فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

ويتوفون مبني للمجهول، وهو من الأفعال التي التزمت العرب فيها البناء للمجهول مثل عني واضطر، وذلك في كل فعل قد عرف فاعله ما هو، أو لم يعرفوا له فاعلًا معينًا.
وهو من توفاه الله أو توفاه الموت فاستعمال التوفي منه مجاز، تنزيلًا لعمر الحي منزلة حق للموت، أو لخالق الموت، فقالوا: توفى فلان كما يقال: توفى الحق ونظيره قبض فلان، وقبض الحق فصار المراد من توفى: مات، كما صار المراد من قبض وشاع هذا المجاز حتى صار حقيقة عرفية وجاء الإسلام فقال الله تعالى: {الله يتوفى الأنفس} [الزمر: 42] وقال: {حتى يتوفاهن الموت} [النساء: 15] وقال: {قل يتوفاكم ملك الموت} [السجدة: 11] فظهر الفاعل المجهول عندهم في مقام التعليم أو الموعظة، وأبقي استعمال الفعل مبنيًا للمجهول فيما عدا ذلك إيجازًا وتبعًا للاستعمال.
وقوله: {يتربصن بأنفسهن} خبر {الذين} وقد حصل الربط بين المبتدأ والخبر بضمير {يتربصن}، العائد إلى الأزواج، الذي هو مفعول الفعل المعطوف على الصلة، فهن أزواج المتوفين؛ لأن الضمير قائم مقام الظاهر، وهذا الظاهر قائم مقام المضاف إلى ضمير المبتدأ، بناء على مذهب الأخفش والكسائي من الاكتفاء في الربط بعود الضمير على اسم مضاف إلى مثل العائد، وخالف الجمهور في ذلك، كما في التسهيل وشرحه، ولذلك قدروا هنا: {ويذرون أزواجًا يتربصن} بعدهم كما قالوا: السَّمْن مَنَوَانِ بِدِرْهَم أي منه، وقيل: التقدير: وأزواج الذين يتوفون منكم إلخ يتربصن، بناء على أنه حذف لمضاف، وبذلك قدر في الكشاف داعي إليه كما قال التفتازاني، وقيل التقدير: ومما يتلى عليكم حكم الذين يتوفون منكم، ونقل ذلك عن سيبويه، فيكون {يتربصن} استئنافًا، وكلها تقديرات لا فائدة فيها بعد استقامة المعنى.
وقوله: {يتربصن بأنفسهن} تقدم بيانه عند قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن} [البقرة: 228]. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وتأنيث اسم العدد في قوله: {وعشرًا} لمراعاة الليالي، والمراد: الليالي بأيامها؛ إذ لا تكون ليلة بلا يوم ولا يوم بلا ليلة، والعرب تعتبر الليالي في التاريخ والتأجيل، يقولون: كتب لسبع خلون في شهر كذا، وربما اعتبروا الأيام كما قال تعالى: {فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} [البقرة: 196] وقال: {أيامًا معدودات} [البقرة: 184] لأن عمل الصيام إنما يظهر في اليوم لا في الليلة.
قال في الكشاف: والعرب تجري أحكام التأنيث والتذكير في أسماء الأيام إذا لم تجر على لفظ مذكور، بالوجهين قال تعالى: {يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرًا نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يومًا} [طه: 103 104] فأراد بالعشر: الأيام ومع ذلك جردها من علامة تذكير العدد، لأن اليوم يعتبر مع ليلته.
وقد جعل الله عدة الوفاة منوطة بالأمد الذي يتحرك في مثله الجنين تحركًا بينًا، محافظة على أنساب الأموات؛ فإنه جعل عدة الطلاق ما يدل على براءة الرحم دلالة ظنية وهو الأقراء على ما تقدم؛ لأن المطلق يعلم حال مطلقته من طهر وعدمه، ومن قربانه إياها قبل الطلاق وعدمه، وكذلك العلوق لا يخفى فلو أنها ادعت عليه نسبًا وهو يوقن بانتفائه، كان له في اللعان مندوحة، أما الميت فلا يدافع عن نفسه، فجعلت عدته أمدًا مقطوعًا بانتفاء الحمل في مثله وهو الأربعة الأشهر والعشرة، فإن الحمل يكون نطفة أربعين يومًا، ثم علقة أربعين يومًا، ثم مضغة أربعين يومًا، ثم ينفخ فيه الروح، فما بين استقرار النطفة في الرحم إلى نفخ الروح في الجنين أربعة أشهر، وإذ قد كان الجنين عقب نفخ الروح فيه يقوى تدريجًا، جعلت العشر الليالي الزائدة على الأربعة الأشهر، لتحقق تحرك الجنين تحركًا بينًا، فإذا مضت هذه المدة حصل اليقين بانتفاء الحمل؛ إذ لو كان ثمة حمل لتحرك لا محالة، وهو يتحرك لأربعة أشهر، وزيدت عليها العشر احتياطًا لاختلاف حركات الأجنة قوة وضعفًا، باختلاف قوى الأمزجة. اهـ.

.قال القرطبي:

قال الخَطّابيّ: قوله: {وَعَشْرًا} يريد والله أعلم الأيام بلياليها. وقال المبرد: إنما أنث العشر لأن المراد به المدّة. والمعنى وعشر مدد، كل مدّة من يوم وليلة، فالليلة مع يومها مدّة معلومة من الدهر. وقيل: لم يقل عشرة تغليبًا لحكم الليالي إذ الليلة أسبق من اليوم والأيام في ضمنها. {وَعَشْرًا} أخف في اللفظ؛ فتغلّب الليالي على الأيام إذا اجتمعت في التاريخ، لأن ابتداء الشهور بالليل عندالاستهلال، فلما كان أوّل الشهر الليلة غلب الليلة؛ تقول: صمنا خمسًا من الشهر؛ فتغلب الليالي وإن كان الصوم بالنهار. وذهب مالك والشافعي والكوفيّون إلى أن المراد بها الأيام والليالي. قال ابن المنذر: فلو عقد عاقد عليها النكاح على هذا القول وقد مضت أربعة أشهر وعشر ليالي كان باطلًا حتى يمضي اليوم العاشر. وذهب بعض الفقهاء إلى أنه إذا انقضى لها أربعة أشهر وعشر ليالي حلت للأزواج، وذلك لأنه رأى العدّة مبهمة فغلّب التأنيث وتأوّلها على الليالي. اهـ.

.قال الفخر:

المراد من تربصها بنفسها الامتناع عن النكاح، والامتناع عن الخروج من المنزل الذي توفي زوجها فيه: والامتناع عن التزين وهذا اللفظ كالمجمل لأنه ليس فيه بيان أنها تتربص في أي شيء إلا أنا نقول: الامتناع عن النكاح مجمع عليه، وأما الامتناع عن الخروج من المنزل فواجب إلا عند الضرورة والحاجة، وأما ترك التزين فهو واجب، لما روي عن عائشة وحفصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» وقال الحسن والشعبي: هو غير واجب لأن الحديث يقتضي حل الإحداد لا وجوبه والله أعلم.
واحتجوا بما روي عن أسماء بنت عميس قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وتلبثي ثلاثًا ثم اصنعي ما شئت». اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {فإذا بلغن أجلهن} أي إذا انتهت المدة المعينة بالتربص، أي إذا بلغن بتربصهن تلك المدة، وجعل امتداد التربص بلوغًا، على وجه الإطلاق الشائع في قولهم بلغ الأمد، وأصله اسم البلوغ وهو الوصول، استعير لإكمال المدة تشبيهًا للزمان بالطريق الموصلة إلى المقصود.
والأجل مدة من الزمن جعلت ظرفًا لإيقاع فعل في نهايتها أو في أثنائها تارة. وضمير {أجلهن} للأزواج اللائي توفي عنهن أزواجهن، وعرف الأجل بالإضافة إلى ضميرهن دون غير الإضافة من طرق التعريف لما يؤذن به إضافة أجل من كونهن قضين ما عليهن، فلا تضايقوهن بالزيادة عليه.
وأسند البلوغ إليهن وأضيف الأجل إليهن، تنبيهًا على أن مشقة هذا الأجل عليهن.
ومعنى الجناح هنا: الحرج، لإزالة ما عسى أن يكون قد بقي في نفوس الناس من استفظاع تسرع النساء إلى التزوج بعد عدة الوفاة وقبل الحول، فإن أهل الزوج المتوفى قد يتحرجون من ذلك، فنفى الله هذا الحرج، وقال: {فيما فعلن في أنفسهن} تغليظًا لمن يتحرج من فعل غيره، كأنه يقول لو كانت المرأة ذات تعلق شديد بعهد زوجها المتوفى، لكان داعي زيادة تربصها من نفسها، فإذا لم يكن لها ذلك الداعي، فلماذا التحرج مما تفعله في نفسها.
ثم بين الله ذلك وقيده بأن يكون من المعروف نهيًا للمرأة أن تفعل ما ليس من المعروف شرعًا وعادة، كالإفراط في الحزن المنكر شرعًا وعادة، أو التظاهر بترك التزوج بعد زوجها، وتغليظًا للذين ينكرون على النساء تسرعهن للتزوج بعد العدة، أو بعد وضع الحمل، كما فعلت سبيعة أي فإن ذلك من المعروف. اهـ.

.قال الفخر:

وأما قوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فالمعنى إذا انقضت هذه المدة التي هي أجل العدة فلا جناح عليكم قيل الخطاب مع الأولياء لأنهم الذين يتولون العقد، وقيل: الخطاب مع الحكام وصلحاء المسلمين، وذلك لأنهن إن تزوجن في مدة العدة وجب على كل واحد منعهن عن ذلك إن قدر على المنع، فإن عجز وجب عليه أن يستعين بالسلطان، وذلك لأن المقصود من هذه العدة أنه لا يؤمن اشتمال فرجها على ماء زوجها الأول، وفي الآية وجه ثالث وهو أنه {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} تقديره: لا جناح على النساء وعليكم، ثم قال: {فِيمَا فَعَلْنَ في أَنفُسِهِنَّ بالمعروف} أي ما يحسن عقلًا وشرعًا لأنه ضد المنكر الذي لا يحسن، وذلك هو الحلال من التزوج إذا كان مستجمعًا لشرائط الصحة. اهـ.
قال الفخر:
بقي في الآية مسائل:

.المسألة الأولى: وجوب الإحداد على المرأة:

تمسك بعضهم في وجوب الإحداد على المرأة بقوله تعالى: {فِيمَا فَعَلْنَ في أَنفُسِهِنَّ} فإن ظاهره يقتضي أن يكون المراد منه ما تنفرد المرأة بفعله، والنكاح ليس كذلك، فإنه لا يتم إلا مع الغير فوجب أن يحمل ذلك على ما يتم بالمرأة وحدها من التزين والتطيب وغيرهما.

.المسألة الثانية: النكاح بغير ولي:

تمسك أصحاب أبي حنيفة بهذه الآية في جواز النكاح بغير ولي، قالوا: إنها إذا زوجت نفسها وجب أن يكون ذلك جائزًا لقوله تعالى: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنفُسِهِنَّ} وإضافة الفعل إلى الفاعل محمول على المباشرة، لأن هذا هو الحقيقة في اللفظة، وتمسك أصحاب الشافعي رضي الله تعالى عنه في أن هذا النكاح لا يصح إلا من الولي لأن قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} خطاب مع الأولياء ولولا أن هذا العقد لا يصح إلا من الولي وإلا لما صار مخاطبًا بقوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} وبالله التوفيق. اهـ.

.قال القرطبي:

في هذه الآية دليل على أن للأولياء منعهن من التبرُّج والتشوّف للزوج في زمان العِدّة. وفيها ردّ على إسحاق في قوله: إن المطلقة إذا طعنت في الحيضة الثالثة بانت وانقطعت رجعة الزوج الأوّل، إلاَّ أنه لا يحل لها أن تتزوّج حتى تغتسل. وعن شُريك أن لزوجها الرجعة ما لم تغتسل ولو بعد عشرين سنة؛ قال الله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ في أَنْفُسِهِنَّ} وبلوغ الأجل هنا انقضاء العدّة بدخولها في الدّم من الحيضة الثالثة ولم يذكر غسلًا؛ فإذا انقضت عدّتها حلّت للأزواج ولا جناح عليها فيما فعلت من ذلك. والحديث عن ابن عباس لو صَحّ يحتمل أن يكون منه على الاستحباب، والله أعلم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيتين:

{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234)}.
التفسير: الحكم الثاني عشر: الإرضاع والوالدات. قيل: هن المطلقات والمزوجات لأن ظاهر اللفظ مشعر بالعموم. وقيل: المطلقات ولهذا ذكرت عقيب آية الطلاق. وتحقيقه أنه إذا حصلت الفرقة استتبعت التباغض والتعاند المتضمن لإيذاء الولد ليتأذى الزوج، وربما رغبت في التزوج بزوج آخر فيهمل أمر الطفل، فندب الله تعالى الوالدات المطلقات إلى رعاية جانب الأطفال والاهتمام بشأنهم. وأيضًا إنه تعالى قال في الآية: {وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف} ولو كانت الزوجية باقية لوجب ذلك للزوجية لا للرضاع ذكره السدي. وقال الواحدي في البسيط: الأولى أن يحمل على المزوجات في حال بقاء النكاح، لأن المطلقة لا تستحق النفقة وإنما تستحق الأجرة، ثم إن النفقة والكسوة تجبان في مقابلة التمكين، فإذا اشتغلت بالإرضاع والحضانة لم تتفرغ لخدمة الزوج، فلعل متوهمًا يتوهم أن مؤنتها قد سقطت بالخلل الواقع في الخدمة فأزيل ذلك الوهم بإيجاب الرزق والكسوة وإن اشتغلت بالإرضاع ويرضعن مثل يتربصن في أنه خبر في معنى الأمر المؤكد، وهذا الأمر على سبيل الندب بدليل قوله تعالى: {فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن} [الطلاق: 6] ولو وجب عليها الإرضاع لم تستحق الأجرة. وإنما كان ندبًا من حيث إن تربية الطفل بلبن الأم أصلح، ولأن شفقتها أكثر، ولا يجوز استئجار الأم عند أبي حنيفة ما دامت زوجة أو معتدة من نكاح، وعند الشافعي يجوز، فإذا انقضت عدتها جاز بالاتفاق.
وقد يفضي الأمر إلى الوجوب إذا لم يقبل الصبي إلا ثدي أمه، أو لم توجد له ظئر، أو كان الأب عاجزًا عن الاستئجار. {حولين} أي عامين، والتركيب يدور على الانقلاب. فالحول منقلب من الوقت الأول إلى الثاني، و{كاملين} توكيد كقوله: {تلك عشرة كاملة} [البقرة: 196] فقد يقال: أقمت عند فلان حولين. وإنما أقام حولًا وبعض الآخر. وليس التحديد بالحولين تحديد إيجاب لقوله تعالى بعد ذلك {لمن أراد أن يتم الرضاعة} أي هذا الحكم لمن أراد إتمام الإرضاع، أو اللام متعلقة بيرضعن كما تقول: أرضعت فلانة لفلان ولده أي يرضعن حولين لمن أراد أن يتم الرضاعة من الآباء، لأن الأب يجب عليه إرضاع الولد دون الأم وعليه أن يتخذ له ظئرًا إلا إذا تطوعت الأم بإرضاعه. ثم المقصود من ذكر التحديد قطع التنازع بين الزوجين إذا تنازعا في مدة الرضاعة، فإن أراد أحدهما أن يفطمه قبل الحولين ولم يرض الآخر لم يكن له ذلك. أما إذا اجتمعا على أن يفطما قبل تمام الحولين فلهما ذلك. وأيضًا فللرضاع حكم خاص في الشريعة وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» فيعلم من التحديد أن الإرضاع ما لم يقع في هذا الزمان لا يفيد هذا الحكم هذا هو مذهب الشافعي وبه قال علي وابن مسعود وابن عباس وابن عمر وعلقمة والشعبي والزهري. وعن أبي حنيفة أن مدة الرضاع ثلاثون شهرًا. وقرئ: {أن يتم الرضاعة} برفع الفعل تشبيهًا لأن بما لتآخيهما في التأويل أي في المصدر لأن كلمة ما ستارة تقع مصدرية فلا تنصب. وقرئ: {الرضاعة} بكسر الراء.
{وعلى المولود له} وعلى الذي يولد له وهو الوالد وله في عمل الرفع على الفاعلية لما عليهم في المغضوب عليهم. وإنما قيل: {المولود له} دون الوالد ليعلم أن الوالدات إنما ولدت لهم ولذلك ينسبون إليهم لا إلى الأمهات. وفيه تنبيه على أن الولد إنما يلحق بالوالد لكونه مولودًا على فراشه ما قال صلى الله عليه وسلم: «الولد للفراش» وفيه أن نفع الأولاد عائد إلى الآباء فيجب عليهم رعاية مصالحه كما قيل: كله لك فكله عليك. فعليهم رزقهن وكسوتهن إذا أرضعه ولدهم كالأظآر ألا ترى أنه ذكره باسم الوالد حيث لم تكن هذه المعاني مقصودة وذلك قوله: {واخشوا يومًا لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جاز عن والده شيئًا} [لقمان: 33] {بالمعروف} تفسيره ما يتلوه وهو أن لا يكلف واحد منهما ما ليس في وسعه ولا يتضار.
وأيضًا المعروف في هذا الباب قد يكون محدودًا بشرط وعقد، وقد يكون غير محدود إلا من جهة العرف، لأنه إذا قام بما يكفيها في طعامها وكسوتها فقد استغنى عن تقدير الأجرة، إذ لو كان ذلك أقل من قدر الكفاية لحقها ضرر من الجوع والعري، ويتعدى ذلك الضرر إلى الولد. وفي الآية دليل على أن حق الأم أكثر من حق الأب لأنه ليس بين الأم والطفل واسطة، وبين الأب وبينه واسطة، فإنه يستأجر المرأة على الإرضاع والحضانة بالنفقة والكسوة.
والتكليف: الإلزام. قيل: أصله من الكلف وهو الأثر على الوجه. فمعنى تكلف الأمر اجتهد أن يبين فيه أثره. وكلفه ألزمه ما يظهر فيه أثره. والوسع ما يسع الإنسان ولا يعجز عنه ولهذا قيل: الوسع فوق الطاقة. من قرأ: {لا تضار} بالرفع فعلى الإخبار في معنى النهي، ويحتمل البناء للفاعل والمفعول على أن الأصل تضار بكسر الراء، أو تضار بفتحها. ومن قرأ بالفتح فعلى النهي صريحًا، ويحتمل البناءين أيضًا. وتبيين ذلك أنه قرئ: {لا تضارر} و{لا تضارر} بالجزم وكسر الراء الأولى وفتحها. ومعنى لا تضار والدة زوجها بسبب ولدها وهو أن تعنف به وتطلب منه ما ليس بعدل من الزرق والكسوة وأن تشغل قلبه بسبب التفريط في شأن الولد، وأن تقول بعد ما ألفها الصبي: اطلب له ظئرًا ونحو ذلك {ولا يضار مولودٌ له} امرأته بسبب ولده بأن يمنعها شيئًا مما وجب عليه من الرزق والكسوة، أو يأخذه منها وهي تريد إرضاعه، أو يكرهها على الإرضاع. وهكذا إذا كان مبنيًا للمفعول كان نهيًا عن أن يلحق بها الضرر من قبل الزوج، وعن أن يلحق الضرر بالزوج من قبلها بسبب الولد. ويحتمل أن يكون تضار بمعنى تضر، والباء من صلته أي لا تضر والدة بولدها بأن تسيء غذاءه وتعهده أو تفرّط فيما ينبغي له ولا تدفعه إلى الأب بعد ما ألفها، ولا يضر الوالد به بأن ينتزعه من يدها أو يفرط في شأنها فتقصر هي في حق الولد. وإنما قيل: {بولدها} و{بولده} لأن المرأة لما نهيت عن المضارة أضيف إليها الولد استعطافًا لها عليه وأنه ليس بأجنبي منها فمن حقها أن تشفق عليه وكذلك الوالد.
قوله سبحانه: {وعلى الوارث مثل ذلك} للعلماء فيه أقوال من حيث إنه تقدم ذكر الوالد والولد والوالدة واحتمل في الوارث أن يكون مضافًا إلى كل واحد من هؤلاء. فعن ابن عباس أن المراد وارث الأب، وقوله: {وعلى الوارث} عطف على قوله: {وعلى المولود له رزقهن} وما بينهما تفسير للمعروف. فالمعنى وعلى وارث المولود مثل ما وجب عليه من الرزق والكسوة أي إن مات المولود ألزم من يرثه أن يقوم مقامه في أن يرزقها ويكسوها بالشرط المذكور من العدل وتجنب الضرار.
وقيل: المراد وارث الولد الذي لو مات الصبي ورثه، فيجب عليه عند موت الأب كل ما كان واجبًا على الأب، وهذا قول الحسن وقتادة وأبي مسلم والقاضي. ثم اختلفوا في أنه أيّ وارث هو؟ فقيل: العصبات دون الأم والأخوة من الأم وهو قول عمر والحسن ومجاهد وعطاء وسفيان وإبراهيم. وقيل: هو وارث الصبي من الرجال والنساء على قدر النصيب من الميراث، عن قتادة وابن أبي ليلى. وقيل: وعلى الوارث ممن كان ذا رحم محرم دون غيرهم من ابن العم والمولى عن أبي حنيفة وأصحابه. وعند الشافعي لا نفقة فيما عدا الولاد أي الأب والابن. وقيل: المراد من الوارث هو الصبي نفسه فإنه إن مات أبوه وورثه وجبت عليه أجرة رضاعه في ماله إن كان له مال، فإن لم يكن له مال أجبرت الأم على إرضاعه. وقيل: المراد من الوارث الباقي من الأبوين كما في الدعاء المروي: «واجعله الوارث منا» أي الباقي وهو قول سفيان وجماعة {فإن أرادا فصالًا} أي فطامًا وليس من باب المفاعلة وإنما هو ثلاثي على فعال كالعثار والإباق. وذلك أن الولد ينفصل عن الاغتذاء بثدي أمه إلى غيره من الأقوات. وعن أبي مسلم أنه يحتمل أن يكون المراد من الفصال إيقاع المفاصلة بين الولد والأم إذا حصل التراضي والتشاور في ذلك، ولم يرجع ضرر إلى الولد وليكن الفصال صادرًا {عن تراضٍ منهما وتشاور} مع أرباب التجارب وأصحاب الرأي {فلا جناح عليهما} في ذلك زادا على الحولين لضعف في تركيب الصبي، أو نقصًا. وهذه أيضًا توسعة بعد التحديد وذلك أن الأم قد تمل من الإرضاع فتحاول الفطام والأب أيضًا قد يمل إعطاء الأجرة على الإرضاع فيطلب الفطام دفعًا لذلك لكنهما قد يتوافقان على الإضرار بالولد لغرض النفس فلهذا اعتبرت المشاورة مع غيرهما، وحينئذٍ يبعد موافقة الكل على ما يكون فيه إضرار بالولد، وإن اتفقوا على الفطام قبل الحولين وهذا غاية العناية من الرب بحال الطفل الضعيف، ومع اجتماع الشروط لم يصرح بالإذن بل رفع الحرج فقط. ولما بيّن حكم الأم وأنها أحق بالرضاع بيّن أنه يجوز العدول في هذا الباب عنها إلى غيرها فقال: {وإن أردتم أن تسترضعوا} أي المراضع أولادكم {فلا جناح عليكم} يقال: أرضعت المرأة الصبي واسترضعتها الصبي بزيادة السين مفعولًا ثانيًا كما تقول: أنجا لحاجة واستنجته إياها. فحذف أحد المفعولين للعلم به. وعن الواحدي: التقدير أن تسترضعوا لأولادكم فحذف اللام للعلم به مثل {وإذا كالوهم أو وزنوهم} أي كالوا لهم أو وزنوا لهم. ومن موانع الإرضاع للأم ما إذا تزوجت بزوجٍ آخر، فقيامها بحق ذلك الزوج يمنعها عن الإرضاع. ومنها أنه إذا طلقها الزوج الأول فقد تكره الإرضاع ليتزوج بها زوج آخر.
ومنها أن تأبى المرأة قبول الولد إيذاء للزوج المطلق. ومنها أن تمرض أو ينقطع لبنها. فعند أحد هذه الأمور إذا وجدنا مرضعة أخرى وقبل الطفل لبنها جاز العدول عن الأم إلى غيرها، فإن لم نجد مرضعة أخرى أو وجدنا ولكن لا يقبل الطفل لبنها فالإرضاع واجب على الأم. {إذا سلمتم} إلى المراضع {ما آتيتم} ما آتيتموه المرأة أي ما أردتم إيتاءه مثل {إذا قمتم إلى الصلاة} قرأ: {ما أتيتم} بالقصر فهو من أتى إليه إحسانًا إذا فعله كقوله تعالى: {إنه كان وعده مأتيًا} أي مفعولًا. وروى شيبّان عن عاصم {ما أوتيتم} أي ما آتاكم الله وأقدركم عليه من الأجرة، وليس التسليم شرطًا للجواز والصحة وإنما هو ندب إلى الأولى. وفيه حث على أن الذي يعطي المرضعة يجب أن يكون يدًا بيد حتى يكون أهنأ وأطيب لنفسها لتحتاط في شأن الصبي، ولهذا قيد التسليم بأن يكون بالمعروف وهو أن يكونوا حينئذٍ مستبشري الوجوه ناطقين بالقول الجميل مطيبين لأنفس المراضع بما أمكن قطعًا لمعاذيرهن. ثم أكد الجميع بأن ختم الآية بنوع من التحذير فقال: {واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعملون بصير}.
الحكم الثالث عشر: عدة الوفاة {والذين يتوفون} ومعناه يموتون ويقبضون قال: {الله يتوفى الأنفس حين موتها} [الزمر: 42] وأصل التوفي أخذ الشيء كاملًا وافيًا. ويبنى للمفعول ومعناه ما قلنا، وللفاعل ومعناه استوفى أجله ورزقه وعليه قراءة علي رضي الله عنه {يتوفون} بفتح الياء. والذي يحكى أن أبا الأسود الدؤلي كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفي- بكسر الفاء-؟ فقال: الله. وكان أحد الأسباب الباعثة لعليّ رضي الله عنه على أن أمره بأن يضع كتابًا في النحو. فلعل السبب فيه أن ذلك الشخص لم يكن بليغًا وهذا المعنى من مستعملات البلغاء فلهذا لم يعتد بقوله، وحمله على متعارف الأوساط {ويذرون} يتركون ولا يستعمل منه الماضي والمصدر استغناء عنهما بتصاريف ترك. والأزواج هاهنا النساء {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر} مثل قوله: {يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [البقرة: 228] وقد مر. {وعشرًا} أي يعتددن هذه المدة وهي أربعة أشهر وعشرة أيام. وإنما قيل: {عشرًا} ذهابًا إلى الليالي والأيام داخلة معها. قال في الكشاف: ولا نراهم قط يستعملون التذكير فيه ذاهبين إلى الأيام. وقيل في سبب التغليب: إن مبدأ الشهر من الليل، والأوائل أقوى من الثواني. وأيضًا هذه الأيام أيام الحزن، وأيام المكروه خليقة أن تسمى ليالي استعارة، أو المراد عشر مدد كل منها يوم بليلته. وذهب الأوزاعي والأصم إلى ظاهر الآية وأنها إذا انقضت لها أربعة أشهر وعشر ليال حلت للأزواج نقل عن الحسن وأبي العالية أنه تعالى إنما حد العدة بهذا القدر لأن الولد ينفخ فيه الروح في العشر بعد الأربعة.
قلت: ولعل هذا من الأمور التي لا يعقل معناها كأعداد الركعات ونصب الزكوات، وإنما الله ورسوله أعلم بذلك. وهذه العدة واجبة على كل امرأة مات زوجها إلا إذا كانت أمة فإن عدتها نصف عدة الحرة عند أكثر الفقهاء. وعن الأصم أن عدتها عدة الحرائر تمسكًا بظاهر عموم الآية، وقياسًا على وضع الحمل وإلا إذا كانت المرأة حاملًا فإنها إذا وضعت الحمل حلت وإن كان بعد وفاة الزوج بساعة لقوله تعالى: {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} [الطلاق: 4].
ولو زعم قائل أن ذلك في الطلاق فليعول على قصة سبيعة الأسلمية، ولدت بعد وفاة زوجها بنصف شهر فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «حللت فانكحي من شئت». وعن علي رضي الله عنه أنها تتربص أبعد الأجلين. ولا فرق في عدة الوفاة بين الصغيرة والكبيرة وذات الأقراء وغيرها والمدخول بها وغيرها. وقال ابن عباس: لا عدة عليها قبل الدخول. ورد بعموم الآية، ولهذا أيضًا لم يفرق بين أن ترى المعتدة في المدة المذكورة دم الحيض على عادتها أو لا تراه خلافًا لمالك فإنه قال: لا تنقضي عدتها حتى ترعادتها من الحيض في تلك الأيام مثل التي كانت عادتها. فإن كانت عادتها أن تحيض في كل شهر مرة فعليها في عدة الوفاة أربع حيض، وإن كانت عادتها أن تحيض في كل شهرين مرة فعليها حيضتان، وإن كانت عادتها أن تحيض في كل أربعة أشهر مرة يكفيها حيضة واحدة، وإن كانت عادتها أن تحيض في كل خمسة أشهر مرة فههنا يكفيها الشهور، ثم مذهب الشافعي أنها إن ارتابت استبرأت نفسها من الريبة، كما أن ذات الأقراء لو ارتابت وجب عليها أن تحتاط وتعتبر المدة بالهلال ما أمكن، فإن مات الزوج في خلال شهر هلالي والباقي أكثر من عشرة أيام فتعد ما بقي وتحسب ثلاثة أشهر بعده بالأهلة وتكمل ذلك الباقي ثلاثين وتضم إليها عشرة أيام، فإذا انتهت من اليوم الأخير إلى الوقت الذي مات فيه الزوج فقد انقضت العدة، وإن كان الباقي دون عشرة أيام فتعده وتحسب أربعة أشهر بالأهلة وتكمل الباقي عشرة من الشهر السادس، وإن كان الباقي عشرة أيام فتعتد بها وبأربعة أشهر بالأهلة بعدها، وإن انطبق الموت على أول الهلال فتعتد بأربعة أشهر بالأهلة وبعشرة أيام من الشهر الخامس. واختلفوا في أن هذه المدة سببها الوفاة أو العلم بالوفاة؟ فعن بعضهم- ويوافقه جديد قول الشافعي- أنها ما لم تعلم بوفاة زوجها لا تعتد بانقضاء الأيام في العدة لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «امرأة المفقود امرأته حتى يأتيها يقين موته أو طلاقه» وأيضًا فالنكاح معلوم بيقين فلا يزال إلا بيقين.
وقال الأكثرون: السبب هو الموت. فلو انقضت المدة أو أكثرها ثم بلغها خبر وفاة الزوج وجب أن تعتد بما انقضى، والدليل عليه أن الصغيرة التي لا علم لها تكفي في انقضاء عدتها هذه المدة. ثم المراد من تربصها بنفسها الامتناع عن النكاح بالإجماع، والامتناع عن الخروج من المنزل إلا عند الضرورة والحاجة والإحداد ويعني به ترك التزين بثياب الزينة وترك التحلي والتطيب والتدهن والاكتحال بالإثمد، ويحرم عليها أن تخضب بالحناء ونحو ذلك فيما يظهر من اليدين والرجلين والوجه. ولا منع منه فيما تحت الثياب ولا منع من التزين في الفرش والبسط والستور وأثاث البيت ومن التنظيف بغسل الرأس والامتشاط وقلم الأظفار والاستحداد ودخول الحمام وإزالة الأوساخ. والعدة تنقضي إن تركت الإحداد ولكنّها تعصي لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا» وعن الحسن والشعبي أنه غير واجب لأن الحديث يقتضي حل الإحداد لا وجوبه لكنه صلى الله عليه وسلم قال: «المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلى ولا تختضب ولا تكتحل» والممشقة المصبوغة بالمشق وهو الطين الأحمر. وقد يحتج بقوله: {والذين يتوفون منكم} من قال: الكفار ليسوا مخاطبين بفروع الشرائع وإلا لم يخص الخطاب في {منكم} بالمؤمنين. والجواب إنما خصوا بالخطاب لأنهم هم العاملون بذلك كقوله تعالى: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] مع أنه منذر للكل {ليكون للعالمين نذيرًا} [الفرقان: 1] {فإذا بلغن أجلهن} إذا انقضت عدتهن {فلا جناح عليكم} أيها الأولياء لأنهم الذين يتولون العقد، أو أيها الحكام وصلحاء المسلمين لأنهن إذا تزوجن في مدة العدة وجب على كل أحد منعهن عن ذلك، فإن عجز استعان بالسلطان وذلك لأن المقصود من هذه العدة الأمن من اشتمال فرجها على ماء زوجها الأول. وقيل: معناه لا جناح عليكم وعلى النساء فيما فعلن في أنفسهن من التعرض للخطاب بالتزين والتطيب ونحوهما مما تنفرد المرأة بفعله، وفيه دليل على وجوب الإحداد بالمعروف بالوجه الذي يحسن عقلًا وشرعًا. وقد يحمل أصحاب أبي حنيفة الفعل هاهنا على التزويج فيستدلونه به على جواز النكاح بلا ولي. بعد تسليم أن المراد من الفعل هو التزويج أن الفعل قد يسند إلى المسبب مثل بنى الأمير دارًا وقد تقدم في قوله: {أن ينكحن أزواجهن} [البقرة: 232] ثم ختم الآية بالتهديد المشتمل على الوعيد فقال: {والله بما يعملون خبير}. اهـ.