فصل: (سورة ص: الآيات 12- 15):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة ص: الآيات 12- 15]:

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلاَّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ (14) وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاَّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ (15)}.

.اللغة:

{الْأَوْتادِ} في المصباح: الوتد بكسر التاء في لغة الحجاز وهي الفصحى وجمعه أوتاد وفتح التاء لغة وأهل نجد يسكنون التاء فيدغمون بعد القلب فيبقى ود ووتدت الوتد أتده وتدا من باب وعد أثبته بحائط أو بالأرض وأوتدته بالألف لغة وفي الأساس: ضرب الوتد والودّ والأوتاد بالميتدة ويقال: تد وتدك وأوتده وانتصب كأنه وتد وهو أذل من وتد ووتد واتد: ثابت ومن المجاز: وتد اللّه الأرض بالجبال وأوتدها ووتّدها والجبال أوتاد الأرض وقيل لأعرابي: ما النطشان؟ فقال: يوتد العطشان وروي: شيء نتد به كلامنا وفي القاموس: الوتد بالفتح والتحريك وككتف ما رز في الأرض أو الحائط من خشب وما كان في العروض على ثلاثة أحرف كعلى والهنيّة الناشزة في مقدّم الأذن والجمع أوتاد ووتد واتد تأكيد وأوتاد الأرض جبالها ومن البلاد رؤساؤها ومن الفم أسنانه.
{الْأَيْكَةِ} الغيضة والأشجار الملتفة المجتمعة وقد تقدم القول فيها مبسوطا.
{فَواقٍ} بفتح الفاء وضمها أي رجوع وقد قرئ بهما معا فقيل هما نعتان بمعنى واحد وهو الزمان الذي بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع والمعنى مالها من توقف قدر فواق ناقة وفي الحديث: «العيادة قدر فواق ناقة» وفي المختار: الفواق الزمن الذي بين الحلبتين لأنها تحلب ثم تترك ساعة يرضعها الفصيل لتدر ثم تحلب، يقال: ما أقام عنده إلا فواقا وفي الحديث: «العيادة قدر فواق ناقة» وقوله تعالى: {من فواق} يقرأ بالفتح أي مالها من نظرة وراحة وإفاقة وعبارة الزمخشري في الكشاف: {مالها من فواق} وقرئ بالضم مالها من توقف مقدار فواق وهو ما بين حلبتي الحالب ورضعتي الراضع يعني إذا جاء وقتها لم تستأخر هذا القدر من الزمان كقوله تعالى: {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة} وعن ابن عباس: ما لها من رجوع وترداد من أفاق المريض إذا رجع إلى الصحة وفواق الناقة ساعة ترجع الدرّ إلى ضرعها يريد أنها نفخة واحدة فحسب لا تثنى ولا تردد ولهذه المادة خصائص عجيبة، أنها تتوزع على أنحاء شتى من المعاني وها نحن أولاء نقل لك خلاصة ما ورد في اللسان والأساس منها: ما بقي في كنانتي إلا سهم أفوق وهو الذي في إحدى زنمتيه كسر أو ميل، وفوق السهم: جعل الوتر في فوقة عند الرمي، وتقول: لا زالت للخير موفقا، وسهمك في الكرم مفوّقا، وفوّقه: جعل له فوقا، وفاقه كسر فوقه، وفاق قومه: فضلهم، ورجل فائق في العلم وهو يتفوق على قومه وفوقته عليهم: افضلته، وأفاق فلان من المرض واستفاق وفلان مدمن لا يستفيق من الشراب، وتفوّق الفصيل أمه رضعها فواقا فواقا، وفوّقه الراعي. ومن المجاز تفوقت الماء: شربته شيئا بعد شيء، وتفوّقت مالي: أنفقته على مهل، قال:
تفوّقت مالي من طريف وتالد ** تفوّقي الصهباء من حلب الكرم

وتفوقت وردي: أخذته قليلا قليلا وأتيته فيقة الضحى وميعته، وخرجنا بعد أفاويق من الليل، ومجت السحابة أفاويقها وأرضعني أفاويق بره، وفوّقني الأماني وما أقام عنده إلا فواق ناقة وفيقة ناقة. ولعل في هذا غنية.

.الإعراب:

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ} كلام مستأنف مسوق لتقرير أحوال الطغاة وبيان مصائر العتاة. وكذبت فعل ماض وقبلهم ظرف متعلق بكذبت وقوم نوح فاعل وعاد عطف على قوم نوح وفرعون عطف أيضا وذو الأوتاد أي ذو الملك الثابت وسيأتي ذكر استعارة الأوتاد في باب البلاغة.
{وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ} عطف أيضا وأولئك الأحزاب لك أن تجعل اسم الاشارة بدلا مما قبله والأحزاب بدل منه وإما أن تجعلها جملة مستقلة مؤلفة من مبتدأ هو اسم الإشارة والأحزاب خبره.
{إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ} إن نافية لا عمل لها لانتقاض النفي بإلا وكل مبتدأ وإلا أداة حصر وجملة كذب الرسل خبر كل، فحق الفاء حرف عطف وحق فعل ماض وعقاب فاعله مرفوع وعلامة رفعه الضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم المحذوفة لمراعاة الفواصل.
{وَما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ} الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لتقرير عقاب كفار مكة بعد بيان عقاب من سبقوهم في الغواية. وما نافية وينظر فعل مضارع أي ينتظر وهؤلاء اسم إشارة مبني على الكسر في محل رفع فاعل وإلا أداة حصر وصيحة مفعول به وواحدة صفة لها وما نافية حجازية أو تميمية ولها خبر مقدم ومن حرف جر زائد وفواق اسم مجرور لفظامرفوع محلا على أنه اسم ما أو مبتدأ مؤخر.

.البلاغة:

في قوله {ذو الأوتاد} استعارة تصريحية أي ذو الملك الثابت الموطّد وأصله من ثبات البيت المطنب بأوتاده، قال الرفادة الأودي:
البيت لا يبتني إلا على عمد ** ولا عماد إذا لم ترس أوتاد

يقول: لا ينال الأمر إلا بتوفر أسبابه، شبه توقف الأمر على أسبابه وتوقف أسبابه بتوقف على أسبابه بتوقف ضرب الخيمة على انتصاب الأعمدة وتوقف انتصابها على اثبات الأوتاد المشدودة بالحبال وبعده:
فإن تجمع أسباب وأعمدة ** وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا

ثم قال: فإن اجتمعت الحبال المشدودة بالأوتاد الثابتة وانتصبت الأعمدة ووجد الساكن بلغ مراده وهو بمعنى الجمع فصح جمع ضميره ومعنى كادوا عالجوا يقال كاده كيدا أي عالجه علاجا والمعنى بلغوا الأمر الذي كادوه أي عالجوه لتحصيله. وقال الأسود ابن يعفر:
ماذا أؤمل بعد آل محرق ** تركوا منازلهم وبعد إياد

جرت الرياح على مقر ديارهم ** فكأنهم كانوا على ميعاد

ولقد غنوا فيها بأنعم عيشة ** في ظل ملك ثابت الأوتاد

فإذا النعيم وكل ما يلهى به ** يوما يصير إلى بلى ونفاد

يقول: لا أتمنى بعدهم شيئا من الدنيا. ومحرق هو امرؤ القيس بن عمرو بن عدي اللخمي والإياد في الأصل تراب يجمع حول الحوض والبيت يحفظه من المطر والسيول من الأيد أي القوة أو هو ما أيد به الشيء مطلقا والكنف والجبل الحصين وإياد الجيش جناحاه أي ميمنته وميسرته والأيّد: القوي، وإياد هنا علم على ابن نزار ابن معد بن عدنان فهو أخو مضر وربيعة وأراد به في البيت القبيلة وروي وآل إياد عطفا على آل محرق وغني بالمكان كرضي: أقام به والبلى: الانمحاق، والنفاد: الفناء يقول: تركوا منازلهم وهي جملة مستأنفة لبيان نفي التأميل أو اعتراضية بين المتعاطفين وجملة: جرت الرياح مستأنفة مسوقة لبيان حال القبيلتين يقول: تفانوا فجرت الرياح على محل ديارهم وجريان الرياح على مقر الديار لانهدام الجدران التي كانت تمنع الرياح وذلك كناية عن موتهم وأشار إلى أن فتاءهم كان سريعا كأنه دفعة واحدة بقوله: فكأنهم كانوا على ميعاد واحد ولقد أقاموا ردحا من الزمن بأرغد عيش وشبه الملك الذي به عزهم وصولتهم بخيمة مضروبة عليهم والظل ترشيح والأوتاد تخييل وإذا فجائية أي فظهر بغتة أن كل نعيم لا محال زائل.
هذا وقيل لا استعارة في الآية وأن فرعون كان يتد لكل من يغضب عليه أربعة أوتاد يشد إليها يديه ورجليه ويعذبه حتى يموت والأول أولى وأبلغ.

.[سورة ص: الآيات 16- 20]:

{وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ (16) اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ (20)}.

.اللغة:

{قِطَّنا} نصيبنا وحظنا من العذاب وأصله من قطّ الشيء أي قطعه ومنه قط القلم قالوا ذلك استهزاء أي عجل لنا قطعة مما وعدتنا به ويطلق على الصحيفة والصك قط لأنهما قطعتان وقيل للجائزة قط لأنها قطعة من العطية ويجمع على قطوط مثل حمل وحمول وعلى قططة مثل قرد وقردة وقرود وفي القلة على أقططة مثل قدح وأقدحة وأقداح وفي القاموس: القط: القطع عامة أو عرضا أو قطع شيء صلب كالحقة كالاقتطاط والقصير الجعد من الشعر كالقطط محركة وقد قطط كفرح وقد قطّ يقط كيمل قططا محركة وقطاطة، والقطّاط:
الخراط صانع الحقق إلى أن يقول: والقط بالكسر النصيب والصك وكتاب المحاسبة وجمعه قطوط والسنور وجمعه قطاط وقططه والساعة من الليل وقال أبو عبيدة والكسائي: القط: الكتاب بالجوائز، وقال الأعشى:
ولا الملك النعمان يوم لقيته بغبطته يعطي القطوط ويأفق.

.الإعراب:

{وَقالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ} كلام مستأنف مسوق لسرد أنماط من تمحلهم واستهزائهم بعد أن نزل قوله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} الآية وقالوا فعل وفاعل وربنا منادى مضاف محذوف منه حرف النداء وعجّل لنا فعل أمر ولنا متعلقان به وفاعله مستتر وجوبا تقديره أنت وقطنا مفعول به وقبل يوم الحساب ظرف متعلق بعجل أيضا أو بمحذوف حال.
{اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} اصبر فعل أمر وفاعله مستتر تقديره أنت وعلى ما يقولون متعلقان باصبر وجملة يقولون صلة والعائد محذوف أي يقولونه واذكر عطف على اصبر أي تأس بقصة داود ومنّ نفسك عن إهمال أمر مصابرتهم وتحمل أذاهم لئلا يستهدف لما استهدف له وعبدنا مفعول به وداود بدل وذا الأيد نعت لداود أي صاحب القوة وقد تقدم شرح الأيد وجملة إنه أواب تعليل لكونه من أصحاب الأيد أي راجع إلى مرضاة اللّه وإن واسمها وخبرها.
{إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ} إن واسمها وجملة سخرنا الجبال من الفعل والفاعل والمفعول خبر إنا وجملة يسبحن حالية من الجبال وسيأتي سر العدول عن مسبحات إلى يسبحن في باب البلاغة وبالعشي متعلقان بيسبحن والإشراق عطف على بالعشي أي غدوة وعشية وسيأتي حديث ابن عباس عن العشي والإشراق في باب البلاغة أيضا.
{وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} والطير عطف على الجبال أو مفعول به لفعل محذوف دل عليه ما قبله أي وسخرنا الطير ومحشورة حال أي مجموعة تسبح له وكل مبتدأ وساغ الابتداء به لما فيه من معنى العموم أي كل من الجبال والطير وله جار ومجرور متعلقان بأواب وأواب خبر كل أي رجاع مبالغة آئب أي راجع له بالتسبيح.
{وَشَدَدْنا مُلْكَهُ وَآتَيْناهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطابِ} وشددنا ملكه فعل وفاعل ومفعول به أي قويناه بالجنود والحرس وآتيناه فعل وفاعل ومفعول به أول والحكمة مفعول به ثان وفصل الخطاب عطف على الحكمة وسيأتي معنى فصل الخطاب في باب البلاغة.

.البلاغة:

انطوت في هذه الآيات فنون متعددة تبهر السامعين وإليك التفصيل.
1- العدول عن الاسمية إلى الفعلية:
في قوله {يسبحن} عدول عن الاسم إلى الفعل، والنكتة فيه الدلالة على التجدد والحدوث شيئا بعد شيء وحالا بعد حال وكأن السامع حاضر تلك الحال يسمع تسبيحها ومثله قول الأعشى:
لعمري لقد لاحت عيون كثيرة ** إلى ضوء باليفاع تحرق

ولو قال محرقة لم يكن له ذلك الوقع.
2- الطباق:
وفي قوله {بالعشي والإشراق} طباق بديع بين صلاة العشاء وصلاة الضحى، وروي عن ابن عباس أنه قال: كنت أمرّ بهذه الآية:
بالعشي والإشراق ولا أدري ما هي حتى حدثتني أم هانىء أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم دخل عليها فدعا بوضوء فتوضأ ثم صلى صلاة الضحى وقال: يا أم هانىء هذه صلاة الإشراق، وعن طاوس عن ابن عباس أيضا: قال هل تجدون ذكر الضحى في القرآن؟ قالوا: لا، فقرأ: إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق، وعنه أيضا:
ما عرفت صلاة الضحى إلا بهذه الآية.
3- معنى فصل الخطاب:
الفصل التمييز بين الشيئين وقيل للكلام المبين فصل بمعنى المفعول وأصله: إنهم يقولون كلام ملتبس، وفي كلامه لبس والملتبس المختلط الذي لا يبين لتداخله أو معاظلته فقيل في نقيضه كلام فصل أي مفصول بعضه عن بعض وملخصه أن لا يخطىء مظان الوصل والفصل فلا يقف في كلمة الشهادة على المستثنى منه ولا يتلو قوله ويل {للمصلين} إلا موصولا بما بعده ولا {واللّه يعلم وأنتم} حتى يصله بقوله: {لا تعلمون} ونحو ذلك وكذلك مظان العطف وتركه والإضمار والإظهار والذكر والحذف والتكرار وغير ذلك من الفنون التي مرّ بك معظمها في هذا الكتاب ويجوز أن يكون الفصل بمعنى الفاعل أي الفاصل بين الحق والباطل وبين الصحيح والفاسد وبين السمين والغث.