فصل: قال صاحب روح البيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال صاحب روح البيان:

{ص} خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذه سورة ص كما مرّ في أخواته:
وقال الشعبي: إنتعالى في كل كتاب سرًا وسره في القرآن فواتح السور.
وقال بعضهم: {ص} مفتاح اسمه الصادق والصبور والصمد والصانع.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى القسم بصاد صمديته في الأزل وبصاد صانعيته في الوسط ويصاد صبوريته إلى الأبد وبصاد صدق الذي جاء بالصدق وصاد صديقية الذي صدق به وبصاد صفوته في مودته ومحبته. اهـ.
وقال ابن جبير رضي الله عنه: {ص} يحيي الله به الموتى بين النفختين.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: {ص} كان بحرًا بمكة وكان عليه عرش الرحمن إذ لا ليل ولا نهار.
وفي بعض المعتبرات: كان جبلًا بمكة ومضى شرح هذا الكلام في أول {المص}.
وقيل في {ص} معناه أن محمدًا عليه السلام صاد قلوب الخلائق، واستمالها حتى آمنوا به كما قال في إنسان العيون، ومما لا يكاد يقضى منه العجب حسن تدبيره عليه السلام للعرب الذين هم كالوحوش الشاردة كيف ساسهم واحتمل جفاءهم وصبر على أذاهم إلى أن انقادوا إليه واجتمعوا عليه صلى الله عليه وسلّم واختاروه على أنفسهم، وقاتلوا دونه أهلهم وآباءهم وأبناءهم وهجروا في رضاه أوطانهم. انتهى.
يقول الفقير أغناه الله القدير: سمعت شيخي وسندي قدس سره، وهو يقول: إن قوله تعالى: {ق} إشارة إلى مرتبة الأحدية التي هي التعيين الأول كما في سورة الإخلاص المصدرة بكلمة: قل المبتدأة بحرف ق.
وقوله: {ص} إشارة إلى مرتبة الصمدية التي هي التعيين الثاني المندرجة تحته مرتبة بعد مرتبة وطورًا بعد طور إلى آخر المراتب والأطوار.
{وَالْقُرْءَانِ ذِى} الواو: للقسم، والذكر: الشرف والنباهة، أو الذكرى والموعظة أو ذكر ما يحتاج إليه في أمر الدين من الشرائع والأحكام، وغيرها من أقاصيص الأنبياء وأخبار الأمم الماضية والوعد والوعيد، وحذف جواب القسم في مثل ذلك غير عزيز والتقدير: على ما هو الموافق لما في أول يس ولسياق الآية أيضًا، وهو عجبوا. إلخ.
إن محمدًا الصادق في رسالته وحق نبوته ليس في حقيته شك، ولا فيما أنزل عليه من القرآن ريب.
{بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا} من رؤساء أهل مكة فهو إضراب عن المفهوم من الجواب {فِى عِزَّةٍ}.
قال الراغب: العزة حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ويمدح بالعزة تارة كما في قوله: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِه وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8] لأنها الدائمة الباقية، وهي العزة الحقيقية ويذم بها أخرى، كما في قوله تعالى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا في عِزَّةٍ} لأن العزة التي هي التعزز وهي في الحقيقة ذل، وقد تستعار للحمية والأنفة المذمومة، وذلك في قوله تعالى: {أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالاثْمِ} [البقرة: 206].انتهى.
وقد حمل أكثر أهل التفسير العزة في هذا المقام على الثاني لما قالوا، بل هم في استكبار عن الاعتراف بالحق والإيمان وحمية شديدة: وبالفارسية در سركشي اند ازقبول حق.
{وَشِقَاقٍ} أي: مخالفةوعداوة عظيمة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فلذا لا ينقادون.
وفي التأويلات النجمية وبقوله: {وَالْقُرْءَانِ ذِى} يشير إلى القسم بالقرآن الذي هو مخصوص بالذكر، وذلك لأن القرآن قانون معالجات القلوب المريضة وأعظم مرض القلب نسيان الله تعالى كما قال: {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} وأعظم علاج مرض النسيان بالذكر كما قال: {فَاذْكُرُونِى أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152] ولأن العلاج بالضد وبقوله: {بَلِ الَّذِينَ}. إلخ.
يشير إلى انحراف مزاج قلوب الكفار بمرض نسيان الله من اللين والسلامة إلى الغلظة والقساوة ومن التواضع إلى التكبر ومن الوفاق إلى الخلاف ومن الوصلة إلى الفرقة ومن المحبة إلى العداوة، ومن مطالعة الآيات إلى الإعراض عن البحث في الأدلة والسير للشواهد.
{كَمْ} مفعول قوله: {أَهْلَكْنَا}.
ومن في قوله: {مِن قَبْلِهِم} لابتداء الغاية.
وقوله: {مِّن قَرْنٍ} تمييز.
والقرن: القوم المقترنون في زمن واحد.
والمعنى: قرنًا كثيرًا أهلكنا من القرون المتقدمة؛ أي: أمة من الأمم الماضية بسبب الاستكبار والخلاف.
{فَنَادَوا} عند نزول بأسنا وحلول نقمتنا استغاثة أو توبة واستغفارًا لينجوا في ذلك.
{وَّلاتَ حِينَ مَنَاصٍ} حال من ضمير نادوا؛ أي: نادوا، واستغاثوا طلبًا للنجاة، والحال أن ليس الحين حين مناص؛ أي: فوت وفرار ونجاة لكونه حالة اليأس: وبالفارسية: ونيست آن هنكام وقت رجوع بكريزكاه.
فقوله: لا هي المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث للتأكيد كما زيدت على رب وثم وخصت بنفي الأحيان، ولم يبرز إلا أحد معموليها اسمها أو خبرها، والأكثر حذف اسمها. وفي بعض التفاسير لات بمعنى ليس بلغة أهل اليمن. انتهى.
والوقف عليها بالتاء عند الزجاج وأبي علي وعند الكسائي نحو قاعدة وضاربة وعند أبي عبيد على لا. ثم يبتدىء تحين مناص، لأنه عنده أن هذه التاء تزاد مع حين، فيقال: كان هذا تحين كان ذاك كذا في الوسيط.
والمناص: المنجأ؛ أي: النجاة والفوت عن الخصم على أنه مفعل من ناصه ينوصه إذا فاته أريد به المصدر.
ويقال: ناص ينوص؛ أي: هرب.
ويقال: أي: تأخر، ومنه: ناص قرنه؛ أي: تأخر عنه حينًا.
وفي المفردات: ناص إلى كذا، التجأ إليه، وناص عنه تنحى ينوص نوصًا. والمناص: الملجأ.انتهى.
{وَعَجِبُوا أَن جَاءَهُم مٌّنذِرٌا مِّنْهُمْ} أي: عجب كفار أهل مكة من أن جاءهم منذر ينذرهم النار؛ أي: رسول من جنسهم بل أدون منهم في الرياسة الدنيوية والمال على معنى أنهم عدوا ذلك خارجًا عن احتمال الوقوع وأنكروه أشد الإنكار لا أنهم اعتقدوا وقوعه، وتعجبوا منه، وقالوا: إن محمدًا مساوٍ لنا في الخلقة الظاهرة والأخلاق الباطنة والنسب والشكل والصورة، فكيف يعقل أن يختص من بيننا بهذا المنصب العالي ولم يتعجبوا من أن تكون المنحوتات آلهة، وهذه مناقضة ظاهرة، فلما تحيروا في شأن النبي عليه السلام نسبوه إلى السحر والكذب كما قال حكاية.
{وَقَالَ الْكَافِرُونَ} وضع فيه الظاهر موضع المضمر غضبًا عليهم وإيذانًا بأنه لا يتجاسر على مثل ما يقولونه إلا المتوغلون في الكفر والفسوق {هَذَآ سَاحِرٌ} فيما يظهره من الخوارق {كَذَّابٌ} فيما يسنده إلى الله من الإرسال والإنزال لم يقل كاذب لرعاية الفواصل، ولأن الكذب على الله ليس كالكذب على غيره ولكثرة الكذب في زعمهم، فإنه يتعلق بكل آية من الآيات القرآنية بخلاف إظهار الخوارق فإنه قليل بالنسبة إليه.
هكذا لاح لي هذا المقام.
وفي التأويلات النجمية: لما كانوا منحرفي مزاج القلوب لمرض نسيان الحق جاءت النبوة على مذاق عقولهم المتغيرة سحرًا والصدّيق كذابًا.
واعلم: أن إثبات النبوة والولاية سهل بالنسبة إلى أهل العناية والتوفيق فإن قلوبهم ألفت الإعراض عما سوى الله بخلاف أهل الإنكار والخذلان، فإن قلوبهم ألفت الإعراض عن الله، فلذا صحبتهم الوقيعة في أنبياء الله وأوليائه.
قال الأستاذ أبو القاسم الجنيد رضي الله عنه التصديق بعلمنا هذا ولاية يعني: الولاية الصغرى دون الكبرى.
قال اليافعي: والناس على أربعة أقسام:
القسم الأول: حصل لهم التصديق بعلمهم، والعلم بطريقتهم والذوق لمشربهم وأحوالهم.
والقسم الثاني: حصل لهم التصديق، والعلم المذكور دون الذوق.
والقسم الثالث: حصل لهم التصديق دونهما.
والقسم الرابع: لم يحصل لهم من الثلاثة شيء، نعوذ بالله من الحرمان ونسأله التوفيق والغفران، فهم الذين أطالوا ألسنتهم في حق الخواص ورموهم بالسحر والكذب والجنون لكونهم ليسوا من المحارم في شأن من الشؤون: وفي المثنوي: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا} الهمزة: للإنكار والاستبعاد.
والآلهة: جمع إله وحقه أن لا يجمع إذ لا معبود في الحقيقة سواه تعالى لكن العرب لاعتقادهم أن هاهنا معبودات جمعوه فقالوا: آلهة وإلهًا واحدًا: مفعول ثان لجعل؛ لأنه بمعنى صير؛ أي: صيرهم إلهًا واحدًا في زعمه وقوله لا في فعله؛ لأن جعل الأمور المتعددة شيئًا واحدًا بحسب الفعل محال أجعل إلخ؛ أي: أصير محمد بزعمه الآلهة إلهًا واحدًا بأن نفى الألوهية عنهم وقصرها على واحد ولم يعلموا أنهم جعلوا الإله الواحد آلهة {إِنَّ هَذَآ} {لَشَىْءٌ عُجَابٌ} العجاب: بمعنى العجيب، وهو الأمر الذي يتعجب منه كالعجب إلا أن العجيب أبلغ منه، والعجاب بالتشديد أبلغ من العجاب بالتخفيف مثل كبار في قوله: {وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا} [نوح: 22] فإنه أبلغ من الكبار بالتخفيف ونحوه طويل وطوال.
والمعنى: بليغ في العجب، لأنه خلاف ما اتفق عليه آباؤنا إلى هذا الآن.
وقال بعضهم:
يعني: أنهم ما كانوا أهل النظر والبصيرة، بل أوهامهم كانت تابعة للمحسوسات، فقاسوا الغائب على الشاهد، وقالوا: لابد لحفظ هذا العالم الكبير من آلهة كثيرة يحفظونه بأمره وقضائه تعالى ولم يعرفوا الإله، ولا معنى الآلهية، فإن الآلهية هي القدرة على الاختراع وتقدير قادرين على الاختراع غير صحيح لما يجب من وجوده التمانع بينهما وجوازه، وذلك يمنع من كمالها، ولو لم يكونا كاملي الوصف لم يكونا إلهين وكل أمر جرّ ثبوته سقوطه فهو مطروح باطل.
{وَانطَلَقَ الْمَلا مِنْهُمْ} الانطلاق الذهاب والملأ الأشراف لا مطلق الجماعة، ويقال لهم: ملأ لأنهم إذا حضروا مجلسًا ملأت العيون وجاهتهم والقلوب مهابتهم؛ أي: وذهب الأشراف من قريش وهم خمسة وعشرون عن مجلس أبي طالب بعد ما أسكتهم رسول الله عليه السلام بالجواب الحاضر، وشاهدوا تصلبه عليه السلام في الدين وعزيمته على أن يظهره على الدين كله ويئسوا مما كانوا يرجونه بتوسط أبي طالب من المصالحة على الوجه المذكور.
{إِنَّ} مفسرة للمقول المدلول عليه بالانطلاق لأن الانطلاق عن مجلس التقاول لا يخلو عن القول؛ أي: وانطلق الملأ منهم بقول هو قول بعضهم لبعض على وجه النصيحة.
{امْشُوا} سيروا على طريقتكم وامضوا فلا فائدة في مكانة هذا الرجل.
وحكى المهدوي أن قائلها عقبة بن أبي معيط.
{وَاصْبِرُوا عَلَى ءَالِهَتِكُمْ} أي: واثبتوا على عبادتها متحملين لما تسمعونه في حقها من القدح.
وفي التأويلات النجمية: يشير إلى أن الكفار إذا تراضوا فيما بينهم بالصبر على آلهتهم فالمؤمنون أولى بالصبر على عبادة معبودهم والاستقامة في دينهم بل الطالب الصادق والعاشق الوامق أولى بالصبر والثبات على قدم الصدق في طلب المحبوب المعشوق.
{إِنَّ هَذَآ} تعليل للأمر بالصبر أو لوجوب الامتثال به؛ أي: هذا الذي شاهدناه من محمد من أمر التوحيد ونفي آلهتنا وإبطال أمرنا.
{لَشَىْءٌ يُرَادُ} من جهته عليه السلام إمضاؤه وتنفيذه لا محالة من غير صارف يلويه ولا عاطف يثنيه لا قول يقال من طرف اللسان، أو أمر يرجى فيه المسامحة بشفاعة أو امتناع، فاقطعوا أطماعكم عن استنزاله عن رأيه بواسطة أبي طالب وشفاعته وحسبكم أن لا تمنعوا من عبادة آلهتكم بالكلية فاصبروا عليها وتحملوا ما تسمعونه في حقها من القدح وسوء المقالة هذا ما ذهب إليه المولى أبو السعود في الإرشاد.
وقال في تفسير الجلالين: لأمر يراد بنا ومكر يمكر علينا.
وقال سعدي المفتي: وسنح بالبال أنه يجوز أن يكون المراد أن دينكم لشيء يستحق أن يطلب ويعض عليه بالنواجذ، فيكون ترغيبًا وتعليلًا للأمر السابق.
ويقول الفقير أمده الله القدير بالفيض الكثير ويجوز أن يكون المعنى: أن الصبر والثبات على عبادة الآلهة التي هي الدين القديم يراد منكم فإنه أقوى ما يدفع به أمر محمد كما قالوا نتربص به ريب المنون، فيكون موافقًا لقرينه في الإشارة إلى المذكور فيما قبله أو أن شأن محمد لشيء يراد دفعه وإطفاء نائرته بأي وجه كان قبل أن يعلو ويشيع، كما قيل: علاج واقعه بيش از وقوع بايد كرد، ودل عليه اجتماعهم على مكره عليه السلام مرارًا فأبى الله إلا أن يتم نوره.
{مَا سَمِعْنَا بِهَذَا} الذي يقوله من التوحيد.
{فِى الْمِلَّةِ الآخِرَةِ} ظرف لغو سمعنا؛ أي: في الملة التي أدركنا عليها آباءنا، وهي ملة قريش ودينهم الذي هم عليه، فإنها متأخرة عما تقدم عليها من الأديان والملل.
وفيه إشارة إلى ركون الجهال إلى التقليد والعادة وما وجدوا عليه أسلافهم من الضلال وإخطاء طريق العبادة.
والملة كالدين اسم لما شرع الله لعباده على يد الأنبياء ليتوصلوا به إلى ثواب الله وجواره فإطلاق كل منهما على طريقة المشركين مجاز مبني على التشبيه.
{إِنَّ هَذَآ} نافية بمعنى ما {إِلا اخْتِلَاقٌ}.
الاختلاق دروغ كفتن ازنزد خود؛ أي: كذب اختلقه من عند نفسه.
قال في المفردات: وكل موضع استعمل فيه الخلق في وصف الكلام، فالمراد به الكذب ومن هذا امتنع كثير من الناس من إطلاق لفظ الخلق على القرآن، وعلى هذا قوله: أن هذا إلاَّ اختلاق.
{عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا بَلْ} ونحن رؤساء الناس وأشرافهم وأكبرهم سنًا وأكثرهم أموالًا وأعوانًا وأحقاء بكل منصب شريف ومرادهم إنكار كون القرآن ذكرًا منزلًا من الله تعالى.
وأمثال هذه المقالات الباطلة دليل على أن مناط تكذيبهم ليس إلا الحسد على اختصاصه عليه السلام بشرف النبوة من بينهم وحرمانهم منه وقصر النظر على متاع الدنيا وغلطوا في القصر والقياس.
أما الأول فلأن الشرف الحقيقي إنما هو بالفضائل النفسانية دون الخارجية.
وأما الثاني فلأن قياس نفسه عليه السلام بأنفسهم فاسد إذ هو روح الأرواح وأصل الخليقة، فأنى يكون هو مثلهم وأما الصورة الإنسانية فميراث عام من آدم عليه السلام لا تفاوت فيها بين شخص وشخص نعم وجهه عليه السلام كان يلوح منه أنوار الجمال بحيث لم يوجد مثله فيما بين الرجال.
وفيه إشارة إلى حال أكثر علماء زماننا وعبادهم أنهم إذا رأوا عالمًا ربانيًا من أرباب الحقائق يخبر عن حقائق لم يفهموها ويشير إلى دقائق لم يذوقوها دعتهم النفوس المتمردة إلى تكذيبه، فيجحدونه بدل الاغتنام بأنفاسه والاقتباس من أنواره ويقولون أكوشف هو بهذه الحقائق من بيننا ويقعون في الشك من أمرهم كما قال تعالى: {بَلْ هُمْ في شَكٍّ مِّن ذِكْرِى} أي: القرآن أو الوحي بميلهم إلى التقليد وإعراضهم عن النظر في الأدلة المؤدية إلى العلم بحقيته وليس في عقيدتهم ما يجزمونه فهم مذبذبون بين الأوهام ينسبونه تارة إلى السحر وأخرى إلى الاختلاق.
وفيه إشارة إلى أن القرآن قديم لأنه سماه الذكر ثم أضافه إلى نفسه، ولا خفاء بأن ذكره قديم، لأن الذكر المحدث يكون مسبوقًا بالنسيان، وهو منزه عنه.
{بَل لَّمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} في لما دلالة على أن ذوقهم العذاب على شرف الوقوع، لأنها للتوقع؛ أي: بل لم يذوقوا بعد عذابي، فإذا ذاقوه تبين لهم حقيقة الحال.
وفيه تهديد لهم؛ أي: سيذوقون عذابي فيلجئهم إلى تصديق الذكر حين لا ينفع التصديق.
وفيه إشارة إلى أنهم مستغرقون في بحر عذاب الطرد والبعد ونار القطيعة لكنهم عن ذوق العذاب بمعزل لغلبة الحواس إلى أن يكون يوم تبلى السرائر فتغلب السرائر على الصور والبصائر على البصر، فيقال لهم: ذوقوا العذاب، يعني: كنتم معذبين وما كنتم ذائقي العذاب، فالمعنى: لو ذاقوا عذابي ووجدوا ألمه لما قدموا على الجحود دل على هذا قوله عليه السلام: «الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا». اهـ.