فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171)}.
اعلم أنه تعالى لما هدد الكفار بقول تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} أي عاقبة كفرهم أردفه بما يقوي قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} فبين أن وعده بنصرته قد تقدم والدليل عليه قوله تعالى: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى} [المجادلة: 21] وأيضًا أن الخير مقضى بالذات والشر مقضى بالعرض، وما بالذات أقوى مما بالعرض، وأما النصرة والغلبة فقد تكون بقوة الحجة، وقد تكون بالدولة والاستيلاء، وقد تكون بالدوام والثبات فالمؤمن وإن صار مغلوبًا في بعض الأوقات بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب، ولا يلزم على هذه الآية أن يقال: فقد قتل بعض الأنبياء وقد هزم كثير من المؤمنين ثم قال تعالى لرسوله وقد أخبره بما تقدم {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} والمراد تك مقاتلتهم والثقة بما وعدناهم إلى حين يتمتعون، ثم تحل بهم الحسرة والندامة، واختلف المفسرون فقيل المراد إلى يوم بدر، وقيل إلى فتح مكة، وقيل إلى يوم القيامة، ثم قال: {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} والمعنى بأبصرهم وما يقضي عليهم من القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة، فسوف يبصرونك مع ما قدر لك من النصرة والتأييد في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة، والمراد من الأمر المشاهد بأبصارهم على الحال المنتظرة الموعودة الدلالة على أنها كائنة واقعة لا محالة، وأن كينونتها قريبة كأنها قدام ناظريك، وقوله: {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} للتهديد والوعيد، ثم قال: {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} والمعنى أن الرسول عليه السلام كان يهددهم بالعذاب، وما رأوا شيئًا فكانوا يستعجلون نزول ذلك العذاب على سبيل الاستهزاء، فبين تعالى أن ذلك الاستعجال جهل، لأن لكل شيء من أفعال الله تعالى وقتًا معينًا لا يتقدم ولا يتأخر، فكأن طلب حدوثه قبل مجيء ذلك الوقت جهلًا، ثم قال تعالى: في صفة العذاب الذي يستعجلونه {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي هذا العذاب {فَسَاء صَبَاحُ المنذرين} وإنما وقع هذا التعبير عن هذه المعاني كأنهم كانوا يقدمون على العادة في وقت الصباح، فجعل ذكر ذلك الوقت كناية عن ذلك العمل، ثم أعاد تعالى قوله: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} فقيل المراد من هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا، وفي هذه الكلمة أحوال القيامة، وعلى هذا التقدير فالتكرير زائل، وقيل إن المراد من التكرير المبالغة في التهديد والتهويل، ثم إنه تعالى ختم السورة بخاتمة شريفة جامعة لكل المطالب العالية، وذلك لأن أهم المهمات للعاقل معرفة أحوال ثلاثة فأولها معرفة إله العالم بقدر الطاقة البشرية، وأقصى ما يمكن عرفانه من صفات الله تعالى ثلاثة أنواع أحدهما: تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهية، وهو لفظة سبحان وثانيها: وصفه بكل ما يليق بصفات الإلهية وهو قوله: {رَبّ العزة} فإن الربوبية إشارة إلى التربية وهي دالة على كمال الحكمة، والرحمة والعزة إشارة إلى كمال القدرة وثالثها: كونه منزهًا في الإلهية عن الشريك والنظير، وقوله: {رب العزة} يدل على أنه القادر على جميع الحوادث، لأن الألف واللام في قوله: {العزة} تفيد الاستغراق، وإذا كل الكل ملكًا له وملكًا له ولم يبق لغيره شيء، فثبت أن قوله: {سبحان رَبّكَ رَبّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات في معرفة إله العالم والمهم الثاني: من مهمات العاقل أن يعرف أنه كيف ينبغي أن يعامل نفسه ويعامل الخلق في هذه الحياة الدنيوية.
واعلم أن أكثر الخلق ناقصون ولابد لهم من مكمل يكملهم، ومرشد يرشدهم، وهاد يهديهم، وما ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبديهة الفطرة شاهدة بأنه يجب على الناقص الاقتداء بالكامل، فنبه على هذا الحرف يقوله: {وسلام على المرسلين} لأن هذا اللفظ يدل على أنهم في الكمال اللائق بالبشر فاقوا غيرهم، ولا جرم يجب على كل من سواهم الاقتداء بهم والمهم الثالث: من مهمات العاقل أن يعرف أنه كيف يكون حاله بعد الموت.
واعلم أن معرفة هذه الحالة قبل الموت صعبة، فالاعتماد فيها على حرف واحد، وهو أنه إله العالم غني رحيم، والغني الرحيم لا يعذب فنبه على هذا الحرف بقوله: {والحمد للَّهِ رَبّ العالمين} وذلك لأن استحقاق الحمد لا يحصل إلا بالإنعام العظيم، فبين بهذا كونه منعمًا، وظاهر كونه غنيًا عن العالمين، ومن هذا وصفه كان الغالب منه هو الرحمة والفضل والكرم، فكان هذا الحرف منبهًا على سلامة الحال بعد الموت، فظهر بما ذكرنا أن هذه الخاتمة كالصدفة المحتوية على درر أشرف من دراري الكواكب، ونسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة والعافية في الدنيا والآخرة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين}.
قال الفراء: أي بالسعادة.
وقيل: أراد بالكلمة قوله عز وجل: {كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلي} [المجادلة: 21] قال الحسن: لم يُقتَل من أصحاب الشرائع قط أحد.
{إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} أي سبق الوعد بنصرهم بالحجة والغلبة.
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} على المعنى ولو كان على اللفظ لكان هو الغالب مثل {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأحزاب} [ص: 11].
وقال الشيباني: جاء هاهنا على الجمع من أجل أنه رأس آية.
قوله تعالى: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي أعرض عنهم.
{حتى حِينٍ} قال قتادة: إلى الموت.
وقال الزجاج: إلى الوقت الذي أمهلوا إليه.
وقال ابن عباس: يعني القتل ببدر.
وقيل: يعني فتح مكة.
وقيل: الآية منسوخة بآية السيف.
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} قال قتادة: سوف يبصرون حين لا ينفعهم الإِبصار.
وعسى من اللّه للوجوب وعبّر بالإبصار عن تقريب الأمر؛ أي عن قريب يبصرون.
وقيل: المعنى فسوف يبصرون العذاب يوم القيامة.
{أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} كانوا يقولون من فرط تكذيبهم متى هذا العذاب؛ أي لا تستعجلوه فإنه واقع بكم.
قوله تعالى: {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} أي العذاب.
قال الزجاج: وكان عذاب هؤلاء بالقتل.
ومعنى {بِسَاحَتِهِمْ} أي بدارهم؛ عن السّدي وغيره.
والساحة والسَّحْسَة في اللغة فِناء الدار الواسع.
الفرّاء: {نَزَل بِسَاحَتِهِمْ} ونزل بهم سواء.
{فَسَاءَ صَبَاحُ المنذرين} أي بئس صباح الذين أنذروا بالعذاب.
وفيه إضمار أي فساء الصباح صباحهم.
وخصّ الصباح بالذكر؛ لأن العذاب كان يأتيهم فيه.
ومنه الحديث الذي رواه أنس رضي اللّه عنه قال: «لما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيْبر، وكانوا خارجين إلى مزارعهم ومعهم المَساحى، فقالوا: محمد والخمِيس، ورجعوا إلى حصنهم؛ فقال صلى الله عليه وسلم: اللّه أكبر خَرِبت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين» وهو يبين معنى {فَإِذا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} يريد النبي صلى الله عليه وسلم.
{وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} كرر تأكيدًا وكذا {وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} تأكيد أيضًا.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}.
فيه أربع مسائل:
الأولى قوله تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ} نزّه سبحانه نفسه عما أضاف إليه المشركون.
{رَبِّ العزة} على البدل.
ويجوز النصب على المدح، والرفع بمعنى هو ربّ العزة.
{عَمَّا يَصِفُونَ} أي من الصاحبة والولد.
وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى «سُبْحَانَ اللَّهِ» فقال: «هو تنزيه اللّه عن كل سوء» وقد مضى في البقرة مستوفى.
الثانية سئل محمد بن سُحْنون عن معنى {رَبِّ الْعِزَّةِ} لِم جاز ذلك والعزّة من صفات الذات، ولا يقال ربّ القدرة ونحوها من صفات ذاته جل وعزّ؟ فقال: العزة تكون صفة ذات وصفة فعل، فصفة الذات نحو قوله: {فَلِلَّهِ العزة جَمِيعًا} [فاطر: 10] وصفة الفعل نحو قوله: {رَبِّ الْعِزَّةِ} والمعنى ربّ العزّة التي يتعازّ بها الخلق فيما بينهم فهي من خلق اللّه عز وجل.
قال: وقد جاء في التفسير إن العزة هاهنا يراد بها الملائكة.
قال: وقال بعض علمائنا: من حلف بعزة اللّه فإن أراد عزته التي هي صفته فحنِث فعليه الكفارة، وإن أراد التي جعلها اللّه بين عباده فلا كفارة عليه.
الماوردي: {رَبِّ الْعِزَّةِ} يحتمل وجهين: أحدهما مالك العزّة، والثاني ربّ كل شيء متعزِّز من ملِك أو متجبِّر.
قلت: وعلى الوجهين فلا كفَّارة إذا نواها الحالف.
الثالثة روي من حديث أبي سعيد الخدريّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول قبل أن يُسلِّم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ} إلى آخر السورة ذكره الثعلبي.
قلت: قرأت على الشيخ الإمام المحدّث الحافظ أبي عليّ الحسن بن محمد بن محمد بن محمد بن عمروك البكريّ بالجزيرة قُبَالة المنصورة من الديار المصرية، قال أخبرتنا الحرّة أم المؤيد زينب بنت عبد الرحمن بن الحسن الشعري بنيسابور في المرة الأولى، أخبرنا أبو محمد إسماعيل ابن أبي بكر القارىء، قال حدثنا أبو الحسن عبد القادر بن محمد الفارسيّ، قال حدّثنا أبو سهل بشر بن أحمد الإسفرايني، قال حدّثنا أبو سليمان داود بن الحسين البيهقي، قال حدَّثنا أبو زكرياء يحيى بن يحيى بن عبد الرحمن التميمي النيسابوري، قال حدّثنا هُشَيم عن أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخُدريّ قال: سمعت رسول صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا مرتين يقول في آخر صلاته أو حين ينصرف {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ على المرسلين والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين}.
قال المارودي: روى الشعبي قال قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلاَمٌ على المرسلين}» ذكره الثعلبي من حديث عليّ رضي اللّه عنه مرفوعًا.
الرابعة قوله تعالى: {وَسَلاَمٌ على المرسلين} أي الذين بلّغوا عن اللّه تعالى التوحيد والرسالة.
وقال أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا سلّمتم عليّ فسلّموا على المرسلين فإنما أنا رسول من المرسلين» وقيل: معنى {وَسَلاَمٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ} أي أَمْنٌ لهم من اللّه جل وعز يوم الفزع الأكبر.
{والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} أي على إرسال المرسلين مبشرين ومنذرين.
وقيل: أي على جميع ما أنعم اللّه به على الخلق أجمعين.
وقيل: أي على هلاك المشركين؛ دليله: {فَقُطِعَ دَابِرُ القوم الذين ظَلَمُواْ والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} [الأنعام: 45].
قلت: والكل مراد والحمد يعم.
ومعنى {يَصِفُونَ} يكذِبون، والتقدير عما يصفون من الكذب. اهـ.