فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66)}.
{فَإِنَّهُمْ لآَكِلُونَ مِنْهَا} تفريع على جعلها فتنة أي محنة وعذابًا للظالمين، وضمير المؤنث للشجرة، ومن ابتدائية أو تبعيضية وهناك مضاف مقدر أي من طلعها، وقيل: من تبعيضية والضمير للطلع وأنث لإضافته إلى المؤنث أو لتأويله بالثمرة أو للشجرة على التجوز، ولا يخلو كل عن بعد ما {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} لغلبة الجوع وإن كرهوها أو للقسر على أكلها.
{ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا} أي على الشجرة التي ملؤا منها بطونهم {لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ} أي لشرابًا مموجًا بماء شديد الحرارة وهذا الشراب هو الغساق أي ما يقطر من جراح أهل النار وجلودهم، وقيل: هذا هو الصديد وأما الغساق فعين في النار تسيل إليها سموم الحيات والعقارب أو دموع الكفرة فيها، وشربهم ذلك لغلبة عطشهم بما أكلوا من الشجرة فإذا شربوا تقطعت أمعاؤهم.
وقرىء {لَشَوْبًا} بضم الشين وهو اسم لما يشاب به، وعلى الأول هو مصدر سمي به، وكلمة ثم قيل للتراخي الزماني وذلك أنه بعد أن يملؤا البطون من تلك الشجرة يعطشون ويؤخر سقيهم زمانًا ليزداد عطشهم فيزداد عذابهم.
واعترض بأنه يأباه عطف الشرب بالفاء في قوله تعالى: {فَمَالِئَونَ مِنْهَا البطون فشاربون عَلَيْهِ مِنَ الحميم} [الواقعة: 53، 54] فلابد من عدم توسط زمان.
وأجيب بأنه يجوز أن يكون شرب الشراب الممزوج بالحميم متأخرًا بزمان عن ملئهم البطون دون شرب الحميم وحده، وكذا يجوز أن يكون الحال مختلفًا فتارة يتآخر الشرب مطلقًا زمانًا وأخرى لا يتأخر كذلك، وقال بعضهم: ملؤهم البطون أمر ممتد فباعتبار ابتدائه يعطف بثم وباعتبار انتهائه بالفاء.
وجوز كون ثم للتراخي الرتبي لأن شرابهم أشنع من مأكولهم بكثير، وعطف ملئهم البطون بالفاء لأنه يعقب ما قبله، ولا يحسن فيه اعتبار التفاوت الرتبي حسنه في شرب الشراب المشوب بالحميم مع الأكل.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ (68)}.
{ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} أي مصيرهم، وقد قرئ كذلك، وقرئ أيضًا {ثُمَّ إِنَّ} {مَرْجِعَهُمْ لإِلَى الجحيم} أي إلى مقرهم من النار فإن في جهنم مواضع أعد في كل موضع منها نوع من البلاء فالقوم يخرجون من محل قرارهم حيث تأجج النار ويساقون إلى موضع آخر مما دارت عليه جهنم فيه ذلك الشراب ليردوه ويسقوا منه ثم يردون إلى محلهم كما تخرج الدواب إلى مواضع الماء في البلد مثلًا لترده ثم ترد إلى محلها، وإلى هذا المعنى أشار قتادة ثم تلا قوله تعالى: {هذه جَهَنَّمُ التي يُكَذّبُ بِهَا المجرمون يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آن} [الرحمن: 43، 44] [الرحمن: 34، 44] ويؤيده قراءة ابن مسعود {ثُمَّ إِنَّ} إذ الانقلاب أظهر في الرد أو المراد ثم إن مرجعهم إلى دركات الجحيم فهم يرددون في الجحيم من مكان إلى آخر أدنى منه، وقيل: إن الشراب يقدم إليهم قبل دخول النار فيشربون ويصيرون إلى الجحيم، وهذا يحتاج إلى توقيف وإلا فهو خلاف الظاهر، وكأن بين خروج القوم للشرب وعودهم إلى مساكنهم زمانًا غير يسير يتجرعون فيه ذلك الشراب ولذا جيء بثم، وهذا الشراب في مقابلة ما لأهل الجنة من الشراب المدلول عليه بقوله تعالى: {يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مّن مَّعِينٍ بَيْضَاء لَذَّةٍ للشاربين} [الصافات 45، 46] الخ كما أن الزقوم في مقابلة ما لهم من الفواكه.
وقد جاء عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لو أن قطرة من زقوم جهنم أنزلت إلى الأرض لأفسدت على الناس معايشهم أخرجه ابن أبي شيبة فكيف بمن هو طعامه وشرابه الغساق والصديد مع الحميم، نسأل الله تعالى رضاه والجنة ونعوذ به عز وجل من غضبه والنار.
وقوله سحبانه:
{إِنَّهُمْ أَلْفَوْاْ ءابَاءهُمْ ضَالّينَ فَهُمْ على ءاثَارِهِمْ يُهْرَعُونَ} تعليل لاستحقاقهم ما ذكر من فنون العذاب بتقليد الآباء في أصول الدين من غير أن يكون لهم ولا لآبائهم شيء يتمسك به أصلًا أي وجدوهم ضالين في نفس الأمر ليس لهم ما يصلح شبهة فضلًا عن صلاحية كونه دليلًا فهم من غير أن يتدبروا أنهم على الحق أولًا مع ظهور كونهم على الباطل بأدنى تأمل، والإهراع الإسراع الشديد، وقيل: هو إسراع فيه شبه رعدة.
وفي بناء الفعل للمفعول إشارة إلى مزيد رغبتهم في الإسراع على آثارهم كأنهم يزعجون ويحثون حثًا عليه.
{وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ} أي قبل هؤلاء الظالمين الذين جعلت شجرة الزقوم فتنة لهم وهم قريش {أَكْثَرُ الاولين} من الأمم السابقة، وهو جواب قسم محذوف.
وكذا قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا فِيهِمْ مُّنذِرِينَ} أنبياء أنذروهم سوء عاقبة ما هم عليه من الباطل، وتكرير القسم لإبراز كمال الاعتناء بتحقيق مضمون كل من الجملتين.
{فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المنذرين} من الهول والفظاعة لما لم يلتفتوا إلى الإنذار ولم يرفعوا إليه رأسًا.
والخطاب إما لسيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم أو لكل من يتأتى منه مشاهدة آثارهم، وحيث كان المعنى أنهم أهلكوا إهلاكًا فظيعًا استثنى عنهم المخلصين بقوله عز وجل: {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} أي الذين أخلصهم الله تعالى بتوفيقهم للايمان والعمل بموجب الإنذار.
وقرىء {المخلصين} بكسر اللام أي الذين أخلصوا دينهم لله سبحانه وتعالى، والاستثناء على القراءتين إما منقطع إن خصص المنذرين وإما متصل أن عمم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)}.
استئناف بعد تمام قصة المؤمن ورفاقه قصد منه التنبيه إلى البون بين حال المؤمن والكافر جرى على عادة القرآن في تعقيب القصص والأمثال بالتنبيه إلى مغازيها ومواعظها.
فالمقصود بالخبر هو قوله: {إنَّا جعلناهَا} أي شجرة الزقوم {فتنة للظالمين} إلى آخرها.
وإنما صيغ الكلام على هذا الأسلوب للتشويق إلى ما يرد فيه.
والاستفهام مكنى به عن التنبيه على فضل حال المؤمن وفوزه وخسار الكافر.
وهو خطاب لكل سامع.
والإِشارة ب {أذلك} إلى ما تقدم من حال المؤمنين في النعيم والخلود، وجيء باسم الإِشارة مفردًا بتأويل المذكور، بعلامة بُعد المشار إليه لتعظيمه بالبعد، أي بعد المرتبة وسُموّها لأن الشيء النفيس الشريف يتخيل عاليًا والعالي يلازمه البُعد عن المكان المعتاد وهو السفل، وأين الثريا من الثرى.
والنزُل: بضمتين، ويقال: نُزْل بضم وسكون هو في أصل اللغة: المكان الذي ينزل فيه النازل، قاله الزجاج.
وجرى عليه صاحب اللسان وصاحب القاموس، وأُطلق إطلاقًا شائعًا كثيرًا على الطعام المهيّأ للضيف لأنه أعدّ له لنزوله تسمية باسم مكانه نظير ما أطلقوا اسم السكن بسكون الكاف على الطعام المعدّ للساكن الدار إذ المسكن يقال فيه: سَكْن أيضًا.
واقتصر عليه أكثر المفسرين ولم يذكر الراغب غيره.
ويجوز أن يكون المراد من النزل هنا طعام الضيافة في الجنة.
ويجوز أن يراد به مكان النزول على تقدير مضاف في قوله: {أمْ شجرة الزقوم} بتقدير: أم مكان شجرة الزقوم.
وعلى الوجهين فانتصاب {نُزُلًا} على الحال من اسم الإِشارة ومتوجه الإِشارة بقوله: {ذلك} إلى ما يناسب الوجهين مما تقدم من قوله: {رزق معلومٌ فواكِه وهم مُكْرَمُونَ في جَنَّاتتِ النَّعِيم} [الصافات 41- 43].
ويجري على الوجهين معنى معادل الاستفهام فيكون إمّا أن تُقدّر: أم منزلُ شجرة الزقوم على حدّ قوله تعالى: {أي الفريقين خير مقامًا وأحسن نديًا} [مريم: 73] فقد ذَكَر مكانين، وإما أن نقدر: أم نزل شجرة الزقوم، وعلى هذا الوجه الثاني تَكون المعادلة مشاكَلة تهكمًا لأن طعام شجرة الزقوم لا يحق له أن يسمى نزلًا.
وشجرة الزقوم ذكرت هنا ذِكر ما هو معهود من قبلُ لورودها معرِفة بالإِضافة ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشر فيناسب أن تكون الحوالة على مِثلين معروفين، فأما أن يكون اسمًا جعله القرآن لشجرة في جهنم ويكون سبق ذكرها في {ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم} في سورة [الواقعة: 51- 52]، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات.
ويبين هذا ما رواه الكلبي أنه لما نزلت هذه الآية أي آية سورة الواقعة قال ابن الزِّبَعْرَى: أكثر الله في بيوتكم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمّون التمر والزبد بالزقوم.
فقال أبو جهل لجاريته: زقمينا فأتته بزُبد وتمر فقال: تزقموا.
وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت:
{إن شجرة الزقوم طعام الأثيم} أي في سورة [الدخان: 43 44] لم يعرفها قريش.
فقال أبو جهل: يا جارية هاتي لنا تمرًا وزبدًا نزدقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهاذا يخوفنا محمد في الآخرة ا.
ه.
والمناسب أن يكون قولهم هذا عندما سمعوا آية سورة الواقعة لا آية سورة الدخان وقد جاءت فيها نكرة.
وإمّا أن يكون اسمًا لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة وبالبلاد المجدبة المجاورة للصحراء كريهة الرائحة صغيرة الورق مسمومة ذات لبن إذا أصاب جلد الإِنسان تورّم ومات منه في الغالب.
قاله قطرب وأبو حنيفة.
وتصدّي القرآن لوصفها المفصّل هنا يقتضي أنها ليست معروفة عندهم فذكرها مُجملة في سورة الواقعة فلما قالوا ما قالوا فصّل أوصافها هنا بهذه الآية وفي سورة الدخان بقوله: {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلِي في البطون كغلْي الحميم} [الدخان: 43- 46].
وقد سماها القرآن بهذه الإِضافة كأنها مشتقة من الزقمة بضم الزاء وسكون القاف وهو اسم الطاعون، وقال ابن دريد: لم يكن الزقوم اشتقاقًا من التزقم وهو الإِفراط في الأكل حتى يكرهه.
وهو يريد الرد على من قال: إنها مشتقة من التزقم وهو البلْع على جَهد لكراهة الشيء.
واستأنف وصفها بأن الله جعلها {فتنة للظالمين} أي عذابًا مثل ما في قوله: {إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات} [البروج: 10]، أي عذبوهم بأخدود النار.
وفسرت الفتنة أيضًا بأن خبر شجرة الزقوم كان فتنة للمشركين إذ أغراهم بالتكذيب والتهكم فيكون معنى {جَعَلْناهَا} جعلنا ذكرها وخبرها، أي لما نزلت آية سورة الواقعة، أي جعلنا ذكرها مثيرًا لفتنتهم بالتكذيب والتهكم دون تفهم، وذلك مثل قوله: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} [المدثر: 31]، فإنه لما نزل قوله تعالى في وصف جهنم: {عليها تسعة عشر} [المدثر: 30] قال أبو جهل لقريش: ثَكِلتكم أمهاتُكم إن ابن أبي كبشة يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدُّهم أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل منهم أي من خزنة النار فقال أبو الأشد الجمحي: أنا أكفيكم سبعةَ عشر فاكْفوني أنتم اثنين فأنزل الله تعالى: {وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة} [المدثر: 31] أي فليس الواحد منهم كواحد من الناس {وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا} [المدثر: 31].
واستأنف لوصفها استئنافًا ثانيًا مكررًا فيه كلمة {إنَّهَا} للتهويل.
ومعنى {تَخْرُجُ} تنبت كما قال تعالى: {والبلد الطيب يخرجُ نباته بإذن ربه} [الأعراف: 58].
ومن عجيب قدرة الله تعالى أن جعل من النار شجرة وهي نارية لا محالة.
صور الله في النار شجرة من النار، وتقريب ذلك ما يصور في الشماريخ النارية من صور ذات ألوان كالنخيل ونحوه.
وجعَل لها طلعًا، أي ثمرًا، وأطلق عليه اسم الطلع على وجه الاستعارة تشبيهًا له بطلع النخلة لأن اسم الطلع خاصّ بالنخيل.
قال ابن عطية: عن السدي ومجاهد قال الكفار: كيف يخبر محمد عن النار أنها تنبت الأشجار، وهي تأكلها وتذهبها، فقولهم هذا ونحوه من الفتنة لأنه يزيدهم كفرًا وتكذيبًا.
و{رُءُوسُ الشَّياطِينِ} يجوز أن يكون مرادًا بها رؤوس شياطين الجنّ جمع شيطان بالمعنى المشهور ورؤوس هذه الشياطين غير معروفة لهم، فالتشبيه بها حوالة على ما تصوّر لهم المخيّلة، وطلع شجرة الزقوم غير معروف فوُصف للناس فَظيعًا بَشِعًا، وشبهت بشاعته ببشاعة رؤوس الشياطين، وهذا التشبيه من تشبيه المعقول بالمعقول كتشبيه الإِيمان بالحياة في قوله تعالى: {لتنذر من كان حيًا} [يس 70] والمقصود منه هنا تقريب حال المشبّه فلا يمتنع كون المشبه به غير معروف ولا كون المشبه كذلك.
ونظيره قول امرىء القيس:
ومسنونة زرق كأنياب أغوال

وقيل: أريد برؤوس الشياطين ثمر الأسْتن، والأسْتَن بفتح الهمزة وسكون السين وفتح التاء شجرة في بادية اليمن يشبه شخوص الناس ويسمى ثمره رؤوس الشياطين، وإنما سمّوه كذلك لبشاعة مرآه ثم صار معروفًا، فشبه به في الآية.
وقيل: {الشياطِينِ} جمع شيطان وهو من الحيات ما لرؤوسه أعراف، قال الراجز يشبه امرأته بحية منها:
عَنْجَرِدٌ تَحلف حينَ أحلف ** كمثل شيطاننِ الحَمَاط أعْرَفُ

الحماط: جمع حَمَاطة بفتح الحاء: شجر تكثر فيه الحيات، والعنجرِد بكسر الراء: المرأة السليطة.
وهذه الصفات التي وصفت بها شجرة الزقوم بالغة حدًا عظيمًا من الذم وذلك الذم هو الذي عبّر عنه بالملعونة في قوله تعالى: {والشجرة الملعونة في القرآن} في سورة [الإِسراء: 60]، وكذلك في آية {إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل تغلي في البطون كغلي الحميم} في سورة [الدخان: 43- 46].
وقد أنذروا بأنهم آكلون منها إنذارًا مؤكدًا، أي آكلون من ثمرها وهو ذلك الطلع.
وضمير {منها} للشجرة جرى على الشائع من قول الناس أكلت من النخلة، أي من ثمرها.
والمعنى: أنهم آكلون منها كرهًا وذلك من العذاب، وإذا كان المأكول كريهًا يزيده كراهة سوءُ منظره، كما أن المشتهَى إذا كان حسن المنظر كان الإِقبال عليه بِشَرَه لظهور الفرق بين تناول تفاحة صفراء وتناول تفاحةَ مورّدة اللون، وكذلك محسنات الشراب، ألاَ ترَى إلى كعب بن زهير كيف أطال في محسنات الماء الذي مزجت به الخمر في قوله:
شُجَّت بذي شَبَم من ماء مَجْنيَة ** صاففٍ بأبطحَ أضحَى وهو مشمول

تنفي الرياح القذَى عنه وأفرطه ** من صوب سارية بيضٌ يعاليل

ومَلْءُ البطون كناية عن كثرة ما يأكلون منها على كراهتها.
وإسناد الأكل ومَلْءِ البطون إليهم إسناد حقيقي وإن كانوا مكرهين على ذلك الأكل والملْءِ.