فصل: قال الماوردي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فخرج يونس عليه السلام، فمر بجانب مدينة نينوى، فرأى هناك غلامًا يرعى، فقال: من أنت يا غلام؟ فقال: من قوم يونس.
فقال: فإذا رجعت إليهم فأخبرهم بأنك قد رأيت يونس.
فقال الغلام: إنه من يحدث، ولم تكن له بينة قتلوه.
فقال له يونس: تشهد لك هذه البقعة، وهذه الشجرة.
فدخل، وقال للملك: إني رأيت يونس عليه السلام يقرئك السلام، فلم يصدقوه، حتى خرجوا.
فشهدت له الشجرة، والبقعة.
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: فأخذ الملك بيد الغلام، وقال: أنت أحق بالملك مني.
فأقام الغلام أميرهم أربعين سنة.
ثم قال عز وجل: {فاستفتهم} يعني: سل أهل مكة {أَلِرَبّكَ البنات} قال مقاتل: وذلك أن جنسًا من الملائكة، يقال لهم: الجن منهم إبليس.
قال بعض الكفار: إن الله عز وجل اتخذتهم بناتًا لنفسه، فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه: فمن أمهم؟ فقالوا: سروات الجن.
فذلك قوله: {أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} يعني: يختارون له البنات، ولأنفسهم البنين.
ثم قال: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} يعني: كانوا شاهدين حاضرين حين خلقهم بناتًا {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ} يعني: من كذبهم {لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لكاذبون} في قلوبهم.
ثم قال عز وجل: {أَصْطَفَى البنات على البنين} وذكر عن نافع أنه قرأ بإسقاط الألف في الوصل وهو قوله: {لكاذبون اصطفى} وبكسرها في الابتداء.
وجعلها ألف وصل، ولم يجعلها ألف قطع، ولا ألف استفهام.
ومعناها: أن الله عز وجل حكى عن كفار قريش أنهم يزعمون أن الملائكة بنات الله، وأنهم من إفكهم ليقولون: ولد الله، وإنهم لكاذبون في قولهم: اصطفى البنات على البنين.
وقرأ الباقون: {لكاذبون اصطفى} بإثبات الألف على معنى الاستفهام.
فلفظه لفظ الاستفهام، والمراد به الزجر.
ثم قال عز وجل: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} يعني: كيف تقضون بالحق {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أنه لا يختار البنات على البنين {أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} يعني: ألكم حجة.
ويقال: ألكم عذر بيّن في كتاب الله، أنزل الله إليكم بأن الملائكة بناته {فَأْتُواْ بكتابكم} يعني: أي بعذركم وحجتكم {إِن كُنتُمْ صادقين} في مقالتكم.
ثم قال عز وجل: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} يعني: وصفوا بين الرب، وبين الملائكة نسبًا حين زعموا أنهم بناته.
ويقال: جعلوا بينه وبين إبليس قرابة.
وروى جبير عن الضحاك قال: قالت قريش: إن إبليس أخو الرحمن.
وقال عكرمة: {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} قالوا: الملائكة بنات الله، وجعلوهم من الجن.
وهكذا قال القتبي.
ثم قال: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة} قال مقاتل والكلبي: يعني: علمت الملائكة الذين قالوا إنهم البنات {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أن من قال: إنهم بناته لمحضرون في النار.
ويقال: لو علمت الملائكة أنهم لو قالوا بذلك، أدخلوا النار ثم قال عز وجل: {سبحان الله عَمَّا يَصِفُونَ} يعني: تنزيهًا لله عما يصف الكفار.
ثم استثنى على معنى التقديم والتأخير، يعني: فقال إنهم لمحضرون {إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} يعني: الموحدين.
فإنهم لا يقولون ذلك.
ثم قال عز وجل: {فَإِنَّكُمْ} يا أهل مكة {وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بفاتنين} يعني: ما أنتم عليه بمضلين أحدًا بآلهتكم {إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} يعني: إلا من قدر الله له أن يصلى الجحيم.
ويقال: إلا من كان في علم الله تعالى أنه يصلى الجحيم.
ويقال: إلا من قدرت عليه الضلالة، وعلمت ذلك منه، وأنتم لا تقدرون على الإضلال والهدى {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} يعني: قل يا جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم.
يعني: مصلى معروفًا في السماء، يصلي فيه ويعبد الله تعالى فيه {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصافون} يعني: صفوف الملائكة في السموات.
وروي عن مسروق، عن ابن مسعود قال: إن في السموات لسماء ما فيها موضع شبر إلا وعليه جبهة ملك ساجد.
وروي: أو قدماه.
وروي عن مجاهد عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَها أنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ شِبْر إلاَّ وَفِيهِ جَبْهَةُ مَلَك سَاجِد».
ويقال: إن جبريل عليه السلام جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: (المزمل: 20) {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} في السموات، يعبد الله عز وجل فيه {وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} يعني: المصلين {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أدنى مِن ثُلُثَىِ الليل وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَآئِفَةٌ مِّنَ الذين مَعَكَ والله يُقَدِّرُ الليل والنهار عَلِمَ أَلَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القرءان عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُمْ مرضى وَءَاخَرُونَ يَضْرِبُونَ في الأرض يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ الله وَءَاخَرُونَ يقاتلون في سَبِيلِ الله فاقرءوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكواة وَأَقْرِضُواُ الله قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُواْ لًانفُسِكُمْ مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا واستغفروا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المزمل: 20] {وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا} يعني: إن أهل مكة كانوا يقولون: لو أتانا بكتاب مثل اليهود والنصارى، لكنا نؤمن، فذلك قوله عز وجل: {لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مّنَ الاولين} يعني: لو جاءنا رسول {لَكُنَّا عِبَادَ الله المخلصين} يعني: الموحدين.
فلما جاءهم محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم كفروا به.
ويقال: يعني: بالقرآن {فَكَفَرُواْ بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} يعني: يعرفون في الآخرة، وهذا وعيد لهم.
ويقال في الدنيا.
قوله عز وجل: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا} يعني: قد مضت كلمتنا بالنصرة لعبادنا {المرسلين} يعني: الأنبياء عليهم السلام وهو قوله عز وجل: {كَتَبَ الله لاّغْلِبَنَّ أَنَاْ ورسلى إِنَّ الله قَوِىٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة: 21] {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} في الدنيا على أعدائهم {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} يعني: المؤمنون أهل ديننا.
ويقال: رسلنا لهم الغالبون في الدنيا بالغلبة، والحجة في الآخرة {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} يعني: فأعرض عنهم إلى نزول العذاب، وكان ذلك قبل أن يؤمر بالقتال {حتى حِينٍ} قال الكلبي: إلى فتح مكة.
ويقال: إلى أن تؤمر بالقتال {وأبصارهم} يعني: أعلمهم ذلك {فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} يعني: يرون ماذا يفعل بهم إذا نزل بهم العذاب {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} يعني: أفبعذاب مثلي {يَسْتَعْجِلُونَ} {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} يعني: بقربهم وحضرتهم {فَسَاء صَبَاحُ المنذرين} يعني: بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب.
وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما نزل بقرب خيبر قال: «هَلَكَت خَيْبَرُ إنَّا إذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ المُنْذَرينَ» يعني: من أنذرتهم فلم يؤمنوا.
قوله عز وجل: {وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} وتكرار الكلام للتأكيد، والمبالغة في الحجة.
ثم نزّه نفسه عما قالت الكفار، فقال عز وجل: {سبحان رَبّكَ} يا محمد {رَبّ العزة} والقدرة {عَمَّا يَصِفُونَ} يعني: عما يقولون وقرئ في الشاذ {رَبّ العزة} ويكون نصبًا على المدح، وفي الشاذ قرئ {رَبُّ العِزَّة} بالرفع على معنى هو رب العزة.
وقراءة العامة: بالكسر على معنى النعت.
ثم قال عز وجل: {وسلام على المرسلين} بتبليغ الرسالة.
ففي الآية دليل وتنبيه للمؤمنين بالتسليم على جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام.
ثم قال: {والحمد للَّهِ رَبّ العالمين} على هلاك الكافرين الذين لم يوحدوا ربهم.
ويقال: حمد الرب نفسه ليكون دليلًا لعباده، ليحمدوه سبحانه وتعالى والحمد لله رب العالمين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وإن من شيعته لإبراهيم} فيه وجهان:
أحدهما: من أهل دينه، قاله ابن عباس.
الثاني: على منهاجه وسنته، قاله مجاهد.
وفي أصل الشيعة في اللغة قولان:
أحدهما: أنهم الأتباع ومنه قول الشاعر:
قال الخليط غدًا تصدُّ عَنّا ** أو شيعَه أفلا تشيعنا

قوله أو شيعه أي اليوم الي يتبع غدًا، قاله ابن بحر.
الثاني: وهو قول الأصمعي الشيعة الأعوان، وهو مأخوذ من الشياع وهو الحطب الصغار الذي يوضع مع الكبار حتى يستوقد لأنه يعين على الوقود.
ثم فيه قولان:
أحدهما: إن من شيعة محمد لإبراهيم عليهما السلام، قاله الكلبي والفراء.
الثاني: من شيعة نوح لإبراهيم، قاله مجاهد ومقاتل.
وفي إبراهيم وجهان:
أحدهما: أنه اسم أعجمي وهو قول الأكثرين.
الثاني: مشتق من البرهمة وهي إدّامة النظر.
قوله عز وجل: {إذ جاء ربّه بقَلْب سليم} فيه أربعة أوجه:
أحدها: سليم من الشك، قاله قتادة.
الثاني: سليم من الشرك، قاله الحسن.
الثالث: مخلص، قاله الضحاك.
الرابع: ألا يكون لعانًا، قاله عروة بن الزبير.
ويحتمل مجيئه إلى ربه وجهين:
أحدهما: عند دعائه إلى توحيده وطاعته.
الثاني: عند إلقائه في النار.
قوله عز وجل: {فنظر نظرة في النجوم} فيها أربعة تأويلات:
أحدها: أنه رأى نجمًا طالعًا، فعلم بذلك أن له إلهًا خالقًا، فكان هذا نظره في النجوم، قاله سعيد بن المسيب.
الثاني: أنها كلمة من كلام العرب إذا تفكر الرجل في أمره قالوا قد نظر في النجوم، قاله قتادة.
الثالث: أنه نظر فيما نجم من قولهم، وهذا قول الحسن.
الرابع: أن علم النجوم كان من النبوة، فلما حبس الله تعالى الشمس على يوشع بن نون أبطل ذلك، فنظر إبراهيم فيها كان علمًا نبويًا، قاله ابن عائشة.
وحكى جويبر عن الضحاك أن علم النجوم كان باقيًا إلى زمن عيسى ابن مريم عليه السلام حتى دخلوا عليه في موضع لا يطلع عليه فقالت لهم مريم من أين علمتم موضعه؟ قالوا: من النجوم، فدعا ربه عند ذلك فقال: اللهم فوهمهم في علمها فلا يعلم علم النجوم أحد، فصار حكمها في الشرع محظورًا وعلمها في الناس مجهولًا. قال الكلبي وكانوا بقرية بين البصرة والكوفة يقال لها هرمزجرد وكانوا ينظرون في النجوم.
{فقال إني سقيم} فيه سبعة تأويلات:
أحدها: أنه استدل بها على وقت حمى كانت تأتيه.
الثاني: سقيم بما في عنقي من الموت.
الثالث: سقيم بما أرى من قبح أفعالكم في عبادة غير الله.
الرابع: سقيم لشكه.
الخامس: لعلمه بأن له إلهًا خالقًا معبودًا، قاله ابن بحر.
السادس: لعلة عرضت له.
السابع: أن ملكهم أرسل إليه أن غدًا عيدنا فاخرج، فنظر إلى نجم فقال: إن ذا النجم لم يطلع قط إلا طلع بسقمي، فتولوا عنه مدبرين، قاله عبد الرحمن بن زيد قال سعيد بن المسيب: كابد نبي الله عن دينه فقال إني سقيم. وقال سفيان: كانوا يفرون من المطعون فأراد أن يخلوا بآلهتهم فقال: إني سقيم أي طعين وهذه خطيئته التي قال اغفر لي خطيئتي يوم الدين وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لم يكذب إبراهيم غير ثلاث: ثنتين في ذات الله عز وجل قوله إني سقيم، وقوله بل فعله كبيرهم هذا، وقوله في سارة هي أختي».
{فراغ إلى ءَالَهِتِهِمْ} فيه أربعة أوجه:
أحدها: ذهب إليهم، قاله السدي.
الثاني: مال إليهم، قاله قتادة.
الثالث: صال عليهم، قاله الأخفش.
الرابع: أقبل عليهم، قاله الكلبي وقطرب، وهذا قريب من المعنيين المتقدمين.
{فقال ألا تأكلون} فيه قولان:
أحدهما: أنه قال ذلك استهزاء بهم، قاله ابن زياد.
الثاني: أنه وجدهم حين خرجوا إلى عيدهم قد صنعوا لآلهتهم طعامًا لتبارك لهم فيه فلذلك قال للأصنام وإن كانت لا تعقل عنه الكلام احتجاجًا على جهل من عبدها. وتنبيهًا على عجزها، ولذلك قال: {ما لكم لا تنطقون}.
{فراغ عليهم ضربًا باليمين} فيه ثلاثة تأويلات:
أحدها: يده اليمنى. قاله الضحاك، لأنها أقوى والضرب بها أشد.
الثاني: باليمين التي حلفها حين قال: {وتالله لأكيدن أصنامكم} حكاه ابن عيسى.