فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



البحث الثاني: أنه استدل بما في القصة على جواز النسخ قبل الفعل وهو مذهب كثير من الأصوليين وخالف فيه المعتزلة والصيرفي، ووجه الاستدلال على ما قرره بعض الأجلة أن إبراهيم عليه السلام أمر بذبح ولده بدليل قوله: {افعل مَا تُؤمَرُ} [الصافات 102] ولأنه عليه السلام أقدم على الذبح وترويع الولد ولو لم يكن مأمورًا به لكان ذلك ممتنعًا شرعًا وعادة ونسخ عنه قبل الفعل لأنه لم يفعل ولو كان ترك الفعل مع حضور الوقت لكان عاصيا.
واعترض عليه بانا لا نسلم أنه لو لم يفعل وقد حضر الوقت لكان عاصيًا لجواز أن يكون الوقت موسعًا فيحصل التمكن فلا يعصى بالتأخير ثم ينسخ.
وأجيب أما أولًا فبأنه لو كان موسعًا لكان الوجوب متعلقًا بالمستقبل لأن الأمر باق عليه قطعًا فإذا نسخ فقد نسخ تعلق الوجوب بالمستقبل وهو المانع من النسخ عندهم فإنه يقولون: إذا تعلق الوجوب بالمستقبل مع بقاء الأمر عليه امتنع رفع ذلك التعلق بالنهي عنه والإلزم توارد الأمر والنهي على شيء واحد وهو محال، فإذا جوزوا النسخ في الواجب الموسع في وقته قبل فعله مع أن الوجوب فيه تعلق بالمستقبل والأمر باق عليه فقد اعترفوا بجواز ما منعوه وهو المطلوب، وأما ثانيًا فبأنه لو كان موسعا لأخر الفعل ولم يقدم على الذبح وترويع الولد عادة إما رجاء أن ينسخ عنه وإما رجاء أن يموت فيسقط عنه لعظم الأمر ومثله ما يؤخر عادة.
وتعقب هذا بأن عادة الأنبياء عليهم السلام المبادرة إلى امتثال أمر الله تعالى على خلاف عادة أكثر الناس ولا تستبعد منهم خوارق العادات وإبراهيم من أجلهم قدرًا سلمنا أن العادة ولو بالنسبة إلى الأنبياء تقتضي التأخير لكن من أين علم أنه عليه السلام لم يؤخر إلى آخر الوقت اتباعًا للعادة فالمعول عليه الجواب الأول وبه يتم الاستدلال، وربما دفعوه بوجوه أخر، منها أنه لم يؤمر بشيء وإنما توهم ذلك توهمًا باراءة الرؤيا ولو سلم فلم يؤمر بالذبح إنما أمر بمقدماته من إخراج الولد وأخذه المدية وتله للجبين، وتعقب هذا بأنه ليس بشيء لما مر من قوله: {افعل مَا تُؤمَرُ} وأقدامه على الذبح والترويع المحرم لولا الأمر كيف ويدل على خلافه قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} [الصافات 106] وقوله سبحانه: {وفديناه بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات 107] ولولا الأمر لما كان بلاء مبينًا ولما احتاج إلى الفداء، وكون الفداء عن ظنه أنه مأمور بالذبح لا يخفى حاله، وعلى أصل المعتزلة هو توريط لإبراهيم عليه السلام في الجهل بما يظهر أنه أمر وليس بأمر وذلك غير جائز، ومن لا يجوز الظن الفاسد على الأنبياء عليهم السلام فهذا عنده أدنى من لا شيء، ومنها أنا لا نسلم أنه لم يذبح بل روي أنه ذبح وكان كلما قطع شيئًا يلتحم عقيب القطع وأنه خلق صفيحة نحاس أو حديد تمنع الذبح، وتعقب بأن هذا لا يسمع، أما أولا فلأنه خلاف العادة والظاهر ولم ينقل نقلًا معتبرًا.
وأجيب بأن الرواية سند للمنع والضعف لا ينافيه والاحتمال كاف في المقام ولا ريب في جوازه كإرسال الكبش من الجنة، وأما ثانيًا فلأنه لو ذبح لما احتيج إلى الفداء، وكونه لأن الازهاق لم يحصل ليس بشيء، ولو منع الذبح بالصفيحة مع الأمر به لكان تكليفًا بالمحال وهو لا يجوزونه ثم قد نسخ عنه وإلا لأثم بتركه فيكون نسخًا قبل التمكن فهو لنا لا علينا.
ومن السادة الحنفية من قال: ما نحن فيه ليس من النسخ لأنه رفع الحكم لا إلى بدل وهنا له بدل قائم مقامه كالفدية للصوم في حق الشيخ الفاني فعلم أنه لم يرفع حكم المأمور به.
وفي التلويح فإن قيل: هب أن الخلف قام مقام الأصل لكنه استلزم حرمة الأصل أي ذبحه وتحريم الشيء بعد وجوبه نسخ لا محالة لرفع حكمه، قيل: لا نسلم كونه نسخًا وإنما يلزم للو كان حكمًا شرعيًا وهو ممنوع فإن حرمة ذبح الولد ثابتة في الأصل فزالت بالوجوب ثم عادت بقيام الشاة الولد فلا تكون حكمًا شرعيًا حتى يكون ثبوتها نسخًا للوجوب انتهى، وتعقب بأن هذا بناء على ما تقرر من أن رفع الإباحة الأصلية ليس نسخًا أما على أنه نسخ كما التزمه بعض الحنفية إذ لا إباحة ولا تحريم إلا بشرع كما قرروه يكون رفع الحرمة الأصلية نسخًا وإذا كان رفعها نسخًا أيضًا يبقى الإيراد المذكور من غير جواب على ما قرر في شرح التحرير، هذا وتمام الكلام في حجة الفريقين مفصل في أصول الفقه وهذا المقدار كاف لغرض المفسر.
البحث الثالث: أنه استدل أبو حنيفة بالقصة على أن لو نذر أن يذبح ولده فعليه شاة، ووافقه في ذلك محمد، ونقله الإمام القرطبي عن مالك.
وفي تنوير الأبصار وشرحه الدر المختار نذر أن يذبح ولده فعليه شاة لقصة الخليل عليه السلام وألغاه الثاني والشافعي كنذره قتله ونقل الجصاص أن نذر القتل كنذر الذبح، واعترض على الإمام بأنه نذر معصية وجاء لا نذر في معصية الله تعالى، وقال هو: إن ذلك في شرع إبراهيم عليه السلام عبارة عن ذبح شاة ولم يثبت نسخه فليس معصية، وقال بعض الشافعية: ليس في النظم الجليل ما يدل على أنه كان نذرًا من إبراهيم عليه السلام حتى يستدل به.
وأجيب بأنه ورد في التفسير المؤثور أنه نذر ذلك وهو في حكم النص ولذا قيل له لما بلغ معه السعي: أوف بنذرك، وبأنه إذا قامت الشاة مقام ما أوجبه الله تعالى عليه علم قيامها مقام ما يوجبه على نفسه بالطريق الأولى فيكون ثابتًا بدلالة النص، والانصاف أن مدرك الشافعي.
وأبي يوسف عليهما الرحمة أظهر وأقوى من مدرك الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه في هذه المسألة فتأمل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103)}.
{أسْلَمَا} استسلما.
يقال: سلَّم واستسلم وأسلم بمعنى: انقاد وخضع، وحذف المتعلِّق لظهوره من السياق، أي أسلما لأمر الله فاستسلام إبراهيم بالتهيُّؤ لذبح ابنه، واستسلام الغلام بطاعة أبيه فيما بلغه عن ربه.
و{تلّه} صرعه على الأرض، وهو فعل مشتق من اسم التلّ وهو الصبرة من التراب كالكُدْية، وأما قوله في حديث الشُّرْب فتلّه في يده أي القَدح، فذلك على تشبيه شدة التمكين كأنه ألقاه في يده.
واللام في {لِلجَبِينِ} بمعنى على كقوله: {يخرون للأذقان سجدًا} [الإسراء: 107]، وقوله تعالى: {دعانا لجنبه} [يونس: 12]، ومعناها أن مدخولها هو أسفل جزء من صاحبه.
والجبين: أحد جانبي الجبهة، وللجبهة جبينان، وليس الجبين هو الجبهة ولهذا خَطَّأوُا المتنبي في قوله:
وَخَلِّ زِيًّا لمن يُحقِّقه ** ما كُل دَاممٍ جبينُه عَابِدْ

وتبع المتنبيَ إطلاقُ العامة وهو خطأ، وقد نبه على ذلك ابن قتيبة في أدب الكتاب ولم يتعقبه ابن السيِّد البطليوسي في الاقتضاب ولكن الحريري لم يعدّه في أوهام الخواصّ فلعله أن يكون غفل عنه، وذكر مرتضَى في تاج العروس عن شيخه تصحيح إطلاق الجبين على الجبهة مجازًا بعلاقة المجاورة، وأنشد قول زهير:
يَقيني بالجبين ومنكبيه ** وأدْفعه بمُطَّرد الكعوب

وزعم أن شارح ديوان زهير ذكر ذلك.
وهذا لا يصح استعماله إلا عند قيام القرينة لأن المجاز إذا لم يكثر لا يستحق أن يعد في معاني الكلمة على أنا لا نسلم أن زهيرًا أراد من الجبين الجبهة.
ولم يذكر هذا في الأساس.
والمعنى: أنه ألقاه على الأرض على جانب بحيث يباشر جبينه الأرض من شدة الاتصال.
ومناداة الله إبراهيم بطريق الوحي بإرسال الملك، أسندت المناداة إلى الله تعالى لأنه الآمر بها.
وتصديق الرؤيا: تحقيقها في الخارج بأن يعمل صورة العمل الذي رآه يقال: رؤيا صادقة، إذا حصل بَعدها في الواقع ما يماثل صورةَ ما رآه الرائي قال الله تعالى: {لقد صدق اللَّه رسوله الرؤيا بالحق} [الفتح: 27].
وفي حديث عائشة: «أول ما بُدِىءَ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيًا إلا جاءت مثل فَلَق الصبح».
وبضد ذلك يقال: كذبتْ الرؤيا، إذا حصل خلاف ما رأى.
وفي الحديث: «إذا اقترب الزمان لم تكد تَكذب رؤيا المؤمن»، فمعنى {قد صدَّقْتَ الرؤيا} قد فعلتَ مثل صورة ما رأيت في النوم أنك تفعله.
وهذا ثناء من الله تعالى على إبراهيم بمبادرته لامتثال الأمر ولم يتأخر ولا سأل من الله نسخ ذلك.
والمراد: أنه صدق ما رآه إلى حدِّ إمرار السكين على رقبة ابنه، فلما ناداه جبريل بأن لا يذبحه كان ذلك الخطابُ نسخًا لما في الرؤيا من إيقاع الذبح، وذلك جاء من قِبل الله لا من تقصير إبراهيم، فإبراهيم صدَّق الرؤيا إلى أن نهاه الله عن إكمال مِثالها، فأُطلق على تصديقه أكثرَها أنه صدَّقها، وجُعِل ذبح الكبش تأويلًا لذبح الولد الواقع في الرؤيا.
وجملة {إنَّا كذلك نَجزي المحسنين} تعليل لجملة {وناديناهُ} لأن نداء الله إياه ترفيع لشأنه فكان ذلك النداء جزاء على إحسانه.
وهذه الجملة يجوز أن تكون من خطاب الله تعالى إبراهيمَ، ويجوز أن تكون معترضة بين جُمل خطاب إبراهيم، والإِشارة في قوله: {كذلك} إلى المصدر المأخوذ من فعل {صَدَّقتَ} من المصدر وهو التصديق مثل عَود الضمير على المصدر المأخوذ من {اعدلوا هو أقرب للتقوى} [المائدة: 8]، أي إنا نجزي المحسنين كذلك التصديق، أي مثل عظمة ذلك التصديق نجزي جزاءً عظيمًا للمحسنين، أي الكاملين في الإِحسان، أي وأنت منهم.
ولِما يتضمنه لفظ الجزاء من معنى المكافأة ومماثلة المجزي عليه عُظم شأن الجزاء بتشبيهه بمشبه مشار إليه بإشارة البعيد المفيد بُعدًا اعتباريًا وهو الرفعة وعُظم القدر في الشرف، فالتقدير: إنا نجزي المحسنين جزاء كذلك الإِحسان الذي أحسنتَ به بتصديقك الرؤيا، مكافأة على مقدار الإِحسان فإنه بذل أعَزّ الأشياء عليه في طاعة ربّه فبذل الله إليه من أحسن الخيرات التي بيده تعالى، فالمشبه والمشبه به معقولان إذ ليس واحد منهما بمشاهد ولكنهما متخيَّلان بما يتسع له التخيّل المعهود عند المحسنين مما يقتضيه اعتقادهم في وعْد الصادق من جزاءِ القادر العظيم، قال تعالى: {هل جزاء الإحسان إلا الإحسان} [الرحمن: 60].
ولِمَا أفاد اسم الإِشارة من عظمة الجزاء أُكّد الخبر ب إنَّ لدفع توهم المبالغة، أي هو فوق ما تعْهده في العظمة وما تُقدره العقول.
وفهم من ذكر المحسنين أن الجزاء إحسان بمثل الإِحسان فصار المعنى: إنا كذلك الإِحسان العظيم الذي أحسنته نجزي المحسنين، فهذا وعد بمراتب عظيمة من الفضل الرباني، وتضمن وعد ابنه بإحسان مثله من جهة نوط الجزاء بالإِحسان، وقد كان إحسان الابن عظيمًا ببذل نفسه.
وقد أكد ذلك بمضمون جملة {إن هذا لهو البلاء المبين} أي هذا التكليف الذي كلّفناك هو الاختبار البيّن، أي الظاهر دلالة على مرتبة عظيمة من امتثال أمر الله.
واستعمل لفظ البلاء مجازًا في لازمه وهو الشهادة بمرتبةِ مَن لو اختُبر بمثل ذلك التكليف لعُلمت مرتبته في الطاعة والصبر وقوة اليقين.
وجملة {إن هذا لهو البلاء المبين} في محل العلة لجملة {إنَّا كذلك نجزي المحسنين} على نحو ما تقدم في موقع جملة {إنه من عبادنا المؤمنين} [الصافات 81] في قصة نوح.
وجواب {فلمَّا أسلما} محذوف دل عليه قوله: {وناديناهُ} وإنما جيء به في صورة العطف إيثارًا لما في ذلك من معنى القصة على أن يكون جوابًا لأن الدلالة على الجواب تحصل بعطف بعض القصة دون العكس، وحذفُ الجواب في مثل هذا كثير في القرآن وهو من أساليبه ومثله قوله تعالى: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون وجاءوا أباهم عشاء يبكون} [يوسف: 15- 16].
وجملة {وفديناهُ} يظهر أنها من الكلام الذي خاطب الله به إبراهيم.
والمعنى: وقد فدينا ابنَك بذبح عظيم ولولا هذا التقدير تكون حكاية نداء الله إبراهيم غير مشتملة على المقصود من النداء وهو إبطال الأمر بذبح الغلام.
والفِدَى والفداء: إعطاء شيء بدلًا عن حق للمعطَى، ويطلق على الشيء المفدَى به من إطلاق المصدر على المفعول.
وأسند الفداء إلى الله لأنه الآذِن به، فهو مجاز عقلي، فإن الله أوحى إلى إبراهيم أن يذبح الكبش فداء عن ذبح ابنه وإبراهيم هو الفادي بإذن الله، وابن إبراهيم مُفْدىً.
والذِبح بكسر الذال: المذبوح ووزن فِعل بكسر الفاء وسكون عين الكلمة يكثر أن يكون بمعنى المفعول مما اشتق منه مثل: الحِب والطِحن والعِدل.
ووصفه ب {عَظِيمٍ} بمعنى شرف قدر هذا الذِبح، وهو أن الله فدَى به ابن رسولٍ وأبقى به من سيكون رسولًا فعِظمه بعظم أثره، ولأنه سخره الله لإِبراهيم في ذلك الوقت وذلك المكان.
وقد أشارت هذه الآيات إلى قصة الذبيح ولم يسمه القرآن لعله لئلا يثير خلافًا بين المسلمين وأهل الكتاب في تعيين الذبيح مِن ولدَيْ إبراهيم، وكان المقصد تألف أهل الكتاب لإِقامة الحجة عليهم في الاعتراف برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وتصديققِ القرآن، ولم يكن ثَمة مقصد مهمّ يتعلق بتعيين الذبيح ولا في تخطئة أهل الكتاب في تعيينه، وأمارة ذلك أن القرآن سمّى إسماعيل في مواضع غيرِ قصة الذبح وسمَّى إسحاق في مواضع، ومنها بشارة أمه على لسان الملائكة الذين أرسلوا إلى قوم لُوط، وذكر اسمَيْ إسماعيل وإسحاق أنهما وُهبا له على الكِبر ولم يسمّ أحدًا في قصة الذبح قصدًا للإِبهام مع عدم فوات المقصود من الفضل لأن المقصود من القصة التنويه بشأن إبراهيم فأي ولديه كان الذبيح كان في ابتلائه بذبحه وعزمه عليه وما ظهر في ذلك من المعجزة تنويهٌ عظيم بشأن إبراهيم وقال الله تعالى: {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن} [العنكبوت: 46] وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم» روى الحاكم في المستدرك عن معاوية بن أبي سفيان أن أحد الأعراب قال للنبيء صلى الله عليه وسلم يا ابن الذبيحين فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وهو يعني أنه من ولد إسماعيل وهو الذبيح وأن أباه عبدَ الله بن عَبد المطلب كان أبوه عبد المطلب نذر: لئن رزقه الله بعشرة بنين أن يذبح العاشر للكعبة، فلما وُلد عبد الله وهو العاشر عزَم عبد المطلب على الوفاء بنذره، فكلّمه كبراء أهل البطاح أن يعْدِلَه بعشرة من الإِبل وأن يستقسم بالأزلام عليه وعلى الإِبل فإن خرج سَهم الإِبل نحرها، ففعل فخرج سهم عبد الله، فقالوا: أرضضِ الآلهة، أي الآلهة التي في الكعبة يومئذٍ، فزاد عشرة من الإِبل واستقسم فخرج سهم عبد الله، فلم يزالوا يقولون: أرْضضِ الآلهة ويزيد عبد المطلب عشرة من الإِبل ويعيد الاستقسام ويخرج سهم عبد الله إلى أن بلغ مائة من الإِبل واستقسم عليهما فخرج سَهم الإِبل فقالوا رَضِيتْ الآلهة فذبحها فداءً عنه.