فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال البيضاوي:

{والصافات صَفَّا فالزجرات زَجْرًا فالتاليات ذِكْرًا} أقسم بالملائكة الصافين في مقام العبودية، على مراتب باعتبارها تفيض عليهم الأنوار الإِلهية، منتظرين لأمر الله الزاجرين الأجرام العلوية والسفلية بالتدبير المأمور به فيها، أو الناس عن المعاصي بإلهام الخير، أو الشياطين عن التعرض لهم التالين آيات الله وجلايا قدسه على أنبيائه وأولياءه، أو بطوائف الأجرام المرتبة كالصفوف المرصوصة والأرواح المدبرة لها والجواهر القدسية المستغرقة في بحار القدس {يُسَبّحُونَ الليل والنهار لاَ يَفْتُرُونَ} أو بنفوس العلماء الصافين في العبادات الزاجرين عن الكفر والفسوق بالحجج والنصائح التالين آيات الله وشرائعه، أو بنفوس الغزاة الصافين في الجهاد الزاجرين الخيل، أو العدو التالين ذكر الله لا يشغلهم عنه مباراة العدو والعطف لاختلاف الذوات، أو الصفات والفاء لترتيب الوجود كقوله:
يا لهف زيابة للحارث الص ** ابح فالغانم فالآيب

فإن الصف كمال والزجر تكميل بالمنع عن الشر، أو الإِشاقة إلى قبول الخير والتلاوة إفاضته أو الرتبة كقوله عليه الصلاة والسلام «رحم الله المحلقين فالمقصرين» غير أنه لفضل المتقدم على المتأخر وهذا للعكس، وأدغم أبو عمرو وحمزة التاءات فيما يليها لتقاربها فإنها من طرف اللسان وأصول الثنايا.
{إِنَّ إلهكم لَوَاحِدٌ} جواب للقسم والفائدة فيه تعظيم المقسم به وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم، وأما تحقيقه فبقوله تعالى.
{رَبُّ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا وَرَبُّ المشارق} فإن وجودها وانتظامها على الوجه الأكمل مع إمكان غيره دليل على وجود الصانع الحكيم ووحدته على ما مر غير مرة، {وَرَبُّ} بدل من واحد أو خبر ثان أو خبر محذوف وما بينهما يتناول أفعال العباد فيدل على أنها من خلقه، و{المشارق} مشارق الكواكب أو مشارق الشمس في السنة وهي ثلاثمائة وستون مشرقًا، تشرق كل يوم في واحد وبحسبها تختلف المغارب، ولذلك اكتفى بذكرها مع أن الشروق أدل على القدرة وأبلغ في النعمة، وما قيل إنها مائة وثمانون إنما يصح لو لم تختلف أوقات الانتقال.
{إِنَّا زَيَّنَّا السماء الدنيا} القربى منكم.
{بِزِينَةٍ الكواكب} بزينة هي {الكواكب} والإِضافة للبيان، ويعضده قراءة حمزة ويعقوب وحفص بتنوين {زينة} وجر {الكواكب} على إبدالها منه، أو بزينة هي لها كأضوائها وأوضاعها، أو بأن زينا {الكواكب} فيها على إضافة المصدر إلى المفعول فإنها كما جاءت اسمًا كالليقة جاءت مصدرًا كالنسبة ويؤيده قراءة أبي بكر بالتنوين، والنصب على الأصل أو بأن زينتها {الكواكب} على إضافته إلى الفاعل وركوز الثوابت في الكرة الثامنة وما عدا القمر من السيارات في الست المتوسطة بينها وبين السماء الدنيا أن تحقق لم يقدح في ذلك، فإن أهل الأرض يرونها بأسرها كجواهر مشرقة متلألئة على سطحها الأزرق بأشكال مختلفة.
{وَحِفْظًا} منصوب بإضمار فعله، أو العطف على {زينة} باعتبار المعنى كأنه قال إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء الدنيا وحفظًا.
{مّن كُلّ شيطان مَّارِدٍ} خارج من الطاعة برمي الشهب.
{لاَّ يَسَّمَّعُونَ إلى الملإ الأعلى} كلام مبتدأ لبيان حالهم بعد ما حفظ السماء عنهم، ولا يجوز جعله صفة لكل شيطان فإنه يقتضي أن يكون الحفظ من شياطين لا يسمعون، ولا علة للحفظ على حذف اللام كما في جئتك أن تكرمني ثم حذف أن وأهدرها كقوله:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى

فإن اجتماع ذلك منكر والضمير ل {كُلٌّ} باعتبار المعنى، وتعدية السماع بإلى لتضمنه معنى الإِصغاء مبالغة لنفيه وتهويلًا لما يمنعهم عنه، ويدل عليه قراءة حمزة والكسائي وحفص بالتشديد من التسمع وهو طلب السماع و{الملأ الأعلى} الملائكة وأشرافهم.
{وَيُقْذَفُونَ} ويرمون.
{مِن كُلّ جَانِبٍ} من جوانب السماء إذا قصدوا صعوده.
{دُحُورًا} علة أي للدحور وهو الطرد أو مصدر لأنه والقذف متقاربان، أو حال بمعنى مدحورين أو منزوع عنه الباء جمع دحر، وهو ما يطرد به ويقويه القراءة بالفتح وهو يحتمل أيضًا أن يكون مصدرًا كالقبول أو صفة له أي قذفًا دحورًا.
{وَلَهُمْ عَذَابُ} أي عذاب آخر.
{وَاصِبٌ} دائم أو شديد وهو عذاب الآخرة.
{إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الخطفة} استثناء من واو {يَسْمَعُونَ} ومن بدل منه، والخطف الاختلاس والمراد اختلاس كلام الملائكة مسارقة ولذلك عرف الخطفة، وقرئ {خَطِفَ} بالتشديد مفتوح الخاء ومكسروها وأصلهما اختطف.
{فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ} أتبع بمعنى تبع، والشهاب ما يرى كأن كوكبًا انقض، وما قيل إنه بخار يصعد إلى الأثير فيشتعل فتخمين إن صح لم يناف ذلك إذ ليس فيه ما يدل على أنه ينقض من الفلك ولا في قوله: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رُجُومًا للشياطين} فإن كل نير يحصل في الجو العالي فهو مصباح لأهل الأرض وزينة للسماء من حيث إنه يرى كأنه على سطحه، ولا يبعد أن يصير الحادث كما ذكر في بعض الأوقات رجمًا لشياطين تتصعد إلى قرب الفلك للتسمع، وما روي أن ذلك حدث بميلاد النبي عليه الصلاة والسلام إن صح فلعل المراد كثرة وقوعه، أو مصيره {دُحُورًا}. واختلف في أن المرجوم يتأذى به فيرجع أو يحترق به لكن قد يصيب الصاعد مرة وقد لا يصيب كالموج لراكب السفينة ولذلك لا يرتدعون عنه رأسًا، ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق، لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإِنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها.
{ثَاقِبٌ} مضيء كأنه يثقب الجو بضوئه.
{فاستفتهم} فاستخبرهم والضمير لمشركي مكة أو لبني آدم.
{أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَم مَّنْ خَلَقْنَا} يعني ما ذكر من الملائكة والسماء والأرض وما بينهما والمشارق والكواكب والشهب الثواقب، و{مِنْ} لتغليب العقلاء ويدل عليه إطلاقه ومجيئه بعد ذلك، وقراءة من قرأ {أم من عددنا} وقوله: {إِنَّا خلقناهم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ} فإنه الفارق بينهم وبينها لا بينهم وبين من قبلهم كعاد وثمود، وإن المراد إثبات المعاد ورد استحالته والأمر فيه بالإِضافة إليهم وإلى من قبلهم سواء، وتقريره أن استحالة ذلك إما لعدم قابلية المادة ومادتهم الأصلية هي الطين اللازب الحاصل من ضم الجزء المائي إلى الجزء الأرضي وهما باقيان قابلان للانضمام بعد، وقد علموا أن الإِنسان الأول إنما تولد منه إما لاعترافهم بحدوث العالم أو بقصة آدم وشاهدوا تولد كثير من الحيوانات منه بلا توسط مواقعة، فلزمهم أن يجوزوا إعادتهم كذلك، وإما لعدم قدرة الفاعل ومن قدر على خلق هذه الأشياء قدر على ما لا يعتد به بالإِضافة إليها سيما ومن ذلك بدؤهم أولًا وقدرته ذاتية لا تتغير.
{بَلْ عَجِبْتَ} من قدرة الله تعالى وإنكارهم للبعث.
{وَيَسْخُرُونَ} من تعجبك وتقريرك للبعث، وقرأ حمزة والكسائي بضم التاء أي بلغ كمال قدرتي وكثرة خلائقي أن تعجبت منها، وهؤلاء لجهلهم يسخرون منها. أو عجبت من أن ينكر البعث ممن هذه أفعاله وهم يسخرون ممن يجوزه. والعجب من الله تعالى إما على الفرض والتخييل أو على معنى الاستعظام اللازم له فإنه روعة تعتري الإِنسان عند استعظامه الشيء، وقيل إنه مقدر بالقول أي: قال يا محمد بل عجبت.
{وَإِذَا ذُكّرُواْ لاَ يَذْكُرُونَ} وإذا وعظوا بشيء لا يتعظون به، أو إذا ذكر لهم ما يدل على صحة الحشر لا ينتفعون به لبلادتهم وقلة فكرهم.
{وَإِذَا رَأَوْاْ ءايَةً} معجزة تدل على صدق القائل به.
{يَسْتَسْخِرُونَ} يبالغون في السخرية ويقولون إنه سحر، أو يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.
{وَقَالُواْ إِن هذا} يعنون ما يرونه.
{إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} ظاهر سحريته.
{أَءِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وعظاما أَءِنَّا لَمَبْعُوثُونَ} أصله انبعث إذا متنا فبدلوا الفعلية بالاسمية وقدموا الظرف وكرروا الهمزة مبالغة في الإِنكار، وإشعارًا بأن البعث مستنكر في نفسه وفي هذه الحالة أشد استنكارًا، فهو أبلغ من قراءة ابن عامر بطرح الهمزة الأولى وقراءة نافع والكسائي ويعقوب بطرح الثانية.
{أَوَ ءَابَاؤُنَا الأولون} عطف على محل {إِن} واسمها، أو على الضمير في {مبعوثون} فإنه مفصول منه بهمزة الاستفهام لزيادة الاستبعاد لبعد زمانهم، وسكن نافع برواية قالون بن عامر والواو على معنى الترديد.
{قُلْ نَعَمْ وَأَنتُمْ داخرون} صاغرون، وإنما اكتفى به في الجواب لسبق ما يدل على جوازه وقيام المعجز على صدق المخبر عن وقوعه، وقرئ {قال} أي الله أو الرسول وقرأ الكسائي وحده {نِعْمَ} بالكسر وهو لغة فيه.
{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ واحدة} جواب شرط مقدر أي إذا كان ذلك فإنما البعثة {زَجْرَةٌ} أي صيحة واحدة، وهي النفخة الثانية من زجر الراعي غنمه إذا صاح عليها وأمرها في الإِعادة كأمر {كُنْ} في الإِبداء ولذلك رتب عليها.
{فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} فإذا هم قيام من مراقدهم أحياء يبصرون، أو ينتظرون ما يفعل بهم.
{وَقَالُواْ يا ويلنا هذا يَوْمُ الدين} اليوم الذي نجازى بأعمالنا وقد تم به كلامهم وقوله: {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ} جواب الملائكة، وقيل هو أيضًا من كلام بعضهم لبعض والفصل القضاء، أو الفرق بين المحسن والمسيء.
{احشروا الذين ظَلَمُواْ} أمر الله للملائكة، أو أمر بعضهم لبعض بحشر الظلمة من مقامهم إلى الموقف. وقيل منه إلى الجحيم.
{وأزواجهم} وأشباههم عابد الصنم مع عبدة الصنم وعابد الكوكب مع عبدته كقوله تعالى: {وَكُنتُمْ أَزْوَاجًا ثلاثة} أو نساءهم اللاتي على دينهم أو قرناءهم من الشياطين.
{وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} من الأصنام وغيرها زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم، وهو عام مخصوص بقوله تعالى: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مّنَّا الحسنى} الآية، وفيه دليل على أن {الذين ظَلَمُواْ} هم المشركون.