فصل: قال الفراء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقوله جل وعز: {قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون} [آية 68] قال مجاهد يعني القرآن.
وقوله جل وعز: {ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون} [آية 69] قال الحسن يعني الملائكة اختصموا كما أخبر تعالى عنهم بقوله: {إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين} أي حين خلق آدم عليه السلام بيده قال أبو جعفر وفي الحديث يختصمون في الكفارات وهي إسباغ الوضوء في المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة قال أبو جعفر الملأ في اللغة الأشراف الأفاضل كأنهم مليئون بما يسند إليهم وقد قيل يجوز أن يكون يعني بالملأ الأعلى هاهنا الملائكة {إذ يختصمون} يعني قريشا لأن منهم من قال الملائكة بنات الله جل وعز فأعلم الله جل وعز النبي صلى الله عليه وسلم ذلك واعلمه أنهم عباده وأنهم {لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون} وقيل يجوز أن يراد بالملأ الأعلى هاهنا أشراف قريش إذ يختصمون فيما بينهم فيوحي الله عز وجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك والله اعلم بما أراد وأولى ما قيل فيه ما قاله ابن عباس والسدي وقتادة أن الملأ الأعلى هاهنا الملائكة اختصموا في أمر آدم عليه السلام حين خلق فقالوا لا تجعل في الأرض خليفة.
ثم قال جل وعز: {إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين} [آية 70]. يجوز أن يكون المعنى: إلا إنذار وأن يكون المعنى إلا بأنما أنا نذير مبين.
وقوله جل وعز: {فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين} [آية 74] قال الضحاك قال ابن عباس كان إبليس من أشراف الملائكة وكان خازن الجنان وكان أمينا على السماء الدنيا والأرض ومن فيهما فأعجبته نفسه ورأى أن له فضلا على الملائكة ولم يعلم بذلك أحد إلا الله جل وعز فلما أمر الله جل وعز الملائكة بالسجود لآدم امتنع وظهر تكبره.
وقوله جل وعز: {فاخرج منها فإنك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين} [آية 78] قال أبو جعفر ومعنى إلى يوم الدين إلى اليوم الذي يدان فيه الناس بأعمالهم قال أهل التفسير رجيم أي ملعون والمعنى مرجوم باللعنة.
وقوله جل وعز: {قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} [آية 81] ومعناه إلى يوم الوقت المعلوم الذي لا يعلمه إلا الله جل وعز.
وقوله جل وعز: {قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين} [آية 85] ويقرأ بنصب الأول وحكى الفراء أنه يجوز الخفض في الأول قال أبو جعفر رفعه على ثلاثة معان أ- روي عن ابن عباس فأنا الحق ب- وروى أبان بن تعلب عن الحكم عن مجاهد قال فالحق مني وأقول الحق ج- والقول الثالث على مذهب سيبويه والفراء بمعنى فالحق لأملأن جهنم بمعنى فالحق أن أملأ جهنم وكذا يقول سيبويه في وقوله تعالى: {ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه} والنصب بمعنى فالحق قلت وأقول الحق وقد قال أبو حاتم المعنى فالحق لأملأن أي فحقا لأملأن وقال قولا آخر وهو أن المعنى فاقول الحق والحق لأملأن والأولى في النصب القول الأول وهو مذهب أبي عبيدة والخفض بمعنى القسم حذف الواو ويكون الحق لله جل وعز وقد اجاز سيبويه الله لأفعلن إلا أن هذا أحسن من ذاك إلا أن الفاء هاهنا تكون بدلا من الواو كما تكون بدلا من الواو في قوله:
فمثلك حبلى قد طرقت ومرضع ** فألهيتها عن ذي تمائم محول

وقوله جل وعز: {قل ما أسالكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين} [آية 86] قال ابن زيد أي لا أتخرص وأتكلف ما لم يأمرني الله جل وعز به.
وقوله جل وعز: {ولتعلمن نباه بعد حين} [آية 88] أي ولتعلمن أن القرآن وما أو عدتم فيه حق وروى معمر عن قتادة {ولتعلمن نبأه بعد حين} قال بعد الموت. وقال السدي يوم بدر.
وقال ابن زيد يوم القيامة والحين مبهم فهو مطلق يقع لكل وقت علموه فيه تمت بعونه تعالى سورة ص. اهـ.

.قال الفراء:

سورة ص:
{ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ}.
قوله: {ص وَالْقُرْآنِ} جَزَمَها القراء، إلاّ الحَسَن فإنه خفضَهَا بلاَ نون لاجتماع السَّاكنين. كانت بمنزلة مَنْ قرأ {نُونَ والقلم} و{ياسينَ والقرآنِ الحَكيم} جُعلت بمنزلة الأداة كقولِ العرب: تركته حاثِ باث وخَازِ بازِ يُخفضان؛ لأن الذي يلى آخر الحرف ألِف. فالخفض مع الألف، والنصبُ مع غير الألِف. يقولون: تركته حَيْثَ بَيْثَ، ولأجعلنّك حَيْصَ بَيْصَ إذا ضُيّق عَلَيْهِ.
وقال الشاعر:
لم يَلتحِصنى حَيْصَ بَيْصَ الحاصى

يريد الحائِص فقلبَ كَمَا قَالَ: عاقِ يريد: عائِق.
وص في معنَاهَا كقولكَ: وجبَ والله، ونزل والله، وحقّ والله. فهىَ جواب لقوله: {والقرآن} كَمَا تقول: نزلَ والله. وقد زعم قوم أنّ جَوَاب {والقرآن} {إنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تخاصُمُ أَهْلِ النارِ} وذلك كلام قد تأخّر تأخُّرًا كثيرًا عن قوله: {والقرآن} جرت بينهما قِصص مختلِفة، فلا نَجد ذلكَ مُستقيمًا في العربيَّة والله أعلم.
ويقال: إن قوله: {وَالقرآنِ} يمين اعترض كلام دون مَوقع جوابها، فصَار جوابها جوابًا للمعترِض ولهَا، فكأنه أراد: والقرآن ذى الذكر لكَمْ أهلكنَا، فلمّا اعترض قوله: {بل الذين كَفَرُوا في عِزَّة وشقاق} صارت {كم} جَوَابًا للعزَّة ولليمين. ومثله قوله: {والشَمسِ وضُحَاهَا} اعْترض دون الجواب قوله: {ونَفْسٍ وما سَوَّاها فألْهَمهَا} فصَارت {قد أفلح} تابعةً لقوله: {فألهمها} وكفى من جَواب القسم، وكأنه كان: والشمس وضحَاهَا لقد أفلح.
{كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ}.
وقوله: {فَنَادَواْ وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ} يقول: ليْسَ بحين فِرار. والنَوْص: التأخّر في الكلام العرب، والبَوْص: التقدم وقد بُصْته، وقال امرؤ القيس:
أمِن ذكر ليلى إذ نَأَتكَ تَنُوص ** وتَقْصُر عَنْهَا خُطوةً وتَبُوص

فمناص مَفْعَل؛ مثل مقامٍ. ومن العرب من يضيفُ لات فيخفض. أنشدونى:
لات ساعةِ مَنْدَمِ

ولا أحفظ صَدْره. والكلام أن ينصب بهَا لأنها في معنَى لَيْسَ. أنشدنى المفضّل:
تذكّرَ حبّ ليلى لاَتَ حينا ** وأضحَى الشيب قد قطعَ القرينَا

فهذا نَصْب. وأنشدنى بعضهم:
طلبوا صُلحنا ولاَتَ أوانِ ** فأجبنَا أن لَيْسَ حِينَ بقَاءِ

فخفض {أَوانِ} فهذا خَفْض.
قال الفراء: أقف عَلى {لاتَ} بالتاء، والكسَائىّ يقف بالهاء.
{أَجَعَلَ الآلِهَةَ الهًا وَاحِدًا إِنَّ هَاذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ}.
وقوله: {لَشَيْءٌ عُجَابٌ} وقرأ أبو عبدالرَّحمن السُّلمى {لشىء عُجَّابٌ} والعرب تقول: هذا رجل كريم وكُرَّام وَكُرَام، والمعْنى كله وَاحِدٌ مثله قوله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكرًا كُبَّارًا} معناه: كبيرًا فشدّد. وقَالَ الشاعر:
كحلفة من أبى رياح ** يسمعها الهِمّةُ الكُبار

والهمّ والهمةُ الشيخ الفانى.
وأنشدنى الكسَائى:
يسمعها الله والله كبار

وقال الآخر:
وآثرت إدلاجى عَلى ليل حُرَّة ** هَضيم الحَشَا حُسّانِة المَتجرَّد

وقال آخر:
نحن بذلنا دونها الضِّرابَا ** إنا وجدنا ماءها طُيّابَا

يريد: طيِّبًا وقال في طويل، طُوَال السَاعدين أشم.
طُوال الساعدين أشمّ

وقال الآخر:
جاء بصيد عَجَب من العجب ** أزيرق العينين طُوَّالِ الذَنَبْ

فشدّ الواو على ذلكَ المجرى. فكلّ نعت نعتّ به اسْمًا ذكرًا أو أنثى أتاك عَلى فُعّال مُشَدَّدا ومخفَّفا فهو صَوَاب.
{وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ وَاْصْبِرُواْ عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَاذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ}.
وقوله: {وَانطَلَقَ الْمَلأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُواْ} انطَلقُوا بهذا القول. فأَن في موضع نصب لفقدهَا الخافض. كأنك قلت: انطلقوا مشيًا ومُضِيّا على دينكم. وهى في قراءة عبد الله {وانطلق الملأ منهم يمشون أن اصبروا عَلى آلهتكم} ولو لم تكنْ {أن} لكان صَوَابًا؛ كما قال: {والمَلاَئِكةُ باسِطُوا أيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا} ولم يقل: أَنْ أَخرجُوا؛ لأنَّ النّية مضمر فيهَا القول.
{مَا سَمِعْنَا بِهَاذَا في الْمِلَّةِ الآخِرَةِ إِنْ هَاذَا إِلاَّ اخْتِلاَقٌ}.
وقوله: {مَا سَمِعْنَا بِهَاذَا في الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} يعنى اليهوديّة والنصرانيّة.
{أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بْل هُمْ فَي شَكٍّ مِّن ذِكْرِي بَل لَّمَّا يَذُوقُواْ عَذَابِ}.
وقوله: {أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ} وهى في قراءة عبد الله {أَمْ أنزِلَ عليه الذكر} وهذا مما وصفت لك في صدر الكتاب: أن الاستفهَام إذا توسّط الكلام ابتدئ بالألف وبأم. وإذا لم يسبقه كلام لم يكن إلاّ بالألف أو بهل.
{أَمْ لَهُم مُّلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَلْيَرْتَقُواْ في الأَسْبَابِ}.
وقوله: {فَلْيَرْتَقُواْ في الأَسْبَابِ} يريد: فليصْعَدوا في السّموات، وليسُوا بقادرين عَلَى ذلكَ أي لم يصدّقوك وليْسُو بقادرين على الصُّعود إلى السَّموات فما هم! فأين يذهبونَ.
{جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأَحَزَابِ}.
وقوله: {جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّن الأَحَزَابِ} يقول مغلوب عن أن يصعد إلى السَّمَاءِ. و{مَا} هَا هنا صلةٌ. والعرب تجعل {ما} صلةً في المواضع التي دخولها وخروجُهَا فيها سواء، فهَذَا من ذلكَ.
وقوله: {عَمَّا قليلٍ لَيُصْبِحُنَّ نَادِمِينَ} من ذلكَ.
وقوله: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} من ذلكَ؛ لأن دخولها وخروجها لا يغيّر المعْنَى.
وأمّا قوله: {إِلاَّ الذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فإنه قد يكون عَلَى هَذَا المعْنَى.
ويكون أن تجعل ما اسْمًا وتجعل هم صلة لمَا؛ ويكون المعْنى: وقليل ما تجدَنَّهم فتوجّه ما والاسْم إلى المصْدر؛ ألاَ ترى أَنك تقول: قد كنت أراكَ أعقل ممَّا أنت فجعلتَ أنت صلةً لمَا؛ والمعْنَى، كنت أرى عقلك أكثر ممَّا هو، وَلو لَمْ ترد المصدر لم تجعل ما للناس، لأنَّ منْ هي التي تكونُ للناس وَأَشبَاهِهم. والعرب تقول: قد كُنت أراك أعْقل منكَ ومعناهما واحد، وكذلك قولهم: قد كنتُ أراه غير ما هو المعنى: كنت أراه عَلى غَير مَا رَأَيتُ منه.
{إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ}.
وقوله: {إِن كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ} وفى قراءة عبد الله {إِنْ كُلُّهُمْ لَمَّا كَذَّبَ الرُسُلَ}.
{وَمَا يَنظُرُ هؤلاء إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ}.
وقوله: {مَّا لَهَا مِن فَوَاقٍ} من راحةٍ ولا إفاقة. وأصْله منَ الإفاقة في الرّضَاع إذا ارتضعت البَهْمَة أمَّها ثم تركتها حَتى تُنْزل شيئا من اللبن، فتلكَ الإفاقة والفُواق بغير همزٍ. وجَاء عن النبىِّ صَلى الله عيله وسلم أنه قالَ: «العيادة قدر فُوَاق ناقة» وقرأهَا الحسَنُ وَأهل المدينَة وَعَاصمُ بن أبى النَجُود {فَوَاق} بالفتح وهى لغة جَيّدة عالية، وضمّ حمزة وَيَحيى والأعمش والكسَائىّ.
{وَقَالُواْ رَبَّنَا عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}.
وقوله: {عَجِّل لَّنَا قِطَّنَا} القِطّ: الصَّحيفة المكتوبة. وإنما قالُوا ذلك حيَنَ نزل {فأَمَّا مَنْ أُوُتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ} فاستهزءوا بذلك، وقالوا: عجِّل لنا هذا الكتاب قبل يوم الحسَاب. والقِطّ في كلام العرب. الصكّ وهو الخط والكتاب.
{اصْبِر عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا داود ذَا الأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.
وقوله: {ذَا الأَيْدِ} يريد: ذا القوَّة.
{وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَّهُ أَوَّابٌ}.
وقوله: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً} ذكروا أنه كان إذا سَبَّح أجابته الجبال بالتسبيح، واجتمعتْ إليْه الطير فسَبَّحت. فذلكَ حَشْرهَا ولو كَانت: والطيرُ محشورةٌ بالرفع لمَّا يظهر الفعْل مَعَهَا كانَ صَوَابًا. تكون مثل قوله: {خَتَم اللهُ عَلى قلُوبِهِمْ وعَلى سَمْعِهِمْ وعَلَى أبصارِهم غِشَاوَةٌ} وقَالَ الشاعر:
ورأيتُمُ لمجاشعٍ نَعَمًا ** وبنى أبيه جَامل رُغُب

ولم يقل: جَاملًا رُغبًا والمعْنى: ورأيتم لهم جاملًا رُغُبًا. فلمَّا لم يظهر الفعل جَاز رفعُه.
{وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ}.
وقوله: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} اجتمعت القراء عَلى تخفيفها ولو قَرَأ قارئ {وشَدَّدْنا} بالتشديد كان وجهًا حسَنًا. ومعنى التشديد أنّ محرابه كان يحرسه ثلاَثة وثلاثون ألفًا.
وقوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال الفراء:حدَّثنى عمرو بن أبى المِقدام عن الحكم بن عتيبَة عن مجاهِدٍ في قوله: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} قال: الشهود والأَيمان. وقال بعض المفسّرينَ: فصْل الخطاب أَمّا بعد.
{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُواْ عَلَى داود فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُواْ لاَ تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلاَ تُشْطِطْ وَاهْدِنَآ إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}.
وقوله: {إِذْ تَسَوَّرُواْ الْمِحْرَابَ إِذْ دَخَلُواْ} قد يجاء بإذ مَرَّتين، {وَقَد} يكون مَعْنَاهمَا كالواحد؛ كقولكَ: ضَربتك إذْ دخلت عَلىَّ إذ اجترأت، فيكون الدخول هو الاجتراء. ويكون أن تجعَل أحدهمَا عَلى مذهَب لمَّا، فكأنه قال: {إذ تسَوَّرُوا المحرابَ لَمَّا دَخَلوا}. إن شئت جَعَلت لَمّا في الأوَّل. فإذا كانت لَمّا أوَّلًا وآخِرًا فهى بعد صَاحبتِهَا؛ كما تقول: أعطيته لمَّا سَألنى. فالسؤال. قبل الإعْطَاء في تقدّمه وتأخّره.
وقوله: {خَصْمَانِ} رفعته بإضمار {نحن خصْمَان} والعرب تضمر للمتكلّم والمكلَّم المخاطب ما يرفع فِعْله. ولا يكادون يفعلون ذلك بغير المخاطَب أوالمتكلّم. منْ ذلكَ أن تقول للرَّجل: أذاهب، أو أنْ يقول المتكلم: وَاصلكم إن شاء الله ومحسن إليكم. وذلكَ أن المتكلّم والمكلَّم حاضِران، فتُعرف مَعْنى أسْمائهمَا إذا تُركت. وأكثره في الاسْتفهَام؛ يقولونَ: أجَادّ، أمنطلق. وقد يكون في غير الاسْتفهام. فقوله: {خَصْمَان} من ذلك. وقال الشاعر:
وَقولا إذا جاوزتمَا أرض عَامرٍ ** وجاوزتما الحيَّيْنِ نَهدًا وخَثْعما

نَزيعَانِ من جَرْم بن زَبَّان إنهم ** أبوا أن يميرُوا في الهزاهز مِحْجَما

وقال الآخر:
تقول ابنَة الكَعبىّ يوم لقيتُها ** أمُنْطلق في الجيش أم متثاقِلُ

وقد جَاء في الآثار للراجع من سَفر: تائبونَ آئبونَ، لربنا حامدونَ. وقال: من أمثال العرب: مُحسنَة فهِيلى.
قال الفراء: جاء ضيف إلى امرأة ومَعه جِرابُ دقيق، فأقبلت تأخذ من جرابه لنفسهَا، فلَما أقبَل أخَذت من جِرابهَا إلى جرابه. فقال: ما تصنعين؟ قالت: أزيدك منْ دقيقى. قالك محسنة فهيلى. أي أَلقِى. وجَاء في الآثار: مَن أعانَ على قتل مؤمنٍ بشَطر كلمة جَاء يوم القيامَة مكتوبًا بَيْنَ عينَيْه: يائس من رحمة الله. وكلّ هذا بضمير ما أنباتك به.
ولو جاء في الكتاب: خصْمَين بغى بعضُنَا لكان صَوَابًا بضمير أَتيناك خصمين، جئناك خَصْمين فلا تَخَفنا. ومثله قول الشاعر:
وقالت أَلا يا اسمع نِعظك بخُطَّةٍ ** فقلت سَميعًا فانطقى وأَصيبى

أي سميعًا أَسمعُ منكَ، أو سميعًا وعَظْتِ. والرفع فيه جائز على الوجوه الاوَل.