فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {والصّافّاتِ صَفًّا} فيها قولان:
أحدهما: أنها الملائكة، قاله ابن مسعود، وابن عباس، وسعيد بن جبير، وعكرمة، ومجاهد، وقتادة، والجمهور.
قال ابن عباس: هم الملائكة صفُوفٌ في السماء، لا يَعْرِفُ مَلَكٌ منهم مَنْ إلى جانبه، لم يَلْتَفِتْ منذ خَلَقَه اللهُ عزّ وجلّ.
وقيل: هي الملائكة تصُفُّ أجنحتها في الهواء واقفة إِلى أن يأمرها الله عز وجل بما يشاء.
والثاني: أنها الطَّير، كقوله: {والطَّيْرُ صافّاتٍ} [النور: 41] حكاه الثعلبي.
وفي الزاجرات قولان:
أحدهما: أنها الملائكة التي تزجُر السَّحاب، قاله ابن عباس، والجمهور.
والثاني: أنها زواجر القرآن وكلُّ ما ينهى ويزجُر عن القبيح، قاله قتادة.
وفي التّاليات ذِكْرًا ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الملائكة تقرأ كتب الله تعالى، قاله ابن مسعود، والحسن، والجمهور.
والثاني: أنهم الرسل، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: ما يُتلى في القرآن من أخبار الأمم، قاله قتادة.
وهذا قَسَم بهذه الأشياء، وجوابه: {إِنَّ إِلهكم لَواحِدٌ} وقيل: معناه: ورب هذه الأشياء إِنّه واحد.
قوله تعالى: {وربُّ المَشارق} قال السدي: المَشارق ثلاثمائة وستونَ مَشْرِقًا، والمغارب مِثْلُها، على عدد أيام السَّنة.
فإن قيل: لِمَ ترك ذِكْر المَغارب؟
فالجواب: أن المشارق تَدُلُّ على المَغارب، لأن الشُّروق قَبْل الغُروب.
قوله تعالى: {إنّا زَيَّنَّا السَّماء الدُّنيا} يعني التي تلي الأرض، وهي أدنى السموات إلى الأرض {بزينةٍ الكواكب} قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وأبو عمرو، والكسائي: {بزينةِ الكواكب} مضافًا، أي: بحُسنها وضوئها.
وقرأ حمزة، وحفص عن عاصم: {بزينةٍ} منونة وخفض {الكواكبِ} وجعل {الكواكب} بدلًا من الزينة لأنها هي، كما تقول: مررتُ بأبي عبد الله زيدٍ؛ فالمعنى: إنا زيَّنَّا السماء الدُّنيا بالكواكب.
وقرأ أبو بكر عن عاصم: {بزينةٍ} بالتنوين وبنصب {الكواكبً} والمعنى: زيَّنّا السَّماء الدُّنيا بأن زيَّنّا الكواكب فيها حين ألقيناها في منازلها وجعلناها ذات نور.
قال الزجاج: ويجوز أن يكون {الكواكبَ} في النَّصْب بدلًا من قوله: {بزينة} لأن قوله: {بزينة} في موضع نصب.
وقرأ أُبيُّ بن كعب، ومعاذ القارىء، وأبو نهيك، وأبو حصين الأسدي في آخرين: {بزينةٍ} بالتنوين {الكواكبُ} برفع الباء؛ قال الزجاج: والمعنى: إنّا زيَّنّا السَّماء الدُّنيا بأن زيَّنتْها الكواكبُ وبأن زيّنتِ الكواكب.
{وحِفْظًا} أي: وحَفِظْناها حفْظًا.
فأمّا المارد، فهو العاتي، وقد شرحنا هذا في قوله تعالى: {شيطانًا مريدًا} [النساء: 117].
قوله تعالى: {لا يَسْمَعُونَ} قال الفراء: {لا} هاهنا كقوله: {كذلكَ سَلَكْناهُ في قُلوب المُجْرِمينَ}.
{لا يؤمِنونَ به} [الشُّعراء: 200- 201]؛ ويصلح في لا على هذا المعنى الجزم، فإن العرب تقول: ربطتُ الفرس لا يَنْفَلِتْ.
وقال غيره: لكي لا يَسَّمَّعوا إِلى الملأِ الأعلى، وهم الملائكة الذين في السماء.
وقرأ حمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم، وخلف: {لا يَسَّمَّعُونَ} بتشديد السين، وأصله: يتسمَّعون، فأُدغمت التاء في السين.
وإنما قال: {إلى الملأِ الأعلى} لأن العرب تقول: سمعتُ فلانًا، وسمعتُ من فلان، وإلى فلان.
{ويُقْذَفون مِنْ كُلّ جانبٍ} بالشًّهُب {دُحُورًا} قال قتادة: أي قذفًا بالشُّهُب.
وقال ابن قتيبة: أي: طَرْدًا، يقال: دَحَرْتُه دَحْرًا وُدُحورًا، أي: دفعتُه.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وأبو رجاء، وأبو عبد الرحمن، والضحاك، وأيوب السختياني، وابن أبي عبلة: {دَحُورًا} بفتح الدال.
وفي {الواصب} قولان:
أحدهما: أنه الدائم، قاله ابن عباس، ومجاهد، وعكرمة، وقتادة، والفراء، وابن قتيبة.
والثاني: أنه المُوجِع، قاله أبو صالح والسدي.
وفي زمان هذا العذاب قولان:
أحدهما: أنه في الآخرة.
والثاني: أنه في الدنيا، فهم يُخْرَجون بالشُّهُب ويُخبَلُون إِلى النَّفْخة الأولى في الصُّور.
قوله تعالى: {إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفة} قرأ ابن السميفع: {خَطِّفَ} بفتح الخاء وكسر الطاء وتشديدها.
وقرأ أبو رجاء، والجحدري: بكسر الخاء والطاء جميعا والتخفيف.
قال الزجاج: خََطَفَ وخَطِفَ، بفتح الطاء وكسرها، يقال: خَطَفْتُ أَخْطِفُ، وخَطِفْتُ أَخْطَفُ: إِذا أخذت الشيء بسرعة.
ويجوز {إلاّ مَنْ خَطَّف} بفتح الخاء وتشديد الطاء، ويجوز {خِطَفَ} بكسر الخاء وفتح الطاء؛ والمعنى: اختطف فأدغمت التاء في الطاء، وسقطت الألف لحركة الخاء؛ فمن فتح الخاء، ألقى عليها فتحة التاء التي كانت في {اختطف} ومن كسر الخاء، فلِسكونها وسُكون الطاء.
فأما من روى {خِطِف} بكسر الخاء والطاء، فلا وجه لها إلا وجهًا ضعيفًا جدًا، وهو أن يكون على إِتباع الطاء كسرة الخاء.
قال المفسرون: والمعنى: إلا مَن اختطف الكلمة من كلام الملائكة مُسارَقةً {فأَتْبَعَهُ} أي: لَحِقَهُ {شِهابٌ ثاقبٌ} قال ابن قتيبة: أي كوكبٌ مُضيءُ، يقال: أثْقِِبْ نارَك، أي: أضِئْها، والثَّقُوب: ما تُذْكَى به النّارُ.
قوله تعالى: {فاسْتَفْتِهِمْ} أي: فَسَْلهُمْ سؤالَ تقرير {أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا} أي: أَحْكَمُ صَنْعةً {أَمْ مَنْ خَلَقْنَا} فيه قولان:
أحدهما: أن المعنى: أَمْ مَنْ عدَدْنا خَلْقه من الملائكة والشياطين والسموات والأرض، قاله ابن جرير.
والثاني: أَمْ مَنْ خَلَقْنا قبلهم من الأمم السالفة، والمعنى: إنهم ليسوا بأقوى من أولئك وقد أهلكناهم بالتكذيب، فما الذي يؤمن هؤلاء؟!.
ثم ذكر خَْلق الناس فقال: {إِنّا خَلَقْناهم مِنْ طينٍ لازِبٍ} قال الفراء، وابن قتيبة: أي: لاصقٍ لازمٍ، والباء تُبدَلُ من الميم لقُربِ مَخْرَجَْيهما.
قال ابن عباس: هو الطيّن الحُرُّ الجيِّد اللَّزِقُ.
وقال غيره: هو الطِّين الذي يَنْشَف عنه الماءُ وتبقى رطوبتُه في باطنه فيَلْصَق باليد كالشمع.
وهذا إِخبار عن تساوي الأصل في خَلْقهم وخَلْق مَن قَبْلَهم؛ فمن قدَر على إِهلاك الأقوياء، قَدرَ على إهلاك الضُّعفاء.
قوله تعالى: {بل عَجِبْتَ} {بل} معناه: تركُ الكلام الأول والأخذُ في الكلام الآخر، كأنه قال: دع يا محمد ما مضى.
وفي {عَجِبْتَ} قراءتان: قرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: {بل عَجِبْتَ} بفتح التاء.
وقرأ عليّ بن أبي طالب، وابن مسعود، وابن عباس، وأبو عبد الرحمن السلمي، وعكرمة، وقتادة، وأبو مجلز، والنخعي، وطلحة بن مصرف، والأعمش، وابن أبي ليلى، وحمزة، والكسائي في آخرين: {بل عَجِبْتُ} بضم التاء، واختارها الفراء.
فمن فتح أراد: بل عَجِبْتَ يا محمد {ويَسْخَرونَ} هم.
قال ابن السائب: أنتَ تَعْجَبُ منهم، وهم يَسْخَرون منك.
وفي ما عجبَ منه قولان:
أحدهما: من الكفار إِذ لم يؤمِنوا بالقرآن.
والثاني: إذ كفروا بالبعث.
ومن ضَمَّ، أراد الإِخبار عن الله عز وجل أنه عَجِبَ، قال الفراء: وهي قراءة عليّ، وعبد الله، وابن عباس، وهي أحبُّ إليّ، وقد أنكر هذه القراءة قوم، منهم شريح القاضي، فإنه قال: إن الله لا يَعْجَب إِنما يَعْجَبَ مَنْ لا يَعْلَم.
قال الزجاج: وإنكار هذه القراءة غلط، لأن العَجَبَ من الله خلاف العَجَب من الآدميين، وهذا كقوله: {ويَمْكُر اللهُ} [الأنفال: 30] وقوله: {سَخِر اللهُ منهم} [التوبة: 79] وأصل العَجَب في اللغة: أن الإِنسان إِذا رأى ما يُنْكرِهُ ويَقَلُّ مِثْلُه، قال: قد عَجَبتُ من كذا، وكذلك إِذا فَعَلَ الآدميُّون ما يُنْكِرُه اللهُ عز وجل، جاز أن يقول: عَجِبْتُ، واللهُ قد عَلِم الشيءَ قبل كونه.
وقال ابن الأنباري: المعنى: جازيتُُهم على عجبهم من الحق فسمّى الجزاء على الشيء باسم الشيء الذي له الجزاء، فسمّى فعله عَجَباَ وليس بعَجَب في الحقيقة، لأن المتعَجِّب يدهش ويتحيَّر، واللهُ عزَ وجَلَّ قد جَلّ عن ذلك؛ وكذلك سُمِّي تعظيم الثواب عَجَباَ، لأنه إنما يُتعجَّب من الشيء إِذا كان في النهاية، والعرب تسمي الفعل باسم الفعل إِذا داناه من بعض وجوهه، وإن كان مخالفًا له في أكثر معانيه، قال عديّ:
ثُمَّ أَضْحَوْا لَعِبَ الدَّهْرُ بهِمُ ** وكَذاكَ الدَّهْرُ يُودِي بالرِّجالِ

فجعل إهلاك الدهر وإِفساده لَعِبًا.
وقال ابن جرير: من ضم التاء، فالمعنى: بل عَظُم عندي وكَبُر اتِّخاذُهم لي شريكًا وتكذيبُهم تنزيلي.
وقال غيره: إِضافة العَجَب إَلى الله على ضربين:
أحدهما: بمعنى الإِنكار والذمِّ، كهذه الآية.
والثاني: بمعنى الاستحسان والإِخبار عن تمام الرضى، كقوله عليه السلام: «عَجِبَ ربُّكَ مِنْ شابٍ ليست له صَبوةٌ».
قوله تعالى: {وإِذا ذُكرِّوا لا يَذْكُرونَ} أي: إِذا وُعِظوا بالقرآن لا يَذْكُرون ولا يَتَّعظون.
وقرأ سعيد بن جبير، والضحاك، وأبو المتوكل، وعاصم الجحدري، وأبو عمران: {ذُكِروا} بتخفيف الكاف.
{وإذا رَأوْا آيةً} قال ابن عباس: يعني انشقاق القمر {يَسْتَسْخِرونَ} قال أبو عبيدة: يَسْتَسْخِرونَ ويَسْخَرونَ سواء.
قال ابن قتيبة: يقال سَخِرَ واسْتَسْخَرَ، كما يقال: قَرَّ واسْتَقَرَّ، وعَجِبَ واسْتَعْجَبَ، ويجوز أن يكون: يسألون غيرَهم من المشركين أن يَسْخَروا من رسول الله كما يقال: اسْتَعْتَبْتُه، أي: سألتُه العُتْبَى، واسْتَوْهَبْتُه، أي: سألتُه الهِبَة، واسْتَعْفَيْتُه: سألتُه العَفْوَ.
{وقالوا إِنْ هذا} يعنون انشقاق القمر {إلاّ سِحْرٌ مُبِينٌ} أي: بَيْنٌ لِمَنْ تأمَّله أنه سِحْر.
{أإذا مِتْنا} قد سبق بيان هذه الآية [مريم: 66].
{أوَ آباؤنا} هذه ألف الاستفهام دخلت على حرف العطف، كقوله: {أوَ أَمِنَ أَهْلُ القُرى} [الاعراف: 98].
وقرأ نافع، وابن عامر: {أوْ آباؤنا الأَوَّلُونَ} بسكون الواو هاهنا وفي [الواقعة: 48].
{قُلْ نَعَمْ} أي: نَعَمْ تُبْعَثون {وأنتُمْ داخِرونَ} أي: صاغِرونَ.
{فإنّما هي زَجْرَةٌ واحدةٌ} أي: فإنّما قِصَّة البعث صيحةٌ واحدة من إسرافيل، وهي نفخة البعث، وسُمِّيتْ زجرةً، لأن مقصودها الزَّجْر {فإذا هُمْ يَنْظُرونَ} قال الزجاج: أي: يُحْيَوْن ويُبعَثونَ بُصَراءَ ينْظرون، فإذا عايَنوا بعثهم، ذكروا إِخبار الرُّسل عن البعث، {وقالوا يا ويلَنا هذا يومُ الدِّينِ} أي: يوم الحساب والجزاء، فتقول الملائكة: {هذا يومُ الفَصْل} أي: يوم القضاء الذي يُفْصَل فيه بين المُحْسِن والمُسيء؛ ويقول الله عز وجل يومئذ للملائكة: {أُحشُروا} أي: اجْمَعوا {الذين ظَلَموا} من حيث هم، وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم المشركون.
والثاني: أنه عامٌّ في كل ظالم.
وفي أزواجهم أربعة أقوال:
أحدها: أمثالهم وأشباههم، وهو قول عمر، وابن عباس، والنعمان بن بشير، ومجاهد في أخرين.
وروي عن عمر قال: يُحْشَر صاحبُ الرِّبا مع صاحب الرِّبا، وصاحبُ الزِّنا مع صاحب الزِّنا وصاحب الخمر مع صاحب الخمر.
والثاني: أن أزواجَهم: المشركاتُ، قاله الحسن.
والثالث: أشياعهم، قاله قتادة.
والرابع: قُرَناؤهم من الشيَّاطين الذين أضلُّوهم، قاله مقاتل.
وفي قوله: {وما كانوا يعبُدون} ثلاثة أقوال:
أحدها: الأصنام، قاله عكرمة، وقتادة.
والثاني: إبليس وحده، قاله مقاتل.
والثالث: الشياطين، ذكره الماوردي وغيره.
قوله تعالى: {فاهدوهم إلى صراط الجحيم} أي: دُلُّوهم على طريقها؛ والمعنى: اذهبوا بهم إِليها.
قال الزجاج: يقال: هَدَيْتُ الرَّجُل: إِذا دَلَلْتَه، وهَدَيْتُ العروس إِلى زوجها، وأهديتُ الهديَّة، فإذا جعلتَ العروس كالهدية، قلتَ أهديتُها.
قوله تعالى: {وَقِفُوهُمْ} أي: احْبِسوهم {إِنَّهم مسؤولونَ} وقرأ ابن السميفع: {أنَّهم} بفتح الهمزة.
قال المفسرون: لمَّا سِيقوا إلى النار حُبِسوا عند الصراط، لأن السؤال هناك.
وفي هذا السؤال ستة أقوال:
أحدها: أنهم سئلوا عن أعمالهم وأقوالهم في الدنيا.
الثاني: عن لا إِله إِلا الله، رويا جميعًا عن ابن عباس.
والثالث: عن خطاياهم، قاله الضحاك.
والرابع: سَألَهُمْ خزَنةُ جهنم {ألَمْ يَأتِكم نَذيرُ} [الملك: 8] ونحو هذا، قاله مقاتل.
والخامس: أنهم يُسألون عمّا كانوا يعبُدون، ذكره ابن جرير.
والسادس: أن سؤالهم قوله: {ما لكم لا تَنَاصَرونَ}! ذكره الماوردي.
قال المفسِّرون: المعنى: مالكم لا ينصُر بعضُكم بعضًا كما كنتم في الدنيا؟! وهذا جواب أبي جهل حين قال يوم بدر: {نَحْنُ جميعٌ مُنْتَصِرٌ} [القمر: 44] فقيل لهم ذلك يومئذ توبيخًا، والمُسْتَسْلِم المُنقاد الذَّليل؛ والمعنى: أنهم منقادون لا حيلة لهم.
قوله تعالى: {وأَقْبَلَ بَعْضُهم على بَعْضٍ} فيهم قولان:
أحدهما: الإِنس على الشياطين.
والثاني: الأتباع على الرؤساء {يتساءَلُونَ} تسآل توبيخ وتأنيب ولَومْ فيقول الأتباع للرؤساء: لِمَ غررتمونا؟ ويقول الرؤساء: لِمَ قَبِلْتُمْ مِنّا؟ فذلك قوله: {قالوا} يعنى الأتباع للمتبوعين {إنَّكم كنتم تأتوننا عن اليمين} وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: كنتم تَقْهَروننا بقُدرتكم علينا، لأنَّكم كنتم أعزَّ مِنّا، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: من قِبَل الدِّين فتُضِلوُّنا عنه، قاله الضحاك.
وقال الزجاج: تأتوننا من قِبَل الدِّين فتخدعونا بأقوى الأسباب.
والثالث: كنتم تُوثِّقون ما كنتم تقولون بَأيْمانكم، فتأتوننا من قِبَل الأيْمان التي تَحْلِفونها.
حكاه عليّ بن أحمد النيسابوري.
فيقول المتبوعون لهم: {بل لم تكونوا مؤمِنينَ} أي: لم تكونوا على حَقّ فنُضلِّكم عنه، إِنما الكفر من قِبَلكم.
{وما كان عليكم من سُلطان} فيه قولان:
أحدهما: أنه القَهْر.
والثاني: الحُجَّة.
فيكون المعنى على الأول: وما كان لنا عليكم من قُوَّة نَقْهَرُكم بها ونُكْرِهِكُم على مُتابعتنا.
وعلى الثاني: لم نأتكم بحُجَّة على ما دعَوْناكم إٍليه كما أتت الرُّسل.
قوله تعالى: {فَحَقَّ علينا قولُ ربِّنا} أي: فوجبت علينا كلمةُ العذاب، وهي قوله: {لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} [الاعراف: 18] {إنَّا لذائقونَ} العذاب جميعًا نحن وأنتم، {فأَغويناكم} أي، أضلَلْناكم عن الهُدى بدعائكم إلى ما نحن عليه، وهو قوله: {إنّا كُنّا غَاوِينَ}.