليه الصلاة والسلام:
أنا النبي لا كذب ** أنا ابن عبد المطلب

وقوله:
هَلٌ أَنَتَ إلا إِصبعٌ دَميت ** وفي سَبِيلِ الله مَا لقيتِ

اتفاقيٌ من غير تكلف وقصد منه إلى ذلك، وقد يقع مثله كثيرًا في تضاعيف المنثورات على أن الخليل ما عد المشطور من الرجز شعرًا، هذا وقد روي أنه حرك الباءين وكسر التاء الأولى بلا إشباع وسكن الثانية، وقيل الضمير لل {قُرْءانَ} أي وما يصح للقرآن أن يكون شعرًا.
{إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ} عظة وإرشاد من الله تعالى.
{وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ} وكتاب سماوي يتلى في المعابد، ظاهر أنه ليس من كلام البشر لما فيه من الإِعجاز.
{لّيُنذِرَ} القرآن أو الرسول صلى الله عليه وسلم، ويؤيده قراءة نافع وابن عامر ويعقوب بالتاء.
{مَن كَانَ حَيًّا} عاقلًا فهما فإن الغافل كالميت، أو مؤمنًا في علم الله تعالى فإن الحياة الأبدية بالإِيمان، وتخصيص الإِنذار به لأنه المنتفع به.
{وَيَحِقَّ القول} وتجب كلمة العذاب.
{عَلَى الكافرين} المصرين على الكفر، وجعلهم في مقابلة من كان حيًا إشعارًا بأنهم لكفرهم وسقوط حجتهم وعدم تأملهم أموات في الحقيقة.
{أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا خَلَقْنَا لَهُم مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} مما تولينا إحداثه ولم يقدر على إحداثه غيرنا، وذكر الأيدي وإسناد العمل إليها استعارة تفيد مبالغة في الاختصاص، والتفرد بالإِحداث.
{أنعاما} خصها بالذكر لما فيها من بدائع الفطرة وكثرة المنافع.
{فَهُمْ لَهَا مالكون} متملكون لها بتمليكنا إياها، أو متمكنون من ضبطها والتصرف فيها بتسخيرنا إياها لهم قال:
أَصْبَحْتُ لاَ أَحْمِلُ السِّلاَحَ وَلا ** أَمْلِكُ رَأْسَ البَعِيرِ إِنْ نَفَرَا

{وذللناها لَهُمْ} وصيرناها منقادة لهم.
{فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ} مركوبهم، وقرئ: {ركوبتهم} وهي بمعناه كالحلوب والحلوبة، وقيل جمعه وركوبهم أي ذو ركوبهم أو فمن منافعها {رَكُوبُهُمْ}.
{وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ} أي ما يأكلون لحمه.
{وَلَهُمْ فِيهَا منافع} من الجلود والأصواف والأوبار.
{ومشارب} من اللبن جمع مشرب بمعنى الموضع، أو المصدر وأمال الشين ابن عامر وحده برواية هشام.
{أَفَلاَ يَشْكُرُونَ} نعم الله في ذلك إذ لولا خلقه لها وتذليله إياها كيف أمكن التوسل إلى تحصيل هذه المنافع المهمة.
{واتخذوا مِن دُونِ الله ءَالِهَةً} أشركوها به في العبادة بعد ما رأوا منه تلك القدرة الباهرة والنعم المتظاهرة، وعلموا أنه المتفرد بها.
{لَّعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ} رجاء أن ينصروهم فيما حزبهم من الأمور والأمر بالعكس لأنهم.
{لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ} لآلهتهم.
{جُندٌ مٌّحْضَرُونَ} معدون لحفظهم والذب عنهم، أو {مُحْضَرُونَ} أثرهم في النار.
{فَلاَ يَحْزُنكَ} فلا يهمنك، وقرئ بضم الياء من أحزن.
{قَوْلُهُمْ} في الله بالإِلحاد والشرك، أو فيك بالتكذيب والتهجين.
{إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} فنجازيهم عليه وكفى ذلك أن تتسلى به، وهو تعليل للنهي على الاستئناف ولذلك لو قرئ {أَنَاْ} بالفتح على حذف لام التعليل جاز.
{أَوَ لَمْ يَرَ الإنسان أَنَّا خلقناه مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ} تسلية ثانية بتهوين ما يقولونه بالنسبة إلى إنكارهم الحشر، وفيه تقبيح بليغ لإِنكاره حيث عجب منه وجعله إفراطًا في الخصومة بينا ومنافاة لجحود القدرة على ما هو أهون مما عمله في بدء خلقه، ومقابلة النعمة التي لا مزيد عليها وهي خلقه من أخس شيء وأمهنه شريفًا مكرمًا بالعقوق والتكذيب. روي أن أبي بن خلف أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعظم بال يفتته بيده وقال: أترى الله يحيي هذا بعد ما رم، فقال عليه الصلاة والسلام: «نعم ويبعثك ويدخلك النار فنزلت» وقيل معنى {فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ} فإذا هو بعد ما كان ماء مهينًا مميز منطيق قادر على الخصام معرب عما في نفسه.