فصل: قال نظام الدين النيسابوري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} أمرًا عجيبًا وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، أو تشبيهه بخلقه بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه.
{وَنَسِىَ خَلْقَهُ} خلقنا إياه.
{قَالَ مَن يُحيِيِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} منكرًا إياه مستبعدًا له، والرميم ما بلي من العظام، ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسمًا بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو بمعنى مفعول من رممته. وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء.
{قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها.
{وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها، فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو إحداث مثلها.
{الذي جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الأخضر} كالمرخ والعفار.
{نَارًا} بأن يسحق المرخ على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار.
{فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} لا تشكون فإنها نار تخرج منه، ومن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضًا فيبس وبلي، وقرئ من {الشجر الخضراء} على المعنى كقوله: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض} مع كبر جرمهما وعظم شأنهما.
{بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر والحقارة بالإِضافة إليهما، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وعن يعقوب {يقدر}.
{بلى} جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه.
{وَهُوَ الخلاق العليم} كثير المخلوقات والمعلومات.
{إِنَّمَا أَمْرُهُ} إِنَّمَا شأنه.
{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أي تكون.
{فَيَكُونُ} فهو يكون أي يحدث، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعًا لمادة الشبهة، وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق، ونصبه ابن عامر والكسائي عطفًا على {يِقُولُ}.
{فسبحان الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْءٍ} تنزيه عما ضربوا له، وتعجيب عما قالوا فيه معللًا بكونه مالكًا للأمر كله قادرًا على كل شيء.
{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وعد ووعيد للمقرين والمنكرين، وقرأ يعقوب بفتح التاء. وعن ابن عباس رضي الله عنه: كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا أنه بهذه الآية. وعنه عليه الصلاة والسلام «إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس، وأيما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفًا يصلون عليه ويستغفرون له، ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان، ويمكث في قبره وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان». اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري:

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (45)}.
التفسير: لما بين الآيات المذكورة حكى أنهم في غاية الجهالة ونهاية الضلالة، لا مثل العلماء الذين يتبعون البرهان، ولا كالعوام الذين يبنون أمورهم على الأحوط إذا أنذرهم منذر انتهوا عن ارتكاب المنهي خوفًا من تبعته وطمعًا في منفعته وإليه الإشارة بقوله: {لعلكم ترحمون} أي في ظنكم فإن الذي لا تفيده الآيات يقينًا فلا أقل من أن يحترز من العذاب ويرجو الثواب أخذًا بطريقة الاحتياط، ونظير الآية ما مرّ في أوّل سورة سبأ {أفلم يروا إلى ما بين أيديهم وما خلفهم من السماء والأرض} [الآية: 9] وعن مجاهد: اراد ما تقدّم من ذنوبكم وما تأخر. وعن قتادة: ما بين ايديكم من وقائع الأمم وما خلفكم أي من أمر الساعة. وقيل: ما بين أيديكم من أمر الساعة. وقيل: ما بين أيديكم الآخرة فإنهم مستقبلون لها، وما خلفكم الدنيا فإنهم تاركون لها. أو ما بين أيديكم من أمر محمد صلى الله عليه وسلم فإنه حاضر عندهم وما خلفكم من أمر فإنكم إذا اتقيتم تكذيب محمد لى الله عليه وسلم والحشر رحمكم الله. أو ما بين أيديكم من أنواع العذاب كالحرق والغرق المدلول عليه بقوله: {وإن نشأ نغرقهم} ما خلفكم الموت الطالب لكم يدل على قوله: {ومتاعًا إلى حين} وجواب إذا محذوف وهو لا يتقون أو يعرضون، يدل عليه ما بعده مع زيادة فائدة هي دابهم الإعراض عند كل آية. ويحتمل أن يكون قوله: {وما تأتيهم} متعلقًا بما قبله وهو قوله: {يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزئون}.
{وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا مانوا عنها معرضين} يعني إذا جاءتهم الرسل كذبوهم فإذا أتوا بالآيات أعرضوا عنها. وقوله: {الم يروا} إلى قوله: {لعلكم ترحمون} اعتراض. ثم أشار إلى أنهم كما يخلون بجانب التعظيم لأمر الله حيث قيل لهم اتقوا فلم يتقوا يخلون بجانب الشفقة على خلق الله ولا ينفقون إذا أمروا بالإنفاق على أنهم خوطبوا بأدنى الدرجات في التعظيم والإشفاق، فإن أدنى الانقياد الاتقاء من العذاب، وأدنى الإشفاق هو إنفاق بعض ما في التصرف من مال الله، فأين هم من معشر أقبلوا بالكلية على الله وبذلوا أموالهم وأنفسهم في سبيل الله؟ وفي قوله: {مما رزقكم الله} إشارة إلى أن الله تعالى قادر على إغناء الفقير وإعطائه ولكنه جعل الغني واسطة في الإنفاق على الفقير. فالسعيد من عرف حق التوسيط وانتهز فرصة الإمكان وعلم أن الإنفاق سبب للبركة في الحال ومجلبة للثواب في المآل. وقوله: {قال الذين كفروا} دون أن يقول قالوا تسجيل عليهم بالكفر. وقوله: {للذين آمنوا} مزيد تصوير لجهالتهم حين قالوا لهؤلاء الأشراف ما قالوا. وقوله: {أنطعم} دون أننفق إظهار لغاية خستهم فإن الإطعام أدون من الإنفاق ومن بخل بالأدون فهو بأن يبخل بالأكثر أولى.
وقوله: {من لو يشاء الله أطعمه} كلام في نفسه حسن لكنهم ذكروه في معرض الدفع فلهذا استوجبوا الذم وقد بين الله خطأهم بقوله: {مما رزقكم الله} فإن من في خزائنه مال وله في يد الغير مال فإنه مخير إن اراد أعطى زيدًا مما في خزائنه وإن شاء أعطاه مما في يد الغير وليس لذلك الغير أن يقول لم أحلته عليّ. وقوله: {إن أنتم إلا في ضلال مبين} بناء على ما اعتقدوه أن الأمر بالإنفاق ضائع، لأنه سعي في إبطال مشيئة الله ولم يعلموا أن الضلال لا يتعدّاهم ايه سلكوا، وذلك أنهم لم ينظروا إلى الأمر والطلب وبادروا إلى الاعتراض، والطاعة هي اتباع الأمر لا الاستكشاف عن الغرض والغاية. ومن جملة تعنتهم أنهم استبطؤا الموعود على التقاء والإنفاق قائلين {إن كنتم} أيها المدّعون للرسالة {صادقين} فأخبرونا متى يكون هذا الموعود به من الثواب والعقاب فأجابهم الله تعالى بقوله: {ما ينظرون إلا صيحة واحدة} كأنهم بالاستبطاء كانوا منتظرين شيئًا. وتنكير صيحة للتهويل ووصفها بواحدة تعظيم للصيحة وتحقير لشأنهم أي صيحة لا يحتاج معها إلى ثانية، وفي قوله: {تأخذهم} أي تعمهم بالأخذ مبالغة أخرى، وكذا في قوله: {وهم يخصمون} أي يشتغلون بمتاجرهم ومعاملاتهم وسائر ما يتخاصمون فيه ومع ذلك يصعقون. وقيل: تأخذهم وهم يختصمون في أمر البعث قائلين إنه لا يكون. ثم بالغ في شدّة الأخذ بقوله: {فلا يستطيعون توصية} وفي قوله: {لا يستطيعون} دون أن يقول فلا يوصون مبالغة لأن من لا يوصي قد يستطيعها، وكذلك في تنكير توصية الدال على التقليل، وكذا في نفس التوصية لأنها بالقول والقول يوجد أسرع من الفعل من أداء الواجبات وردّ المظالم، وقد تحصل التوصية بالإشارة فالعاجز عنها عاجز عن غيرها. وفي قوله: {ولا إلى أهلهم يرجعون} بيان لشدّة الحاجة إلى التوصية فإن الذي يقطع بعدم الوصول إلى أهله كان إلى الوصية أحوج. وفيه تنبيه على أن الميت لا رجوع له إلى الدنيا ولا اجتماع له بأهله مرة أخرى إلى حين يبعثون. ثم بين حال النفخة الثانية، والأجداث القبور والنسلان العدو. وكيف صارت النفختان مؤثرتين في أمرين متضادين الإماتة والإحياء؟ نقول: لا مؤثر إلا الله، والنفخ علامة على أن الصوت يوجد التزلزل وأنه قد يصير سببًا لافتراق الأجزاء المجتمعة تارة ولاجتماع المتفرقة أخرى. ثم إن أجزاء كل بدن قد تحصل في موضع هو بمنزلة جدثه، أو أعطى للأكثر حكم الكل. وذكر الرب في هذا الموضع للتخجيل فإن من أساء واضطر إلى الحضور عند من أحسن إليه كان أشدّ ألمًا وأكثر ندمًا. وقوله: {ينسلون} لا ينافي قوله في موضع آخر {فإذا هم قيام ينظرون} [الزمر: 68] فلعل ذلك في أول الحالة ثم يحصل لهم سرعة المشي من غير اختيارهم. ويمكن أن يقال: إن هيئة الانتظار ليست بمنافاة للمشي بل مؤكدة له ومعينة عليه. وفي إذا المفاجأة إشارة إلى أن الإحياء والتركيب والقيام والعدو كلها تقع في زمان النفخ.
ثم بين أنهم قبل النسلان {قالوا يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا} كأنهم شكوا في أنهم كانوا موتى فبعثوا أو كانوا نيامًا فتنبهوا فجمعوا في السؤال بين الأمرين: البعث والمرقد. عن مجاهد: للكفار. هجعة يجدون فيها طعم النوم فإذا صيح بأهل القبور قالوا ذلك، ثم أجابهم الملائكة في رواية ابن عباس، والمتقون على قول الحسن {هذا ما وعد الرحمن} كأنه قيل: ليس بالبعث الذي عرفتموه وهو بعث النائم من مرقده حتى يهمكم السؤال عن الباعث أن هذا هو البعث الأكبر الذي وعده الرحمن في كتبه المنزلة على لسان رسله الصادقين. والظاهر أن {هذا} مبتدأ {وما وعد الرحمن} إلى آخره خبره، و ما مصدرية أي هذا وعد الرحمن وصدق المرسلين على تسمية الموعود والمصدوق فيه بالمصدر. ويجوز أن يكون ما موصولة أي هذا الذي وعده الرحمن وصدقه المرسلون أي صدقوا فيه. وجوّز جار الله أن يكون {هذا} صفة للمرقد و{ما وعد} خبر مبتدأ محذوف أي هذا وعد الرحمن، أو مبتدأ محذوف الخبر أي ما وعده الرحمن وصدقه المرسلون حق عليكم. وقيل: إن قوله: {هذا ما وعد الرحمن} من كلام الكافرين كأنهم تذكروا ماسمعوا من الرسل فأجابوا به انفسهم، أو أجاب بعضهم بعضًا، ثم عظم شأن الصيحة بالنسبة إلى المكلفين وحقر أمرها بالإضافة إلى الجبار قائلًا {إن كانت إلا صيحة} الآية. وقد مر نظيره. ثم بين ما يكون في ذلك اليوم قائلًا {فاليوم لا تظلم نفس شيئًا ولا تجزون} أيها الكافرون {إلا ما كنتم تعملون} وفيه إشارة إلى أن عدله عام وفضله خاص بأهل الإيمان وفيه أنهم إذا جمعوا لم يجمعوا إلا للعدل أو الفضل فالفاء فيه كما في قول القائل للوالي أو للقاضي: جلست للعدل فلا تظلم. أي ذلك يقتضي هذا ويستعقبه. وقوله: {ما كنتم تعملون} إشارة إلى عدم الزيادة فإن الشيء لا يزيد على عينه كقولك: فلان يجازيني حرفًا بحرف. أي لا يترك شيئًا. ويجوز أن يراد الجنس أيّ لا تجزون إلا جنس العمل حسنًا أو سيئًا. ثم فصل حال المحسنين بطريق الحكاية في ذلك اليوم تصويرًا للموعود وترغيبًا فيه فقال: {إن أصحاب الجنة اليوم في شغل} لا يكتنه كنهه وفيه وجوه أقواها أنهم مشغولون عن هول ذلك اليوم بما لهم من الكرامات والدرجات. وقوله: {فاكهون} مؤكد لذلك المعنى أي شغلوا عنه باللذة والسرور با بالويل والثبور.
وثانيها أنه بيان لحالهم ولا يريد أنهم شغلوا عن شيء بل المراد أنهم في عمل، ثم بين عملهم بأنه ليس بشاق بل هو ملذ محبوب. وثالثها أنهم تصوروا في الدنيا أمورًا يطلبونها في الجنة فإذا رأوا فيها ما لم يخطر ببالهم اشتغلوا به عنها. وعن ابن عباس أن الشغل افتضاض الأبكار أو ضرب الأوتار. وقيل: التزاور. وقيل: ضيافة الله. وعن الكلبي: هم في شغل عن أهاليهم من أهل النار لا يهمهم أمرهم لئلا يدخل عليهم تنغيص من تنعمهم. والفاكه والفكه المتنعم المتلذذ ومنه الفاكهة لأنها تؤكل للتلذذ لا للتغذي والفكاهة الحديث لأجل التلذذ لا للضرورة. والأزواج ظاهرها زوج المرأة وزوجة الرجل. وقيل: أراد اشكالهم في الأحساب وأمثالهم في الإيمان كقوله: {وآخر من شكله أزواج} [ص: 58] قال أهل العرفان: من شرائط السماع الزمان والمكان والإخوان فقوله: {هم وأزواجهم في ظلال} إشارة إلى عدم الوجوه الموحشة وأن لهم في ظل الله ما يمنع الإيذاء كقوله: {لا يرون فيها شمسًا ولا زمهريرًا} [الدهر: 13] وقوله: {على الأرائك متكئون} دليل على القوة والفراغة والتمكن من أنواع الملاذ. وقوله: {لهم فيها فاكهة} إشارة إلى سائر أنواع الملاذ الزائدة على قدر الضرورة.
وقوله: {ولهم ما يدّعون} إشارة إلى دفع جميع حوائجهم وما يخطر ببالهم. قال الزجاج: هو افتعل من الدعاء أي ما يدعونه أهل الجنة يأتيهم. وقال جار الله: هو للاتخاذ اي ما يدعون به أو ما يدعون به أو ما يدعون لأنفسهم كقولك: يشتوي. أي اتخذ لنفسه شواء. أو هو بمعنى التداعي. وعلى الوجهين إما أن يراد كل ما يدعو به الله أحد أو كل ما يطلبه من صاحبه فإنه يجاب له بذلك، أو يراد أن كل ما يصح أن يدعى به ويطلب فهو حاصل لهم قبل الطلب. وقيل: معناه يتمنون من قولهم: ادّع عليّ ما شئت أي تمنه عليّ. وقيل: هو من الدعوى وذلك أنهم كانوا يدّعون في الدنيا أن الله هو مولاهم وأن الكافرين لا مولى لهم بينه قوله: {سلام} يقال لهم {قولًا من رب رحيم} أي من جهته بواسطة الملائكة. وقيل: اراد لهم ما يدّعون سالم خالص لا شوب فيه. و{قولًا} اي عدة وعلى هذا يكون قوله: {لهم} للبيان و{ما يدعون سلام} مبتدأ وخبر كقولك: لزيد الشرف متوفر. وقال بعضهم: يحتمل أن يكون {قولًا} نصبًا على التمييز لأن السلام من الملك قد يكون قولًا وقد يكون إشارة. وقال أهل البيان قوله: {وامتازوا} معطوف على المعنى كأنه قيل: دوموا أيها المؤمنون في النعيم وامتازوا اليوم أيها المجرمون. أو قلنا لأهل الجنة: إنكم في شغل وقلنا لأهل النار: امتازوا وهو كقوله: {فريق في الجنة وفريق في السعير} [الشورى: 7] أو تميزوا في أنفسكم غيظًا وحنقًا فلا دواء لألمكم ولا شفاء لسقمكم كقوله في صفة جهنم {تكاد تميز من الغيظ} [الملك: 8] أو افترقوا خلاف ما للمؤمن من الاجتماع بالإخوان فلا عذاب كفرقة الأخدان يؤيده ما روي عن الضحاك: لكل كافر بيت من النار يكون فيه لا يرى ولا يُرى. وعن قتادة: اراد اعتزلوا عن كل خير ترجون، أو امتازوا عن شفعائكم وقرنائكم. أو المراد تميزهم بسواد الوجه وزرقة العين وبأخذ الكتاب بالشمال وبخفة الميزان وغير ذلك. وقال صاحب المفتاح: قوله: {إن أصحاب الجنة} إلى آخر الآيات خطاب لأهل المحشر بدلالة الفاء في قوله: {فاليوم لا تظلم} بعد قوله: {إن كانت إلا صيحة} وقد جاء في التفاسير أن قوله: {إن أصحاب الجنة} إنما يقال حين يسار بهم إلى الجنة فيؤل معنى الكلام إلى قول القائل إن اصحاب الجنة منكم يا أهل المحشر يؤل حالهم إلى أسعد حال فليمتازوا عنكم إلى الجنة، وامتازوا أنتم عنهم أيها المجرمون. ثم كان لسائل أن يقول: إن الإنسان خلق ظلومًا جهولًا والجهل عذر فبين الله تعالى أن الأعذار زائلة قائلًا {ألم أعهد إليكم} والآية إلى قوله: {أفلم تكونوا تعقلون} شبه اعتراض، فيه توبيخ لأهل النار وما ذلك العهد عن بعضهم أنه الذي مر ذكره في قوله: {ولقد عهدنا إلى آدم من قبل} [طه: 115] وقيل: هو المذكور في قوله: {وإذ خذ ربك من بني آدم من ظهورهم} [الأعراف: 172] وقيل: هو المبين على لسان الرسل. ومعنى {لا تعبدوا} لا تطيعوا ولا تنقادوا وسوسته وتزيينه. وقوله: {هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من مخالفته الشيطان وعبادة الرحمن. قال أهل المعاني: التنوين في قوله: {صراط} للتعظيم إذ لا صراط أقوم منه، أو للتنويع اي هذا بعض الطرق المستقيمة، ففيه توبيخ لهم على العدول عنه كما يقول الرجل لولده وقد نصحه النصح البالغ: هذا فيما أظن قول نافع غير ضار. وفي ذكر الصراط هاهنا إشارة إلى أن الإنسان في دار التكليف مسافر والمجتاز في بادية يخاف فيها على نفسه وماله لا يكون عنده شيء أهم من معرفة طريق قريب أمن. ثم بين لهم عدواة الشيطان بقوله: {ولقد أضل منكم جبلًا} وهو في لغاته كلها بمعنى الخلق من جبله الله على كذا أي طبعه عليه. عن علي رضي الله عنه أنه قرأ {جيلًا} بياء منقوطة من تحت بنقطتين. ثم أشار إلى محل امتياز المجرمين إليه بقوله: {هذه جهنم} وقوله: {اصلوها} أمر إهانة وتنكيل نحو ذق. وفي قوله: {اليوم} إشارة إلى أن اللذات قد مضت وأيامها قد انقضت وليس بعد ذلك إلا العقاب. روى أهل التفسير أنهم يجحدون يوم القيامة كفرهم في الدنيا فحينئذ يختم على أفواههم وتتكلم جوارحهم. وفي الحديث «يقول العبد يوم القيامة إني لا أجيز شاهدًا إلا من نفسي فيختم على فيه ويقال لأركانه: انطقي فتنطق بأعماله ثم يُخلى بينه وبين الكلام فيقول بعد الكنّ وسحقًا فعنكن كنت أناضل».