فصل: قال النسفي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِّن يَقْطِينٍ} أي أنبتناها فوقه لتظله وتقيه حر الشمس، واليقطين، القرع وإنما خصه الله به لأنه يجمع برد الظل ولين اللمس وكبر الورق، وأن الذباب لا يقربه، فإن لحم يونس لما خرج من البحر كان لا يحتمل الذباب، وقيل: اليقطين كل شجرة لا ساق لها كالبقول والقرع والبطيخ، والأول أشهر {وَأَرْسَلْنَاهُ إلى مِئَةِ أَلْفٍ} يعني رسالته الأولى التي أبق بعدها وقيل: هذه رسالة ثانية بعد خروجه من بطن الحوت والأول أشهر {أَوْ يَزِيدُونَ} قيل: أو هنا بمعنى بل، وقرأ ابن عباس، {بل يزيدون} وقيل هي بمعنى الواو وقيل: هي للابهام وقيل: المعنى أن البشر إذا نظر إليهم يتردد فيقول: هم مائة ألف أو يزيدون واختلف في عددهم فقيل: مائة وعشرون ألفًا وقيل: مائة وثلاثون ألفًا وقيل: مائة وأربعون ألفًا وقيل: ومائة وسبعون ألفًا {فَآمَنُواْ فَمَتَّعْنَاهُمْ إلى حِينٍ} روي أنهم خرجوا بالأطفال وأولاد البهائم، وفرقوا بينهم وبين الأمهات، وناحوا وتضرعوا إلى الله وأخلصوا فرفع الله العذاب عنهم إلى حين: يعني لانقضاء آجالهم وقد ذكر الناس في قصة يونس أشياء كثيرة أسقطناها لضعف صحتها.
{فاستفتهم أَلِرَبِّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} قال الزمخشري: إن هذا معطوف على قوله: {فاستفتهم} الذي في أول السورة وإن تباعد ما بينهما، والضمير المفعول لقريش وسائر الكفار أي أسألهم على وجه التقرير والتوبيخ عما زعموا من أن الملائكة بنات الله، فجعلوا لله الإناث ولأنفسهم الذكور، وتلك قسمة ضيزى، ثم قررهم على ما زعموا من أن الملائكة إناث وردّ عليهم بقوله: {وَهُمْ شَاهِدُونَ} ويحتمل أن يكون بمعنى الشهادة، أو بمعنى الحضور أي أنهم لم يحضروا ذلك ولم يعلموه، ثم أخبر عن كذبهم في قولهم: {وَلَدَ الله} ثم قررهم على ما زعموا من أن الله اصطفى لنفسه البنات؛ وذلك كله ردّ عليهم وتوبيخ لهم، تعالى الله عن أقوالهم علوًا كبيرًا {أَصْطَفَى} دخلت همزة التقرير والتوبيخ على ألف الوصل فحذفت ألف الوصل {ما لكم} هذا استفهام معناه التوبيخ، وهي في موضع رفع بالابتداء والمجرور بعدها خبرها، فينبغي الوقف على قوله: {أَمْ لَكُمْ} {أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ} أي برهان بيّن {فَأْتُواْ بِكِتَابِكُمْ} تعجيز لهم لأنهم ليس لهم كتاب يحتجون به {وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} الضمير في جعلوا لكفار العرب، وفي معنى الآية قولان: أحدهما أن الجنَّة هنا الملائكة وسميت بهذا الاسم لأنه مشتق من الاجتنان وهو الاستتار، والملائكة مستورين عن أعين بني آدم كالجن، والنسب الذين جعلوه بينهم وبين الله قولهم: إنهم بنات الله، والقول الثاني أن الجن هنا الشياطين، وفي النسب الذي جعلوه بينه وبينهم أن بعض الكفار قالوا: إن الله والشياطين أخوان، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
{وَلَقَدْ عَلِمَتِ الجنة إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} من قال: إن الجن الملائكة فالضمير في قوله: {إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} يعود على الكفار أي قد علمت الملائكة أن الكفار محضرون في العذاب ومن قال: إن الجن الشياطين فالضمير يعود عليهم أي قد علمت الشياطين أنهم محضرون في العذاب.
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} استثناء منقطع من المحضرين أو من الفاعل في يصفون والمعنى: لكن عباد الله المخلصين لا يحضرون في العذاب، أو لكن عباد الله المخلصين يصفونه بما هو أهله.
{فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الجحيم} هذا خطاب للكفار والمراد بما {تَعْبُدُونَ} الأصنام وغيرها وما تعبدون عطف على الضمير في إنكم ويجوز أن تكون الواو بمعنى مع ومعنى {فَاتِنِينَ} مضلين والضمير في عليه يعود على ما تعبدون وعلى سببية معناها التعليل و{مَنْ هُوَ} مفعول بفاتنين والمعنى: إنكم أيها الكفار وكل ما تعبدونه لا تضلون أحدًا إلا من قضى الله أن يصلى الجحيم، أي لا تقدرون على إغواء الناس إلا بقضاء الله وقال الزمخشري: الضمير في عليه يعود على الله تعالى.
{وَمَا مِنَّآ إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} هذا حكاية كلام الملائكة عليهم السلام، تقديره: ما منك مالك إلا وله مقام معلوم، وحذف الموصوف لفهم الكلام، والمقام المعلوم: يحتمل أن يراد به المكان الذي يقومون فيه، لأن منهم من هو في السماء الدنيا، وفي الثانية، وفي السموات، وحيث شاء الله، ويحتمل أن يراد به المنزلة من العبادة والتقريب والتشريف.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصآفون} أي الواقفون في العبادة صفوفًا، ولذلك أمر المسلمون بتسوية الصفوف في صلاتهم ليقتدوا بالملائكة، وليس أحد من أهل الملل يصلون صفوفًا إلا المسلمون.
{وَإِنَّا لَنَحْنُ المسبحون} قيل: معناه القائلون سبحان الله، وفي هذا الكلام الذي قالته الملائكة رد على من قال: إنهم بنات الله وشركاء له، لأنهم اعترفوا على أنفسهم بالعبودية والطاعة لله والتنزيه له، ويدل هذا الكلام أيضًا على أن المراد بالجن قبل هذا الملائكة، وقيل: إنه هذا كله من كلام سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وكلام المسلمين، والأول أشهر.
{وَإِن كَانُواْ لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنَ الأولين} الضمير لكفار قريش وسائر العرب، والمعنى أنهم كانوا قبل بعث محمد صلى الله عليه وسلم يقولون: أو أرسل الله إلينا رسولًا وأنزل علينا كتابًا لكنا عباد الله المخلصين.
{فَكَفَرُواْ بِهِ} الضمير للذكر، أو لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، لأن المعنى يقتضي ذلك وإن لم يتقدم له ذكر {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} تهديد ووعيد لهم على كفرهم.
{وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا المرسلين إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} المعنى سبق القضاء بأن المرسلين منصورون على أعدائهم.
{وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} هذا النصر والغلبة بظهور الحجة والبرهان، وبهزيمة الأعداء في القتال، وبالسعادة في الآخرة.
{فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حتى حِينٍ} أي أعرض عنهم، وذلك موادعة منسوخة بالسيف، والحين هنا يراد به يوم بدر، وقيل: حضور آجالهم، وقيل: يوم القيامة.
{وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ} هذا وعد النبي صلى الله عليه وسلم ووعيد لهم {أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ} إشارة إلى قولهم {متى هَذَا الوعد} {فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السماء} [الأنفال: 32] وشبه ذلك {فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ} الساحة: الفِناء حول الدار، والعرب تستعمل هذه اللفظة فيما يرد على الإنسان من محظور وسوء {فَسَاءَ صَبَاحُ المنذرين} الصباح مستعمل في ورورد الغارات والرزايا، ومقصد الآية التهديد بعذاب يحل بهم بعد أن أنذروا، فلم ينفعهم الإنذار، وذلك تمثيل أنذرهم ناصح بأن جيشًا يحل بهم فلم يقبلوا نصحه، حتى جاءهم الجيش وأهلكهم.
{وَأَبْصِرْ} كرر الأم بالتولي عنهم والوعد والوعيد على وجه التأكيد، وقيل: أراد بالوعيد الأول عذاب الدنيا، والثاني عذاب الآخرة، فإن قيل: لم قال أولًا أبصرهم، وقال هنا: أبصر، فحذف الضمير المفعول؟ فالجواب من وجهين: أحدهما أنه اكتفى بذكره أولًا عن ذكره ثانيًا فحذفه اقتصارًا، والآخر أنه حذفف ليفيد العموم فيمن تقدم وغيرهم كأنه قال: أبصر جميع الكفار بخلاف الأول، فإنه من قريش خاصة.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزة عَمَّا يَصِفُونَ} نزه الله تعالى نفسه عما وصفه به الكفار مما لا يليق به، فإنه حكى عنهم في هذه السورة أقوالًا كثيرة شنيعة، والعزة إن أراد بها عزة الله: فمعنى رب العزة، ذو العزة وأضافها إليه لاختصاصه بها، وإن أراد بها عزة الأنبياء والمؤمنين: فمعنى رب العزة مالكها وخالقها، ومن هذا قال محمد بن سحنون: من حلف بعزة الله، فإن أراد صفة الله فهي يمين، وإن أراد العزة التي أعطى عباده فليست بيمين، ثم ختم هذه السورة بالسلام على المرسلين {والحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} فأما السلام على المرسلين فيحتمل أن يريد التحية أو سلامتهم من أعدائهم، ويكون ذلك تكميلًا لقوله: {إِنَّهُمْ لَهُمُ المنصورون} [الصافات 182]، وأما الحمد لله، فيحتمل أن يريد به الحمد لله على ما ذكر في هذه السورة من تنزيه الله ونصرة الأنبياء وغير ذلك، ويحتمل أن يريد الحمد لله على الإطلاق. اهـ.

.قال النسفي:

{وَإِنَّ من شِيَعتِهِ لإبْراهِيمَ} أي من شيعة نوح أي ممن شايعه على أصول الدين أو شايعه على التصلب في دين الله ومصابرة المكذبين، وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة وما كان بينهما إلا نبيان هود وصالح.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ} {إذ} تعلق بما في الشيعة من معنى المشايعة يعني وإن ممن شايعه على دينه وتقواه حين جاء ربه {بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} من الشرك أو من آفات القلوب لإبراهيم، أو بمحذوف وهو {اذكر}.
ومعنى المجيء بقلبه ربه أنه أخلص لله قلبه وعلم الله ذلك منه فضرب المجيء مثلًا لذلك {إِذْ} بدل من الأولى {قَالَ لأَِبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ أَئِفْكًا ءالِهَةً دُونَ الله تُرِيدُونَ} {أئفكًا} مفعول له تقديره أتريدون آلهة من دون الله إفكًا؟ وإنما قدم المفعول به على الفعل للعناية، وقدم المفعول له على المفعول به لأنه كان الأهم عنده أن يكافحهم بأنهم على إفك وباطل في شركهم.
ويجوز أن يكون {إِفْكًا} مفعولًا به أي أتريدون إفكًا؟ ثم فسر الإفك بقوله: {آلِهَةً دُونَ الله} على أنها إفك في نفسها، أو حالًا أي أتريدون آلهة من دون الله آفكين؟ {فَمَا ظَنُّكُم} أيّ شيء ظنكم {بِرَبِّ العالمين} وأنتم تعبدون غيره؟ و{ما} رفع بالابتداء والخبر {ظنكم} أو فما ظنكم به ماذا يفعل بكم وكيف يعاقبكم وقد عبدتم غيره وعلمتم أنه المنعم على الحقيقة فكان حقيقًا بالعبادة؟ {فَنَظَرَ نَظْرَةً في النجوم} أي نظر في النجوم راميًا ببصره إلى السماء متفكرًا في نفسه كيف يحتال، أو أراهم أنه ينظر في النجوم لاعتقادهم علم النجوم فأوهمهم أنه استدل بأمارة على أنه يسقم {فَقَالَ إِنِّى سَقِيمٌ} أي مشارف للسقم وهو الطاعون وكان أغلب الإسقام عليهم وكانوا يخافون العدوى ليتفرقوا عنه فهربوا منه إلى عيدهم وتركوه في بيت الأصنام ليس معه أحد، ففعل بالأصنام ما فعل.
وقالوا: علم النجوم كان حقًا ثم نسخ الاشتغال بمعرفته.
والكذب حرام إلا إذا عرّض، والذي قاله إبراهيم عليه السلام معراض من الكلام أي سأسقم، أو من الموت في عنقه سقيم ومنه المثل كفى بالسلامة داء.
ومات رجل فجأة فقالوا: مات وهو صحيح.
فقال أعرابي: أصحيح مَن الموت في عنقه، أو أراد إني سقيم النفس لكفركم كما يقال أنا مريض القلب من كذا {فَتَوَلَّوْاْ} فأعرضوا {عَنْهُ مُدْبِرِينَ} أي مولين الأدبار.
{فَرَاغَ إلى ءَالِهَتِهِمْ} فمال إليهم سرًا {فَقَالَ} استهزاء {أَلآ تَأْكُلُونَ} وكان عندها طعام {مَا لَكُمْ لاَ تَنطِقُونَ} والجمع بالواو والنون لما أنه خاطبها خطاب من يعقل {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} فأقبل عليهم مستخفيًا كأنه قال فضربهم ضربًا لأن راغ عليهم بمعنى ضربهم أو فراغ عليهم يضربهم ضربًا أي ضاربًا {باليمين} أي ضربًا شديدًا بالقوة لأن اليمين أقوى الجارحتين وأشدهما أو بالقوة والمتانة، أو بسبب الحلف الذي سبق منه وهو قوله: {تالله لأَكِيدَنَّ أصنامكم} [الأنبياء: 57] {فَأَقْبَلُواْ إِلَيْهِ} إلى إبراهيم {يَزِفُّونَ} يسرعون من الزفيف وهو الإسراع.
{يُزِفون} حمزة من أزفّ إذا دخل في الزفيف إزفافًا فكأنه قد رآه بعضهم يكسرها وبعضهم لم يره فأقبل من رآه مسرعًا نحوه ثم جاء من لم يره يكسرها فكأنه قد رآه {مَن فَعَلَ هذا بِئَالِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظالمين} فأجابوه على سبيل التعريض بقولهم {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبراهيم} [الأنبياء: 60] ثم قالوا بأجمعهم نحن نعبدها وأنت تكسرها فأجابهم بقوله: {قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ} بأيديكم {والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} وخلق ما تعملونه من الأصنام أو {ما} مصدرية أي وخلق أعمالكم وهو دليلنا في خلق الأفعال أي الله خالقكم وخالق أعمالكم فلم تعبدون غيره؟ {قَالُواْ ابنوا لَهُ} أي لأجله {بنيانا} من الحجر طوله ثلاثون ذراعًا وعرضه عشرون ذراعًا {فَأَلْقُوهُ في الجحيم} في النار الشديدة.
وقيل: كل نار بعضها فوق بعض فهي جحيم {فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْدًا} بإلقائه في النار {فجعلناهم الأسفلين} المقهورين عند الإلقاء فخرج من النار {وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إلى رَبِّى} إلى موضع أمرني بالذهاب إليه {سَيَهْدِينِ} سيرشدني إلى ما فيه صلاحي في ديني ويعصمني ويوفقني.
{سيهديني} فيهما: يعقوب.
{رَبِّ هَبْ لِى مِنَ الصالحين} بعض الصالحين يريد الولد لأن لفظ الهبة غلب في الولد {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} انطوت البشارة على ثلاث: على أن الولد غلام ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم لأن الصبي لا يوصف بالحلم، وأنه يكون حليمًا وأي حلم أعظم من حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح فقال: {سَتَجِدُنِى إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} ثم استسلم لذلك.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعى} بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه.
و{مَعَهُ} لا يتعلق ب {بَلَغَ} لاقتضائه بلوغهما معًا حد السعي، ولا ب {السعى} لأن صلة المصدر لا تتقدم عليه، فبقي أن يكون بيانًا كأنه لما قال: {فَلَمَّا بَلَغَ السعى} أي الحد الذي يقدر فيه على السعي قيل: مع من؟ قال: مع أبيه وكان إذ ذاك ابن ثلاث عشرة سنة {قَالَ يا بنى} حفص والباقون بكسر الياء {إِنّى أرى في المنام أَنِّى أَذْبَحُكَ} وبفتح الياء فيهما: حجازي وأبو عمرو.
قيل له في المنام: اذبح ابنك ورؤيا الأنبياء وحي كالوحي في اليقظة.
وإنما لم يقل رأيت لأنه رأى مرة بعد مرة فقد قيل: رأى ليلة التروية كأن قائلًا يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك هذا.
فلما أصبح روّى في ذلك من الصباح إلى الرواح أمن الله هذا الحلم أم من الشيطان فمن ثَمَّ سمي يوم الترويه.
فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله فمن ثَمَّ سُمي يوم عرفة.
ثم رأى مثل ذلك في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمى اليوم يوم النحر {فانظر مَاذَا ترى} من الرأي على وجه المشاورة لا من رؤية العين، ولم يشاوره ليرجع إلى رأيه ومشورته ولكن ليعلم أيجزع أم يصبر.
{تُرِى} علي وحمزة أي ماذا تصبر من رأيك وتبديه {قَالَ يا أبت افعل مَا تُؤمَرُ} أي ما تؤمر به وقرئ به {سَتَجِدُنِى إِن شَاءَ الله مِنَ الصابرين} على الذبح.
رُوي أن الذبيح قال لأبيه: يا أبت خذ بناصيتي واجلس بين كتفي حتى لا أوذيك إذا أصابتني الشفرة، ولا تذبحني وأنت تنظر في وجهي عسى أن ترحمني، واجعل وجهي إلى الأرض.
ويُروى اذبحني وأنا ساجد واقرأ على أمي السلام، وإن رأيت أن ترد قميصي على أمي فافعل فإنه عسى أن يكون أسهل لها.
{فَلَمَّا أَسْلَمَا} انقادا لأمر الله وخضعا.
وعن قتادة: أسلم هذا ابنه وهذا نفسه {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على جبينه ووضع السكين على حلقه فلم يعمل، ثم وضع السكين على قفاه فانقلب السكين ونودي يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا.
رُوي أن ذلك المكان عند الصخرة التي بمنى.
وجواب {لما} محذوف تقديره فلما أسلما وتله للجبين {وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} أي حققت ما أمرناك به في المنام من تسليم الولد للذبح كان ما كان مما ينطق به الحال ولا يحيط به الوصف من استبشارهما وحمدهما لله وشكرهما على ما أنعم به عليهما من دفع البلاء العظيم بعد حلوله، أو الجواب قبلنا منه و{ناديناه} معطوف عليه {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} تعليل لتخويل ما خولهما من الفرج بعد الشدة {إِنَّ هذا لَهُوَ البلاؤا المبين} الاختبار البين الذي يتميز فيه المخلصون من غيرهم أو المحنة البينة.