فصل: (سورة الصافات: الآيات 112- 113):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



يقال: سلم لأمر اللّه، وأسلم، واستسلم بمعنى واحد. وقد قرئ بهنّ جميعا إذا تنقاد له، وخضع، وأصلها من قولك: سلم هذا لفلان إذا خلص له. ومعناه: سلم من أن ينازع فيه، وقولهم: سلم لأمر اللّه، وأسلم له منقولان منه، وحقيقة معناهما: أخلص نفسه للّه وجعلها سالمة له خالصة، وكذلك معنى: استسلم: استخلص نفسه للّه. وعن قتادة في أَسْلَما أسلم هذا ابنه وهذا نفسه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على شقه، فوقع أحد جبينيه على الأرض تواضعا على مباشرة الأمر بصبر وجلد، ليرضيا الرحمن ويخزيا الشيطان. وروى أن ذلك كان عند الصخرة التي بمنى، وعن الحسن: في الموضع المشرف على مسجد منى. وعن الضحاك: في المنحر الذي ينحر فيه اليوم. فإن قلت: أين جواب لما؟ قلت: هو محذوف تقديره: {فلما أسلما وتله للجبين وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} كان ما كان مما تنطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما واغتباطهما، وحمدهما للّه وشكرهما على ما أنعم به عليهما، من دفع البلاء العظيم بعد حلوله، وما اكتسبا في تضاعيفه بتوطين الأنفس عليه من الثواب والأعواض ورضوان اللّه الذي ليس وراءه مطلوب، وقوله {إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشدّة، والظفر بالبغية بعد اليأس {الْبَلاءُ الْمُبِينُ} الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم. أو المحنة البينة الصعوبة التي لا محنة أصعب منها. الذبح: اسم ما يذبح. وعن ابن عباس رضى اللّه عنهما: هو الكبش الذي قرّبه هابيل فقبل منه، وكان يرعى في الجنة حتى فدى به إسماعيل. وعن الحسن: فدى بو على أهبط عليه من ثبير. وعن ابن عباس: لو تمت تلك الذبيحة لكانت سنة وذبح الناس أبناءهم.
عَظِيمٍ ضخم الجثة سمين، وهي السنة في الأضاحى. وقوله عليه السلام «استشرفوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم» وقيل: لأنه وقع فداء عن ولد إبراهيم.
وروى أنه هرب من إبراهيم عليه السلام عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتّى أخذه، فبقيت سنة في الرمي. وروى أنه رمى الشيطان حين تعرض له بالوسوسة عند ذبح ولده: وروى أنه لما ذبحه قال جبريل: اللّه أكبر اللّه أكبر، فقال الذبيح: لا إله إلا اللّه واللّه أكبر، فقال إبراهيم عليه السلام: اللّه أكبر وللّه الحمد، فبقى سنة: وحكى في قصة الذبيح أنه حين أراد ذبحه وقال: يا بنى خذ الحبل والمدية وانطلق بنا إلى الشعب نحتطب، فلما توسط شعب ثبير أخبره بما أمر، فقال: اشدد رباطى لا أضطرب، واكفف عنى ثيابك لا ينتضح عليها شيء من دمى فينقص أجرى وتراه أمى فتحزن، واشحذ شفرتك وأسرع إمرارها على حلقى حتى تجهز علىّ، ليكون أهون فإنّ الموت شديد، واقرأ على أمى سلامى، وإن رأيت أن تردّ قميصي على أمى فافعل، فإنه عسى أن يكون أسهل لها، فقال إبراهيم عليه السلام: نعم العون أنت يا بنىّ على أمر اللّه، ثم أقبل عليه يقبله وقد ربطه، وهما يبكيان، ثم وضع السكين على حلقه فلم تعمل. لأنّ اللّه ضرب صفيحة من نحاس على حلقه، فقال له: كبني على وجهى فإنك إذا نظرت وجهى رحمتني وأدركتك رقة تحول بينك وبين أمر اللّه، ففعل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين، ونودي: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا، فنظر فإذا جبريل عليه السلام معه كبش أقرن أملح، فكبر جبريل والكبش، وإبراهيم وابنه، وأتى المنحر من منى فذبحه: وقيل: لما وصل موضع السجود منه إلى الأرض جاء الفرج. وقد استشهد أبو حنيفة رحمه اللّه بهذه الآية فيمن نذر ذبح ولده: أنه يلزمه ذبح شاة، فإن قلت: من كان الذبيح من ولديه؟ قلت: قد اختلف فيه، فعن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب القرظي وجماعة من النابعين: أنه إسماعيل.
والحجة فيه أنّ رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال «أنا ابن الذبيحين» وقال له أعرابى: يا ابن الذبيحين، فتبسم، فسئل عن ذلك فقال: «إنّ عبد المطلب لما حفر بئر زمزم نذر للّه: لئن سهل اللّه له أمرها ليذبحن أحد ولده، فخرج السهم على عبد اللّه فمنعه أخواله وقالوا له أفد ابنك بمائة من الإبل ففداه بمائة من الإبل والثاني إسماعيل» وعن محمد بن كعب القرظي قال: كان مجتهد بنى إسرائيل يقول إذا دعا: اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل، فقال موسى عليه السلام: يا رب، ما لمجتهد بنى إسرائيل إذا دعا قال: اللهم إله إبراهيم وإسماعيل وإسرائيل، وأنا بين أظهرهم فقد أسمعتنى كلامك واصطفيتني برسالتك؟ قال: يا موسى، لم يحبني أحد حب إبراهيم قط، ولا خير بيني وبين شيء قط إلا اختارني. وأمّا إسماعيل فإنه جاد بدم نفسه. وأمّا إسرائيل، فإنه لم ييأس من روحي في شدّة نزلت به قط، ويدل عليه أنّ اللّه تعالى لما أتم قصة الذبيح قال: وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا وعن محمد بن كعب أنه قال لعمر بن عبد العزيز:
هو إسماعيل، فقال عمر: إنّ هذا شيء ما كنت أنظر فيه، وإنى لأراه كما قلت، ثم أرسل إلى يهودى قد أسلم فسأله، فقال: إن اليهود لتعلم أنه إسماعيل، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب، ويدل عليه أن قرني الكبش كانا منوطين في الكعبة في أيدى بنى إسماعيل إلى أن احترق البيت. وعن الأصمعى قال: سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح فقال: يا أصمعى أين عزب عنك عقلك، ومتى كان إسحاق بمكة، وإنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه، والمنحر بمكة.
ومما يدل عليه أنّ اللّه تعالى وصفه بالصبر دون أخيه إسحاق في قوله {وَإِسْماعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ} وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله {إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ} لأنه وعد أباه الصبر من نفسه على الذبح فوفى به، ولأن اللّه بشره بإسحاق وولده يعقوب في قوله {فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ} فلو كان الذبيح إسحاق لكان خلفا للموعد في يعقوب. وعن على بن أبى طالب وابن مسعود والعباس وعطاء وعكرمة وجماعة من التابعين: أنه إسحاق. والحجة فيه أن اللّه تعالى أخبر عن خليله إبراهيم حين هاجر إلى الشام بأنه استوهبه ولدا، ثم أتبع ذلك البشارة بغلام حليم، ثم ذكر رؤياه بذبح ذلك الغلام المبشر به. ويدل عليه كتاب يعقوب إلى يوسف: من يعقوب إسرائيل اللّه بن إسحاق ذبيح اللّه ابن ابراهيم خليل اللّه. فإن قلت: قد أوحى إلى إبراهيم صلوات اللّه عليه في المنام بأن يذبح ولده ولم يذبح، وقيل له: قد صدقت الرؤيا، وإنما كان يصدقها لو صح منه الذبح، ولم يصح.
قلت: قد بذل وسعه وفعل ما يفعل الذابح: من بطحه على شقه وإمرار الشفرة على حلقه، ولكن اللّه سبحانه جاء بما منع الشفرة أن تمضى فيه، وهذا لا يقدح في فعل إبراهيم عليه السلام، ألا ترى أنه لا يسمى عاصيا ولا مفرطا، بل يسمى مطيعا ومجتهدا، كما لو مضت فيه الشفرة وفرت الأوداج وأنهرت الدم، وليس هذا من ورود النسخ على المأمور به قبل الفعل، ولا قبل أوان الفعل في شيء، كما يسبق إلى بعض الأوهام، حتى يشتغل بالكلام فيه. فإن قلت: اللّه تعالى هو المفتدى منه: لأنه الآمر بالذبح، فكيف يكون فاديا حتى قال وَفَدَيْناهُ؟ قلت: الفادي هو إبراهيم عليه الصلاة والسلام، واللّه عز وجل وهب له الكبش ليفدى به وإنما قال وَفَدَيْناهُ إسنادا للفداء إلى السبب الذي هو الممكن من الفداء بهبته. فإن قلت: فإذا كان ما أتى به إبراهيم من البطح وإمرار الشفرة في حكم الذبح. فما معنى الفداء، والفداء إنما هو التخليص من الذبح ببدل؟ قلت: قد علم بمنع اللّه أن حقيقة الذبح لم تحصل من فرى الأوداج وانهار الدم، فوهب اللّه له الكبش ليقيم ذبحه مقام تلك الحقيقة حتى لا تحصل تلك الحقيقة في نفس إسماعيل، ولكن في نفس الكبش بدلا منه. فإن قلت: فأى فائدة في تحصل تلك الحقيقة، وقد استغنى عنها بقيام ما وجد من إبراهيم مقام الذبح من غير نقصان؟ قلت: الفائدة في ذلك أن يوجد ما منع منه في بدله حتى يكمل منه الوفاء بالمنذور وإيجاد المأمور به من كل وجه. فإن قلت: لم قيل هاهنا {كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} وفي غيرها من القصص: إنا كذلك؟ قلت: قد سبقه في هذه القصة: إنا كذلك، فكأنما استخف بطرحه اكتفاء بذكره مرة عن ذكره ثانية.

.[سورة الصافات: الآيات 112- 113]:

{وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113)}.
{نَبِيًّا} حال مقدرة، كقوله تعالى {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} فإن قلت: فرق بين هذا وبين قوله: {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} وذلك أنّ المدخول موجود مع وجود الدخول، والخلود غير موجود معهما، فقدرت مقدرين الخلود فكان مستقيما، وليس كذلك المبشر به، فإنه معدوم وقت وجود البشارة، وعدم المبشر به أوجب عدم حاله لا محالة، لأنّ الحال حلية، والحلية لا تقوم إلا بالمحلى، وهذا المبشر به الذي هو إسحاق حين وجد لم توجد النبوّة أيضا بوجوده، بل تراخت عنه مدّة متطاولة، فكيف يجعل نبيا حالا مقدّرة، والحال صفة الفاعل أو المفعول عند وجود الفعل منه أو به، فالخلود وإن لم يكن صفتهم عند دخول الجنة، فتقديرها صفتهم، لأنّ المعنى مقدّرين الخلود، وليس كذلك النبوّة، فإنه لا سبيل إلى أن تكون موجودة أو مقدّرة وقت وجود البشارة بإسحاق لعدم إسحاق. قلت: هذا سؤال دقيق السلك ضيق المسلك، والذي يحل الإشكال:
أنه لابد من تقدير مضاف محذوف، وذلك قولك: وبشرناه بوجود إسحاق نبيا، أي بأن يوجد مقدّرة نبوّته، فالعامل في الحال الوجود لا فعل البشارة، وبذلك يرجع، نظير قوله تعالى {فَادْخُلُوها خالِدِينَ} {مِنَ الصَّالِحِينَ} حال ثانية، وورودها على سبيل الثناء والتقريظ، لأنّ كل نبى لابد أن يكون من الصالحين. وعن قتادة: بشره اللّه بنبوّة إسحاق بعد ما امتحنه بذبحه، وهذا جواب من يقول الذبيح إسحاق لصاحبه عن تعلقه بقوله {وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ} قالوا: ولا يجوز أن يبشره اللّه بمولده ونبوّته معا، لأن الامتحان بذبحه لا يصح مع علمه بأنه سيكون نبيا {وَبارَكْنا عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} وقرئ: {وبركنا} أي: أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، كقوله {وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} وقيل: باركنا على إبراهيم في أولاده، وعلى إسحاق بأن أخرجنا أنبياء بنى إسرائيل من صلبه. وقوله {وَظالِمٌ لِنَفْسِهِ} نظيره: {قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} وفيه تنبيه على أن الخبيث والطيب لا يجرى أمرهما على العرق والعنصر، فقد يلد البر الفاجر، والفاجر البر. وهذا مما يهدم أمر الطبائع والعناصر، وعلى أن الظلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب ولا نقيصة، وأنّ المرء إنما يعاب بسوء فعله ويعاتب على ما اجترحت يداه، لا على ما وجد من أصله أو فرعه.

.[سورة الصافات: الآيات 114- 122]:

{وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114) وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ (115) وَنَصَرْناهُمْ فَكانُوا هُمُ الْغالِبِينَ (116) وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ (117) وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118) وَتَرَكْنا عَلَيْهِما فِي الْآخِرِينَ (119) سَلامٌ عَلى مُوسى وَهارُونَ (120) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (121) إِنَّهُما مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (122)}.
{مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ} من الغرق. أو من سلطان فرعون وقومه وغشمهم وَنَصَرْناهُمْ الضمير لهما ولقومهما في قوله {وَنَجَّيْناهُما وَقَوْمَهُما} {الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ} البليغ في بيانه وهو التوراة، كما قال {إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ} وقال: من جوز أن تكون التوراة عربية أن تشتق من ورى الزند فوعلة منه، على أنّ التاء مبدلة من واو {الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} صراط أهل الإسلام، وهي صراط الذين أنعم اللّه عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

.[سورة الصافات: الآيات 123- 132]:

{وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ (124) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (126) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ (127) إِلاَّ عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (128) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (129) سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ (130) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (131) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (132)}.
قرئ {إلياس} بكسر الهمزة، والياس: على لفظ الوصل: وقيل: هو إدريس النبي. وقرأ ابن مسعود: {وإنّ إدريس} في موضع إلياس. وقرئ: {إدراس} وقيل: هو إلياس بن ياسين، من ولد هارون أخى موسى {أَتَدْعُونَ بَعْلًا} أتعبدون بعلا، وهو علم لصنم كان لهم كمناة وهبل.
وقيل: كان من ذهب، وكان طوله عشرين ذراعا، وله أربعة أوجه، فتنوا به وعظموه حتى أخدموه أربعمائة سادن، وجعلوهم أنبياءه، فكان الشيطان يدخل في جوف- بعل- ويتكلم بشريعة الضلالة، والسدنة يحفظونها ويعلمونها الناس، وهم أهل بعلبك من بلاد الشام، وبه سميت مدينتهم بعلبك. وقيل: البعل الرب، بلغة اليمن، يقال: من بعل هذه الدار، أي: من ربها؟
والمعنى: أتعبدون بعض البعول وتتركون عبادة اللّه {اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ} قرئ بالرفع على الابتداء، وبالنصب على البدل، وكان حمزة إذا وصل نصب، وإذا وقف رفع: وقرئ: {على الياسين} و{إدريسين} و{ادراسين} و{إدرسين} على أنها لغات في إلياس وإدريس. ولعل لزيادة الياء والنون في السريانية معنى. وقرئ: {على الياسين} بالوصل، على أنه جمع يراد به إلياس وقومه، كقولهم: الخبيبون والمهلبون. فإن قلت: فهلا حملت على هذا إلياسين على القطع وأخواته؟ قلت: لو كان جمعا لعرف بالألف واللام. وأما من قرأ: {على آل ياسين} فعلى أنّ ياسين اسم أبى إلياس، أضيف إليه الآل.

.[سورة الصافات: الآيات 133- 138]:

{وَإِنَّ لُوطًا لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (133) إِذْ نَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ (134) إِلاَّ عَجُوزًا فِي الْغابِرِينَ (135) ثُمَّ دَمَّرْنَا الْآخَرِينَ (136) وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ (137) وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (138)}.
{مُصْبِحِينَ} داخلين في الصباح، يعنى: تمرون على منازلهم في متاجركم إلى الشام ليلا ونهارا، فما فيكم عقول تعتبرون بها.

.[سورة الصافات: الآيات 139- 148]:

{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (139) إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140) فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ (141) فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (142) فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (143) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (144) فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148)}.
قرئ: {يونس} بضم النون وكسرها. وسمى هربه من قومه بغير إذن ربه: إباقا على طريقة المجاز. والمساهمة: المقارعة. ويقال: استهم القوم، إذا اقترعوا. والمدحض: المغلوب المقروع، وحقيقته: المزلق عن مقام الظفر والغلبة. روى أنه حين ركب في السفينة وقفت، فقالوا: هاهنا عبد أبق من سيده، وفيما يزعم البحارون أنّ السفينة إذا كان فيها آبق لم تجر، فاقترعوا، فخرجت القرعة على يونس فقال: أنا الآبق، وزجّ بنفسه في الماء {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ} داخل في الملامة. يقال: ربّ لائم مليم، أي يلوم غيره وهو أحق منه باللوم. وقرئ: مليم، بفتح الميم، من ليم فهو مليم، كما جاء: مشيب في مشوب، مبنيا على شيب. ونحوه: مدعى، بناء على دعى {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} من الذاكرين اللّه كثيرا بالتسبيح والتقديس. وقيل: هو قوله في بطن الحوت {لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} وقيل: من المصلين. وعن ابن عباس: كل تسبيح في القرآن فهو صلاة. وعن قتادة: كان كثير الصلاة في الرخاء. قال: وكان يقال: إن العمل الصالح يرفع صاحبه إذا عثر، وإذا صرع وجد متكأ. وهذا ترغيب من اللّه عز وجل في إكثار المؤمن من ذكره بما هو أهله، وإقباله على عبادته، وجمع همه لتقييد نعمته بالشكر في وقت المهلة والفسحة، لينفعه ذلك عنده تعالى في المضايق والشدائد لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ الظاهر لبثه فيه حيا إلى يوم البعث. وعن قتادة: لكان بطن الحوت له قبرا إلى يوم القيامة. وروى أنه حين ابتلعه أوحى اللّه إلى الحوت: إنى جعلت بطنك له سجنا، ولم أجعله لك طعاما. واختلف في مقدار لبثه، فعن الكلبي: أربعون يوما، وعن الضحاك: عشرون يوما.
وعن عطاء سبعة. وعن بعضهم: ثلاثة. وعن الحسن: لم يلبث إلا قليلا، ثم أخرج من بطنه بعيد الوقت الذي التقم فيه. وروى أنّ الحوت سار مع السفينة رافعا رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح، ولم يفارقهم حتى انتهوا إلى البر، فلفظه سالما لم يتغير منه شيء، فأسلموا: وروى أن الحوت قذفه بساحل قرية من الموصل. والعراء: المكان الخالي لا شجر فيه ولا شيء يغطيه وَهُوَ سَقِيمٌ اعتلّ مما حلّ به. وروى أنه عاد بدنه كبدن الصبى حين يولد. واليقطين: كل ما ينسدح على وجه الأرض ولا يقوم على ساق كشجر البطيخ والقثاء والحنظل، وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به. وقيل: هو الدباء. وفائدة الدباء أن الذباب لا يجتمع عنده- وقيل لرسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: إنك لتحب القرع. قال «أجل هي شجرة أخى يونس» وقيل: هي التين، وقيل: شجرة الموز، تغطى بورقها، واستظلّ بأغصانها، وأفطر على ثمارها.
وقيل: كان يستظل بالشجرة وكانت وعلة تختلف إليه، فيشرب من لبنها. وروى أنه مرّ زمان على الشجرة فيبست، فبكى جزعا، فأوحى اللّه إليه: بكيت على شجرة ولا تبكى على مائة ألف في يد الكافر، فإن قلت: ما معنى وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً؟ قلت: أنبتناها فوقه مظلة له، كما يطنب البيت على الإنسان {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ} المراد به ما سبق من إرساله إلى قومه وهم أهل نينوى. وقيل: هو إرسال ثان بعد ما جرى عليه إلى الأولين. أو إلى غيرهم وقيل: أسلموا فسألوه أن يرجع إليهم فأبى، لأن النبىّ إذا هاجر عن قومه لم يرجع إليهم مقيما فيهم، وقال لهم: إن اللّه باعث إليكم نبيا {أَوْ يَزِيدُونَ} في مرأى الناظر أى. إذا رآها الرائي قال: هي مائة ألف أو أكثر، والغرض: الوصف بالكثرة {إِلى حِينٍ} إلى أجل مسمى وقرئ: {ويزيدون} بالواو. و{حتى حين}.