فصل: ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَيْتِهَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ذِكْرُ الِاخْتِلَافِ فِي خُرُوجِ الْمُعْتَدَّةِ مِنْ بَيْتِهَا:

قَالَ أَصْحَابُنَا: لَا تَنْتَقِلُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَنْ بَيْتِهَا الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ، وَتَخْرُجُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا بِالنَّهَارِ وَلَا تَبِيتُ فِي غَيْرِ مَنْزِلِهَا، وَلَا تَخْرُجُ الْمُطَلَّقَةُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا إلَّا مِنْ عُذْرٍ؛ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَنْتَقِلُ الْمُطَلَّقَةُ الْمَبْتُوتَةُ وَلَا الرَّجْعِيَّةُ وَلَا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَا يَخْرُجْنَ بِالنَّهَارِ، وَلَا يَبِتْنَ عَنْ بُيُوتِهِنَّ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَلَمْ يَكُنْ الْإِحْدَادُ فِي سُكْنَى الْبُيُوتِ فَتَسْكُنُ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا أَيَّ بَيْتٍ كَانَتْ فِيهِ جَيِّدًا أَوْ رَدِيًّا، وَإِنَّمَا الْإِحْدَادُ فِي الزِّينَةِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمَّا الْمُطَلَّقَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} فَحَظَرَ خُرُوجَهَا وَإِخْرَاجَهَا فِي الْعِدَّةِ إلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبِينَةٍ، وَذَلِكَ ضَرْبٌ مِنْ الْعُذْرِ، فَأَبَاحَ خُرُوجَهَا لِعُذْرٍ.
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي الْفَاحِشَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَسَنَذْكُرُهَا فِي مَوْضِعِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَأَمَّا الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي الْعِدَّةِ الْأُولَى: {مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ} ثُمَّ نَسَخَ مِنْهَا مَا زَادَ عَلَى الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ وَالْعَشْرِ، فَبَقِيَ حُكْمُ هَذِهِ الْعِدَّةِ الثَّانِيَةِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ تَرْكِ الْخُرُوجِ؛ إذْ لَمْ يَرِدْ لَهَا نَسْخٌ وَإِنَّمَا النَّسْخُ فِيمَا زَادَ.
وَقَدْ وَرَدَتْ السُّنَّةُ بِمِثْلِ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ عَمَّتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ، «أَنَّ الْفُرَيْعَةَ بِنْتَ مَالِكِ بْنِ سِنَانٍ وَهِيَ أُخْتُ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَتْهَا أَنَّهَا جَاءَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْأَلُهُ أَنْ تَرْجِع إلَى أَهْلِهَا فِي بَنِي خُدْرَةَ فَإِنَّ زَوْجَهَا قَتَلَهُ عَبْدٌ لَهُ، فَسَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ أَرْجِعَ إلَى أَهْلِي فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْنِي فِي مَسْكَنٍ يَمْلِكُهُ وَلَا نَفَقَةٍ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: نَعَمْ قَالَتْ: فَخَرَجْت حَتَّى إذَا كُنْت فِي الْحُجْرَةِ أَوْ فِي الْمَسْجِدِ دَعَانِي فَقَالَ: كَيْفَ قُلْت؟ فَرَدَدْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ الَّتِي ذَكَرْت مِنْ شَأْنِ زَوْجِي، قَالَتْ: فَقَالَ: اُمْكُثِي فِي بَيْتِك حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ قَالَتْ: فَاعْتَدَدْت فِيهِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالَتْ: فَلَمَّا كَانَ عُثْمَانُ أَرْسَلَ إلَيَّ وَسَأَلَنِي عَنْ ذَلِكَ، فَأَخْبَرْته، فَاتَّبَعَهُ وَقَضَى بِهِ».
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الْمَرْوَزِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عِدَّتَهَا عِنْدَ أَهْلِهِ فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، وَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {غَيْرَ إخْرَاجٍ} قَالَ عَطَاءٌ: إنْ شَاءَتْ اعْتَدَّتْ عِنْدَ أَهْلِهَا وَسَكَنَتْ فِي مَنْزِلِهَا، وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ} قَالَ عَطَاءٌ: ثُمَّ جَاءَ الْمِيرَاثُ فَنَسَخَ السُّكْنَى فَتَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَيْسَ فِي إيجَابِ الْمِيرَاثِ مَا يُوجِبُ نَسْخَ الْكَوْنِ فِي الْمَنْزِلِ، وَقَدْ يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا، فَلَيْسَ فِي ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا نَفْيُ الْآخَرِ.
وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ أَيْضًا بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ نَسْخِ الْحَوْلِ وَإِيجَابِ الْمِيرَاثِ؛ لِأَنَّ عِدَّةَ الْفُرَيْعَةَ كَانَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَقَدْ نَهَاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَّقْلَةِ.
وَمَا رَوَيْنَا مِنْ قِصَّةِ الْفُرَيْعَةِ قَدْ دَلَّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لُزُومُ الْكَوْنِ فِي الْمَنْزِلِ الَّذِي كَانَتْ تَسْكُنُهُ يَوْمَ الْوَفَاةِ وَالنَّهْيُ عَنْ النَّقْلَةِ، وَالثَّانِي جَوَازُ الْخُرُوجِ،؛ إذْ لَمْ يُنْكِرْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخُرُوجَ، وَلَوْ كَانَ الْخُرُوجُ مَحْظُورًا لَنَهَاهَا عَنْهُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَعُمَرُ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَعُثْمَانُ، أَنَّهُمْ قَالُوا: الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ وَلَا تَبِيتُ عَنْ بَيْتِهَا.
وَرَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ كَثِيرٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: «اُسْتُشْهِدَ رِجَالٌ يَوْمَ أُحُدٍ فَآمَتْ نِسَاؤُهُمْ وَكُنَّ مُتَجَاوِرَاتٍ فِي دَارٍ، فَأَتَيْنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَ: نَبِيتُ عِنْدَ إحْدَانَا؟ فَقَالَ: تَزَاوَرْنَ بِالنَّهَارِ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ فَلْتَأْوِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْكُنَّ إلَى بَيْتِهَا».
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَعْتَدُّ حَيْثُ شَاءَتْ، مِنْهُمْ عَلِيُّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَعَائِشَةُ؛ وَمَا قَدَّمْنَا مِنْ دَلِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُوجِبُ صِحَّةَ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ} فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهَا أَنْ تَنْتَقِلَ.
قِيلَ لَهُ: الْمَعْنَى فَإِذَا خَرَجْنَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِالِاتِّفَاقِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ فَإِذَا خَرَجْنَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا وَصَفْنَا كَانَ حَظْرُ الِانْتِقَالِ بَاقِيًا عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا.
وَإِنَّمَا قَالُوا: إنَّ الْمُطَلَّقَةَ لَا تَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَذَلِكَ عُمُومٌ فِي جَمِيعِهِنَّ وَحَظْرٌ عَنْ خُرُوجِهِنَّ فِي سَائِرِ الْأَوْقَاتِ.
وَخَالَفَتْ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ نَفَقَةَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَنَفَقَةَ الْمُطَلَّقَةِ عَلَى زَوْجِهَا فَهِيَ مُسْتَغْنِيَةٌ عَنْ الْخُرُوجِ، وَاَللَّهِ أَعْلَمُ.
ذِكْرُ إحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ أَنَّ عَلَيْهَا اجْتِنَابَ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، مِنْهُمْ عَائِشَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُمْ، وَمِنْ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَحَكَاهُ عَنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ؛ وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِيهِ.
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ قَالَتْ زَيْنَبُ: دَخَلْت عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ حِينَ تُوُفِّيَ أَبُوهَا أَبُو سُفْيَانَ، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فِيهِ صُفْرَةٌ خَلُوقٌ أَوْ غَيْرِهِ، فَدَهَنَتْ مِنْهُ جَارِيَةً ثُمَّ مَسَّتْ بِعَارِضَيْهَا، ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: {لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَتْ زَيْنَبُ: وَدَخَلْت عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا، فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ ثُمَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ مِنْ حَاجَةٍ، غَيْرَ أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: {لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ إلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} قَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْت أُمِّي أُمَّ سَلَمَةَ تَقُولُ: «جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَهَا أَفَنَكْحُلُهَا؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ، وَقَدْ كَانَتْ إحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ» قَالَ حُمَيْدٌ: فَقُلْت لِزَيْنَبِ: وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتْ الْمَرْأَةُ إذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا وَلَا شَيْئًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ، ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَيْرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ، فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إلَّا مَاتَ، ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعْرَةً فَتَرْمِي بِهَا ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ.
فَحَظَرَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الِاكْتِحَالَ فِي الْعِدَّةِ، وَأَخْبَرَ بِالْعِدَّةِ الَّتِي كَانَتْ تَعْتَدُّ إحْدَاهُنَّ وَمَا تَجْتَنِبُهُ مِنْ الزِّينَةِ وَالطِّيبِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْعِدَّةَ مُعْتَدٌّ بِهَا الْعِدَّةَ الَّتِي كَانَتْ سَنَةً فِي اجْتِنَابِ الطِّيبِ وَالزِّينَةِ.
وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بُكَيْر قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي بَدِيلٌ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحِلْيَةَ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ».
وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنْ الثِّيَابِ وَلَا الْمُمَشَّقَةَ وَلَا الْحُلِيَّ وَلَا تَخْتَضِبُ وَلَا تَكْتَحِلُ».
وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهَا وَهِيَ مُعْتَدَّةٌ مِنْ زَوْجِهَا: «لَا تَمْتَشِطِي بِالطِّيبِ وَلَا بِالْحِنَّاءِ فَإِنَّهُ خِضَابٌ».
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَاَلَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونِ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ} الْآيَةَ.
قَدْ تَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَرْبَعَةَ أَحْكَامٍ: أَحَدُهَا: الْحَوْلُ، وَقَدْ نُسِخَ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا؛ وَالثَّانِي: نَفَقَتُهَا وَسُكْنَاهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ فَقَدْ نُسِخَ بِالْمِيرَاثِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَهَا لَهَا عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ لِأَزْوَاجِهِمْ كَمَا كَانَتْ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ، فَنُسِخَتْ بِالْمِيرَاثِ وَقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».
وَمِنْهَا الْإِحْدَادُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الدَّلَالَةُ مِنْ الْآيَةِ، فَحُكْمُهُ بَاقٍ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَمِنْهَا انْتِقَالُهَا عَنْ بَيْتِ زَوْجِهَا، فَحُكْمُهُ بَاقٍ فِي حَظْرِهِ، فَنُسِخَ مِنْ الْآيَةِ حُكْمَانِ وَبَقِيَ حُكْمَانِ، وَلَا نَعْلَمُ آيَةً اشْتَمَلَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَحْكَامٍ فَنُسِخَ مِنْهَا اثْنَانِ وَبَقِيَ اثْنَانِ غَيْرَهَا.
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ} مَنْسُوخًا؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السُّكْنَى الْوَاجِبَةَ فِي مَالِ الزَّوْجِ فَقَدْ نُسِخَ كَوْنُهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ، فَصَارَ حَظْرُ الْإِخْرَاجِ مَنْسُوخًا.
إلَّا أَنَّ قَوْله تَعَالَى: {غَيْرَ إخْرَاجٍ} قَدْ تَضَمَّنَ مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: وُجُوبُ السُّكْنَى فِي مَالِ الزَّوْجِ، وَالثَّانِي حَظْرُ الْخُرُوجِ وَالْإِخْرَاجِ؛ لِأَنَّهُمْ إذَا كَانُوا مَمْنُوعِينَ مِنْ إخْرَاجِهَا فَهِيَ لَا مَحَالَةَ مَأْمُورَةٌ بِاللُّبْثِ، فَإِذَا نُسِخَ وُجُوبُ السُّكْنَى فِي مَالِ الزَّوْجِ بَقِيَ حُكْمُ لُزُومِ اللُّبْثِ فِي الْبَيْتِ وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي نَفَقَةِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: نَفَقَتُهَا عَلَى نَفْسِهَا حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ وَقَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ.
وَرَوَى الشَّعْبِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ قَالَا: الْحَامِلُ إذَا مَاتَ عَنْهَا زَوْجُهَا فَنَفَقَتُهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَرَوَى الْحَكَمُ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ عَبْدِ اللَّهِ يَقْضُونَ فِي الْحَامِلِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إنْ كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا فَنَفَقَتُهَا مِنْ نُصِبْ وَلَدِهَا، وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَمِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَقَالَ أَصْحَابُنَا جَمِيعًا: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى فِي مَالِ الْمَيِّتِ حَامِلًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَ حَامِلٍ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: هِيَ فِي مَالِ الزَّوْجِ بِمَنْزِلَةِ الدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا.
وَقَالَ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: نَفَقَتُهَا عَلَى نَفْسِهَا وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا وَلَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلزَّوْجِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَالْمَرْأَةُ أَحَقُّ بِسُكْنَاهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَيْتٍ بِكِرَاءٍ فَأَخْرَجُوهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سُكْنَى فِي مَالِ الزَّوْجِ هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ؛ وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَلَهَا السُّكْنَى إنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْمَيِّتِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَهِيَ أَحَقُّ بِالسُّكْنَى مِنْ الْغُرَمَاءِ وَتُبَاعُ لِلْغُرَمَاءِ وَيُشْتَرَطُ السُّكْنَى عَلَى الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: إنْ كَانَتْ حَامِلًا أُنْفِقَ عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ، فَإِذَا وَضَعَتْ أُنْفِقَ عَلَى الصَّبِيِّ مِنْ نَصِيبِهِ هَذِهِ رِوَايَةُ الْأَشْجَعِيِّ عَنْهُ؛ وَرَوَى عَنْهُ الْمُعَافَى أَنَّ نَفَقَتَهَا مِنْ حِصَّتِهَا.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الْمَرْأَةِ يَمُوتُ زَوْجُهَا وَهِيَ حَامِلٌ: فَلَا نَفَقَةَ لَهَا، وَإِنْ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ حَتَّى تَضَعَ.
وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فِي أُمِّ الْوَلَدِ إذَا كَانَتْ حَامِلًا مِنْهُ: فَإِنَّهُ يُنْفَقُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَالِ، فَإِنْ وَلَدَتْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَظِّ وَلَدِهَا، وَإِنْ لَمْ تَلِدْ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا يُتْبَعُ بِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ: لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: لَهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَالْآخَرُ: لَا نَفَقَةَ لَهَا وَلَا سُكْنَى.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا تَخْلُو نَفَقَةُ الْحَامِلِ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَى حَسَبِ وُجُوبِهَا بَدِيًّا حِينَ كَانَتْ عِدَّتُهَا حَوْلًا فِي قَوْله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إخْرَاجٍ} أَوْ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً عَلَى حَسَبِ وُجُوبهَا لِلْمُطْلَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ، أَوْ تَجِبُ لِلْحَامِلِ دُونَ غَيْرِهَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ.
وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ وَاجِبَةً عَلَى وَجْهِ الْوَصِيَّةِ وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ مَنْسُوخَةٌ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ أَيْضًا، مِنْ قِبَلِ أَنَّ النَّفَقَةَ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَإِنَّمَا تَجِبُ حَالًا فَحَالًا عَلَى حَسَبِ مُضِيِّ الْأَوْقَاتِ وَتَسْلِيمِ نَفْسِهَا فِي بَيْتِ الزَّوْجِ، وَلَا يَجُوزُ إيجَابُهَا بَعْدَ الْمَوْتِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ سَبِيلَهَا أَنْ يَحْكُمَ بِهَا الْحَاكِمُ عَلَى الزَّوْجِ وَيُثْبِتَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَتُؤْخَذَ مِنْ مَالِهِ، وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ ذِمَّةٌ فَتَثْبُتُ فِيهَا، فَلَمْ يَجُزْ أَخْذُهَا مِنْ مَالِهِ إذَا لَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ، وَالثَّانِي: أَنَّ ذَلِكَ الْمِيرَاثَ قَدْ انْتَقَلَ إلَى الْوَرَثَةِ بِالْمَوْتِ؛ إذْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ دَيْنٌ عِنْدَ الْمَوْتِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إثْبَاتُهَا فِي مَالِ الْوَرَثَةِ وَلَا فِي مَالِ الزَّوْجِ فَتُؤْخَذُ مِنْهُ.
وَإِنْ كَانَتْ حَامِلًا لَمْ يَخْلُ إيجَابُ النَّفَقَةِ لَهَا فِي مَالِ الزَّوْجِ فِي أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ وُجُوبُهَا مُتَعَلِّقًا بِكَوْنِهَا فِي الْعِدَّةِ أَوْ لِأَجْلِ الْحَمْلِ، وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ إيجَابَهَا لِأَجْلِ الْعِدَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَا يَجُوزُ إيجَابُهَا لِأَجْلِ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّ الْحَمْلَ نَفْسَهُ لَا يَسْتَحِقُّ نَفَقَتَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ؛ إذْ هُوَ مُوسِرٌ مِثْلُهُمْ بِمِيرَاثِهِ، وَلَوْ وَلَدَتْهُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى الْوَرَثَةِ، فَكَيْفَ تَجِبُ لَهُ فِي حَالِ الْحَمْلِ؟ فَلَمْ يَبْقَ وَجْهٌ يَسْتَحِقُّ بِهِ النَّفَقَةَ؛ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.