فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
{وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ (75)}.
لمَّا أَصَابه مِنْ الأذى مِنْ قومه حِين كذَّبوه، ولم يسمعوا منه ما كان يقول مِنَ حَديثنا.. رَجَعَ إلينا، فخاطبنا وخاطبناه، وكلمنا وَكلمناه، وَنادانا فناديناه، وكان لنا فكَّنا له، وأجابنا فأجبناه.. فَلَنِعْمَ المجيبُ كان لنا ولنعمَ المجيبون كُنَّا له! {مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} شتان بين كَرْبِ نوحٍ وبيْن كَرْب أهله!
وما يبكون مثلَ أخي ولكن ** أُعزِّي النَّفْس عنه بالتأَسي

{وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ (77)} لأنَّ الناس كلهم مِن أَولاد نوح، فإنَّ مَنْ كان معه في السفينة لم يتناسلوا. {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} يريدُ به قول الناس عنه إلى يوم القيامة. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال نظام الدين النيسابوري:
التأويل: {والصافات} إشارة إلى ما جاء أن الأرواح خلقت قبل الأجساد في أربعة صفوف: الأول للأنبياء، والثاني للأولياء، والثالث للمؤمنين، والرابع لأهل الكفر {فالزاجرات} هي الإلهامات الربانية للعوام عن المناهي، وللخواص عن رؤية الأعمال، وللأخص عن الالتفات إلى غير الله {فالتاليات ذكرًا} هم الذين يذكرون الله في الخلوات بخلوص النيات. رب سموات القلوب وأرض النفوس وما بينهما من صفاتهما ورب مشارق القلوب يطلع منها شموس الشواهد واقمار الطوالع ونجوم اللوامع. السماء الدنيا هي الرأس، وكواكبها الحواس، والشهب هي الخواطر الرحمانية تدفع بها الوساوس الشيطانية {طين لازب} أي لاصق بكل ما يصادفه فقوم لصقوا بالدنيا وقوم لصقوا بالآخرة وقوم لصقوا بنفحات ألطاف الحق، فأذابتهم وجذبتهم عن أنانيتهم بهويتها كما تذيب الشمس الثلج وتجذبه عنه: {وقفوهم إنهم مسؤولون} للسالك في كل مقام وقفة تناسب ذلك المقام وهو مسؤول عن أداء حقوق ذلك المقام. فقوم يسألهم الملك وقوم يسألهم الملك، والأوّلون أقوام لهم أعمال صالحة تصلح للعرض والكشف. والآخرون قسمان: قوم لهم أعمال يسترها الحق عن اطلاع الخلق عليهم في الدنيا والآخرة كما قال «أوليائي تحت قبابي لا يعرفهم غيري» وقوم لهم ذنوب لا يطلع عليها إلا الله فيسترها عليهم كما جاء ذكره في الحديث: «إن الله يدني المؤمن يوم القيامة حتى يضع عليه كتفه يستره من الناس فيقول: أي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب. ثم يقول: أي عبدي تعرف ذنب كذا! وكذا!؟ فيقول: نعم. ثم يقول: اي عبدي تعرف ذنب كذا وكذا؟ فيقول: نعم أي رب. حتى إذا قرره بذنوبه ورأى نفسه أنه قد هلك قال: فإني سترتها عليك في الدنيا وقد غفرتها لك اليوم ثم يعطى كتاب حسناته» {إلا موتتنا الأولى} وهي الموتة الإرادية عن الصفات النفسانية وبعد ذلك لا موت، بل ينتقل من دار إلى دار.
{لمثل هذا فليعمل العاملون} بل لمثل هذه الأمور تبذل الأرواح وتفدى الاشباح كما قيل:
على مثل ليلى يقتل المرء نفسه ** وإن بات من ليلى على اليأس والصدّ

ثم أخبر بعد قصة الأولياء عن قصة الأعداء بقوله: {أذلك خير نزلًا أم شجرة الزقوم} وفي قوله: {كأنه رؤوس الشياطين} دليل على أن أفعالهم كانت في قبح صفات الشياطين فكانت مكافأتهم من جنس صورة الشياطين {سلام على نوح في العالمين} أنه تعالى سلم على نوح الروح لأنه يحتاج إلى سلام الله ليعبر على الصراط المستقيم الذي هو أدقَ من الشعر وأحدّ من السيف، ولهذا يكون دعوة الرسل حينئذ رب سلم سلم. وإنما اختصوا بالصراط والعبور عليه ليؤدّوا الأمانة التي حملوها إلى أهلها وهو الله سبحانه وتعالى. اهـ.

.تفسير الآيات (83- 98):

قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85) أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ (87) فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ (88) فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89) فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ (90) فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91) مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ (92) فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93) فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94) قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ (95) وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96) قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ (97) فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ (98)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان لإبراهيم عليه السلام من التجرد عن النعوت البشرية والعلائق النفسانية إلى الأحوال الملكية ما لم يكن لمن بينهما من النبيين من المصارحة بالمعارضة لقومه، والإبلاغ فيها بكسر الأوثان، وتوهية مذهب الكفران، والانفراد عما سوى الله في غمرات النيران، حتى عن الدعاء بقلب أو لسان فناء عن جميع الأكوان، ثم الهجرة عن الأوطان، ثم بالخروج عن الأحباب والأخوان، بوضع ابنه بكره وسريته في ذلك المكان، الذي ليس به إنس ولا جان، ثم بمعالجة ذبحه بأتم قوة وأقوى جنان، ثم ببناء البيت ذوي الأركان، قبلة للمتجردين من أهل الإيمان في كل أوان، عما سوى الملك الديان، يصفون عند كل صلاة مثل صفوف الملائكة الكرام، وكان موافقًا لنوح عليه السلام مع ما تقدم في البركة في نسله بحيث إنهم قريب نصف أهل الأرض الآن، وكان أشهر أمره في النار التي هي ضد أشهر أمر نوح عليه السلام في الماء، تلاه به فقال مؤكدًا إظهارًا أيضًا لما له من الكرامة والمنزلة العالية في الإمامة، المقتضية للنشاط في الثناء عليه، المنبهة على ما ينبغي من إتمام العزم في متابعته، وتكذيبًا لمن ادعى أنه ابتدع وخالف من كان قبله: {وإن من شيعته} أي الذين خالط سره سرهم ووافق أمره أمرهم، في التصلب في الدين والمصابرة للمفسدين {لإبراهيم} ثم علق بمعنى المشايعة بيانًا لما كانت به المتابعة قوله على تقدير سؤال من قال: متى شايعه؟ {إذا} أي حين {جاء ربه} أي المحسن في تربيته {بقلب سليم} أي بالغ السلامة عن حب غيره، والمجيء مجاز عن الإخلاص الذي لا شائبة فيه كما أن الآتي إليك لا يكون شيء من بدنه عند غيرك، ثم أبدل من ذلك ما هو دليل عليه فقال: {إذ قال لأبيه} أي الذي هو أعظم الناس عنده وأجلهم في غينه وأعزهم لديه {وقومه} أي الذين لهم من القوة والجدود ما تهابهم به الأسود: {ماذا} أي ما الذي {تعبدون} تحقيرًا لأمرهم وأمر معبوداتهم منبهًا على أنه لا علة لهم في الحقيقة تحمل على عبادتها غير مكترث بكثرتهم ولا هائب لقوتهم ولامراع لميل الطبع البشري إلى مودتهم.
ولما لوح لهم بالإنكار، صرح فقال مقدمًا للمفعول تخصيصًا: {أئفكًا} أي صرفًا للحق عن وجهه إلى قفاه.
ولما جعل معبوداتهم نفس الإفك، أبدل منه قوله: {آلهة} ثم حقر شأنهم بقوله: {دون الله} أي الذي لا كفوء له {تريدون} ولما كان قد غلب عليه الشهود عند تحقيره لهم، سبب عن ذلك تهديدًا على فعلهم عظيمًا، فقال مشيرًا إلى أنه يكفي العاقل في النهي ظن العطب: {فما ظنكم} ولما كان كفران الإحسان شديدًا، ذكرهم بإحسانه حافظًا لسياق التهديد بالإشارة إلى أنه يكفي في ذلك الخوف من قطع الإحسان فقال: {برب العالمين} اي الذي توحد بخلق جميع الجواهر والأعراض وتربيتهم فهو مستحق لتوحيدهم إياه في عبادتهم، أتظنون أنه لا يعذبكم وقد صرفتم ما أنعم به عليكم إلى عبادة غيره، إشارة إلى إنكار تجويز مثل هذا، وأن المقطوع به أن محسنًا لا يرضى بدوام إدرار إحسانه إلى من ينسبه إلى غيره.
ولما أفهم السياق شدة عداوته- صلى الله عليه وسلم، وكان الله تعالى قد أجرى عادته بأن جعل في النجوم أدلة على بعض المسائل الظنية لاسيما البحرانات في أنواع الأسقام، وكان أهل تلك البلاد وهم الكسدانيون كما تقدم في الأنعام وكما قاله ابن عباس رضى الله عنهما وكما دلت عليه كتب الفتوحات- من أشد الناس نظرًا في النجوم والاستدلال بها على أحوال هذا العالم في بعض ما كان وبعض ما يكون، وكان صلى الله عليه وسلم يريد أن يتخلف عن الذهاب معهم إلى المحل الذي يجتمعون فيه للعيد ليكسر الأصنام ويريد إخفاء وقت الكسر عليهم ليتمكن من ذلك، قال تعالى حاكيًا عنه مشيرًا إلى ذلك بالتسبب عما مضى: {فنظر نظرة} أي واحدة {في النجوم} حين طلبوا منه أن يخرج معهم إلى عيدهم لئلا ينكروا تخلفه عنهم موهمًا لهم أنه استدل بتلك النظرة على مرض باطني يحصل له، لأنهم ربما أنكروا كونه مريضًا إذا أخبرهم بغير النظر في النجوم لأن الصحة ظاهرة عليه {فقال} أي عقب هذه النظرة موهمًا أنها سببه.
ولما كان بدنه صحيحًا فكان بصدد أن يتوقف في خبره، أكد فقال: {إني سقيم} فأوهم أن مراده أنه مريض الجسد وأراد أنه مريض القلب يسبب آلهتهم، مقسم الفكر في أمرهم لأنه يريد أمرًا عظيمًا وهو كسرها، ومادة سقم بتقاليبها الخمسة: سقم سمق قسم قمس مقس، تدور على القسم، فالسقام كسحاب وجبل وقفل: المرض، أي لأنه يقسم القوة والفكر، وقال ابن القطاع: سقم: طاولة المرض.
وقسمه جزأه، والدهر القوم: فرقهم، والقسم- بالكسر: النصيب والقسم أي بالفتح: العطاء، ولا يجمع، والرأي والشك والعيب والماء والقدر والخلق والعادة، ويكسر فيهما، والتفريق ظاهر في ذلك كله، أما العطاء فيفرق المال ويقسمه، والرأي يقسم الفكر والشك كذلك والعيب يقسم العرض والماء في غاية ما يكون من سهولة القسم، والقدر يفصل صاحبه من غيره، وكذا الخلق والعادة، والمقسم كمعظم: المهموم- لتوزع فكره، والجميل- لأنه يقسم القول في وصفه، والقسم محركة: اليمين بالله، وقد أقسم، أي أزال تقسيم الفكر، والقسامة: الحسن- لأنه يوزع فكر الناظر وجونة العطار- كذلك لطيب ريحها والقسام- كسحاب: شدة الحر- لأنها تزعج الفكر فتقسمه، أو هو أول وقت الهاجرة أو وقت ذرور الشمس، وهي حينئذ أحسن ما تكون مرآة- فينقسم الفكر فيها لحسنها إذ ذاك وما يطرأ عليها بعده.
والقمس: الغوص- لأن الغائص قسم الماء بغوصه، والقمس أيضًا اضطراب الولد في البطن لأنه يقسم الفكر، ويكاد أن يقسم البطن باضطرابه، والقاموس: معظم البحر- لأن البحر قسم الأرض، ومعظمه أحق بهذا الاسم، والقوامس: الدواهي- لتقسيمها الفكر، وانقمس النجم: غرب، أي أخذ قسمه من الغروب كما أخذه من الشروق، أو أزال التقسيم بالسير، ومقسه في الماء: غطه- فانقسم الماء بغمسه فيه، والقربة: ملأها، فصير فيها من الماء ما يسهل قسمه، وأخذه الماء الذي وضعه فيها تقسيم للماء المأخوذ منه، ومقس الشيء: كسره، والماء: جرى- فانقسم وقسم الأرض، وهو يمقس الشعر كيف شاء، أي بقوله فيقسمه من باقي الكلام، والتقميس في الماء: الإكثار من صبه، فإن ذلك تقسيم له، وسمق سموقًا: علا وطال فصار بطوله يقبل من القسمة ما لا يقبله ما هو دونه.
ولما فهموا عنه ظاهر قوله، وظنوا فيه ما يظهر من حاله، ولكنهم لم يسعهم لعظمته فيهم إلا التسليم، تركوه فقال تعالى مسببًا عن قوله مشيرًا إلى استبعادهم مرضه بصيغة التفعل: {فتولوا} أي عالجوا أنفسهم وكلفوها أن انصرفوا {عنه} إلى محل اجتماعهم وإقامة عيدهم وأكد المعنى ونص عليه بقوله: {مدبرين} أي إلى معبدهم فخلا له الوقت من رقيب {فراغ} أي ذهب في خفية برشاقة وخفة، ونشاط وهمة، قال البيضاوي: وأصله الميل بحيلة {إلى آلهتهم} أي أصنامهم التي زعموها آلهة، وقد وضعوا عندها طعامًا، فخاطبها مخاطبة من يعقل لجعلهم إياها بذلك في عداد من يعقل {فقال} منكرًا عليها متهكمًا بها ظاهرًا وموبخًا لقومه حقيقة: {ألا تأكلون} ثم زاد في إظهار الحق والاستهزاء بانحطاطها عن رتبة عابديها فقال: {ما} أي أيّ شيء حصل {لكم} في أنكم {لا تنطقون}.
ولما أخبر تعالى أنه أظهر ما يعرفه باطنًا من الحجة فقال: {فراغ} أي سبب عن إقامته الحجة أنه أقبل مستعليًا {عليهم} بغاية النشاط والخفة والرشاقة يضربهم {ضربا باليمين} أي بغاية القوة، وجعل السياق للمصدر إشارة إلى قوة الهمة بحيث صار كله ضربًا.
ولما تسبب عن ذلك أنهم لما علموا بكسرها ظنوا فيه لما كانوا يسمعونه منه من ذمها وحلفه بأنه ليكيدنها فأتوه، أخبر عن ذلك بقوله مسببًا: {فأقبلوا} ودل على أنه من مكان بعيد بقوله: {إليه يزفون} أي يسرعون، وقراءة حمزة بالبناء للمفعول أدل على شدة الإسراع لدلاتها على أنهم جاؤوا على حالة كان حاملًا يحملهم فيها على الإسراع وقاهرًا يقهرهم عليه من شدة ما في نفوسهم من الوجد.
ولما كان من المعلوم أنهم كلموه في ذلك فطال كلامهم، وكان تشوف النفس إلى جوابه أكثر، استأنف الخبر عنه في قوله: {قال} غير هائب لهم ولا مكترث بهم لرؤيته لهم فانين منكرًا عليهم: {أتعبدون} وندبهم بالمضارع إلى التوبة والرجوع إلى الله، وعبر بأداة ما لا يعقل كما هو الحق فقال: {ما تنحتون} أي إن كانت العبادة تحق لأحد غير الله فهم أحق أن يعبدوكم لأنكم صنعتموهم ولم يصنعوكم.
ولما كان المتفرد بالنعمة وهو المستحق للعبادة، وكان الإيجاد من أعظم النعم، وكان قد بين أنهم إنما عبدوها لأجل عملهم الذي عملوه فيها فصيرها إلى ما صارت إليه من الشكل، قال تعالى مبينًا أنه هو وحده خالقهم وخالق أعمالهم التي ما عبدوا في الحقيقة إلا هي، وأنه لا مدخل لمنحوتاتهم في الخلق فلا مدخل لها في العبادة: {والله} أي والحال أن الملك الأعظم الذي لا كفوء له {خلقكم} أي أوجدكم على هذه الأشكال {وما تعملون} أي وخلق عملكم ومعمولكم، فهو المتفرد بجميع الخلق من الذوات والمعاني، ومعلوم أنه لا يعبد إلا من كان كذلك لأنه لا يجوز لعاقل أن يشكر على النعمة إلا ربها.
ولما كان السامع يعلم أنهم لابد وأن لا يجيبوه بشيء، فتشوف إلى ذلك، أجيب بقوله: {قالوا ابنوا له} أي لأجله {بنيانًا} أي من الأحطاب حتى تصير كالجبل العظيم، فاحرقوها حتى يشتد لهبها جدًا فيصير جحيمًا {فألقوه في} ذلك {الجحيم} أي معظم النار، وهي على أشد ما يكون إيقادًا.
ولما كان هذا مسببًا عن إرادتهم لإهانته قال: {فأرادوا به} أي إبراهيم عليه السلام بسبب هذا الذي عملوه {كيدًا} أي تدبيرًا يبطل أمره ليعلوا أمرهم ولا يبطل بما أظهر عن عجزهم دينهم {فجعلناهم} أي بعظمتنا بسبب عملهم {الأسفلين} المقهورين بما أبطلنا من نارهم وجعلناها عليه بردًا وسلامًا بضد عادتها في العمل، فنفذ عملنا وهو خارق للعادة وبطل عملهم الذي هو على مقتضى العادة، فظهر عجزهم في فعلهم كما ظهر عجزهم في قولهم، بما أظهرناه من الحجة على لسان خليلنا عليه السلام، وظهرت قدرتنا واختيارنا، وإنما فسرت الكيد بما ذكرت لأنه المكر والخبث والاحتيال والخديعة والتدبير بحق أو باطل والحرب والخوف، فكل هذه المعاني- كما ترى- تدور على التدبير وإعمال الفكر وإدارة الرأي. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{يزفون} بضم الياء وكسر الزاي: حمزة. الباقون بفتح الياء {إني أرى} {إني أذبحك} بفتح الياء: أبو جعفر ونافع وابن كثير وابو عمرو.
{وترى} بضم التاء وكسر الراء: علي وخلف وحمزة.
{ستجدني} بفتح ياء المتكلم: أبو جعفر ونافع {وإن إلياس} موصولًا كهمزة الوصل: ابن مجاهد والنقاش عن ابن ذكوان. الآخرون: بكسر الهمزة {الله ربكم ورب} بالنصب في ثلاثتها على البدل: سهل ويعقوب وحمزة وعلي وخلف وعاصم غير أبي بكر وحماد والمفضل. الباقون برفعها على الابتداء والخبر.
{آل ياسين} ابن عامر ونافع ورويس. الآخرون {إلياسين} كأنه جمع إلياس {لكاذبون اصطفى} موصلًا والابتداء بكسر الهمزة: يزيد وإسماعيل والأصبهاني عن ورش الباقون بفتحها في الحالين.