فصل: قال الشوكاني في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ألا ترى كيف عطف خبزًا على لحمًا؟ وأيضًا الفاصل ليس بأجنبي، كما أشار إليه البيضاوي بقوله: أمر رسوله أولًا باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث وساق الكلام في تقريره جارًا لما يلائمه من القصص موصولًا بعضها ببعض، ثم أمره صلى الله عليه وسلم باستفتائهم عن وجه القسمة، حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم: الملائكة بنات الله وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر من التجسيم وتجويز البنات على الله تعالى، فإن الولادة مخصوصة بالأجسام المتكونة الفاسدة وتفضيل أنفسهم الخسيسة عليه سبحانه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرنعهما لهم واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكاره ذلك وإبطاله في كتابه العزيز مرارًا وجعله مما تكاد السموات ينفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدًا، والإنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما.
ونقل الواحدي عن المفسرين أنهم قالوا: إن قريشًا وأجناس العرب جهينة وبني سلمة وخزاعة وبني مليح قالوا: الملائكة بنات الله، وهذا الكلام يشتمل على أمرين أحدهما: إثبات البنات لله تعالى وذلك باطل؛ لأن العرب كانوا يستنكفون من البنات والشيء الذي يستنكف منه المخلوق كيف يمكن إثباته للخالق؟ والثاني: إثبات أن الملائكة إناث وهذا أيضًا باطل؛ لأن طريق العلم إما الحس وإما الخبر وإما النظر، أما الحس فمفقود؛ لأنهم لم يشاهدوا كيف خلق الله تعالى الملائكة، وهو المراد من قوله تعالى: {أم خلقنا الملائكة إناثًا وهم شاهدون} وإنما خص علم المشاهدة؛ لأن أمثال ذلك لا يعلم إلا به، فإن الأنوثة ليست من لوازم ذاتهم لتمكن معرفته بالعقل الصرف مع ما فيه من الاستهزاء والإشعار بأنهم لفرط جهلهم يثبتونه كأنهم قد شاهدوا خلقهم. وأما الخبر فمفقود أيضًا؛ لأن الخبر إنما يفيد العلم إذا علم كونه صدقًا قطعًا وهؤلاء الذين يخبرون عن هذا الحكم كذابون أفاكون لم يدل على صدقهم دليل، وهذا هو المراد من قوله تعالى: {ألا إنهم من إفكهم ليقولون ولد الله وإنهم لكاذبون} أي: فيما زعموا وقوله تعالى: {أصطفى البنات على البنين} استفهام إنكار واستبعاد، والاصطفاء أخذ صفوة الشيء.
فائدة:
همزة أصطفى همزة قطع مفتوحة مقطوعة وصلًا وابتداء.
هذا الحكم الفاسد {أفلا تذكرون} أي: أنه تعالى منزه عن ذلك، وقرأ حمزة والكسائي وحفص بتخفيف الذال، والباقون بالتشديد.
وأما النظر فمفقود من وجهين؛ الأول: أن دليل العقل يقتضي فساد هذا المذهب؛ لأنه تعالى أكمل الموجودات، والأكمل له اصطفاء الأبناء على البنات يعني: أن إسناد الأفضل إلى الأفضل أقرب إلى العقل من إسناد الأخس إلى الأفضل، فإن كان حكم العقل معتبرًا في هذا الباب كان قولهم باطلًا، الثاني: أن نترك الاستدلال على فساد مذهبهم بل نطالبهم بإثبات الدليل الدال على صحة مذهبهم وإذا لم يجدوا دليلًا ظهر بطلان مذهبهم وهذا هو المراد بقوله تعالى: {أم لكم سلطان مبين} أي: حجة واضحة أن لله ولدًا.
{فأتوا بكتابكم} أي: التوراة فأروني ذلك فيه {إن كنتم صادقين} أي: في قولكم هذا.
{وجعلوا بينه وبين الجنة نسبًا} قال مجاهد وقتادة: أراد بالجنة الملائكة عليهم السلام سموا جنًا لاجتنانهم عن الأبصار، وقال ابن عباس: حي من الملائكة يقال لهم: الجن منهم إبليس لعنه الله، وقيل: هم خزان الجنة، قال الرازي: وهذا القول عندي مشكل؛ لأنه تعالى أبطل قولهم: الملائكة بنات الله، ثم عطف عليه قوله تعالى: {وجعلوا} إلخ والعطف يقتضي المغايرة، فوجب أن يكون المراد من الآية غير ما تقدم، وقال مجاهد: قال كفار قريش: الملائكة بنات الله، فقال لهم أبو بكر الصديق رضي الله تعالى عنه منكرًا عليهم: فمن أمهاتهم؟ قالوا: سروات الجن، وهذا أيضًا بعيد؛ لأن المصاهرة لا تسمى نسبًا، قال الرازي: وقد روينا في تفسير قوله تعالى: {وجعلوا لله شركاء الجن} أن قومًا من الزنادقة يقولون: إن الله تعالى وإبليس أخوان فالله تعالى هو الحر الكريم وإبليس هو الأخ الشرير، فالمراد من ذلك هو هذا المذهب وهو مذهب المجوس، قال: وهذا القول عندي هو أقرب الأقاويل في الرد عليه بهذه الآية {ولقد علمت الجنة أنهم} أي: أهل هذا القول {لمحضرون} أي: إلى النار ومعذبون، وقيل: المراد ولقد علمت الجنة أنهم لمحضرون العذاب، فعلى الأول الضمير عائد إلى القائل، وعلى الثاني عائد إلى نفس الجنة.
ثم إنه تعالى نزه نفسه عما قالوه من الكذب فقال تعالى: {سبحان الله عما يصفون} بأن لله تعالى ولدًا ونسبًا وقوله تعالى: {إلا عباد الله المخلصين} أي: المؤمنين استثناء منقطع أي: لكن عباد الله المخلصين ينزهون الله تعالى عما يصف هؤلاء. الثالث: أنه ضمير محضرون أي: لكن عباد الله تعالى ناجون وعلى هذا فتكون جملة التسبيح معترضة وظاهر كلام أبي البقاء أنه يجوز أن يكون استثناء متصلًا؛ لأنه قال: مستثنى من جعلوا أو محضرون، ويجوز أن يكون منفصلًا، فظاهر هذه العبارة أن الوجهين الأولين هو فيهما متصل لا منفصل وليس ببعيد كأنه قيل: وجعل الناس، ثم استثنى منهم هؤلاء وكل من لم يجعل بين الله وبين الجنة نسبًا فهو عند الله مخلص من الشرك، وقوله تعالى: {فإنكم} أي: يا أهل مكة {وما تعبدون} أي: من الأصنام عود إلى خطابهم؛ لأنه لما ذكر الدلائل الدالة على فساد مذاهب الكفار أتبعه بما ينبه به على أن هؤلاء الكفار لا يقدرون على إضلال أحد إلا إذا كان قد سبق حكم الله تعالى في حقه بالعذاب والوقوع في النار، كما قال تعالى: {ما أنتم عليه} أي: على معبودكم، وعليه متعلق بقوله: {بفاتنين} أي: بمضلين أحدًا من الناس.
{إلا من هو صال الجحيم} أي: إلا من سبق له في علم الله تعالى الشقاوة.
تنبيه:
احتج أهل السنة بهذه الآية على أنه لا تأثير لإيحاء الشيطان ووسوسته وإنما المؤثر هو الله حيث قضاه وقدره، ثم إن جبريل عليه السلام أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن الملائكة ليسوا بمعبودين كما زعمت الكفار بقوله: {وما منا} أي: معشر الملائكة ملك {إلا له مقام معلوم} في السموات يعبد الله تعالى فيه لا يتجاوزه، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: ما في السموات موضع شبر إلا وعليه ملك يصلي ويسبح، وروى أبو ذر رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدًا» قيل: الأطيط أصوات الأقتاب وقيل: أصوات الإبل وحسها، ومعنى الحديث: ما في السماء من الملائكة قد أثقلها حتى أطت، وهذا مثل وإيذان بكثرة الملائكة عليهم السلام وإن لم يكن ثم أطيط، وقال السدي: إلا له مقام معلوم في القرب والمشاهدة.
{وإنا لنحن الصافون} أي: أقدامنا في الصلاة، وقال الكلبي: صفوف الملائكة في السماء كصفوف الناس في الأرض.
{وإنا لنحن المسبحون} أي: المنزهون الله تعالى عما لا يليق به، وقيل: هذا حكاية كلام النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، والمعنى: وما منا إلا له مقام معلوم في الجنة أو بين يدي الله تعالى في القيامة وإنا لنحن الصافون في الصلاة والمنزهون له تعالى عن السوء، ثم إنه تعالى أعاد الكلام إلى الإخبار عن المشركين فقال: {وإن كانوا} أي: كفار مكة، وإن مخففة من الثقيلة {ليقولون لو أن عندنا ذكرًا} أي: كتابًا {من الأولين} أي: من كتب الأمم الماضين.
{لكنا عباد الله المخلصين} أي: لأخلصنا العبادة له وما كذبنا ثم جاءهم الذكر الذي هو سيد الأذكار والمهيمن عليها وهو القرآن العظيم.
{فكفروا به فسوف يعلمون} عاقبة هذا الكفر وهذا تهديد عظيم، ولما هددهم بذلك أردفه بما يقوي قلب النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى: {ولقد سبقت كلمتنا} أي: بالنصر {لعبادنا المرسلين} وهي قوله تعالى: {لأغلبن أنا ورسلي} أو هي قوله تعالى: {إنهم لهم المنصورون}.
{وإن جندنا} أي: المؤمنين {لهم الغالبون} أي: الكفار، والنصرة والغلبة قد تكون بالحجة وقد تكون بالدولة والاستيلاء، وقد تكون بالدوام والثبات، فالمؤمن وإن صار مغلوبًا في بعض الأوقات بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب في الآخرة، فالحكم في ذلك للأغلب في الدنيا فلا ينافي ذلك قتل بعض الأنبياء عليهم السلام وهزم كثير من المؤمنين، وإنما سمى ذلك كلمة وهي كلمات لانتظامها في معنى واحد.
{فتول عنهم} أي: أعرض عن كفار مكة، واختلف في قوله تعالى: {حتى حين} فقال ابن عباس: يعني الموت، وقال مجاهد: يوم بدر، وقال السدي: حتى يأمرك الله تعالى بالقتال، وقيل: إلى أن يأتيهم عذاب الله، وقيل: إلى فتح مكة، وقال مقاتل بن حبان: نسختها آية القتال.
{وأبصرهم} أي: إذا نزل بهم العذاب من القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة، {فسوف يبصرون} أي: ما قضيناه لك من التأييد والنصرة والثواب في الآخرة وسوف للوعيد لا للتبعيد.
ولما قيل لهم ذلك قالوا استهزاء: متى نزول العذاب؟ فقال تعالى تهديدًا لهم: {أفبعذابنا يستعجلون} أي: إن ذلك الاستعجال جهل؛ لأن لكل شيء من أفعال الله تعالى وقتًا معينًا لا يتقدم ولا يتأخر.
{فإذا نزل} أي: العذاب {بساحتهم} قال مقاتل: بحضرتهم، وقيل: بفنائهم، قال الفراء: العرب تكتفي بذكر الساحة عن القوم فشبه العذاب بجيش هجم فأناخ بفنائهم بغتة {فساء} أي: فبئس صباحًا {صباح المنذرين} أي: الكافرين الذين أنذروا بالعذاب، وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر أتاها ليلًا وكان إذا جاء قومًا بليل لم يغر حتى يصبح، فلما أصبح خرجت يهود بمساحيها ومكاتلها، فلما رأوه قالوا: محمد والله محمد والخميس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قالها ثلاث مرات».
وقوله تعالى: {وتول عنهم حتى حين} {وأبصر فسوف يبصرون} فيه وجهان أحدهما: أن في هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا وفي هذه الكلمة أحوال يوم القيامة على هذا فالتكرار زائل، والثاني: أنها مكررة للمبالغة في التهديد والتهويل.
فإن قيل: ما الحكمة في قوله أولًا: {وأبصرهم} وههنا قال: {وأبصر} بغير ضمير؟
أجيب: بأنه حذف مفعول أبصر الثاني إما اختصارًا لدلالة الأول عليه وإما اقتصارًا تفننًا في البلاغة، ثم إنه تعالى ختم السورة بتنزيه نفسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهية فقال تعالى: {سبحان ربك رب العزة} أي: الغلبة والقوة وفي قوله تعالى: {رب} إشارة إلى كمال الحكمة والرحمة، وفي قوله تعالى: {العزة} إشارة إلى كمال القدرة وأنه القادر على جميع الحوادث؛ لأن الألف واللام في قوله تعالى: {العزة} تفيد الاستغراق وإذا كان الكل ملكًا له سبحانه لم يبق لغيره شيء فثبت أن قوله سبحانه وتعالى: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون} أي: أن له ولدًا كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات وقوله تعالى: {وسلام على المرسلين} أي: المبلغين من الله تعالى التوحيد والشرائع تعميم للرسل بعد تخصيص بعضهم.
{والحمد لله رب العالمين} أي: على هلاك الأعداء ونصرة الأنبياء عليهم أفضل الصلاة والسلام وعلى ما أفاض عليهم ومن اتبعهم من النعمة وحسن العاقبة، ولذلك أخره عن التسليم والغرض من ذلك تعليم المؤمنين أن يقولوا ذلك ولا يغفلوا عنه لما روى البغوي عن علي رضي الله عنه أنه قال: من أحب أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليكن آخر كلامه من مجلسه: سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين إلخ. وأما ما رواه البيضاوي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أن من قرأ والصافات أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد كل جني وشيطان وتباعدت عنه مردة الشياطين وبرئ من الشرك وشهد له حافظاه يوم القيامة أنه كان مؤمنًا بالمرسلين» فموضوع. اهـ.

.قال الشوكاني في الآيات السابقة:

{فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ (149)}.
لما كانت قريش، وقبائل من العرب يزعمون: أن الملائكة بنات الله أمر الله سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم باستفتائهم على طريقة التقريع، والتوبيخ، فقال: {فاستفتهم} يا محمد، أي: استخبرهم {أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} أي: كيف يجعلون لله، على تقدير صدق ما زعموه من الكذب أدنى الجنسين، وأوضعهما، وهو: الإناث، ولهم أعلاهما، وأرفعهما، وهم: الذكور، وهل هذا إلا حيف في القسمة لضعف عقولهم، وسوء إدراكهم؟ ومثله قوله: {أَلَكُمُ الذكر وَلَهُ الأنثى تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضيزى} [النجم: 21- 22] ثم زاد في توبيخهم، وتقريعهم.
فقال: {أَمْ خَلَقْنَا الملائكة إناثا وَهُمْ شاهدون} فأضرب عن الكلام الأوّل إلى ما هو أشدّ منه في التبكيت، والتهكم بهم، أي: كيف جعلوهم إناثًا، وهم لم يحضروا عند خلقنا لهم، وهذا كقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا أَشَهِدُواْ خَلْقَهُمْ} [الزخرف: 19] فبيّن سبحانه: أن مثل ذلك لا يعلم إلا بالمشاهدة، ولم يشهدوا، ولا دلّ دليل على قولهم من السمع، ولا هو مما يدرك بالعقل حتى ينسبوا إدراكه إلى عقولهم.
ثم أخبر سبحانه عن كذبهم، فقال: {أَلاَ إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ الله وَإِنَّهُمْ لكاذبون} فبيّن سبحانه أن قولهم هذا هو من الإفك، والافتراء من دون دليل، ولا شبهة دليل، فإنه لم يلد، ولم يولد.
قرأ الجمهور {ولد الله} فعلًا ماضيًا مسندًا إلى الله.
وقرىء بإضافة ولد إلى الله على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: يقولون الملائكة ولد الله، والولد بمعنى: مفعول يستوي فيه المفرد، والمثنى، والمجموع، والمذكر، والمؤنث.
ثم كرر سبحانه تقريعهم، وتوبيخهم، فقال: {أَصْطَفَى البنات على البنين} قرأ الجمهور بفتح الهمزة على أنها للاستفهام الإنكاري، وقد حذف معها همزة الوصل استغناء به عنها.
وقرأ نافع في رواية عنه، وأبو جعفر، وشيبة، والأعمش بهمزة وصل تثبت ابتداء، وتسقط درجًا، ويكون الاستفهام منويًا قاله الفراء.
وحذف حرفه للعلم به من المقام، أو على أن اصطفى، وما بعده بدل من الجملة المحكية بالقول.
وعلى تقدير عدم الاستفهام، والبدل.
فقد حكى جماعة من المحققين منهم الفراء: أن التوبيخ يكون باستفهام، وبغير استفهام كما في قوله: {أَذْهَبْتُمْ طيباتكم في حياتكم الدنيا} [الأحقاف: 20]، وقيل: هو على إضمار القول {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} جملتان استفهاميتان ليس لأحدهما تعلق بالأخرى من حيث الإعراب: استفهمهم أوّلًا عما استقرّ لهم، وثبت استفهام بإنكار، وثانيًا استفهام تعجب من هذا الحكم الذي حكموا به، والمعنى: أيّ شيء ثبت لكم كيف تحكمون لله بالبنات، وهم: القسم الذي تكرهونه، ولكم بالبنين، وهم: القسم الذي تحبونه {أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ} أي: تتذكرون، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى: ألا تعتبرون، وتتفكرون، فتتذكرون بطلان قولكم {أَمْ لَكُمْ سلطان مُّبِينٌ} أي: حجة واضحة ظاهرة على هذا الذي تقولونه، وهو إضراب عن توبيخ إلى توبيخ، وانتقال من تقريع إلى تقريع.
{فَأْتُواْ بكتابكم إِن كُنتُمْ صادقين} أي: فأتوا بحجتكم الواضحة على هذا إن كنتم صادقين فيما تقولونه، أو فأتوا بالكتاب الذي ينطق لكم بالحجة، ويشتمل عليها.
{وَجَعَلُواْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الجنة نَسَبًا} قال أكثر المفسرين: إن المراد بالجنة هنا: الملائكة، قيل لهم: جنة، لأنهم لا يرون.