فصل: قال ابن عطية في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {وأزواجهم}.
معناه وأنواعهم وضرباؤهم، قاله عمر بن الخطاب رضي الله عنه وابن عباس وقتادة ومنه قوله تعالى: {وكنتم أزواجًا ثلاثة} [الواقعة: 7]، وقوله تعالى: {وإذا النفوس زوجت} [التكوير: 7] أي نوعت، وروي أنه يضم عند هذا الأمر كل شكل وصاحبه من الكفرة إلى شكله وصاحبه ومعهم {ما كانوا يعبدون من دون الله} من آدمي رضي بذلك ومن صنم ووثن توبيخًا لهم وإظهارًا لسوء حالهم، وقال الحسن: المعنى وأزواجهم المشركات من النساء وروي ذلك عن ابن عباس ورجحه الرماني، وقوله تعالى: {فاهدوهم}. معناه قوموهم واجعلوهم على طريق الجحيم، و{الجحيم} طبقة من طبقات جهنم يقال إنها الرابعة، ثم يأمر تعالى بوقفهم، و وقف يتعدى بنفسه تقول وقفت ووقفت زيدًا، وأمره بذلك على جهة التوبيخ لهم والسؤال واختلف الناس في الشيء الذي يسألون عنه فروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يسألون هل يحبون شرب الماء البارد، وهذا على طريق الهزء بهم، وقال ابن عباس: يُسألون عن لا إله إلا الله، وقال جمهور المفسرين: يُسألون عن أعمالهم ويوقفون على قبحها.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول متجه عام في الهزء وغيره وروى أنس بن مالك عن النبي عليه السلام أنه قال «إيما رجل دعا رجلًا إلى شيء كان لازمًا له»، وقرأ {وقفوهم إنهم مسؤولون} وروى ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تزول قدمًا عبد من بين يدي الله تعالى حتى يسأله عن خمس، عن شبابه فيما أبلاه، وعن عمره فيما أفناه، وعن ماله فيما أنفقه، وكيف كسبه، وعما عمل فيما علم» ويحتمل عندي أن يكون المعنى على نحو ما فسره بقوله: {ما لكم لا تناصرون} أي أنكم مسؤولون عن امتناعهم عن التناصر، وهذا على جهة التوبيخ في هذا الفصل خاصة أعني الامتناع من التناصر، وقرأ {تناصرون} بتاء واحدة خفيفة، شيبة ونافع، وقرأ خلق {لا تتناصرون} وكذلك في حرف عبد الله، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {لا تناصرون} بإدغام التاء من قراءة عبد الله بن مسعود وقال الثعلبي قوله: {ما لكم لا تناصرون} جواب أبي جهل حين قال في بدر نحن جميع منتصر، ثم أخبر تعالى عن أنهم في ذلك اليوم في حلة الاستسلام والإلقاء باليد.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27)}.
هذه الجماعة التي يقبل بعضها على بعض هي إنس وجن، قاله قتادة، وتساؤلهم هو على معنى التقريع واللوم والتسخط، والقائلون {إنكم كنتم تأتونا عن اليمين} إما أن يكون الإنس يقولونها للشياطين وهذا قول مجاهد وابن زيد، وإما أن يكون ضعفة الإنس يقولونها للكبراء والقادة، واضطرب المتأولون في معنى قولهم {عن اليمين} وعبر ابن زيد وغيره عنه بطريقة الجنة والخير ونحو هذا من العبارات التي هي تفسير بالمعنى لا تختص باللفظة وبعضهم أيضًا نحا في تفسير الآية إلى ما يخصها، والذي يتحصل من ذلك معان منها أن يريد ب {اليمين} القوة والشدة فكأنهم قالوا إنكم كنتم تغووننا بقوة منكم وتحملوننا على طريق الضلالة بمتابعة منكم في شدة فعبر عن هذا المعنى ب {اليمين} كما قالت العرب بيدين ما أورد، وكما قالوا اليد في غير موضع عن القوة، وقد ذهب بعض الناس ببيت الشماخ هذا المذهب وهو قوله: الوافر:
إذا ما راية رفعت لمجد ** تلقاها عرابة باليمين

فقالوا معناه بقوة وعزمة، وإلا فكل أحد كان يتلقاها بيمينه، لو كانت الجارحة، وأيضًا فإنما استعار الراية للمجد فكذلك لم يرد باليمين الجارحة، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا {إنكم كنتم تأتوننا} من الجهة التي يحسنها تمويهكم وإغواؤكم ويظهر فيها أنها جهة الرشد والصواب، فتصير عندنا كاليمين التي بيمين السانح الذي يجيء من قبلها.
قال القاضي أبو محمد: فكأنهم شبهوا أقوال هؤلاء المغوين بالسوانح التي هي عندهم محمودة، كأن التمويه في هذه الغوايات قد أظهر فيها ما يوشك أن يحمد به، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا إنكم كنتم تأتوننا أي تقطعون بنا عن أخبار الخير واليمن معبر عنها ب {اليمين} إذ اليمين هي الجهة التي يتيمن بكل ما كان منها وفيها، ومن المعاني التي تحتملها الآية أن يريدوا أنكم كنتم تجيئون من جهة الشهوات وعدم النظر، والجهة الثقيلة من الإنسان وهي جهة اليمين منه لأن كبده فيها، وجهة شماله فيها قلبه وهي أخف، وهذا معنى قول الشاعر:
تركنا لهم شق الشمال

أي زلنا لهم عن طريق الهروب، لأن المنهزم إنما يرجع على شقه الأيسر إذ هو أخف شقيه، وإذا قلب الإنسان في شماله وثم نظره فكأنه هؤلاء كأنوا يأتون من جهة الشهوات والثقل.
قال القاضي أبو محمد: وأكثر ما يتمكن هذا التأويل مع إغواء الشياطين وهو قلق مع إغواء بني آدم، وقيل المعنى تحلفون لنا وتأتوننا إتيان من إذا حلف صدقناه.
قال القاضي أبو محمد: فاليمين على هذا القسم، وقد ذهب بعض الناس في ذكر إبليس جهات بني آدم في قوله: {من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم} [الأعراف: 17] إلى ما ذكرناه من جهة الشهوات فقال ما بين يديه هي مغالطته فيما يراه، وما خلفه هو ما يسارق فيه الخفاء، وعن يمينه هو جانب شهواته، وعن شماله هو موضع نظره بقلبه وتحرزه فقد يغلبه الشيطان فيه، وهذا فيمن جعل هذا في جهات ابن آدم الخاصة بيديه، ومن الناس من جعلها في جهات أموره وشؤونه فيتسع التأويل على هذا، ثم أخبر تعالى عن قول الجن المجيبين لهؤلاء {بل لم كونوا مؤمنين} أي ليس الأمر كما ذكرتم بل كان لكم اكتساب الكفر به والبصيرة فيه وإنما نحن حملنا عليه أنفسنا وما كان لنا عليكم حجة ولا قوة إلا طغيانكم وإرادتكم الكفر فقد حق القول على جميعنا وتعين العذاب لنا وإنا جميعًا {لذائقون} والذوق هنا مستعار وبنحو هذا فسر قتادة وغيره أنه قول الجن إلى {غاوين} ثم أخبر تعالى عن أنهم اشتركوا جميعًا في العذاب وحصل كلهم فيه وأن هذا فعله بأهل الجرم واحتقاب الإثم والكفر.
{إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35)}.
هؤلاء أهل الجرم الذين جهلوا الله تعالى، وعظموا أصنامًا وأوثانًا ف {إذا قيل لهم لا إله إلا الله} وهي كلمة الحق والعروة الوثقى أصابهم كبر وعظم عليهم أن يتركوا أصنامهم وأصنام آبائهم، ونحو هذا كان فعل أبي طالب حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أي عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله» فقال أبو جهل: أترغب عن ملة عبد المطلب، فقال آخر ما قال: أنا على ملة عبد المطلب، وبعرض قول {لا إله إلا الله} جرت السنة في تلقين الموتى المحتضرين ليخالفوا الكفرة ويخضعوا لها، وأما الطائفة التي قالت {أئنا لتاركو الهتنا لشاعر مجنون} فهي من قريش، وإشارتهم بالشاعر المجنون هي إلى محمد صلى الله عليه وسلم فرد الله تعالى عليهم أي ليس الأمر كما قالوا من أنه شاعر {بل جاء بالحق} من عند الله وصدق الرسل المتقدمة له كموسى وعيسى وإبراهيم وغيرهم عليهم الصلاة والسلام، ثم أخبر تعالى مخاطبًا لهم ويجوز أن يكون التأويل قل لهم يا محمد {إنكم لذائقو العذاب الأليم} وقرأ قوم {لذائقو العذابَ} نصبًا ووجهها أنه أراد لذائقون فحذف النون تخفيفًا وهي قراءة قد لحنت، وقرأ أبو السمال {لذائقٌ} بالتنوين {العذابَ} نصبًا، و{الأليم} المؤلم، ثم أعلمهم أن ذلك جزاء لهم بأعمالهم واكتسابهم، ثم استثنى عباد الله استثناء منقطعًا وهم المؤمنون الذين أخلصهم الله تعالى لنفسه، وقرأ الجمهور {المخلَصين} بفتح اللام، وقرأ الحسن وقتادة وأبو رجاء وأبو عمرو بكسر اللام، وقد رويت هذه التي في الصافات عن الحسن بفتح اللام.
{أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41)}.
{أولئك} إشارة إلى العباد المخلصين، وقوله تعالى: {معلوم} معناه عندهم فقد قرت عيونهم بعلم ما يستدر عليهم من الرزق وبأن شهواتهم تأتيهم لحينها، وإلا فلو كان ذلك معلومًا عند الله تعالى فقط لما تخصص أهل المدينة بشيء وقوله: {وهم مكرمون} تتميم بليغ للنعيم لأنه رب مرزوق غير مكرم، وذلك أعظم التنكيد، و{السرر} جمع سرير، وقرأ أبو السمال {على سرَر} بفتح الراء الأولى، وفي هذا التقابل حديث مروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في أحيان «وترفع عنهم ستور فينظر بعضهم إلى بعض، ولا محالة أن بعض أحيانهم فيها متخيرون في قصورهم» و{يطاف} معناه يطوف الوالدان حسبما فسرته آية أخرى، و{الكأس} قال الزجاج والطبري وغيرهما: هو الإناء الذي فيه خمر أو ما يجري مجراه من الأنبذة ونحوها، ولا تسمى كأسًا إلا وفيها هذا المشروب المذكور، وقال الضحاك: كل كأس في القرآن فهو خمر، وذهب بعض الناس إلى أن الكأس آنية مخصوصة في الأواني وهو كل ما اتسع فمه ولم يكن له مقبض، ولا يراعى في ذلك كونه بخمر أم لا، وقوله تعالى: {من معين} يريد من جار مطرد، فالميم في {معين} أصلية لأنه من الماء المعين، ويحتمل أن يكون من العين فتكون الميم زائدة أي مما يعين بالعين مستور ولا في خزن، وخمر الدنيا إنما هي معصورة مختزنة، وخمر الآخرة جارية أنهارًا، وقوله: {بيضاء} يحتمل أن يعود على الكأس ويحتمل أن يعود على الخمر وهو الأظهر، وقال الحسن بن أبي الحسن: خمر الجنة أشد بياضًا من اللبن، وفي قراءة عبد الله بن مسعود {صفراء} فهذا موصوف به الخمر وحدها، وقوله تعالى: {لذة} أي ذات لذة فوصفها بالمصدر اتساعًا، وقد استعمل هذا حتى قيل لذ بمعنى لذيذ، ومنه قول الشاعر: الكامل:
بحديثك اللذ الذي لو كلّمت ** أسد الفلاة به أتين سراعا

وقوله: {ولا فيها غول} لم تعمل {لا} لأن الظرف حال بينها وبين ما شأن التبرية أن تعمل فيه و{الغول} اسم عام في الأذى، يقال غاله كذا إذا أضره في خفاء، ومنه الغيلة في القتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الرضاع «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة» ومن اللفظة قول الشاعر: الطويل:
مضى أولونا ناعمين بعيشهم ** جميعًا وغالتني بمكة غول

أي عاقتني عوائق، فهذا معنى من معاني الغول، ومنه قول العرب، في مثل من الأمثال، ماله غيل ما أغاله يضرب للرجل الحديد الذي لا يقوم لأمر إلا أغنى فيه، أو الرجل يدعى له بأن يؤذي ما آذاه، وقال ابن عباس ومجاهد وابن زيد في الآية {الغول} وجع في البطن، وقال ابن عباس أيضًا وقتادة: هو صداع في الرأس.
قال القاضي أبو محمد: والاسم أعم من هذا كله فنفى عن خمر الجنة جميع أنواع الأذى إذا هي موجودة في خمر الدنيا، نحا إلى هذا العموم سعيد بن جبير، ومنه قول الشاعر: المتقارب:
وما زالت الخمر تغتالنا ** وتذهب بالأول الأول

أي تؤذينا بذهاب العقل، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر {ينزَفون} بفتح الزاي وكذلك في سورة الواقعة من قوله نزف الرجل إذا سكر ونزفته الخمر، والنزيف السكران ومنه قول الشاعر جميل بن معمر: الكامل:
فلثمت فاها آخذًا بقرونها ** شرب النزيف لبرد ماء الحشرج

وبذهاب العقل فسر ابن عباس وقتادة {ينزفون} وقرأ حمزة والكسائي {ينزِفون} بكسر الزاي وكذلك في الواقعة من أنزف ينزف ويقال أنزف بمعنيين أحدها سكر ومنه قال الأبيرد الرياحي. الطويل:
لعمري لئن أنزفتمُ أو صحوتمُ ** لبيس الندامى أنتمُ آل أبجرا

والثاني: نزف شرابه يقال أنزف الرجل إذا تمّ شرابه فهذا كله منفي عن أهل الجنة، وقرأ عاصم هنا بفتح الزاي وفي الواقعة بكسر الزاي، وقرأ ابن أبي إسحاق {يَنزِفون} بفتح الياء وكسر الزاي، و{قاصرات الطرف} قال ابن عباس ومجاهد وابن زيد وقتادة على أزواجهن أي لا ينظرن إلى غيرهم ولا يمتد طرف إحداهن إلى أجنبي، فهذا هو قصر الطرف، و{عين} جمع عيناء وهي الكبيرة العينين في جمال، وأما قوله: {كأنهن بيض مكنون} فاختلف الناس في الشيء المشبه به ما هو، فقال السدي وابن جبير شبه ألوانهن بلون قشر البيضة من النعام وزهو بياض قد خالطته صفرة حسنة، قالوا: و{البيض} نفسه في الأغلب هو المكنون بالريش ومتى شدت به حال فلم يكن مكنونًا خرج عن أن يشبه به، وهذا قول الحسن وابن زيد، ومنه قول امرىء القيس الطويل:
كبكر مقاناة البياض بصفرة ** غذاها نمير المال غير محلل

وهذه المعنى كثير في أشعار العرب، وقال ابن عباس فيما حكى الطبري، {البيض المكنون} أراد به الجوهر المصون.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يصح عندي عن ابن عباس لأنه يرده اللفظ من الآية، وقالت فرقة إنما شبههن تعالى ب {البيض المكنون} تشبيهًا عامًا جملة المرأة بجملة البيضة وأراد بذلك تناسب أجزاء المرأة وأن كل جزاء منها نسبته في الجودة إلى نوعه نسبة الآخر من أجزائه إلى نوعه فنسبة شعرها إلى عينها مستوية إذ هما غاية في نوعهما، والبيضة أشد الأشياء تناسب أجزاء، لأنك من حيث جئتها فالنظر فيها واحد. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{وَقَالُوا يَا وَيْلَنَا هَذَا يَوْمُ الدِّينِ (20)}.
قوله: {وَقَالُواْ ياويلنا} أي: قال أولئك المبعوثون لما عاينوا البعث الذي كانوا يكذبون به في الدنيا: يا ويلنا، دعوا بالويل على أنفسهم.
قال الزجاج: الويل كلمة يقولها القائل وقت الهلكة، وقال الفراء: إن أصله: يا وي لنا، ووي بمعنى: الحزن كأنه قال: يا حزن لنا.
قال النحاس: ولو كان كما قال لكان منفصلًا، وهو في المصحف متصل، ولا نعلم أحدًا يكتبه إلا متصلًا، وجملة {هذا يَوْمُ الدين} تعليل لدعائهم بالويل على أنفسهم، والدين: الجزاء، فكأنهم قالوا: هذا اليوم الذي نجازى فيه بأعمالنا من الكفر، والتكذيب للرسل، فأجاب عليهم الملائكة بقولهم: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} ويجوز أن يكون هذا من قول بعضهم لبعض، والفصل: الحكم، والقضاء؛ لأنه يفصل فيه بين المحسن، والمسيء.
وقوله: {احشروا الذين ظَلَمُواْ وأزواجهم} هو أمر من الله سبحانه للملائكة بأن يحشروا المشركين، وأزواجهم، وهم: أشباههم في الشرك، والمتابعون لهم في الكفر، والمشايعون لهم في تكذيب الرسل، كذا قال قتادة، وأبو العالية.
وقال الحسن، ومجاهد: المراد بأزواجهم: نساؤهم المشركات الموافقات لهم على الكفر، والظلم.
وقال الضحاك: أزواجهم قرناؤهم من الشياطين يحشر كلّ كافر مع شيطانه، وبه قال مقاتل {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الأصنام، والشياطين، وهذا العموم المستفاد من {ما} الموصولة، فإنها عبارة عن المعبودين، لا عن العابدين، كما قيل- مخصوص؛ لأن من طوائف الكفار من عبد المسيح، ومنهم من عبد الملائكة، فيخرجون بقوله: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101]، ووجه حشر الأصنام مع كونها جمادات لا تعقل هو زيادة التبكيت لعابديها، وتخجيلهم، وإظهار أنها لا تنفع، ولا تضرّ.
{فاهدوهم إلى صراط الجحيم} أي: عرّفوا هؤلاء المحشورين طريق النار، وسوقوهم إليها، يقال: هديته الطريق، وهديته إليها، أي: دللته عليها، وفي هذا تهكم بهم.
{وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} أي: احبسوهم، يقال: وقفت الدابة أقفها وقفًا، فوقفت هي وقوفًا يتعدّى، ولا يتعدّى، وهذا الحبس لهم يكون قبل السوق إلى جهنم، أي: وقفوهم للحساب، ثم سوقوهم إلى النار بعد ذلك، وجملة {إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} تعليل للجملة الأولى.
قال الكلبي: أي: مسئولون عن أعمالهم وأقوالهم وأفعالهم.
وقال الضحاك: عن خطاياهم، وقيل: عن لا إله إلاّ الله، وقيل: عن ظلم العباد، وقيل: هذا السؤال هو المذكور بعد هذا بقوله: {مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} أي: أيّ شيء لكم لا ينصر بعضكم بعضًا كما كنتم في الدنيا، وهذا توبيخ لهم، وتقريع وتهكم بهم، وأصله تتناصرون، فطرحت إحدى التاءين تخفيفًا.
قرأ الجمهور {إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} بكسر الهمزة، وقرأ عيسى بن عمر بفتحها.
قال الكسائي: أي: لأنهم، أو بأنهم، وقيل: الإشارة بقوله: {مَا لَكُمْ لاَ تناصرون} إلى قول أبي جهل يوم بدر: {نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ} [القمر: 44].
ثم أضرب سبحانه عما تقدّم إلى بيان الحالة التي هم عليها هنالك، فقال: {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} أي: منقادون لعجزهم عن الحيلة.
قال قتادة: مستسلمون في عذاب الله.
وقال الأخفش: ملقون بأيديهم، يقال: استسلم للشيء: إذا انقاد له وخضع.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي: أقبل بعض الكفار على بعض يتساءلون.
قيل: هم الأتباع، والرّؤساء يسأل بعضهم بعضًا سؤال توبيخ وتقريع ومخاصمة.
وقال مجاهد: هو قول الكفار للشياطين.
وقال قتادة: هو قول الإنس للجنّ، والأوّل أولى لقوله: {قَالُواْ إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي: كنتم تأتوننا في الدنيا عن اليمين، أي: من جهة الحقّ، والدين، والطاعة، وتصدّونا عنها.
قال الزجاج: كنتم تأتوننا من قبل الدين، فتروننا أن الدين، والحق ما تضلوننا به، واليمين عبارة عن الحق، وهذا كقوله تعالى إخبارًا عن إبليس {ثُمَّ لآتِيَنَّهُم مّن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أيمانهم} [الأعراف: 17] قال الواحدي: قال أهل المعاني: إن الرّؤساء كانوا قد حلفوا لهؤلاء الأتباع أن ما يدعونهم إليه هو الحق، فوثقوا بأيمانهم: فمعنى {تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي: من ناحية الأيمان التي كنتم تحلفونها، فوثقنا بها.