فصل: حكمة تحديد مدة الرضاعة بحولين كاملين من منظور علمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.حكمة تحديد مدة الرضاعة بحولين كاملين من منظور علمي:

أ.د. مجاهد محمد أبو المجد:
ذكر كتاب نلسون وهو أحد المراجع المشهورة في طب الأطفال في طبعته عام 1994م: أن الأبحاث الحديثة أظهرت وجود علاقة ارتباطية قوية بين عدد ومدة الرضاعة من ثدي الأم وبين ظهور مرض السكري من النوع الأول في عدد من الدراسات على الأطفال في كل من النرويج والسويد والدنمارك. وعلل الباحثون ذلك بأن لبن الأم يمد الطفل بحماية ضد عوامل بيئية تؤدي إلى تدمير خلايا بيتا البنكرياسية في الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي لذلك. وأن مكونات الألبن الصناعية وأطعمة الرضع تحتوي على مواد كيميائية سامة لخلايا بيتا البنكرياسية، وأن ألبان البقر تحتوي على بروتينات يمكن أن تكون ضارة لهذه الخلايا، كما لوحظ أيضا في بعض البلدان الأخرى أن مدة الرضاعة من الثدي تتناسب عكسيا مع حدوث مرض السكري لذلك ينصح الباحثون الآن بإطالة مدة الرضاعة من ثدي الأم للوقاية من هذا المرض الخطير وللحفاظ على صحة الأطفال في المستقبل. وبناء على هذه الحقائق برزت في السنوات الأخيرة نظرية مفادها أن بروتين لبن البقر يمكن أن يحدث تفاعلًا حيويًا مناعيًا يؤدي إلى تحطيم خلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين. ويعضد هذه النظرية وجود أجسام مضادة بنسب مرتفة لبروتين لبن البقر في مصل الأطفال المصابين بداء السكري بالمقارنة مع الأطفال غير المصابين بالمرض كمجموعة مقارنة Borch- Nelson 1994 ext book of pediatric، 15th.ed.
وفي دراسة حديثة منشورة في مجلة السكري في يناير 1998م: استخلص الباحثون أن البروتين الموجود في لبن الأبقار يعتبر عاملًا مستقلًا في إصابة بعض الأطفال بمرض السكري بغض النظر عن الاستعداد الوراثي (Scand J Immunol. 1998 Fed، 47: 2، 131- 5). وفي دراسة حديثة منشورة في فبراير 1998م في جريدة المناعة أشار المؤلفون إلا أن تناول لبن البقر وبعض الألبان الصناعية كبديل للبن الأم يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بمرض السكري في هؤلاء الأطفال، وقد أجريت هذه الدراسة على أطفال صغار السن حتى الشهر التاسع من العمر ولهذ نصح المؤلفون بإطالة مدة الرضاعة الطبيعية (Saukkonen et al.،Daiadetologia، 1998 Jan. 4: 7، 72- 8).
وفي دراسة مشابهة منشورة في مجلة السكري يناير 1994م: أوضح الباحثون وجود ارتباط قوي بين تناول منتجات الألبان الصناعية خاصة لبن الأبقار في السن المبكر حتى العام الأول من العمر وازدياد نسبة الإصابة بمرض السكري (Garstein He، Diabetes، 1994 Jan. 17: 1،13- 9). وفي دؤاسة أجريت بقسم الباطنة سنة 1995م تحت إشرافي وجدنا أن الأجسام المناعية المضادة للبن الأبقار وجدت في مصل الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار حتى نهاية العام الثاني أما الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار بعد عامين من العمر فلم يتضح فيهم وجود هذه الأجسام المناعية مما يظهر جليًا حكمة تحديد القرآن الكريم للرضاعة بعامين كاملين. لكن لماذا يسبب لبن الأبقار هذا الضرر قبل العام الثاني بينما يزول الأثر السيء للبن الأبقار بعد هذه المدة؟
في دراسة أجريت بفنلندا عام 1994م منشورة في مجلة المناعة الذاتية (Autoimmunity 1994 23: 165- 74) يقول المؤلفون: أن بروتين لبن الأبقار يمر بحالته الطبيعية من الغشاء المبطن للجهاز الهضمي نتيجة عدم اكتمال نمو هذا الغشاء من خلال ممرات موجودة فيه. حيث إن إنزيمات الجهاز الهضمي لا تستطيع تكسير البروتين إلى أحماض أمينية ولذلك يدخل بروتين لبن الابقار كبروتين مركب مما يحفز على تكوين أجسام مناعية داخل جسم الطفل.
وتشير المراجع الحديثة إلى أن الإنزيمات والغشاء المبطن للجهاز الهضمي وحركية هذا الجهاز وديناميكية الهضم والامتصاص لا يتكل عملها بصورة طبيعية في الأشهر الأولى بعد الولادة وتكتمل تدريجيا حتى نهاية العام الثاني (Lucas et: 1992 Lancet 59722- 730).
ومجموع هذه الأبحاث يشير إلى أنه كلما اقتربت مدة الرضاعة الطبيعية من عامين كلما قل تركيز الأجسام المناعية الضارة بخلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين وكلما بدأت الرضاعة البديلة وخاصة لبن الأبقار في فترة مبكرة بعد الولادة كلما ازداد تركيز الأجسام المناعية الضارة في مصل الأطفال (Pettitt et؛1997 Lancet: 16- 168).
وفي إشارة علمية دقيقة أخرى للقرآن الكريم نراه يحدد مدة الرضاعة بما يقرب من حولين كما جاء في الآية رقم 14 في سورة لقمان {ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنًا على وهن وفصاله في عامين} والآية رقم 15 في سورة الأحقاف {حملته أمه كرهًا ووضعته كرهًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرًا} ويفهم من هذا إن أرضاع الحولين ليس حتمًا بل هو التمام، ويجوز الاقتصار على ما هو دونه، كما أشارت الأحكام الإسلامية الخاصة بالرضاعة إلى ذلك اعتمادا على قوله تعالى: {فإن أرادا فصالًا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عيهما} الآية. يقول بن كثير رحمه الله أي فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ورأيا ذلك في مصلحه له وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه، فلا جناح عليهما في ذلك، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك بدون الآخر لا يكفي، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر، قاله الثوري وغيره. وهذا فيه احتياط للطفل والتزام للنظر في أمره وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه.
وهكذا يتضح جليًا حكمة تحديد الرضاعة بحولين كاملين في إشارة علمية دقيقة من القرآن الكريم. وجاءت الأبحاث العلمية الحديثة لتؤكد ولتبرهن على صدق إعجاز ما أخبر به القرآن الكريم، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام قال تعالى: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد} فصلت53. اهـ.

.تفسير الآية رقم (234):

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما ذكر الرضاع وكان من تقاديره ما إذا مات الأب ذكر عدة الوفاة لذلك وتتميمًا لأنواع العدد فقال. وقال الحرالي: لما ذكر عدة الطلاق الذي هو فرقة الحياة انتظم برأس آيته ذكر عدة الوفاة الذي هو فراق الموت واتصل بالآية السابقة لما انجر في ذكر الرضاع من موت الوالد وأمر الوارث وكذلك كل آية تكون رأسًا لها متصلان متصل بالرأس النظير لها المنتظمة به ومتصل بالآية السابقة قبلها بوجه ما- انتهى. فقال: {والذين} أي وأزواج الذين {يتوفون منكم} أي يحصل وفاتهم بأن يستوفي أنفسهم التي كانت عارية في أبدانهم الذي أعارهم إياها. قال الحرالي: من الوفاة وهو استخلاص الحق من حيث وضع، إن الله عز وجل نفخ الروح وأودع النفس ليستوفيها بعد أجل من حيث أودعها فكان ذلك توفيًا تفعلًا من الوفاء وهو أداء الحق {ويذرون} من الوذر وهو أن يؤخذ المرء عما شأنه إمساكه {أزواجًا} بعدهم. ولما أريد تأكيد التربص مراعاة لحق الأزواج وحفظًا لقلوب الأقارب واحتياطًا للنكاح أتى به في صيغة الخبر الذي من شأنه أن يكون قد وجد وتمّ فقال: {يتربصن} أي ينتظرن أزواجهن لانقضاء العدة. ولما كان الممنوع إنما هو العقد والتعرض له بالأفعال دون طلبه بالتعريض قال معبرًا بالنفس لذلك وللتنبيه على أن العجلة عن ذلك إنما تكون شهوة نفسانية بهيمية ليكون ذلك حاويًا على البعد عنها: {بأنفسهن} فلا يبذلنها لزوج ولا يخرجن من منزل الوفاة ويتركن الزينة وكل ما للنفس فيه شهوة تدعو إلى النكاح كما بينت ذلك السنّة {أربعة أشهر وعشرًا} إن كن حرائر ولم يكن حمل سواء كانت صغيرة أو كبيرة تحيض أو لا، ابتداؤها من حين الوفاة لأنها السبب وغلب الليالي فأسقط التاء لأن أول الشهر الليل {فإذا بلغن أجلهن} ولما كان الله سبحانه وتعالى قد جعل المسلمين كالجسد الواحد وكان الكلام في أزواج الموتى أعلم سبحانه وتعالى بأنه يجب على إخوانهم المسلمين من حفظ حقوقهم ما كانوا يحفظونه لو كانوا أحياء بقوله: {فلا جناح عليكم} أي يا أهل الدين {فيما} ولما كان لابد من إذن المرأة وقد تأذن للقاضي على رغم الولي عند عضله مثلا أسند الفعل إليهن فقال: {فعلن في أنفسهن} أي من النكاح ومقدماته التي كانت ممنوعة منها بالإحداد، ولا يحمل هذا على المباشرة ليكون دليلًا على- إنكاح المرأة نفسها لمعارضة آية: {ولا تعضلوهن} المتأيدة بالسنّة. ولما كان ذلك قد لا يكون على وجه شرعي قال: {بالمعروف} لينصرف إلى الكامل فلا يكون في ذلك شوب نكارة، فإن فعلن ما ينكر كان على الناس الجناح بترك الأمر كما عليهن بالفعل؛ وأجمع الفقهاء غير أبي مسلم الأصفهاني على أن هذه الآية ناسخة لآية العدة بالحول، والتقدم في التلاوة لا يمنع التأخر في النزول لأن الترتيب ليس على ترتيب النزول- نقل ذلك الشمس الأصفهاني، ويرد عليه ما سيأتي نقله له عن مجاهد.
ولما كان التقدير: فالله حد لكم هذه الحدود فاحفظوها عطف عليه قوله محذرًا من التهاون في شيء منها في أنفسهم أو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حق غيرهم: {والله} أي الذي له صفات الكمال {بما تعملون} من سر وعلانية. ولما كان هنا من أمر العدة ما لم تعرفه العرب قبل فربما أنكرته القلوب لكونها لم تفهم سره وكان أمر النكاح إن قيد بالمعروف باطنًا ختم بقوله: {خبير} أي يعلم خفايا البواطن كما يعلم ظواهرها فاحذروا مخالفته وأطيعوا أمره. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {والذين} مبتدأ ولابد له من خبر، واختلفوا في خبره على أقوال:
الأول: أن المضاف محذوف والتقدير، وأزواج الذين يتوفون منكم يتربصن.
والثاني: وهو قول الأخفش التقدير: يتربصن بعدهم إلا أنه أسقط لظهوره كقوله: السمن منوان بدرهم وقوله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور} [الشورى: 43].
والثالث: وهو قول المبرد: والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا، أزواجهم يتربصن، قال: وإضمار المبتدأ ليس بغريب قال تعالى: {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم النار} [الحج: 72] يعني هو النار، وقوله: {فَصَبْرٌ جَمِيلٌ} [يوسف: 18].
فإن قيل: أنتم أضمرتم هاهنا مبتدأ مضافًا، وليس ذلك شيئًا واحدًا بل شيئان، والأمثلة التي ذكرتم المضمر فيها شيء واحد.
{لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الذين كَفَرُواْ في البلاد متاع قَلِيلٌ} [آل عمران: 196، 197] والمعنى: تقلبهم متاع قليل الرابع: وهو قول الكسائي والفراء، أن قوله تعالى: {والذين يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ} مبتدأ، إلا أن الغرض غير متعلق هاهنا ببيان حكم عائد إليهم، بل ببيان حكم عائد إلى أزوجهم، فلا جرم لم يذكر لذلك المبتدأ خبرًا، وأنكر المبرد والزجاج ذلك، لأن مجئ المبتدأ بدون الخبر محال. اهـ.