فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سد فرجة في صف رفعه الله بها درجة، وبنى له بيتًا في الجنة».
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «سوّوا صفوفكم، واحسنوا ركوعكم وسجودكم».
وأخرج ابن أبي شيبة عن علي رضي الله عنه قال: استووا تستوي قلوبكم، وتَراصُّوا تُرْحَمُوا.
وأخرج محمد بن نصر عن أبي صالح رضي الله عنه قال: لما نزلت هذه الآية {إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل} [المزمل: 20] إلى قوله: {علم أن لن تحصوه} [المزمل: 20] قال جبريل عليه السلام: أشق ذلك عليكم؟ قال: نعم. قال: {وما منا إلا له مقام معلوم وإنا لنحن الصافون وإنا لنحن المسبحون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإنا لنحن الصافون} قال: صفوف في السماء {وإنا لنحن المسبحون} أي المصلون هذا قول الملائكة يبينون مكانهم من العباد.
{وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ (167) لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ (168)}.
أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {لو أن عندنا ذكرًا من الأولين} قال: لما جاء المشركين من أهل مكة ذكر الأولين، وعلم الآخرين، كفروا بالكتاب {فسوف يعلمون}.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله: {وإن كانوا ليقولون} قال: قالت هذه الأمة ذلك قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم قول أهل الشرك من أهل مكة، فلما جاءهم ذكر الأولين، وعلم الآخرين، كفروا به.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {وإن كانوا ليقولون} قال: قالت هذه الأمة ذلك قبل أن يبعث محمد صلى الله عليه وسلم، فلما جاءهم محمد صلى الله عليه وسلم {كفروا به فسوف يعلمون} وفي قوله: {ولقد سبقت كلمتنا} قال: كانت الأنبياء تقتل وهم منصورون، والمؤمنون يقتلون وهم منصورون، نصروا بالحجج في الدنيا والآخرة، ولم يقتل نبي قط، ولا قوم يدعون إلى الحق من المؤمنين، فتذهب تلك الأمة والقرن، حتى يبعث الله قرآنًا ينتصر بهم منهم.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {فتول عنهم حتى حين} قال: إلى الموت {وأبصرهم فسوف يبصرون} قال: ابصروا حين لم ينفعهم البصر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فتول عنهم حتى حين} قال: يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فتول عنهم حتى حين} قال: يوم القيامة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله: {فتول عنهم حتى حين} قال: يوم بدر. وفي قوله: {فإذا نزل بساحتهم} قال: بدارهم {فساء صباح المنذرين} قال: بئسما يصبحون.
وأخرج جويبر عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالوا يا محمد أرنا العذاب الذي تخوّفنا به عجله لنا، فنزلت {أفبعذابنا يستعجلون}.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أنس رضي الله عنه قال: «صبح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وقد خرجوا بالمساحي، فلما نظروا إليه قالوا: محمد والخميس. فقال: الله أكبر خربت خيبر، إنا أنزلنا بساحة قوم {فساء صباح المنذرين} فأصبنا حمرًا خارجة من القرية، فطبخناها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ إن الله ورسوله ينهاكم عن الحمر الأهلية، فإنها رجس من عمل الشيطان».
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {وتول عنهم حتى حين} قال: قيل له أعرض عنهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم رضي الله عنه في قوله: {وأبصر فسوف يبصرون} قال: يقول يوم القيامة، ما صنعوا من أمر الله، وكفرهم بالله ورسوله وكتابه، قال: {أبصر} وأبصرهم واحد.
{سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)}.
أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {سبحان ربك رب العزة} قال: يسبح نفسه إذ كذب عليه، وقيل عليه البهتان {عما يصفون} قال: عما يكذبون {وسلام على المرسلين} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سلمتم عليَّ فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين».
وأخرج ابن مردويه من طريق أبي العوام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا سلمتم علي، فسلموا على المرسلين، فإنما أنا رسول من المرسلين» قال أبو العوام رضي الله عنه: كان قتادة يذكر هذا الحديث إذا تلا هذه الآية {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}.
وأخرج ابن سعد وابن مردويه من طريق سعيد عن قتادة عن أنس عن أبي طلحة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا سلمتم على المرسلين فسلموا عليَّ، فإنما أنا بشر من المرسلين».
وأخرج الطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنا نعرف انصراف رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة بقوله: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}.
وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو يعلى وابن مردويه عن أبي سعيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا أراد أن يسلم من صلاته قال: {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}».
وأخرج الدارقطني في الافراد عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذه الآيات {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}.
وأخرج الخطيب عن أبي سعيد الخدري قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: بعد أن يسلم {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}».
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قال دبر كل صلاة {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين} ثلاث مرات، فقد اكتال بالمكيال الأوفى من الأجر».
وأخرج ابن أبي حاتم عن الشعبي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى من الأجر يوم القيامة فليقل آخر مجلسه حين يريد أن يقوم {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}».
وأخرج البغوي في تفسيره من وجه آخر متصل عن علي موقوفًا.
وأخرج حميد بن زنجويه في ترغيبه من طريق الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: من سره أن يكتال بالمكيال الأوفى فليقرأ هذه الآية ثلاث مرات {سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله: {وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ}.
الضميرُ فيه وجهان، أظهرُهما: أنَّه يعودُ على نوح أي: مِمَّن كان يُشايِعُه أي: يتابِعُه على دينِه والتصلُّبِ في أمر الله. والثاني: أنه يعودُ على محمدٍ صلَّى الله عليه وسلَّم. والشِّيْعَةُ قد تُطْلَق على المتقدمِ كقوله:
وما ليَ إلاَّ آلَ أحمدَ شِيْعَةٌ ** وما لِيَ إلاَّ مَشْعَبَ الحقِّ مَشْعَبُ

فجعلَ آلَ أحمدَ- وهم متقدِّمون عليه وهو تابعٌ لهم- شِيعةً له قاله الفراء. والمعروفُ أن الشِّيْعَةَ تكون في المتأخِّر.
{إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)}.
قوله: {إِذْ جَاءَ} في العاملِ فيه وجهان، أحدهما: اذكُرْ مقدَّرًا، وهو المتعارَفُ. والثاني: قال الزمخشري: ما في الشِّيْعَةِ مِنْ معنى المشايَعَة يعني: وإنَّ مِمَّنْ شايَعَه على دينِه وتقواه حين جاء رَبَّه. قال الشيخ: لا يجوز؛ لأنَّ فيه الفَصْلَ بين العاملِ والمعمولِ بأجنبي وهو {لإِبْراهيمَ} لأنه أجنبيٌّ مِنْ شِيْعته، ومِنْ {إذ}. وزاد المنعَ أَنْ قَدَّره مِمَّنْ شايَعَه حين جاء لإِبراهيم لأنه قَدَّرَ مِمَّنْ شايَعَه، فجعل العاملَ قبلَه صلةً لموصول وفَصَلَ بينه وبين إذ بأجنبي وهو لإِبراهيم وأيضًا فلامُ الابتداءِ تمنعُ أَنْ يعملَ ما قبلَها فيما بعدها. لو قلت: إن ضاربًا لقادمٌ علينا زيدًا تقديره: إنَّ ضاربًا زيدًا لقادِمٌ علينا لم يَجُزْ.
{إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَاذَا تَعْبُدُونَ (85)}.
قوله: {إِذْ قَالَ} بدلٌ مِنْ {إذ} الأولى أو ظرفٌ ل {سليم} أي: سَلِمَ عليه في وقتِ قولِه كَيْتَ وكَيْتَ، أو ظرفٌ ل {جاء} ذكره أبو البقاء، وليس بواضحٍ. وتقدَّم نظيرُ ما بعده.
{أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)}.
قوله: {أَإِفْكًا} فيه أوجهٌ، أحدُها: أنه مفعولٌ من أجله أي: أتُريدون آلهةً دونَ اللَّهِ إفكًا، ف {آلهةً} مفعولٌ به و{دونَ} ظرفٌ ل {تُرِيْدون} وقُدِّمَتْ معمولاتُ الفعلِ اهتمامًا بها، وحَسَّنه كونُ العاملِ رأسَ فاصلةٍ، وقَدَّمَ المفعولَ مِنْ أجله على المفعول به اهتمامًا به لأنه مُكافِحٌ لهم بأنَّهم على إفْكٍ وباطِلٍ. وبهذا الوجهِ بدأ الزمخشري. الثاني: أَنْ يكونَ مفعولًا به ب {تُريدون} ويكون {آلهةً} بدلًا منه جعلها نفسَ الإِفكِ مبالغةً فأبْدَلها منه وفَسَّره بها، ولم يَذْكر ابنُ عَطية غيرَه. الثالث: أنَّه حالٌ مِنْ فاعل {تُريدون} أي: أتُريدون آلهةً آفِكين أو ذوي إفْك. وإليه نحا الزمخشري. قال الشيخ: وجَعْلُ المصدرِ حالًا لا يَطَّرِدُ إلاَّ مع أمَّا نحو: أمَّا عِلْمًا فعالِمٌ.
{فَرَاغَ إِلَى آلِهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (91)}.
قوله: {فَرَاغَ} أي: مال في خُفْيَةٍ. وأصلُه مِنْ رَوَغان الثعلبِ، وهو تَرَدُّدُه وعَدَمُ ثبوتِه بمكانٍ.
{فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ (93)}.
و{ضَرْبًا} مصدرٌ واقعٌ موقعَ الحالِ أي: فراغ عليهم ضارِبًا أو مصدرٌ لفعلٍ، ذلك الفعلُ حالٌ تقديرُه: فراغَ يَضْرِب ضَرْبًا، أو ضَمَّن {راغَ} معنى يَضْرِبُ، وهو بعيدٌ. و{باليمينِ} متعلِّقٌ ب {ضَرْبًا} إن لم نجعَلْه مؤكِّدًا وإلاَّ فبعامِلِه. واليمينُ: يجوزُ أن يُرادَ بها إحدى اليدين وهو الظاهرُ، وأنُ يُرادَ بها القوةُ، فالباءُ على هذا للحالِ أي: مُلْتبسًا بالقوةِ، وأَنْ يُراد بها الحَلْفُ وفاءً بقولِه: {وتالله لأَكِيدَنَّ} [الأنبياء: 57]. والباءُ على هذا للسببِ. وعَدَّى {راغ} الثاني ب على لَمَّا كان مع الضَرْبِ المُسْتَوْلي عليهم مِنْ فَوقِهم إلى أسفلِهم بخلافِ الأولِ فإنه مع توبيخٍ لهم، وأتى بضميرِ العقلاء في قوله: {عليهم} جَرْيًا على ظنِّ عَبَدَتها أنها كالعقلاءِ.
{فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ (94)}.
قوله: {يَزِفُّونَ} حالٌ مِنْ فاعلِ {أَقْبَلوا} و{إليه} يجوزُ تَعَلُّقُه بما قبلَه أو بما بعده. وقرأ حمزةُ {يُزِفُّون} بضم الياء مِنْ أَزَفَّ وله معنيان، أحدهما: أنَّه مِنْ أَزَفَّ يُزِفُّ أي: دخل في الزَّفيفِ وهو الإِسراعُ، أو زِفافِ العَروسِ وهو المَشْيُ على هيئتِه؛ لأنَّ القومَ كانوا في طمأنينةٍ مِنْ أَمْرِهم، كذا قيل هذا الثاني وليس بشيءٍ؛ إذ المعنى: أنهم لَمَّا سمعوا بذلك بادروا مُسْرِعين، فالهمزة على هذا ليسَتْ للتعديةِ. والثاني: أنه مِنْ أَزَفَّ بعيرَه أي: حَمَله على الزَّفِيْفِ وهو الإِسراعُ أو على الزِّفافِ، وقد تقدَّم ما فيه. وباقي السبعةِ بفتحِ الياءِ مِنْ زَفَّ الظليمُ يَزِفُّ أي: عَدا بسُرْعة. وأصلُ الزَّفيفِ للنَّعام.
وقرأ مجاهد وعبد الله بن يزيد والضحاك وابن أبي عبلة {يَزِفُون} مِنْ وَزَفَ يَزِفُ أي: أَسْرَعَ. إلاَّ أنَّ الكسائيَّ والفراء قالا: لا نعرفُها بمعنى زَفَّ، وقد عَرَفَها غيرُهما. قال مجاهد- وهو بعضُ مَنْ قرأ بها-: الوزيف: النَّسَلان.
وقُرِئ {يُزَفُّون} مبنيًَّا للمفعول و{يَزْفُوْن} ك يَرْمُون مِنْ زَفاه بمعنى حَداه، كأنَّ بعضَهم يَزْفو بعضًا لتسارُعِهم إليه. وبين قولِه: {فأَقْبَلُوا} وقولِه: {فراغ عليهم} جُمَلٌ محذوفةٌ يَدُلُّ عليها الفَحْوَى أي: فبلغَهم الخبرُ فرَجَعوا مِنْ عيدِهم، ونحو هذا.
{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ (96)}.
قوله: {وَمَا تَعْمَلُونَ} في {ما} هذه أربعةُ أوجه، أجودُها: أنها بمعنى الذي أي: وخَلَق الذي تَصْنَعونه، فالعملُ هنا التصويرُ والنحتُ نحو: عَمِل الصائغُ السِّوارَ أي: صاغه. ويُرَجِّح كونَها بمعنى الذي تَقَدُّمُ ما قبلَها فإنَّها بمعنى الذي أي: أتعبُدُوْنَ الذي تَنْحِتُون، واللَّهُ خلقكم وخَلَقَ ذلك الذي تَعْملونه بالنَّحْتِ.
والثاني: أنها مصدريةٌ أي: خَلَقَكم وأعمالَكم. وجعلها الأشعريَّةُ دليلًا على خَلْقِ أفعال العباد لله تعالى، وهو الحقُّ. إلاَّ أَنَّ دليلَ ذلك مِنْ هنا غيرُ قويّ لِما تقدَّم مِنْ ظهورِ كَوْنِها بمعنى الذي. وقال مكي: يجبُ أَنْ تكونَ {ما} والفعلُ مصدرًا جيْءَ به لِيُفيدَ أنَّ اللَّهَ خالقُ الأشياءِ كلِّها. وقال أيضًا: وهذا أَلْيَقُ لقولِه تعالى: {مِن شَرِّ مَا خَلَقَ} [الفلق: 2] أجمع القراءُ على الإِضافةِ، فدَلَّ على أنه خالقُ الشَّرِّ. وقد فارق عمرو بن عبيد الناسَ فقرأ {مِنْ شرٍّ} بالتنوين ليُثْبِتَ مع الله تعالى خالقًا. وقد استفرضَ الزمخشري هذه المقالةَ هنا بكونِها مصدريةً، وشَنَّع على قائلِها.
والثالث: أنها استفهاميةٌ، وهو استفهامُ توبيخٍ وتحقيرٍ لشأنِها أي: وأيَّ شيءٍ تَعْملونَ؟ والرابع: أنَّها نافيةٌ أي: إنَّ العملَ في الحقيقة ليس لكم فأنتم لا تعملون شيئًا. والجملةُ مِنْ قولِه: {والله خَلَقكم} حالٌ ومعناها حينئذٍ: أتعبدون الأصنام على حالةٍ تُنافي ذلك، وهي أنَّ اللَّهَ خالِقُكم وخالِقُهم جميعًا. ويجوزُ أَنْ تكونَ مستأنفةً.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)}.
قوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ} {معه} متعلِّقٌ بمحذوفٍ على سبيل البيان كأنَّ قائلًا قال: مع مَنْ بلغ السَّعْيَ؟ فقيل: مع أبيه. ولا يجوزُ تعلُّقُه ب {بَلَغَ} لأنَّه يَقْتضي بلوغَهما معًا حَدَّ السَّعْيِ. ولا يجوز تعلُّقُه بالسَّعْيِ؛ لأنَّ صلةَ المصدرِ لا تتقدَّمُ عليه فتعيَّن ما تقدَّم. قال معناه الزمخشريُّ. ومَنْ يَتَّسِعْ في الظرفِ يُجَوِّزْ تَعَلُّقَه بالسَّعْي.
قوله: {ماذا ترى} يجوزُ أَنْ تكونَ {ماذا} مركبةً مغلَّبًا فيها الاستفهامُ فتكونَ منصوبةً ب {تَرَى} وهي وما بعدها في محلِّ نصب ب {انْظُر} لأنها مُعَلِّقةٌ له، وأنْ تكونَ {ما} استفهاميةً، و{ذا} موصولةً، فتكون مبتدًا وخبرًا، والجملةُ معلِّقَةٌ أيضًا، وأَنْ تكونَ {ماذا} بمعنى الذي فتكونَ معمولًا ل {انْظُرْ}. وقرأ الأخَوان {تُري} بالضم والكسر. والمفعولان محذوفان، أي: تُريني إياه مِنْ صبرك واحتمالك.
وباقي السبعة {تَرَى} بفتحتين مِن الرأي. وقرأ الأعمش والضحَّاك {تُرَى} بالضمِّ والفتح بمعنى: ما يُخَيَّلُ إليك ويَسْنَحُ بخاطرك.
وقوله: {ما تُؤْمَرُ} يجوزُ أَنْ تكونَ {ما} بمعنى الذي، والعائدُ مقدرٌ أي: تُؤْمَرُه، والأصلُ: تُؤْمَرُ به، ولكنَّ حَذْفَ الجارِّ مُطَّرِدٌ، فلم يُحْذَفْ العائدُ إلاَّ وهو منصوبُ المحلِّ، فليس حَذْفُه هنا كحذفِه في قولك: جاء الذي مَرَرْتُ. وأَنْ تكونَ مصدريةً. قال الزمخشري: أو أَمْرَك، على إضافةِ المصدرِ للمفعول وتسميةِ المأمورِ به أمرًا يعني بقولِه المفعول أي: الذي لم يُسَمَّ فاعلُه، إلاَّ أنَّ في تقدير المصدرِ بفعل مبنيّ للمفعولِ خلافًا مَشْهورًا.